“نشرة” الإنسان والتطور
6-12-2008
السنة الثانية
العدد: 463
تعتعة
عن “القرار” ودعمه، بين الإرادة والمعلومات 1-3
الاسم شديد الإبهار، واعدٌ، محكم “مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار“، والجهة التى يتبعها هى أعلى جهة تنفيذية فى وطننا الطيب فى محنته الجارية، هذه المعلومة (أن أعرف أن ثَمَّ مركزا يدعم قرارات مجلس الوزراء) أبهجتنى: أصبحنا بلدا متحضرا (ولعلنا كنا كذلك دائما!! من يدرى؟)، لا نتخذ قرارا إلا بناء على معلومات “كافية” “صادقة” “منضبطة“، ثم ها نحن نستعين بمن يجب أن نستعين بهم والحمد لله.
حين دعيت إلى لقاء تليفزيونى تديره مقدمة ملتزمة مهذبة، لمناقشة بعض جهد هذا المركز الهام، وهو تقرير “مسح القيم العالمية فى مصر 2008”، طلبت نسخة من التقرير فتفضل المسئولون مشكورين بإرساله، وهو مكون من 35 صفحة، فى كل صفحة شريحتان بمجموع 69، متضمناً معلومات واضحة، وإن كانت غير كافية، وهذه هى طبيعة أى موجز، وأيضا من صفات الأبحاث الملتزمة بمنطقة بحثها.
ولأننى لم أبرأ أبدا (ولا أريد أن أبرأ) من مرض التفاؤل المزمن الذى أعانى منه، قلت “هذا هو”!!، رافضا أى تشكيك أو تهوين. رحت أمُرّ على الـ 69 شريحة وأتابع العناوين الرائعة، والمقارنات الصادمة، وأنا أصفق – بعقلى – يدا بيدا، نقرأ أول سطر فى الموجز عن الهدف من البحث:
” التعرف بأسلوب علمى على منظومة القيم التى تحكم الشعب المصرى، وتشكل وجدانه ومقارنتها بالمجتمعات الأخرى”.
أى والله، ما أروع كل ذلك بإذن الله وفضل العلم، يا للطموح!! سوف نتعرف ليس فقط على منظومة القيم التى تسود أغلب فئات الشعب المصرى، أو القيم الغالبة فى قطاع محدد، من الشعب المصرى، وإنما سوف نتعرف على منظومة القيم التى تحكُم (لاحظ كلمة “تحكم”) الشعب المصرى، طيب لا مانع، تحكم على راحتها، لكنها أيضا “تشكـّل وجدانه”!!، وليست تؤثر على وجدانه، ولا حتى توجه وجدانه، أيضا لا مانع، كله خير، ثم سوف يقوم البحث بمقارنتها بالمجتمعات الأخرى، (المقارنة دائما مطلوبة، إن كانت ممكنة، وهى فى تقديرى غير ممكنة عادة، خصوصا فيما أمارس من أبحاث).
رحت أعدد الدول التى تم تطبيق هذا المسح بها خلال الدورة الأخيرة للبحث فوجدتها تكاد تشمل كل العالم، من أوربا حتى استراليا، ومن دول آسيوية، إلى أمريكا الجنوبية مرورا بأفريقيا ..إلخ
تصفحت كل هذا “وحصل لى ما حصل”، وأنا ذاهب إلى اللقاء، حين ذهبت للمناقشة فوجئت بقدر ما فرحت أن المشاركين معى هما اثنان فقط، أحدهما هو رئيس المركز والمسئول عن هذا التقرير (أ.د. ماجد عثمان)، لم أتعرف عليه من أول وهلة، لكنه تفضل بتذكرتى برسالة دكتوراة كنت أشرف عليها من عشرين عاما، وكنا نستعين به فى معاملة النتائج إحصائيا!! يا خبر يا ماجد، كيف كبرت وشاب شعرك وأطلقت لحية جميلة هكذا؟ نعم أنا أعرف هذا الشاب، (كان شابا) وأعترف أننى تتلمذت عليه آنذاك، وقد كنت تلميذا خائبا، لعلاقتى الضعيفة بالأرقام والتعميم والإحصاء، حاولت أن أربط بين معرفتى به عالما أمينا نبيلا متقنا، وبين ما قرأته فى البحث فلم أستطع، فرحت بلقائه، وعابثته، ودعوت الله أن يمر اللقاء بسلام – ليس على حساب الحقيقة والحقائق- وطمأننى إلى احتمال السلامة أن ثالث المناقشين كان عزيزا آخر (شاب أيضا بحكم فارق السن) هو رئيس تحرير مجلة وجهات نظر (أ. أيمن الصياد)، وأنا أعرف ما له من رؤية ناقدة، وموقف موضوعى، وجهد مثابر.
نكتفى اليوم بعنوان المركز قبل أن ندخل فى البحث (ندع محتواه الآن جانبا).
1- “اتخاذ القرار”: هو أن تعمل إرادتك للاختيار بين البدائل!!! (لأنه إذا لم يكن ثَمَّ بدائل، فنحن لا نحتاج للإرادة، ولن نحتاج لاتخاذ أى قرار أصلاً!! هل عندنا فعلا بدائل؟؟؟؟!!!).
2- “القرار”: ما هو تعريف “القرار، والقرارات”، وما الفرق بينها وبين “التوجيهات”؟
3- “دعم”: يا ترى هو دعم للقرارات التى اتـُّخِذت؟ أم دعم “عملية اتخاذ القرار” نفسها أثناء اتخاذها؟
4- “المعلومات”: كم؟ وكيف؟ ومن أين؟ وما هى حقيقة الاعتداد بها؟
5- “مجلس الوزراء” (المصرى!): هل هو كيان سياسى، أم مجموعة مختصين، أم ثلة مخلصين لبعضهم البعض، وربما للناس؟ (ما المانع؟) وهل هم يفرقون بين العمل السياسى، والتخصص العلمى؟
رجعت إلى مراجعى واجتهاداتى فى تعريف كل من “الإرادة”، و”القرار”، و”المعلومات”، وأخذت أقلب صفحات البحث وأنا أراجع أيضا معلوماتى المتواضعة عن الأبحاث المسْحية، والعينة الممثِّـّـِلة، وصعوبة المقارنات، وخطورة التعميم .
وغمرتنى حسرة بالغة، مع محاولة التماس كل العذر لكل من اجتهد ، أصاب أم أخطأ.
ولا حول ولا قوة إلا بالله
وللحديث بقية