الدستور
10-2-2010
تعتعة الدستور
عن عمق الفرحة، وسرقة النجاح (1 من 2)؟
لا يوجد أجمل من الفرحة الحقيقية، بمشاركة حقيقية، لنجاح حقيقى، ومع ذلك فمسئولية ما بعد النجاح قد تكون أكبر من مسئولية ما بعد الفشل، والتمتع بالحق فى الفرح قد يكون أصعب من الاستغراق فى “زن الغم”!!
تعودنا فى مصر بالذات ألا نفرح طويلا، وربما هذا ما يجعلنا نردد بسرعة حين نضبط أنفسنا متلبسين بالفرحة “اللهم اجعله خير”، وهذا ليس عيبا فى ذاته، ربما كان فيه بعض التذكرة بألا نتمادى فى فرحة غير مبررة، أو تنبيها ألا نفرح جدا على حساب الغير، أنا لا أحاول أن أحرم أحدا من فرحته بالفوز، لكننى فقط أتمنى أن نحجّم قيمتها، ونعمق آثارها إلى ما بعدها.
كثيرا ما أسأل بعض أصدقائى المرضى: “إنت آخر مرة ضحكت من قلبك إمتى؟”، وعادة ما يفاجأ المريض بالسؤال برغم بساطته، وقد يسأل “ماذا تعنى بـ “من قلبك”؟ فأقول له من قلبك يعنى من قلبك، يعنى ضحك بفرحة، حتى بدون سبب، فيسكت ويتردد، وقد لا يجيب بعد أن كان مستعدا للإجابة بتحديد وقت أخر ضحكة وعادة سببها، لأنه يكتشف أن الضحك من القلب يحتاج لفرحة تملؤه أكثر مما يحتاج إلى قهقهة ترجرجه، أو قفزة تنط به.
هذا يجعلنا نقف طويلا أما هذه المظاهر الزائطة الغامرة، لا لنرفضها أو لنحرم أصحابها من حقهم فيها، لكن لنرى كيف يمكن أن ينقلب الصراخ والتنطيط رقصا جميلا، وأن نتمسك بفرحة تملؤنا حياة نابضة قادرة فاعلة ونحن معا. إن لم يحدث ذلك، ولم نر أثره فى سائر ما بعد النجاح والفرحة، فعلينا أن نعيد النظر فى أمور كثيرة.
ننظر مثلا معا الآن فى قيمة النجاح، ونأخذ هذا المثل الأخير وهو الفوز بكأس الأمم الإفريقية فهو نجاح بكل المقاييس، سواء كنتَ كرويا وشاهدت جمال الأداء، وقوة العزم، وتكاتف الجماعة، وأبوة القائد، أو كنت مثلى منتسبا لما يجرى يحصل على النتيجة من أصوات الشارع تصله رغما عنه كلما سجل فريقنا هدفا، فيشارك ناسه بما تيسر، نتأمل ما جرى ويجرى بعد النجاح فنكتشف أن الناجح إن لم تتح له الفرص ليستثمر عائد نجاحه لنفسه ولناسه، فهو عرضة لأن تنقض عليه قوى سلطة ما، شبه دينية (فريق الساجدين) أو سياسية، أو انتهازية تجارية كمية (المكافآت العملاقة وسوق رقيق اللاعبين)، وكل ذلك خليق بأن يسحب الفرحة من تحت قدمى ويحرمه من امتلائه بإنجازه وإنسانيته لنفسه، وناسه.
هذه القضية، سرقة النجاح من صاحبه، وتشويه الفرحة دون تعميقها بما تستحقه، ليست قاصرة على مجال معين، إنها شديدة التواتر مثلا فيما نسميه أزمة التوقف أو الفشل الدراسى لطالب (أو طالبة) كان متفوقا جدا (وهى تظهر بوجه خاص فيما نسميه أزمة الثانوية العامة). التفسيرالأغلب لهذه لوقفة المتفوق هذا هو أن الوالدين (السلطة) كانوا يستعملون هذا الإبن كمشروع استثمارى، وكانوا يقبضون عائد تفوقه أولا بأول، منذ السنين الأولى فى الدراسة، دون أن يعود عليه نجاحه هو ليملأه بحقه فى أن يُرى بما هو، وليس فقط باعتباره كتابا مصقولا، وحين يكتشف داخل هذا الفتى تلك الخدعة، (لا شعوريا)، ينام فى الخلط، ليكف أهله عن استعماله هكذا، فيفشل، لكنه للأسف هو الذى يدفع ثمن فشله، وهات يا مرض، وهات يا أزمة ثانوية عامة …إلخ
هذا ماصورته يوما فى أرجوزة للأطفال، وقد اقتطفت نهايتها بعد أن حوّرتُها إلى ما يناسب الجارى من اقتناص فوز فريقنا لأغراض سلطوية، (دينية أو سياسية أو … كما ذكرت فى البداية):
……………
النجاح دا زى عربيَّة جميلة
تبقى حلوة، لو أسوقها،
مش تدوسنى
نفِسى فِى عواطف أصيلة
مش تبوسنى:
لما أنجح
وابقى صفر عالشمال
لو فى يوم جه بختى مال
آنا مش مشروع تجارى
خللى بالك ماللى جارى
أنا مش شقة وعاوزة خلو رجل
جهدى مش صندوق علف تسمين لعجل
لو تبيعنى وتشترينى
أنا مش لاعب. ودينى
آنا حاهدمها عالِيهـَا فْى واطيها
بس يا خسارة !! دانا اللى كنت فيها
كنت فاكر إنى لمّا اسحبْ نجاحى
من جنابك لما سلمتـك سلاحى
إن انا بالشكل ده خلصت تارى
آتاريها جت فى قلبى، آه يانارى
أنا نفسى إنى أنجح، آهْ لـِنَفْسِى،
وانت تفرحْ، عـَالىَ حسِّى
بس لو حاولت تاخد منى جهدى
لجل ما ترسم لنفسك صوره قدّى
تبقى مش واخد لى بالك
إن ما ينفعشى أنجحْ لـَكْ بدالكْ
العرق عمرهْ ما يتحول لبودرهْ
حتى لو شرَّبت ناسْـنا حاجة صفرهْ
…..
وللحديث بقية.