نشرت فى الدستور
27-7-2005
فزورة: كيف تميز “رائحة” الحزب الوطنى؟
“مجلس الشعب”.. “مجلس الشورى”.. من الأسماء
الحركية للحزب الحاكم التى يدير من خلالها البلد!
جاءنى يشكو من كذا وكيت، (أى شكوى نفسية من التى يرددها الناس بلا داع غالبا: اكتئاب على قلق على قلة نوم، على كلام من هذا)، قدمه لى صديقه المهندس – قائلا إنه معرفتى من قديم. لبستُ وجه الطبيب!، شكرت للباشمهندس ما قال عنى، فمضى يعرفنى بصديقه “المهم” وكيف أنه نصحه باستشارتى ، ثم راح يؤكد أهميته تفصيلا بأنه: رجل أعمال، ومقاول، ووكيل شركات.، فلم أفهم جيدا.
منذ أوائل الثمانينات وأنا لا أفهم ماذا تعنى تلك الصفة “رجل أعمال”، وكنت حين أستفسر من بعضهم يرد باشياء أصعب علىّ: مثل “تصدير واستيراد”. يقولها متلكئا متلفتا أحيانا، فيزيد شكى وجهلى، ولا أعلن ما خطر لى أنه : يعنى “ماذا؟ ولا مؤاخذة.
نرجع مرجوعنا لصديقنا الباشمهندس الذى أضاف لصفات صاحبه أنه أيضا عضو فى مجلس الشعب. زاد عدم فهمى وأنا أربط بين عضوية مجلس الشعب، و”أعمال الرجل” الذى هو “رجل أعمال!!. رحت أبذل جهدا لاكتشاف علاقة الحصانة، بالمتانة، بالفتاكة، بالحتاكة، بالأعراض النفسية (برضه ولا مؤاخذة)، برجال الأعمال، بالتصدير بالاستيراد، بالشركات. لاحت لى علاقة ما، لكننى لم أستطع تحديدها بما يفيد الموقف.
قلت لصاحب الشكوى : إن كان الأمر كذلك وعندك كل هذه الأعباء، فإن ما تشكو منه ربما يكون مرتبطا بكثرة الأعمال، وفـرط الانشغال، وسعار التنافس..إلخ. ثم استطردت أسأله عن دوره فى مجلس الشعب، فانبرى الباشمهندس يصحح : لا، هو ليس عضوا بعد، لكنه سيكون عضوا فى الدورة القادمة، راجعت نفسى فمدى علمى أن أعضاء مجلس الشعب يُنتخبون من الشعب!، وبالتالى لا يمكن أن يكون الأمر هكذا، وكأنه يخبرنى بسفره للتصييف فى اليونان، سألت: ومن أين هذه الثقة ؟ لم يرد ردا مباشرا.
هنا، شممت تلك الرائحة: شممت رائحة ما يسمى الحزب الوطنى، نعم هى !!!.
عدت إلى صاحبنا وأنا مشفق عليه – أى والله – قلت: أنت تشكو من كذا وكيت، وناجح فى أكثر من مجال من مجالات رجال الأعمال، وأنت ما زلت فى منتصف العمر، تزداد نجاحا فى كل موقع، فلماذا تزيد أعباءك بهذا الترشيح حتى لو ضمنت النجاح؟ أجاب : حتى أخدم أبناء دائرتى. أرجعت نفسى إلى الالتزام بحدود مهنتى، فمضيت أكمل : ” إن مهمتك فى مجلس الشعب قد تفاقم حالتك التى جئت تستشيرنى من أجلها، وما لم تكن هناك ضرورة ملحة، وفائدة أكيدة لك أو لناسك أو لوطنك، لا يقوم بها إلا أنت، فلا داعى لهذه الخطوة الآن على الأقل. أحسست أنه لم يسمعنى أصلا، وأنه مصمم بغض النظر عن حالته.
أنا لم اشك فى أمانة هذا الرجل الطيب ولا فى حسن نيته، بل إننى أحببته واحترمت شكواه، فلم أتحفظ فى الاقتراب منه، فرحت أواصل إقناعه بالعدول أكثر فأكثر، وهو”إلا” و”أبدا” و “لابد”. أكملت سائلا : كيف هو واثق من نجاحه هكذا، حتى اعتبره صديقنا الباشمهندس حقيقة وقعت وانتهت، وليست احتمالا قائما (راجع خطاب الرئيس المنشور يوم الخميس 21 الجارى، فسوف تعرف أنه قد تم انتخابه هو أيضا بالسلامة، مبروك). نظر الرجل إلى بإشفاق ولم يرد، فتأكدت من مصدر الرائحة إياها، ابتسم صاحبنا وكأنه يشفق على أو يعجب من بلاهتى، فغمرت خياشيمى الرائحة حتى كادت تكتم أنفاسى ، هل للأحزاب رائحة متميزة هكذا؟ تذكرت رواية العطر لزوسكندد، “قصة قاتل”، وقلت : ربنا يستر.
كل ذلك حدث غصبا عنى، فأنا لا علم لى أن عندنا حزب سياسى بهذا الاسم “الحزب الوطنى” . هذا إذا حاولنا مراجعة التعريف الإجرائى لكلمة حزب. إن ما يصلنى حين أسمع هذا الاسم (الحزب الوطنى) هو أنهم يتكلمون عن مؤسسة خاصة، مؤجرة لحساب مجهول، تدير البلد بأسماء حركية،( مثل: مجلس الشعب، ومجلس الشورى ، ومناظر من هذه) ، أما الحزب السياسى، فمدى علمى أنه شىء آخر (لاحظ أننى فى العقد الثامن من عمرى). لم اصرح بأى من ذلك لصاحبى.
كتبت له وصفة كالتالى : أنا لا أعلم دواء يطفئ الطمع، وعليه أن يختار. (لم أقل يختار ماذا).
لم أكتب له أننى أيضا لا أعرف ما فائدة كل هذه الأسماء الحركية من الحزب الوطنى إلى مجلس الشعب، وأن الأفضل لحالته، أو ربما لحالتى شخصيا (يبدو أنها أصعب) أن نسمى الأشياء بأسمائها.
هل عند أى من القراء أسماء بديلة (غير تاريخية) ، أسماء بلا رائحة، أو برائحة الكاتشاب!!.