“يوميا” الإنسان والتطور
22-7-2008
العدد: 326
ملف الحب والكره
تراجع أم مراجعة؟ (1 من2)
عن “الكره” و “الكراهية”
خبرة شخصية حديثة !!
مقدمة:
يبدو أن المسألة تزداد صعوبة من واقع الممارسة
حمدت الله أننى أجلت النقاش إلى مابعد إتاحة الفرصة للاستجابة لأكبر قدر من الألعاب، خاصة العشرين لعبة الخاصة بالحب، التى نعيد نشرها كملحق لنشرة الغد الجزء الثانى من المراجعة، لأنه لم يصلنا حتى الآن سوى خمسة مشاركات. كما ننشر بالإضافة اليوم العشر لعبات الجديدة عن الكره، كملحق خاص.
نأمل بعد كل ذلك أن نقر أننا بصدد “منهج مختلف” ليس بالضرورة أكثر مصداقية، أو أدق رصدا، وإنما ما وصلنى حتى الآن هو أن هذا المنهج يكشف عن بعد “آخر” للظاهرة التى نسميها “العواطف” أو “الوجدان“.
خبرة شخصية مررت بها هذا الأسبوع، نبّهتنى إلى أن ثمة علاقة بين ما أحاول توصيله فيما يتعلق “بكلية المعرفة” و”نوعية الوجود”، وبين حدود المنهج الذى نحاول معاً استكشاف أبعاده
تزداد المسألة صعوبة، فعلا، وهذا جيد، لكنه أمر يحتاج تحمل ومراجعة حتى تتضح الأمور بشكل مقبول، ولو نسبيا.
حين هممت أن أكتب نظرية عن العواطف (أو الانفعال.أو المشاعر.أو تطور الوجدان..إلخ – لاحظ الترادف المزعج) سنة 1974 تعجبت من، ثم أعجبت بـ سيجموند فرويد حين اكتشفت أنه لم يكتب نظرية مستقلة عن ما يسمى الوجدان (أو الانفعال أو العواطف..)، كما أن كارل يونج كاد يعتبر أن مجرد ظهور الانفعال مستقلا هو فى ذاته أمر غير طبيعى، فلم يفرد له ما يختص به. فى أطروحة جان بول سارتر”نظرية فى الانفعالات”(1)، اختلطت المسائل – عندى- ولم تزدنى نظريته إلا رفضا للتنظير، فلماذا أحاول أنا التنظير بعد كل ذلك؟
رحت أقلب فى كراساتى التى كُتبت بالقلم الجاف سنة 1974 الواحدة تلو الأخرى ووجدت اتساقا مهما، وتنظيرا يبدو منطقيا، بدءا بالرجوع للمعاجم العربية أساسا، ثم انطلاقا من التعريف المعجمى بالنسبة لكل عاطفة، ثم توقفت بعد أن كتبت أربعة كراريس بالتمام والكمال، ويبدو أنى كنت محقا فى التوقف.
هل يمكن أن أرجع سبب هذا التوقف إلى أنه فعلا موضوع لا تجوز الكتابة فيه أصلا؟
ربما.
لكن لو أننا تخلينا عن مسئولية المحاولة، فعلينا أن نرضى بالمناهج القائمة، مهما بدت قاصرة أومُعَقْلنة.
من أولويات هذه النشرة، ومن قبلها مجلة “الإنسان والتطور”، أن نجتهد فى “نقد النص البشرى”، بمعنى النقد الأشمل، بما يشمل الاشتراك فى إعادة إبداعه، ومن أهم التجليات الواجب نقدها ما شاع عن النص البشرى فيما يتعلق بما يسمى العواطف أو الوجدان فى كل من المرض والصحة؟ يكفى ما شاع عن الدعوة لترك القلق، والتنكر للعدوان، ووصم “الحزن” (برغم حتميته الرائعة اللازمة لإعلان صعوبة العلاقة بالآخر فى وعى الطرفين، مع الحركة المستمرة) ووصمه “بالاكتئاب” بالمعنى السلبى، ثم الكلام عن ذكاء العواطف بتوجيهها للاستعمال من الظاهر للتواصل الدمث والتشكل، كل هذا ومثله يتجه بنا إلى مزيد من الاختزال أو التجزىء أو التسطيح فيما نحن بصدد محاولة سبر غوره.
إذن: لا مفر من التجريب
ولا مهرب من أن نضع نتائج التجريب – فى حدود منهجها- فى إطارالتنظير الممكن مرحليا مع الاستعداد للتراجع والمراجعة باستمرار.
خبرة شخصية
حين أعدت قراءة الفرض (يومية16-7-2008) الذى قدمتُه مترددا ليغطى بعض جوانب القضية المطروحة، رحت ، بدون قصد أطبق بعض ما طَرَح من افتراضات نبعت من الاستجابة للألعاب، وخصوصا استجاباتى شخصيا على مرتين (يومية 24-6-2008)، ووجدتنى عاجزاً عن تصديقها، رحت أتعجب من نفسى وأنا أتساءل مثلا:
o هل كان ادعائى السابق أننى غير قادر على كره أى أحد بالمعنى الشائع، هل كان هذا الادعاء كذبا على نفسى طول هذا العمر؟
o إذا كان الأمر كذلك، فهل ما أظهرته اللعبة (ربما رغما عنى كما اعترفت د.أميمة رفعت وآخرون) هو مجرد لعب استدُرجنا إليه دون قصد؟
o وإذا كان الكره طبيعة بشرية كما زعم الفرض، فلماذا لا نرصده فى الأطفال بشكل واضح، يتناسب مع كونهم أقرب إلى الطبيعة البشرية (لم يتشوهوا بعد بقدر كاف)؟
هذا التساؤل كان يخطر لى وأنا ألعب مع أحفادى فى البحر، وليس فقط على شاطئه، خاصة وأن البحر، وليس شاطؤه هو أقرب إلى الطبيعة البشرية، أليس كذلك؟ واستسمحكم أن أؤجل الحديث فى هذه الخبرة إلى نشرة الغد)
o وأخيرا: هل يمكن بدورنا، لو أن الكره طبيعة بشرية جدا، أن نكره الأطفال؟
وأسئلة أخرى كثيرة جعلتنى أفتح الباب مرحِّبا بكل رأى ونقد بدءا بنفسى
ثم علىّ أن أعترف بأنه قد طال التأجيل لعرض الآراء التى وصلتنى، وأن أقرّ أنى أتمادى فى رفض التعليق والمناقشة حاليا، مع أن كثيرا من الآراء التى وصلتنى مفيدة وحاسمة، لكن يبدو أن المنهج لم يتضح بدرجة كافية لأغلب من شارك بالنقد والرأى، خصوصا لمن لم يمارسه بنفسه المرة تلو الأخرى، كما يبدو أن هذا المنهج، “الكشف باللعب” له مستويات مختلفة أشرت إلى أغلبها سابقا لكننى أعيد التنبيه إليها وغيرها للأهمية:
المستوى الأول : الاستجابة الشفاهية المباشرة، دون أدنى معرفة مسبقة بنص الألعاب واحدة واحدة
المستوى الثانى : الاستجابة الكتابية السريعة المباشرة أيضا (باللهجة العامية كل حسب موطنه، شكرا للدكتور جمال التركى) حتى لو تمت قراءة نص الألعاب العشرة قبل الاستجابة الكتابية، لكن الشرط فى هذا المستوى لايزال أن تكون الإجابة سريعة ما أمكن ذلك (بأقل قدر من التفكير الوصىّ)
المستوى الثالث: الإجابة بتمعن ليس فقط فيما سوف نجيب به، وإنما فيما يتعلق بصياغة السؤال بما يشمل الاعتراض على الصياغة نفسها ونقدها، وربما اقتراح بديل لها (ومثل هذه الإجابات غير صالحة للجمع على سائرالإجابات السريعة التلقائية، مهما كان فيها من نقد صحيح ومفيد، فهى تنتمى إلى منهج آخر، لغرض آخر)
المستوى الرابع: الإجابة بالفصحى (وقد تناولنا ذلك من قبل من حيث تفضيل العامية، أما مغزى الفرق بين الإجابة بالفصحى والإجابة باللهجة المحلية فله عودة لاحقا)
المستوى الخامس: الإجابة على نفس الألعاب بعد فترة زمنية معينة (وصلت إلى أربع سنوات فى عرض خبرتى الخاصة فى يومية 24-6-2008)
المستوى السادس: الإجابة المطولة كالمقال، التى تتناول نص اللعبة”، وكأنه عنوان لمقال يمكن تصور محتواه، ثم مناقشته والرد عليه، وتعرية أغراضه، ..إلخ
المستوى السابع: التراجع عن أى من الاستجابات المبدئية التى تمت على أى مستوى معين، لصالح مستوى آخر مما ذكر، أو مما لم يذكر، أو إنكار ما تم خروجه تلقائيا تماما، وكأنه كان خطأ عن غير قصد!، أو خرج بالمصادفة، ثم تعديله، أو الانطلاق منه، أو قبوله وقبول الاعتراض عليه فى نفس الوقت، فيخرج جديدا، أو على الأقل يَعِدُ بجديدٍ ما.
بالله عليكم هل رأيتك أصعب من هذا المنهج؟
نعم، ما أصعب كل ذلك مقارنة بما يمكن أن يمارسه أى منا (كما اعتدتُ أن أفعل أنا أيضا ربما إلا قليلا بفضل مرضاى)
نحن – عادة– نعلن موقفنا أو معرفتنا عن أى ظاهرة كانت إما من (1) واقع ما قرأنا (أو عرفنا من أى مصدر)، أو من (2) واقع ما عايشنا وخبرنا، وخاصة إذا كان ذلك بوعى يقظ متعلم. إن كلا المصدرين : الاطلاع والخبرة هما من أهم مصادر معرفتنا ، وقد يتعارضان، وقد يتكاملان، ولا يمكن الاستغناء عن المصدر الأول (الذى يظهر فى الاستشهادات، والمقتطفات، والمراجع عادة)، ولا عن المصدر الثانى الذى تعتمد مصداقيته على درجة نضج صاحبه وعمق خبرته وموضوعية ذاته، وقدرته على التعبير عن معايشاته، ومع ذلك فيبدو أننا نحتاج إضافة جديدة من منهج جديد.
احترام كل المناهج والمستويات
ومع كل احترامنا لكل المناهج والمصادر والخبرات والمعارف، دعونا ننظر فى هذا المنهج الصعب الحالى فى حدود إمكانياتنا وإمكانياته
ومن بين إمكانياته وصعوباته تعدد مستويات قراءته، (نقده) بقدر تعدد مستويات الأداء (السبعة التى ذكرناها وقد تزيد) !!!
أقر وأعترف أن كل المستويات تهمنى دون استثناء، وينبغى أخذها فى الاعتبار إذا أردنا أن نصل إلى ما يزيد الأمر وضوحا وفائدة.
ولكن دعونا نبدأ بمنهجنا التجريبى الحالى، ليس ذلك لأنه الأفضل، لكنه لأنه المنهج التجريبى الحالى!
خذ مثلا يومية اليوم ، والتى يمكن إدراجها تحت المستوى السابع إلا قليلا، (مستوى: التراجع عن أى من الاستجابات المبدئية التى تمت..إلخ .
الجزء الأول: عن “الكره” و “الكراهية
خبرة شخصية حديثة
كرهٌ آخر
…..كان الوالد يجلس أمامى فى صمت، وابنه يجلس فى الكرسى المقابل، ليس متهيجا بمعنى التهيج المرضى المزعج أو المنذر، ومعهما عمه يجلس على الأريكة المسنودة للحائط، وهو يتكلم بهدوء يصف حالة ابن أخيه نيابة عن الوالد، والولد يرد بشكل مناسب نسبيا ضد انطباعى الأول حين دخوله، حيث قدّرت أنه فى حالة اضطراب شديد .
فجأة، وبدون أية إشارة أو داع أو تدخل من الوالد، رفع الولد (عمره حوالى 22 سنة) ذراعه اليمنى أعلى ما يستطيع وهوى به فى لمح البصر على صدغ الوالد الأيسر الجالس قبالته، نكس الوالد (56 سنة) رأسه وانسابت دموعه فى صمت، ( سوف أحكى ما جرى لى حالا- انتظر لو سمحت). أخرج الوالد بطاقة باسمه (كارت شخصى)، وقدمه لى عبر المكتب، والدموع فى عينيه، دون أن ينطق، قرأت فيه وظيفته المهمة، وعنوانه وهواتفه الكثيرة.
أنا أمارس هذه المهنة منذ نصف قرن وعام، رأيت مرضى فى أبشع حالاتهم، من أول القتلة حتى المضاجعين للمحرمات الصغيرات، والمنتهكين الأطفال والبنات العذارى، مرورا بكل أنواع الإدمان والنصب والانحراف، أكاد أجزم أن شعور الكراهية الذى اعترانى لرؤيتى هذا الحدث، بعد نصف القرن هذا، لم أمر به من قبل
(هل لذلك الوعى الحاد علاقة بفتح ملف الكراهية الآن هكذا؟ لست أدرى!!).
كرهت الشاب كرهاً لا مثيل له!
لم أتحرك، ولم أعلق بكلام محدد فيه زجر أو رفض، واستمر الفحص حتى اطمأننت إلى أن هذا الشاب مريض يحتاج دخول المستشفى – لأسباب إضافية موضوعية– خوفا عليه وعلى ذويه، ولم يشفع له ذلك –عندى فى داخل داخلى– أن يبرر لى ما فعله، وبالتالى لم يغير من الكراهية التى غمرتنى تجاهه (مع أننى أنا الذى قررت مدى شدة مرضه التى ألزمت دخوله المستشفى).
فى صباح اليوم التالى، عـُـرض علىّ هذا الشاب فى المستشفى مع كل الزملاء من هيئة المعالجين، ولم أجد مشاعرى قد تغيرت، مع أن الموقف المرضى الذى انتهينا إليه يمكن أن يبرر تصرفه من حيث التقييم التقليدى (غير مسئول ويعفى من العقاب !!) لكن ماذا أفعل فى مشاعرى هذه، وهى ليست المناطة بكتابة تقرير رسمى (طب نفسى شرعى) تحدد مسئوليته، نحن نكتب تقرير الطب النفسى الشرعى من واقع الوقائع والمستندات والتقييم الموضوعى الظاهر، وليس من واقع مشاعرنا وأحوالنا الخاصة. قد اضطر أن أكتب أن هذا الشاب غير مسئول قانونا لو وصل الأمر إلى تشكيل الواقعة بشكل قانونى يتطلب مثل هذه الشهادة، لكن تلك المشاعر التى غمرتنى تعلن أنه “مسئول ونصف”، مهما كتبت فى التقرير (الصعوبات تزداد!!! رأيت كيف؟)
حين غمرتنى كل هذه الكراهية، تذكرت بداية فتحنا هذا الملف هنا إثر ما أعلنته د. أميمة رفعت عن شعورها بالكراهية نحو مريضتها، ثم تذكرت أول أمس وأنا أرد على د. منير شكر الله تساؤله عن موقف الطب النفسى الشرعى من مريضته التى طاحت فى أهلها سبابا وتعديا ، ثم أقرت له أنها عملت ذلك بقصد وترصد، (يومية 13-7-2008) “حبيت أعمل لهم كارت إرهاب” ولما سألتها إرهابهم بماذا؟ أجابت بما معناه: عشان يخافوا ويمشوا.
بعد كل ذلك، ما زالت مشاعر الكراهية تغمرنى كلما عاودنى منظر الشاب وهو يصفع والده، نعم الكراهية بلا زيادة ولا نقصان، كراهية ليس لها أدنى علاقة بمسئوليته القانونية، ولا بما طرحنا من أبعاد ومناقشات أثناء إجراء ألعاب الكراهية.
هل هذه هى الكراهية التى نزعم أنها تغلف الحب، وأنها الخلفية التى تجعل الحب أكثر موضوعية، وأنها ليست إلا الوعى البشرى بغريزة العدوان التى هى –أساسا– برنامج بقائى منغرس فى تركيب البشر بالضرورة؟
طبعا لا
إذن ماذا ؟
الكراهية التى ملأتنى، والتى مازلت أشعر بها حتى هذه اللحظة هى غير كل ذلك،
ماذا هى إذن، مقارنة بحق الكره الذى ظهر فى ألعاب الكراهية؟
وكيف سأعالج هذا الشاب، (وأنا أقبض نقودا مقابل ذلك؟ مقارنة بالدكتورة أميمة والدكتور منير !!) كيف سأعالجه وأنا أحمل له كل هذه المشاعر التى كادت تصل إلى وعيى كأنها القتل ذاته (أنا لم أجد طول عمرى مبررا موضوعيا لقتل أى إنسان أيا كان حتى الآن، حتى فى الحروب اللهم إلا…)؟
راجعت كل خبرتى، أو عادت لى كل خبراتى، حتى ردى على د.أميمة الذى فتحت لنا هذا الملف الصعب هكذا، وحضرتْنى ردود كثيرة مفيدة ، علمية وخبراتية، ، طمأنتنى إلى احتمال نجاحى فى القيام بواجبى برغم كل ما اعترانى هكذا، وحتى الآن. ومع ذلك ما زلت على يقين مما يلى :
- إن الكراهية التى غمرتنى هكذا، هى ليست الكراهية التى تجلّت وتتجلى لنا من خلال منهج الألعاب الذى نحاول أن نكشف من خلاله أبعادنا الأخرى.
- إن الكراهية التى غمرتنى هكذا، هى منفصلة تماما عن كلية وجودى المسئول معالجا وإنسانا، مهما كانت مبرراتها من التعاطف مع الوالد المصفوع
- إن الكراهية التى غمرتنى هكذا، هى الخطوة الأولى، وليست الأخيرة فى سلسلة من العواطف والقرارات التى قد تساعدنى على القيام بواجبى
- إن الكراهية التى غمرتنى هكذا، لو لم تلحقها تلك “الكلية” التى أشرت إليها فى بند “3” هى القتل الإبادة العدم، (مرة أخرى، وهى غير الكراهية التى تكشفها معظم الألعاب)
- إن الكراهية التى غمرتنى هكذا، هى كراهية انعكاسية ردا على موقف معين، فهى منفصلة عن الوعى البشرى الكلى الخاص بوجودى، مهما كانت تبدو أخلاقية مُبَرَّرة بعقوق ابن لا يعفيه جنونه من مسئوليته الأعمق.
وأنا أكتب الآن، جاءتنى بعض آليات ترويض هذه الكراهية البشعة، لتصبح – ربما – أقرب إلى الكره الذى يكشفه منهج الألعاب (وليس إلى الكراهية التى وصفتُها حالا) ، ومن ذلك :
أولا: إن هذا الشاب قد كره والده بنفس نوع هذه الكراهية، ولا بد أن أُشهر فى وجهه نفس السلاح كخطوة أولى (مثلما نبرر تبرير الحروب –والقتل– بأنها ليست إلا دفاعا عن النفس)
ثانيا: يبدو أننى لم أكره الشاب بقدر ما كرهت الصفعة، ومع ذلك فلا أنكر أننى، وإلى أن شاهدته فى المرور صباح اليوم التالى مع الزملاء ، وإلى درجة أقل قليلا، وإلى الآن، لم أميز بين الشاب وبين الصفعة، وأنا أحاول أن أواصل محاولة عدم التمييز بين الجزء والكل، حتى لا أستسلم للمقولة التى نقدتُها فيما سبق، والتى تقول : “أحب الناس واكره طبعهم”، باعتبار أنها ومثلها هى بداية التجزىء الذى أرفضه إلا مرحليا.
ثالثا: إن الكراهية عن بعد، يمكن أن تستمر باعتبار أن المكروه (أو بقية “كلّ” المكروه) لم يعد فى متناول وعى الكاره، فلو أن هذا الشاب لم يدخل المستشفى، ولم أُصْبح مسئولا عن علاجه، فلربما استمر شعورى هذا كما هو مدى الحياة، (وهو نفس شعورى نحو بوش وشارون، والحمد لله أنه لا فرصة للاقتراب منهما أو علاج أيهما، فهما لا يستحقان أن يحصلا على صك المرض أصلاً مهما وُصِفوا بذلك، ولهذا تفصيل آخر)
رابعا: إننى لو نجحت أن تكون هذه الكراهية هى مجرد بداية (وهذا ما أتبينه فى هذه اللحظة وأنا أكتب، وليس قبل ذلك)، فقد أقتربُ بشكلٍ أو بآخر، مهما بلغ حجم الجهد المبذول، من الكره الذى يكشفه منهج الألعاب، ومن ثم تبدأ مسئولية العلاقة الأخرى، ومن ثّمَّ العلاج…إلخ
من هذه الخبرة بهذا التدرج أمكننى أن أطور هذه الجزئية من فرض الكراهية، بأن أميز – حتى تعسفا- بين الكره والكراهية (كما ميّزوا بين العدوان والعدوانية، مما سأرجع إليه فى حينه) أميز بينهما دون خشية نقد من موقف ساكن، فأنا مضطر كما هو واضح ، فثم عاطفتين تكادان تقعان على طرفى نقيض، وفى نفس الوقت نزعم أنهما واحد ، ونطلق عليهما نفس اللفظ.
هأنذا أجرؤ وأميز، وعلى التظلم أن يجد لنا حلا بديلا :
الكراهية: هى شعور انعكاسى عدوانى بدائى قاتل، يدفع المكروه بعيدا، ويهدف إلى إزالة وجوده، أى التخلص منه كله، بوعى انتقامى أولى (وعى الكر والفر) منفصل عن الوعى البشرى الكلى النامى.
أما الكره : فيبدو أنه ينطلق ابتداء من نفس الشعور الذى أسميناه حالا “الكراهية“، ثم يستمر لمدة قصيرة (حسب النضج من ناحية وشدة المثير من ناحية أخرى)، مدة تتراوح بين ثوان وأيام (مثل حالتى الآن) وربما أكثر، ثم لا يلبث أن تحتويه مستويات أخرى من المشاعر، (وليس بالضرورة من الأفكار والقمع والضبط والربط، وإن كان كل ذلك من العوامل المساعدة، اللهم إلا الإنكار التام Denial ومن البداية)
ثم نحن لا نتخلص من هذا الكره المبدئى البدائى (الكراهية) مهما بلغت خطورته أو بشاعته، وإنما تتغير طبيعته حين يصبح جزءا من كل غامض، قد نعجز أن نسميه حبا، وقد نسميه حبا استسهالا، وقد يكون غيرهذا وذاك، فيظل هذا الشعور يحمل هذا الاسم السىء السمعة (الكره) ، حتى لا يضيع وسط التبرير، والاستقطاب وادعاء عكسه.
هذا عن الكره والكراهية
فهل هناك ما يقابله بالنسبة للحب
نعرض بقية الخبرة الشخصية غدا وهى عن:
كيف اكتشفت تنويعات أخرى أكثر أصالة : تسمى أيضا الحب!!
ملاحظة واعتراف بفضل النقد
حين حكيت عن ماحدث لى من جرّاء صفعة الشاب لأبيه، علقت صديقة حكيت لها مشاعرى ورفضى لها، علقت على موقف الأب بأنه موقف مرفوض بالنسبة لها، الأمر الذى لم يخطر على بالى ساعتها، ربما بسبب تعاطفى الشديد مع كسرة الأب وإهانته أمامى هكذا،
لكننى احترمت تعليقها، وانتبهت إلى موقفى الأساسى من تحميل الضحية جزءا من المشاركة – بشكل ما فى الجريمة –
“تبقى جريمة عاملها اتنين،
كل جريمة عاملها اتنين،
ذنب المقتول ذنب القاتل،
أصله استسلم”،
ألست أنا قائل هذا الكلام منذ 1974 فى ديوانى “أغوار النفس”
ثم إنى سبق أن أشرت مرارا إلى إسهامات علم الضحايا victimology فى فهم العلاقة المتكاملة بين الجانى والمجنى عليه؟
أكتشف الآن أن فى هذا التنبيه من هذه الصديقة بعض ما أعاننى على حمل مسئولية هذا المريض ووالده برغم كل تلك المشاعر السالفة الذكر
متى تُُعلَنُ المراجعة، ومتى نراجع التراجع؟
لست متأكدا ما هو الوقت الأنسب:
أن أنشر مراجعاتى، وتراجعاتى أولا بأول؟
أم أن أنتظر حتى ننتهى من نشر الاستجابات للألعاب، وفحصها؟
أو حتى أن ننتظر لما بعد المناقشات؟
ما رأيكم؟
مبدئيا أذكّر الأصدقاء أننى فى يومية 16-7-2008 كنت قد استبعدت الأسوياء كمصدر أساسى لفحص هذه الفروض، ثم هأنذا اكتشف الآن أنه خطأ جسيم
خذ مثلا مراجعة هذا الزعم حين ندعى أن الأسوياء ليسوا عينة مناسبة لفحص هذه المسألة هكذا:
o أليس كل أو أغلب الذين شاركوا فى الألعاب هم من الأسوياء؟
o أليست هذه الخبرة الشخصية التى كتبت عنها حالا (وسوف أكملها غدا) هى خبرة أحد الأسوياء فى الغالب: (طبيبا اليوم، وجدّا غدا؟)
وغداً نكمل:
الملحق:
ألعاب جديدة عن الكراهية مستوحاة من لعبة: ”يمكن لما اعرف أكرهك….“
التى جرت أساسا فى العلاج الجمعى يومية 10-6-2008
1) أنا لو سبت نفسى تكره على راحتها يمكن …..
2) الكره طبيعة بشرية إنما أنا بقى…..
3) أنا خايف أفتش فى منطقة الكره دى أحسن ألاقى نفسى…..
4) لا .. لا … ! الطيب أحسن، كره إيه وبتاع إيه،.. دانا…..
5) أنا لو أحب حد بصحيح يمكن أسمح لنفسى أكره على شرط…..
6) هيّه تلصيمة ولاّ إيه؟! باحب آه، لكن بصراحة أقدر برضه أكره لدرجة انى……
7) أنا أحسن لى أصدّق إنى ما باكرهشى حد .. ما هو أصلى يعنى ……
8) وإيه يعنى لمّا أكره، ما أنا برضه…..
9) أنا مش قد الكره إللى جوّايا، وعشان كده …..
10) ياترى أنا مش عارف أكره، ولا خايف أكره؟ الظاهر إنى…..
وغدا نعيد نشر العشرين لعبة الخاصة بالحب مرة ثانية، حيث نشرة الغد المكملة هى “عن الحب وتشكيلاته وتجلياته”، خبرة شخصية أيضا كما ذكرنا.
[1] – جان بول سارتر (1960) “نظرية فى الانفعالات”. (ترجمة: سامى محمود على – عبد السلام القفاش). القاهرة: دار المعارف بمصر.
لا .. لا … ! الطيب أحسن، كره إيه وبتاع إيه،.. دانا….. بحبك وكلنا بنحبك يا دكتور يحيي
رحمة الله عليك
ويسكنك الفردوس