الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / عن الثقة والتخويْن (2) لعبة من العلاج الجمعى

عن الثقة والتخويْن (2) لعبة من العلاج الجمعى

“يوميا” الإنسان والتطور

14-1-2008

العدد: 136

عن الثقة والتخويْن (2)

 لعبة من العلاج الجمعى

المقتطف من جلسة علاجية حديثة:

إن معاينة “حركية النمو” أثناء العلاج الجمعى يمكن أن تكون السبيل إلى التحقق من بعض الفروض التى تحيط بهذا الموضوع الهام، والتى عرضنا بعضها أمس (ننصح بقراءة يومية أمس كاملة، مع أنه يمكن الاستغناء عنها لمن يرغب فى مباشرة عملية لحركية العلاج الجمعى قبل أن يستغرق فى التظير)

إن تنشيط عملية النمو لاستعادة حيوية بعض آلياتها قد يسمح لنا باختبار هذه الفروض على مرحلتين:

 الأولى: أثناء التفاعل وُبعَيْده،

والثانية: على المدى الطويل بالتتبع النوعى والعميق..

يتم تنشيط حركية النمو فى العلاج الجمعى بالتركيز على آليات بذاتها لعل أهمها فى مقامنا الآن هى:

  • الالتزام بما هو “الهنا والآن”
  • السيكودراما (المينى دراما) وخاصة تبادل الأدوار
  • الألعاب النفسية

فى العلاج الجمعى (تحديدا ما نمارسه فى مصر: قصر العينى والمقطم وتوابعهما) (1)

o       تبرز شكوى معينة،

o       أو يتم التعبير عن شعورٍ ما،

o       أو يُعلن عجزٌ ما، (إعلان العجز ليس دليلا عليه)

o       أو يلوح قرار أو ضده، بشأن ما.

 فنطرح على صاحب (أو صاحبة) أى مما ذكرنا أن يعايش قراره معنا (هنا والآن)،

 وأن يجرب نقيضه  (إذا لزم الأمر) بعد ذلك مباشرة (هنا والآن)،

 ثم يرى – وترى المجموعة لتأكيد المصداقية – أيهما أقرب إليه دون أن يحسم الأمر.

– ويتم بعد الرؤية ما تيسر من توجه، أو بصيرة، أو غير ذلك حسب الحالة، والمرحلة، والسياق.

  • وقد يقوم المشارك بتمثيل دور أحد الجانبين موجها كلامه لنقيضه تخيلا

ثم يقوم بتمثيل الجانب الآخر تخيلا أيضا

  • وقد يشاركه آخر فى التمثيل (المعالج أو زميل من المرضى) ثم تُتَبادل الأدوار عادة.
  • وقد يقوم بلعبة نفسية ذات وجهين، بأن يلـقَّّن (ثم يكرِّر) جملة مبدئية ناقصة، يكملها هو بما شاء،
  • ومن خلال ذلك قد يتبين أبعاد التناقض خصوصا إذا كانت اللعبة مصاغة بما يسمح بفحص ذلك.

المثال الذى سوف نقدمه اليوم هو من جلسة من جلسات العلاج الجمعى الذى يجرى فى قصر العينى،  وقد أتاح لنا  عرض جانب محدود من إشكالية أساسية فى الوجود البشرى (والنمو البشرى) وهو موضوع الثقة فى مقابل التخوين، وهو يذكرنا بالعظيم إريك إريكسون الذى – برغم شهرته الهائلة فى رسم مراحل نمو الطفل- إلا أنه لم يأخذ حقه من  العناية فى رؤيته الجدلية، وتطوير مسارات أزمات النمو حتى الموت (وهذا ما سوف نعود إليه فى يومية قريبة)

أول مراحل النمو، وأدومها

تبدأ مراحل النمو عند إريك أريكسون (2) بأول أزمة (مرحلة) وهى ما أسماها: الثقة فى مقابل التخوين Trust versus Mistrust ، ونحن ننطلق من ذلك إلى المقتطف من جلسة العلاج جمعى .

المعروض هو جزء محدود جدا من إحدى جلسات مجموعة علاجية بدأت منذ ستة أشهر وستنتهى بعد ستة أشهر أخرى، والمجموعة تحتوى مرضى غير متجانسين (أى تشخيص، أى سن، أى تعليم … إلخ) – كما ذكرنا سابقا،

المشاركون كانوا ثمانية مرضى وثلاثة أطباء من بينهم المعالج الأساسى المدرب، وأفراد المجموعة هم:  منى، رجاء ، محمد ، عبد العظيم ، أقبال ، فاتن ، حسين ، شوقية

نستثنى منهم محمد لأنه يشارك صامتا طول الوقت، وهذا مسموح به، وقد نعود إليه).

المقتطف:

أثارت رجاء موضوع الثقة بشكل مباشر، فالتقطت الموضوع د. مها وتحاورنا حتى قال د. يحيى

د/يحيى:  طيب يا رجاء هى مها رجعتنا الى النقطه اللى كان المفروض نكمل معاكى فيها لأنها مهمة، هى قالت إيه  بالظبط، قالت: هل من الممكن إن يبقى فيه ثقة ومافيش ثقة فى نفس الوقت، وبعدين انتى قلتى لأ يا ثقة يا مش ثقة،  مها الظاهر عندها احتمال تانى أن ممكن، وفى نفس الشخص، وفى نفس الوقت يبقى فيه ده، وده، وده طبيعى (3)وانا برضه مع رأى مها شويه،  بس الآراء هنا لا قيمة لها، فياللا “نجرب”:

التعليق:

نلاحظ هنا أن تعبير “الآراء لا قيمة لها“، يحتاج إيضاحا، ذلك أن المقصود به هو أن الآراء ليست هى الأساس، بل الحضور، واكتساب الخبرة، وهذا يؤكد أن هذا العلاج لا يتم من خلال المناقشة والإقناع،

 كذلك يلاحظ استعمال كلمة “نجّرب”، وهو ما يتفق تماما مع آلية تحويل الأحداث والأحاديث إلى خبرات آنية تحت الفحص “هنا والآن” فى هذا العلاج.

رجاء: نجرب ازاى

د/ يحيى: ياْ بلعبة يا بتمثلية يا مواجهة أى حاجة (4)

 رجاء: بس دا صعب

 د/ يحيى: ما انتى عارفه إن احنا بنحب الصعب،

 أنا كنت عايزأتجنب اللعب عشان مانستسهلشى، بس باين إنها مناسبة، فاذا كنتم عايزين أهلا وسهلا،

 يعنى مثلا حانقول:  انا ما بثقش فيكى علشان …. وانا بثق فيك حتى لو، …ويطلع أى كلام … زى ما انت عارفه يا رجاء

التعليق:

 ليس معنى أننا نحب الصعب أننا نتعمده، لكن فكرة التجريب تشمل عادة ما يتصوره المشارك صعبا، وأحيانا مستحيلا، وفى بعض الأحيان خارجا عن المألوف.

د/ مها: هما الجملتين شبه بعض شويه

د/ يحيى: وايه يعنى لما حاتلعبى حانشوف شبه بعض ولا لأ، ورينا شطارتك …

د/ يحيى: ياللا  يا رجاء

…….

ساعديها يا (د) مها ساعدها يا حامد (د) (5) بنمثل يا بنتى بنقول أى كلام بنقول أى كلام بعد الجملة اللى نتفق عليها

رجاء: نبتدى بمنى وخلاص

فى حالة اعتراض مريض (أو مشارك) على الصعوبة، نحترم ذلك غالبا، ونعرض على آخر أن يبدأ، وقد نؤجل دور الأول أكثر فأكثر، حتى يأتنس بمن قبله، ثم يلعب )

منى: ماشى بس انا حابتدى  يعنى خلاص ما مفيش مشكله

 ……(بعد مناقشات وتصحيح  ومقاومة متوسطة ..إلخ)….

منى: يا دكتورة مها “انا ما بثقش فيكى علشان يمكن ما جربتكيش

منى: يا دكتورة مها “انا باثق فيكى حتى لو ادتينى أى علاج

…………..

…………..

د/ يحيى: هو ياريت نستعمل كلمه “أنا” أو “أنت” أو حتى الاتنين كل مرة، كل مرّة

منى: مش فاهمة

نلاحظ هنا كيف أنه من الممكن إضافة وتحوير اللعبة فى البداية،(مع أنه قد يتم التحوير فى أى مرحلة، لكن يستحامد أن يقتصر على البداية)، وذلك حسب اقتراح أى مريض أو طبيب معالج  مشارك

وقد أضاف المعالج هنا ضميرىْ “أنا” و “أنت” ربما أملا فى أن تتحدد العلاقة بالمواجهة، وأن نكتشف مدى المسئولية عن الثقة وعدم الثقة، أو نكتشف فى المقبل “وضع اللوم” على الآخر، وكان ذلك مفيدا كما سنرى إذ أنه أسهم فى إغلاق باب التبريرات بعوامل خارجية عن أنا، أو أنت، أو كليهما، خاصة خارج العلاقة الآنية بالآخر “أنا ó أنت” فى “هنا والآن”، مع ملاحظة أن هذه الإضافة قد ضاعفت اللعبة فأصبح لزاما على اللاعب أن يلعب أربع مرات بدلا من اثنتين كما سنرى، لكنها حددت المسئولية ووّثقت العلاقة بشكل ما، كما سنرى لاحقا

وهكذا أصبحت اللعبة كما يلى:

(1)  يا (فلان ة) أنا بثق فيك حتى لو انت  …… (أكمل أى كلام)

(2) يا (فلان ة) أنا بثق فيك حتى لو أنا  …… (أكمل أى كلام)

(3) يا (فلان ة) أنا ما باثقشى فيك عشان أنا …..(أكمل أى كلام)

(4)  يا (فلان ة) أنا ما باثقشى فيك عشان انت ….(أكمل أى كلام)

سوف نعرض فيما يلى استجابة المشاركين (ماعدا محمد) دون عرض المناقشات التى دارت قبل وبعد كل لاعب، وهى قليلة عادة، وأحيانا يُنْهى عنها أصلاً حتى يتم الاستيعاب دون وصاية لفظية لاحقة.

منى: يا دكتورة مها انا ما بثقش فيكى علشان أنا  ما جربتيكيش

منى: يا دكتورة مها انا ما بثقش فيكى علشان أنا  باحاسب

منى: يا دكتورة مها ” انا باثق فيكى حتى لو انت أدتينى أى علاج ،

منى: يا دكتورة مها، أنا باثق فيكى حتى لو انا  شايفاكى  دكتورة

التعليق:

 يمكن أن تجرى اللعبة مع واحد فقط من المجموعة (مريض أو معالج)، وفى هذه الحالة يكون المخاطب هو الذى عليه الدور فى اللعب بعد اللاعب، ويمكن أن تجرى على كل أفراد المجموعة، ويمكن على من ينتقى اللاعب من الذى يلعب بعده، والاختيار بين هذه البدائل يعتمد على الوقت والهدف والتلقائية.

 فى هذه الحالة اكتفت منى باللعب مع اثنين: الدكتورة مها وشوقية، فى حين اكتفى الباقون باللعب مع واحد فقط،

 نستعمل تعبير “تدى الكورة لمين”؟، ليعنى: من الذى تختار ليلعب بعدك؟

 وها هى منى تكمل:

منى: يا شوقية أنا بثق فيكى حتى لو أنتى أسأتى إليا

منى: يا شوقية أنا باثق فيكى حتى لو أنا غلط فيكى

منى: يا شوقية أنا مبثقش فيكى عشان أنا شيفاك عمالة بتضحكى عمال على بطال

منى: يا شوقية أنا ابثقش فيكى عشان انت ما بتثقيش فيه

التعليق: نلاحظ هنا ما يلى،

 أولا: بصفة عامة:

  1. أن نفس الشخص الذى نثق فيه هو هو الذى يمكن ألا نثق فيه
  2. أن صياغة اللعبة كانت تدعم الثقة فى حين أنها كانت تبرر اللاثقة (أو التخوين)
  3. أن اللعبة اختلفت مع الطبيبة عنها مع الزميلة المريضة.

ثم التعليق على استجابة منى تحديداً:

اشترطت منى أن تجرب الطبيبة قبل أن تسمح   لنفسها أن  تثق فيها، (ماجربتكيش) وهى “تحاسب” قبل أن تأخذ بالنصيحة حتى من طبيبة(عشان أنا باحاسب)، وكانت هذه وتلك هى أسباب عدم الثقة،

 لكن ذلك لم يمنع منى من أن تثق فى نفس الدكتورة “حتى لو أعطتها علاجا” (حتى لو أنت أديتنيى علاج) (بما يشمل احتمال أنها سوف تأخذ العلاج برغم عدم الثقة المبدئى)،

 عدم ثقة منى فى الطب ربما يرجع إلى أن حالتها كانت من الحالات الراجعة – الدورية- وربما أنها كلما انتكست اهتزت ثقتها بالتطبيب السابق،

 ومع ذلك فهى لا تملك إلا أن تثق فى الطب ربما أملاً فى فرصة جديدة.

نلاحظ فى كل ذلك أن عدم الثقة، لم يمنع الثقة، وأنه لم يحدث تناقض حاد وصل إلى درجة الوعى فالشلل أو الرفض، ربما لأنها “لعبة” وربما لأن الطرفين المتناقضين دخلا معا فى سياق شبكية العلاج الجماعى الذى يجعل العلاقات متعددة، فيخفف من مخاطر ما يمكن أن يسمها الثقة العمياء.

أما لعب منى مع زميلتها المريضة شوقية، فقد أظهر أسباب عدم الثقة بشكل أكثر منطقا،

فلم تمنع احتمال إساءة شوقية لمنى، أو غلط منى فى شوقية، لم تمنع حضور الدرجة المطلوبة من الثقة،

 أما عدم الثقة فكان أيضا له معقوليته، فإن ضحك شوقية عمال على بطاًل (وهى ظاهرة ملحوظة عليها فعلا سبق أن عقب المعالج عليها واشتغلت فيها المجموعة كثيرا) يوحى بنوع من الطفولة التى يصعب الاعتماد عليها، أما عدم الثقة نتيجة حدس منى (أو خبرتها فى المجموعة فى جلسات سابقة، أو نتييجة للإسقاط) فإن كل ذلك جائز، وهو يضيف فكرة جديدة يمكن أن نسميها “صفقة الثقة المتبادلةً (إن وثقت فىَّ أثق فيك، وبالعكس) 

د / يحيى: تدى الكورة لمين بقى ياست منى

منى: أدى الكورة لأقبال

أقبال

(أيضا بعد تردد وأخطاء مبدئية مقبولة، وتصحيح أقل من البداية، فالأمور بدت أسهل)

أقبال: يافاتن أنا بثق فيكى حتى لو أنتى زعلتينى

أقبال: يافاتن أنا بثق فيكى حتى لو حتى انا …… (صمت لم يُحَلّ)

أقبال: أنا مابثقش فيكى عشان إنتى قعدة ساكته على طول

أقبال: مبثقش فيكى عشان أنا مبثقش فى الجروب

د / يحيى: متشكر يا أقبال يابنتى ترمها الكورة لمين كفاية واحد

أقبال: أديها لحضرتك

د / يحيى: هو حضرتى حا يلعب زى ما أنتى عايزة بس أنا بالعب فى الأخر، فلما حيجى علىّ الدور حارمها الكورة لحد، بس زى ما أنتى عايزة، الكرة معاى وأنا حستأذنك إن أنا العب فى الأخر 

ملاحظة منهجية:

 الطبيب المدرب يلعب فى الآخر حتى لا تكون استجابته كأنها الاستجابة النموذجية مما قد توحى للآخرين أن يحذوا حذوه، أما الطبيب الأصغر (المتدرب) فله حق الاعتذار عن اللعب أصلا، حتى يمر الوقت الذى يسمح له أن يطمئن (يولع النور الاخضر) كما ذكرنا فى يوميات سابقة.

التعقيب على استجابة أقبال:

ظهر أن أقبال يمكن أن تثق بغض النظر عن تصرف الآخر،

برغم مقاومتها فى أن تتحمل مسئولية المغامرة بالثقة على حسابها وضد أى احتمال يبرر عدم الثقة،

 وقد يرجح هذا التفسير ما جاء فى بقية اللعبة حيث بدا أنه من السهل أن تبرر عدم ثقتها بفاتن بصمتها وعدم مشاركتها المجموعة (عموما)، فالثقة تحتاج قدرا من أن تتعرف على من تثق فيه، والكلام والمشاركة هما من ضمن وسائل ذلك،

 ثم إن أقبال تؤكد فى النهاية، بدرجة جيدة من البصيرة أنها مسئولة إذ تعلن عدم الثقة بالمجموعة ككل (مابثقش فى الجروب)

أجل المعالج دور هو ألقى الكرة لفاتن

 فاتن

فاتن: يا دكتور يحيى أنا بثق فيك حتى لو انت قولت جملة تزعلنى

فاتن:  يادكتور يحيى أنا بثق فيك حتى لو أنا شوفت منك موقف لو شوفته من حد تانى بضايق

فاتن: يادكتور يحيى أنا مبثقش فيك علشان أنت دكتور

فاتن:  يا دكتور يحيى أنا مبثقش فيك عشان أنا شوفتك فى العلأج بتساعد بطريقة مش عارفه ….

التعليق:

الظاهر من موقف فاتن درجة عالية من الاعتمادية على الطبيب الأقدم المسئول، سواء ظهر ذلك فى تحملها أن “يزعلها”، أو فى اختلافه عن غيره فى طريقة اقتحامه فى العلاج،

 يصنَّف المعالجون من حيث درجة مبادءاتهم، وتداخلاتهم، واقتحاماتهم، وتلقائيتهم،

المعالج المدرب هنا معروف أنه يتبنى الموقف الثقافى فى بلده الذى يؤكد دور الطبيب والدا حاضراً بثقلهً، خاصة فى بدايات مراحل العلاج، فهو يسمح بالاعتمادية الإيجابية النابعة من موقفه الشخصى، بالإضافة إلى الموقف الثقافى الذى يتبناه،

 والذى هو أيضا أقرب للواقع الثقافى فى مصر (ربما والشرق) (6) ومن هنا سمحت له فاتن بما لا تسمح به لطبيب آخر (أصغر أو أكثر التزاما بالدور الطبى المهنى التقليدى)،

 وربما كون الطبيب “دكتورا فقط” هو الذى رجح فى استجابة فاتن أن ذلك كونه طبيبا – أدعى لعدم الثقة إذا اقتصر دوره على الدور المهنى القح (ما باثقشى فيك عشان انت دكتور)، وفى نفس الوقت أعلنت عدم ثقتها فى المعالج الأكبر لاستغرابها طريقته غير المألوفة.

ثم ألقت فاتن الكرة لحمدى 

 حمدى

حمدى: يا دكتور حامد أنا بثق فيك حتى لو إنت زعلتنى منك

حمدى: يا دكتور حامد أنا بثق فيك حتى لو أنا عملت حاجه تزعلك

حمدى: يادكتور حامد أنا مابثقش فيك علشان إنت دكتور كويس

حمدى: يادكتور حامد أنا مابثقش فيك علشان أنا جيت متأخر

التعليق:

استجابة حمدى أكثر صعوبة فى التأويل فى الجزءالثانى،

 الجزء الأول أفاد المتوقع بسطحية سريعة “الثقة حتى لو” …، فقد بدا التسامح تجاه خطأ الآخر (إنت عملت حاجة تزعلنى) وعدم التوقف عند الخطأ الشخصى (لو أنا عملت حاجة تزعلك)،

 أما الجزء الثانى فلا يكفى فيه ما قلناه فى حالة فاتن، لا يكفى أن نشير إلى تشككه فى دور الطبيب التقليدى، لهذا – ونادرا ما يحدث ذلك – طلب منه الطبيب المدرب المسئول أن يعيد (وهذا نادرا وغير جائز عادة)، وحين تأكد أن ما قاله  ليس بالصدفة وافق بسرعة ولم يناقش.

 

د.يحيى: طب عيد اللى قلته كده، مابثقش فيك علشان إنت،… أنا مأخذتش بالى منها

حمدى: يادكتور حامد أنا مابثقش فيك علشان إنت دكتور كويس

د.يحيى: ماشى ، يالاّ ياحامد الكورة معاك تقدر تولع النور الأحمر (7)

د. حامد

د. حامد: ياعبد العظيم أنا مابثقش فيك علشان إنت ريحت فى الشغل شوية

د. حامد: يا عبد العظيم  أنا مابثقش فيك علشان أنا صعب أثق فى حد

د. حامد: ياعبد العظيم أنا بثق فيك حتى لو أنت عملت حاجه تزعلنى

د. حامد: ياعبد العظيم أنا بثق فيك حتى لو أنا شايف حاجه مختلفة عن اللى الدكتور يحيى شايفه.

التعليق:

هنا يبدو أن الدكتور حامد يبنى ثقته فى عبد العظيم على التزامه بالاتفاق العلاجى، ومن ذلك التزامه فى عمله، وهذا موقف مهم فى هذا العلاج بالذات للتأكيد على قيمة العمل فى حركية النمو، أما حين استعمل د. حامد ضمير “أنا”، فقد احتدت بصيرته وانتبه إلى صعوبة عادية رائعة، مثل هذه الصعوبة لا تدل على “نقص قدرات” بقدر ما تدل على “تزايد البصيرة” التى تسمح للطبيب ألا يحمّل المريض كل العبء الناتج عن عدم ثقته فيه (عشان أنا صعب أثق فى حد)،

 هذه الصعوبة تشحذ مسيرة النمو الإنسانى والمهنى للطبيب طالما هو يشتغل فيها ويستفيد منها من خلال هذا العلاج وغيره،

استجابة د. حامد فى الجزء الثانى تبين أن الثقة فى عبد العظيم هى مكملة لما يغرى به عبد العظيم من التزام طفلى ( أو تلاميذى) وهذا أمر عايشته المجموعة بقيادة المدرب بعيداً عن هذا المقطع تناولت المجموعة آليات (ميكانزمات) عبد العظيم مكررا فى جلسات سابقة، وربطت بين هذا الأدب الزائد الذى خرج به من النوبة الذهانية، والذى هو هو كان الأرجح أنه كان سببا فى انفجاره فى تلك النوبة، وقد حرصت المجموعة طول الوقت أن تخفف من التزام عبد العظيم بكل هذا “التهذيب” المفرط هكذا.

انتهت لعبة د. حامد بجانب آخر يظهر عادة أثناء التدريب، وهو أن المتدرب يعمل حساب المدرب ويتردد فى الاختلاف معه أحيانا على حساب المريض،

 وهنا سمحت اللعبة للدكتور حامد أن يثق فى عبد العظيم بغض النظر عن الهجوم الملاحق للمدرب على عبد العظيم ليتنازل عن فرط أدبه المهذب، الذى أدى إلى ما أدى إليه، وعن اتهامه له بأنه أدب طفلىّ خائف.

عبد العظيم:

عبد العظيم: يا شوقية أنا بثق فيكى حتى لو إنتى عملتى أى حاجه تضرنى

عبد العظيم: يا شوقية أنا بثق فيكى حتى لو أنا عملت حاجه تسيئك 

عبد العظيم: يا شوقية أنا ما بثقشى فيك علشان إنتى مابتكمليش دروسك

 عبد العظيم: يا شوقية أنا مابثقش فيكى علشانا أنا مختلف عنك فى حاجات

التعليق

تبين منذ قليل فى مناقشة لعبة د. حامد طبيعة موقف عبد العظيم المفرط فى الأدب، وهذا تبدو الاستجابات الثلاثة الأولى بشكل يؤكد هذا الموقف “التلاميذى المهذب” الذى يراعى مصلحة الغير جدا، ويتحمل أذاهم، ويطمع فى سماحهم.

أما الاستجابة الرابعة فكانت مفاجأة لأن عبد العظيم انتبه إلى أمر طبيعى يفسر “الحق فى عدم الثقة”، وهو الاختلافات الفردية،

 مجرد أننى أختلف معك، مجرد أننا لسنا نسخة بالكربون، فلابد أن تتخلق فيما بيننا درجة من عدم الثقة، وهذا يؤكد ما ذهبنا إليه أمس واليوم بأن عدم الثقة، وحتى التخوين، هو جزء لا يتجزأ من الطبيعة البشرية.

وهذا فى حد ذاته يدل على أن عبد العظيم برغم مقاومته، يعلن أنه يتم تنشيط حركية النمو التى نأمل أن تكون بديلا مناسبا عن فرط استعماله للميكانزمات “فائقة التهذيب”، التى كبتته حتى “أنفجرّ ذهانا.

شوقية

شوقية: يا رجاء أنا مابثقش فيكى علشان أنا مابثقش فى حد خالص

شوقية: يا رجاء أنا مابثقش فيكى علشان إنتى مابتثقيش فى حد

شوقية: يا رجاء أنا بثق فيكى حتى لو إنتى مارديتيش عليا ،

شوقية: يا رجاء أنا بثق فيكى حتى لو  انا زعلتك

التعليق

تُذكرنا استجابة شوقية الأولى باستجابة أقبال من ناحية (ما بثقش عشان ما بثق فى الجروب)، واستجابة د. حامد من ناحية أخرى (عشان صعب أثق فى حد).

أما استجابتها الثانية “عشان أنت ما بتثقش فىّ) فهى تذكرنا أيضا بما أسميناه “صفقة الثقة المتبادلة” عند “منى” (أنا ما بايثقش فيك عشان أنت ما بيثقش فىّ).

أما الثقة الإيجابية “حتى لو”، فبدت أقوى وهى تتجاوز الصفقة التبادلية من جهة (حتى لو أننى مارديتش علىّ)، كما أنها أظهرت درجة مناسبة من “العشم” من جهة أخرى (حتى لو أنا زعّلتك).

رجاء

رجاء: يا دكتورة مها أنا بثق فيكى حتى لو إنتى زعلتينى،

رجاء: يا دكتورة مها أنا بثق فيكى حتى لو أنا ماجيتش الجروب،

 رجاء: يا دكتورة مها أنا مابثقش فيكى علشان أنا مابثقش فى حد،

  رجاء: يا دكتورة مها أنا مابثقش فيكى علشان إنتى دكتورة

التعليق

عجيب تكرار أمر “ربط عدم الثقة” (وليس الثقة كما نتوقع) بحالة كون الموثوق فيه “دكتوراً”!!

 بدأت الحكاية بمنى وتأكدت بحمدى ثم ها هى رجاء فى الاستجابة الأخيرة تعلنها من جديد.

 أما استجابة رجاء “مابثقش فى حد” فهى أقرب إلى استجابة د. حامد، وهى أيضا فى اتجاه تحريك البصيرة وتحّمل مسئولية “عدم الثقة” وليس مجرد وضتعها فى الآخر.

أما الاستجابة الأولى “حتى لو أنتى زعلتينى” فهى مكررة كما لاحظنا وتدل على تحمل أفراد المجموعة لبعضهم البعض.

وتتبقى الاستجابة الثانية التى تشير إلى الإشارة إلى العلاقة المتولدة مع المجموعة، وأنها ممتدة حتى لو لم تحضر المجموعة (حتى لو أنا ماجيتش الجروب).

د.مها

د.مها: حختار حضرتك

د. يحيى: ماشى

د.مها: يادكتور يحيى أنا مابثقش فيك علشان إنت مش فاضى،

د.مها:  يادكتور يحيى أنا مابثقش فيك علشان أنا بخاف من الثقة،

 د.مها: يادكتور يحيى أنا باثق فيك حتى لو إنت مش حتسمح لى،

د.مها:  يادكتور يحيى أنا باثق فيك حتى لو أنا مش عايزه

التعليق

الدكتورة مها هى المتدربة الثانية مع د. حامد، وجاء اختيارها للطبيب المتدرب (برغم أنه سبق أن كان موضوعا للعب من أخرى؟) ليظهر جانبا آخر من علاقة المدرب بالمتدرب:

 فمن ناحية قد ينتهز المتدرب الفرصة ليعبر من خلالها على مرحلة علاقته الإنسانية والتدريبة بالمتدرب به فتلاحظ هنا:

– يبدو أن تولد الثقة بين المتدرب والمدرب يحتاج مساحة (من الوقت) تتجاوز مجرد التعليم والتدريب والتلقى طول الوقت، وهذا يشير أيضا إلى أن الثقة هى غير الاعتمادية،

– كما تعلن د. مها أيضا عمومية حقها فى عدم الثقة “مثل د. حامد وشوقية ورجاء وأقبال”.(علشان أنا باخاف من الثقة)

– كما يظهر فى استجابتها أهمية دور الموثوق به فى تشجيع “الذى يثق” (خاصة لو كان أصغر) فى أن يثق، وهذا جاء فى استجابة د. مها وهى تشير إلى ضرورة عدم انتظار مثل هذا السماح إن كان للثقة أن تتولد. (حتى لو أنت مش حاتسمح لى)

– وأخيرا فإن جهدا آخر يبدو أنه لابد أن يُبذل من جانب من يريد أن يثق ليتجاوز مقاومته (حتى “لو أنا مش عايزة) (أثق)”.

 د.يحيى

د. يحيى: يا رجاء انا بثق فيكى حتى لو انتى جحشة ،

 د. يحيى: يا رجاء انا بثق فيكى حتى لو انا غلطان ،

 د. يحيى: يا رجاء انا ما بثقش فيكى علشان انا احب آخد الاحتياط علشان ما اتخرشمش ،

 د. يحيى: يا رجاء انا مابثقش فيكى علشان انتى ما بتثقيش فى حد

التعليق:

أشرنا فيما سبق لماذا يؤجل المدرب أن يمارس اللعبة إلا آخر واحد، وأيضا أنه ليس من حقه أن يعتذر (ليس من حقه أن يضئ النور الأحمر مثل الأصغر)

 ثم نلاحظ فى استجابته مايلى:

– أنه استعمل ألفاظاً غير مألوفة “حتى لو أنتى جحشة” وهذا يشير إلى نوع اقتحاماته حتى بما هو أشد، علما بأن هذه الألفاظ  لا تستعمل بنفس الطريقة التى نستعملها فى الحياة العادية، فقد تكون من باب “قرص الأذن”، أو سبق استعمالها فى سياق متبادل، ومع أن هذا هو ما يعلن دائما فى المجموعة (أن من حق المريض أن يستعمل نفس الألفاظ) إلا أنه نادرا ما يستعمل المريض هذا الحق.

– ثم نلاحظ كيف أن الطبيب المدرب يشترك فى إعلان درجة من البصيرة بأن عدم الثقة ينبع جزئيا من حقه فى عدم الثقة مثل (عشان صاحب ….  الاحتياط عشان ما تخرشمش)

– ثم إن التحفظ فى الثقة، بسبب أن الآخر لا يثق يمكن أن يكون له تفسير يتجاوز “الصفقة التبادلية” ذلك أن الطبيب أحيانا يستعمل هذا الأسلوب كدعوة للمريض أن يبذل جهدا من جانبه إذا ما كان جادا فى أن يكون موضع ثقة.

وبعـد

برغم ما ننتبه إليه كل يوم أكثر فأكثر من استحالة نقل الصورة كما تجرى حية فى هذا العلاج الجمعى،

 وأيضا برغم ما نلاحظه من صعوبة إدراك مغزى الألفاظ فى مقتطف يستغرق دقائق فى جلسة واحدة يستحيل فصلها عن الجلسات السابقة،

 وأيضا برغم صعوبة فهم دلالة الألفاظ لكل  مريض إلا فى سياق مرضه وأعراضه ومنظوماته وإطاره المرجعى،

 برغم كل ذلك فإننا نرجو أن يكون ما تم عرضه هنا قد حقق بعض المطلوب الذى يمكن إيجازه فيما يلى:

أولاً: إن المسألة ليست “ثقة” أو “لاثقة” فكلاهما موجود طول الوقت، فى تناوب أو تكامل، أو تضفر أو وعد …. (كما ذكرنا أمس).

ثانياً: إن الحركة هى التى تسمح باستمرار التناقض حتى تكاد تنفى أن يكون مجرد وجود “العكس معاً” (كما ذكرنا أيضا أمس)

ثالثاً: إن التحريك تحديدا بضمائر مباشرة “أنا وأنت” فى “هنا والآن” قد سمح  بتوليد احتمالات متعددة تمهيدا لتجاوز الموقف الاستقطابى، “إما أو” الذى يواكب عادة موقف التناقض الساكن فى نفس الوقت (نفس الثانية أحيانا).

 رابعاً: إن الحركة لا تعنى التردد، ولكن تعنى فرُصاً لتجديد الاحتمالات وتنوعها.

خامساً: إن احتواء الضدين حالة كونهما متحركين هو أمر مختلف تماما عن وصفهما فى حالة سكون أو عكس بعضهما البعض

سادساً: إن الوعى النسبى بالحركة لا ينتج عنه حضور النقيضين فى نفس الثانية كما يحدث فى تناقض الوجدان ambivalence، وإنما هو يعد بتغيرٍ محتملٍ فى اتجاهات مختلفة.

سابعاً: إن الحركة لا تتم بنفس الحدة ولا هى مطلوبة طول الوقت، وترجيح أحد القطبين مستقلا لفترة ما، أمر هو وارد جيد، وهو يجرى فى اتجاه الحركة المطلوبة، مالم يكن تسكينا نهائيا، أو تلفيقا هروبيا.

[1] – أشرنا فى عدد من يوميات سابقة سواء فيما عرضنا من مقتطفات فى العلاج الجمعى، أو من برنامج سر اللعبة، ويمكن الرجوع إليها لمعرفة القواعد ومحاولة التجريب فى يوميات (يومية 14/9)،(يومية 15/9)، (يومية 2/10)، (يومية 3/10)، (يومية 20/10)، (يومية 22/10) ..إلخ.

[2] – وسوف نعود إلى إريكسون بالذات ببعض التفاصيل فى نشرات لاحقة.

[3] – راجع يومية أمس إن شئت يومية 13-1-2008 (عن الثقة والتخوين وحركية النمو (1))

[4] – النص هنا حرفى بنسبة  80 إلى 90 % فى المائة ، وقد اضطررنا إلى بعض الإضافة لبعض العبارات والسطور  المختصرة، وأيضا قمنا بحذف الكثير مما لم يكن له علاقة مباشرة بالمقتطف الحالى، وقد وضعنا  نقطا مكان الحذف ما أمكن ذلك، كما ننبه أن الإذن بالتسجيل وبالاقتطاف مأخوذ من كل المرضى المرة تلو الأخرى، وأن كل الأسماء مستعارة ..

[5] – عادة لا يستعمل الطبيب المدرب الألقاب، ونادرا لا يخاطبونه هو بلقب دكتور ربما لحكم السن، وأكثر ندرة أن يفعل المرضى ذلك.

[6] – لهذا المعالج ورقة عن الاعتمادية، كان من أهم مراجعها الثقافة اليابانية وكتاب Anatomy of Dependency

[7] – أصبح أن ذكرنا أن معنى “يولع النور الأحمر” هو أن يستعمل حق الاعتذار للطبيب المتدرب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *