اليوم السابع
الجمعة: 2-5-2014
عن اختلاف الثقافات ولغة الخطاب فى السياسة
صحيح أنه وزير ابن وزير، وصحيح أن له صفة رسمية بالغة الأهمية ، ويقوم بواجبه فى حدود قدراته، وصحيح أن شكله الرقيق، ولهجته الراقية تدل على طبقته العالية، لكن كل هذا لا يشفع له أن ينسى من يمثل ومن يخاطب وخاصة فى ظروفنا الحالية العصيبة.
هذه الهيجة العالية الصوت لها مبرراته طبعا، فالذاكرة المصرية لا تنسى تصريحات المرحوم “أمين عثمان” عن زواج مصر بالمملكة المتحدة (إنجلترا) التى كلفته حياته، كذلك نحن فى وقت شديد الحساسية بالنسبة لإعادة تقييمنا لعلاقتنا بكل الدول بلا استثناء، والتى نقيسها، أو ينبغى أن نقيسها بمصالحنا جدا، لا بالعواطف والأمانى، ولا بالرومانسية والشاعرية، لقد لاحت لنا فرصة أن نستعيد استقلالنا، كما ظهر فى الأفق تنوع واعد بعلاقات متكافئة محترمة، ربما لذلك تحفظت على زيارات مسئولينا للولايات المتحدة مؤخرا، خاصة وأن العلاقة فى هذه المرحلة هى على درجة من الالتباس والغموض تحتاج إلى يقظة، وربما استعدادا بصواريخ رد التآمر/بالتآمر، ولعل هذا هو ما دعانى إلى ما قلته هنا يوم 27 إبريل (منذ أقل من أسبوع) ونصه: “….وعلاقة هذه الأمريكا بإسرائيل جعلت مرارة بشعة تتخلل قبولى.. من أول الإفراج عن الأباتشى حتى زيارة اللواء محمد فريد التهامى مدير المخابراتالعامة المصرية إلى الولايات المتحدة الأمريكية” ولم تكن معالم زيارة وزير خارجيتنا قد ظهرت بعد. بل إننى بالغت فى ذلك المقال وأنا أتقمص حس شعبنا “الأروب” إذا ما فوّت لهذه التحركات أنه إنما يتلاءم ويسمح بحذر لمثل هذه اللقاءات بضمان ذكائه الفطرى، الذى حين تقمصُتُه سمح لى أن أستشهد بمثلين عامين من أقسى ما يمكن، المثل الأول يقول “اللى ييجى منه أحسن منه”، وهو مثل ميكيافيلى وصل إليه الحدس الشعبى المصرى دون أن يقرأ كتاب “الأمير”، وربما استلهمه السادات فى مناوراته لعقد معاهدة بداية ثقافة الحرب اعترافا بألم الاستسلام، – برغم تصريحه المستحيل بتحديد نهاية للحروب – وقد كنت أعتقد أنه كان أول من سيلغيها، أيضا تنفيذا لتقليد فلاحى مصرى يسمح لنفسه أن يتحايل على عدو مجرم خبيث، ولو بوعود يعرف بينه وبين نفسه أنه قادر على التراجع عنها بأى مبرر ولو اخترعه، ولسان حاله يقول : دهـْدِى ّ! فيها إيه؟ جدّت فى الأمور أمور: قلت ورجعت، بس خلاص!!”، وتصورت أن المرحوم السادات كان سوف يعملها، وربما لهذا قتلوه، أما المثل الثانى الذى استشهدت به فهو أكثر قسوة وأخبث فـِلحاً وفيه رائحة زواج، ولكن بما بدا منا، هو الذى يقول: “خـُدْ بنـْت الندْل وخاصْمه”.
أنا آسف، لكن يا ترى هل يعرف السيد الوزير الرقيق المجلجل المهذب الذى لا عيب فيه (يعنى “جنتلمان” كما علمنى أبى) هل يا ترى وضع فى اعتباره ثقافة ناسه، وهو يدلى بتصريحاته التى أثارت كل هذه الضجة بحق؟ لا أظن،
طيب، إن كان لا يعرف ذلك فهل يعرف أن المؤسسة الزواجية التى استشهد باستقرارها (بما فى ذلك الزواج الكاثوليكى الذى أودى بحياة أمين عثمان) مرّت وتمر بنقد بلا حدود، ولولا أنها – مثل الديمقراطية – أحسن الأسوأ ، لما استمرّت حتى الآن برغم نجاح زواجه شخصيا لمدة 39 سنة كما قال فى نفس حديثه، وإنى مستعد أن أهديه كتاب دافيد كوبر عن “موت الأسرة” Death of the family ربما يتذكر أن مفهوم الزواج فى ثقافة غربية غير مفهوم الزواج فى ثقافتنا الذكورية المتماسكة ولو ظاهريا، وحتى ثقافتنا فهى قد تفككت إلى ثقافات فرعية ليختلف فيها معنى المؤسسة الزواجية التى يمثلها :”سى السيد أحمد عبد الجواد بالسيدة أمينة” عن ما يمثله “زواج أحمد عز بزينة حتى لو أنجبت توأمين أسمتهما باسمهما، عز الدين وزين الدين”
نرجع مرجوعنا إلى حديث وزير خارجية مصر المحروسةـ ، لقد راجعت حديثه بالعربية والإنجليزية، وعذرته وأنا أتقمصه بالمواصفات السالفة الذكر، فهو يخاطب ثقافة أخرى تماما، وربما نسى ثقافتنا تماما أيضا، أو لم يعرفها أصلا.
ثم خطر لى خاطر آخر وأنا أتقمص بعض شعبى الذى أصدر هذه الأمثال، وطبعا استبعدت أن يخطر على بال الوزير المهذب ما خطر لى، فكثير من شعبنا يستقبل العلاقة بين إسرائيل وأمريكا على أن إسرائيل متزوجة أمريكا، وليس العكس، وبالتالى فإن “ماما أمريكا” لا تستطيع أن تجمع بين زوجين، وقد انتبه شعبنا إلى ذلك وحذر منه حتى لا نقول للسيد نتانياهو “ياعمى”، وهذا ما يقدمه مثله الشعبى الذى يقول: “اللى يجّوز أمى أقول له يا عمي”
وأخيرا فإننى لم يصلنى من هذا الحديث ما يشير إلى أن أمريكا وافقت، أو سوف توافق، على الزواج ، ألم يتصور أو يفترض وزيرنا الجنتلمان، أنها يمكن أن ترفض ولو دلالا مؤقتا، وفى هذه الحال سوف أشفق عليه وهو راجع مكسور الخاطر بالأصالة عن نفسه وليس بالنيابة عنا، وما دمنا فى سياق أمثالنا العامية الأقوى من السياسة الخارجية، فقد تصورت أن لسان حاله سوف يقول: “لا أجـّوزت ولا خِلِى بالى، ولا أنا فضلت على حالى” فهل سوف يبحث عن زوج جديد، فى ظروف أفضل، أرجوه إن كان سوف يفعل، فليفعلها لحسابه شخصيا، أو على الأقل فليأخذ رأينا بأية طريقة ديمقراطية تضع وعى شعبنا العريق فى الاعتبار.
إعملوا معروفا فينا،
نحن شعب حساس عريق لا نستأهل أن يستهان بنا هكذا
إعملوا معروفا دعونا نعيش أحرارا ولو تعنّسْنا لبضعة عقود