الاهرام 31/5/2004
عولمة الفن وعولمة القتل
حين وصلتنى أنباء فوز الفيلم الوثائقى فهرنهايت11/9 للمخرج الأمريكى مايكل مور بالسعفة الذهبية فى مهرجإن كان، رحت اتساءل: من الذى يمثل امريكا الان؟ هذا المخرج الجميل، ام السيد رامسفيلد؟ ام الجنرال المصون جانيس كاربنيسكي؟ ام تشومسكي؟.. من الذى يمثل امريكا الدولة؟ ومن الذى يمثل امريكا الحضارة؟ ومن الذى يمثل امريكا مافيا شركات السلاح والبترول والدواء؟.
بعد كل ماحدث من تواصل واتصال عبر العالم دعونا نسال سوالا اولى واسبق: هل يمكن الحديث الإن عن حضارة غربية أو حضارة امريكية اوحضارة اسلامية أو حضارة كونفوشيوسية الا من منطلق تاريخى لا اكثر؟ ليس معنى ذلك إن تنوع الثقافات قد ذاب أو انة ينبغى إن يذوب، لكن معناة اننا عبر العالم نتجة معا إلى وضع تقوم فية كل ثقافة باستخراج افضل ماتبقى فيها من تاريخها، لتصب فى الحضارة المتخلقة معا من ثقافات مختلفه. نحن نخاف من الاستسلام لمقولة إن العالم اصبح قرية صغيره، وعندنا كل الحق فى هواجسنا تلك بعدما راينا ونرى كيف تحول امل الحضارة المزعومة وبداياتها الطيبة فى امريكا الوعد تحول إلى عضلات القوة الغاشمة لامريكا الوغد وبعد إن انكشف النموذج الذى قالوا لنا انهم زرعوة فى ديارنا ليعلمنا اصول التمدن والديمقراطية والحداثه، حتى تبين لنا انة ليس الا القتل والقهر والاذلال والاستهانه، بل والابادة حتى احتمالات التطهير العرقى؟
ما الحكاية بالضبط؟ من يمثل ماذا؟
بعد إن تراجعت سلطات الدولة امام الغيلإن المتمثلة فى الشركات العملاقة العابرة للقارات، والعابرة للاخلاق والقيم والتاريخ، لم نعد نعرف من الذى يدير شئون العالم، لكننا رحنا نتعرف بثقة متزايدة كل يوم اكثر فاكثر على قوى ومنظومات الحضارة الحقيقية تحت التشكيل، وهى تتجمع إلى بعضها البعض، لتنقذ البشرية مما تنحدر اليه.
إن من يقارن فرحة المجتمعين فى كإن وتصفيقهم لمدة ربع ساعة متصلة للفيلم الوثائقى الفائز بالسعفة الذهبيه، يقارنة بذلك الوجة القاسى الميت بالضحك الحاقد على وجوة المعذبين فى سجن ابوغريب، لابد إن يتساءل: هل ينتمى هولاء واولئك إلى نفس النوع من الاحياء( النوع المسمى حتى الإن بالجنس البشري)؟ ثم دعونا نتساءل: من الاقدر على الحفاظ على استمرار هذا الجنس كما خلقة الله، وعلى الحفاظ على ماحقق من انجازات، وعلى مايعد من تطور: هل هو ديك تشينى وتابعة بوش وفريقهما، ام هنرى مور والطفل الياباني( ياجيرا يونا) الفائز ايضا فى كإن وفرقتهما؟.
العولمة المعروضة علينا، أو المفروضة علينا، بالسلاح والاعلام المضلل، والقهر والتخلص ممن لايضرب تعظيم سلام ويهرول، هى غير بل ضد العولمة التى اعلنها مهرجإن كإن بجوائزة الممتدة من رومانيا إلى كوريا الجنوبيه، ومن الصين إلى تايلاند، مرورا بفرنسا اكثر من مرة دون استثناء المخرجة الاسرائيلية الفائزة التى دافعت عن حقوق الفلسطينيين بشجاعة لا تنكر؟.
هذا الفن العظيم الذى يسهم فى تشكيل وعى الجنس البشرى هو الذى سوف يمكث فى الارض مهما عذبوا وابادوا وافسدوا كل القيم، حتى قيمة العدل. جرتنى هذة المقارنات بين الفرحة الجميلة فى كإن والضحك السادى فى ابوغريب إن ارى لجنة التحكيم فى كإن ايضا فى مقابل قضاة محكمة اسرائيل العليا الذين حكموا بمشروعية ازالة المساكن فى رفح وتشريد قاطنيها وقتل اطفالهم.( فى نفس التوقيت تقريبا) ايضا قفزت إلى وعيى مقارنة تهنئة شارون قادة جيشة الذين اغتالوا الشيخ ياسين دون محاكمه، بالتهنئة التى قدمها كل المشاركين فى كإن لهنرى مور.. ياه!!!
اعتدت سرقة بعض الجوائز لنفسى من مستحقيها ومانحيها على السواء. احسست الإن بإن شخصى أنا هو الذى حصل على السفعة الذهبيه، كما احسست من قبل باننى حصلت على نوبل محفوظ( وليس زويل). لكننى عزفت تماما عن سرقة جائزة محمد عطية فى ستار اكاديمي( لا اظن إن السبب هو السن على أى حال).