نشرت فى الدستور
23 / 7 / 1997
فرض لقراءة التاريخ
حين كنت أسمع الحديث الشريف أو الأثر السائر فيما معناه: “إن أحدكم ليعمل عمل أهل الجنة حتى لا يكون بينه وبينها إلا ذراع فيعمل عمل أهل النار فيلقى فيها” كنت أقف طويلا، وخاصة حين أقرأ سورة الزلزلة “فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره” إذن كيف أقرأ هذا بجوار ذاك؟
لا أستطيع الرفض، ولا أقدر على الفهم، وأنتظر وعيا أعمق يحل لى المسائل.
وقد سألت نفسى أى القاعدتين نطبق ونحن نراجع موقف المدافعين عن عبد الناصر بأنه كله تمام التمام اللهم إلا - ولا مؤاخذة – خطأ هزيمة يونيو التى هى ليست هزيمة ولا حاجة بل نكسة، وقد اعترف بها، والمسامح كريم أو: ونحن نراجع موقف المدافعين عن السادات بطل الحرب والسلام وأنه لم تأت به ولادة فى الدهاء والوطنية ، ثم إنه لما عمل عملة سبتمبر المشئومة فى آخر أيامه، حين جمع كل الناس من كل لون ومذهب، كان مخطئا بلا شك، وإيه يعنى غلطة يغفرها له التاريخ مقابل تحريره كل شبر من أرض الوطن.
وفجأة فتح الله علىّ بأن تقييم الفرد وحسابه - خاصة إذا كان زعيما- لا يكون برصد عدد النجاحات مقابل خطأ واحد، أو عدد الأخطاء مقابل نصر رائع، وإنما هى تبدأ بالنظر فى أصالة الموقف، ودوافع التوجه، قبل وبعد كل شىء، وأفصل هذا الفرض الذى حل لى الإشكال كالتالى:
إن أعمال فرد بذاته قد تبدو أعمالا مجيدة ووطنية وبطولية وقومية وتحريرية وكل حاجة، فنصدق أنها نابعة من شخص مجيد وطنى بطل قومى تحريرى آخر تمام، وقد يكرم الله هذا الشخص ويموت وهو لم يختبر، فتظل هذه صورته عبر التاريخ، أما لو أنها فلتت منه، أو أنه دخل امتحانا لم يستعد له، فظهر على حقيقته الداخلية، فقد يثبت أن كل ذلك لم يكن كذلك، وإنما كان بدوافع شخصية أخرى، ظهرت على حقيقتها حين دخل الامتحان الصعب، وأدركت من هذا الفرض أن الحق سبحانه والتاريخ لا يحاسبان الفرد مثقال ذرة بمثقال ذرة إلا إذا كان العمل خالصا لوجهه تعالى ولـما ينفع الناس، أما إذا كان الخطأ الأخير دال على خراب الداخل، وتفرد الشخص، وفرعونية التواجد، فإن كل ما بدا حسنا يلقى فى وجهه ما دام قد رسب فى الامتحان الأخير.
فعبد الناصر الذى هـزم فى يونيو ولم نحاسبه حيا بعد اعترافه الصريح، هو هو الذى قام بأعمال أهل الجنة، لكن يبدو أنها لم تكن خالصة لوجه الحق، وإلا لما سقط فى الامتحان الأخير.، والسادات الذى غامر وتحمل اتهامات الخيانة من أجل وطنه هو هو الذى عملها فى سبتمبر، فرسب أيضا فى الامتحان الأخير، فظهرت شكوك حول المغامرة وأنها لم تكن خالصة لوجه الوطن.
طبعا أنا أشعر بالخجل وأنا أهز الرجلين العظيمين هكذا، والأرجح أنه فرض لا يمكن إثبات صحته ببساطة، ولكنه قد يكون صالحا للدعوة لطريقة أخرى فى قراءة التاريخ: أليست تعتعة.