اليوم السابع
الثلاثاء: 26-11-2013
“عمال وفلاحين”: شروط للتأهيل للترشيح
أبديت أمس رأيى فى أن المسألة ليست عمالا وفلاحين بالمعنى الذى استعملت فيه كبضاعة مغشوشة لتلهية الطبقة الكادحة عن جوهر حقوقهم، المطلوب هو إرساء العدل وتوحيد المقاييس التى يتعامل بها كل الناس من كل الطبقات والفئات والثقافات النوعية، المسألة هى: من يمثل كل الناس ويحمل الأمانة بحقها أمام كل شعبه، وأمام نفسه وضميره، وأمام ربه، وأعيد اليوم ما اقتطفت أمس من دستور مصر سنة 1882 حيث تقول المادة “6”، “كل نائب يعتبر وكيلا عن عموم الأمة المصرية، وليس فقط عن الجهة التى انتخبته”، وكما وسعنا أمس هذا المفهوم من منطلق قيم الإسلام (مثل كل دين لم يتشوه)، ومسئولية كل فرد عن كل الناس، يمكن أن نمد المقولة قياسا إلى ان كل نائب هو وكيل عن عموم المواطنين قادرين ومستضعفين، على مستوى العالم أمام الله، بدءا بمصر والمصريين إلى كل الدينا .
أنا لا أربط سلامة ممارسة الديمقراطية أو الحياة النيابية بدرجة التعليم أصلا، وعندى من أصدقائى الأميين، عينة ممثلة فى مجموعات العلاج بالمجان فى قصر العينى، من الذين يفكون الخط بالكاد، أتعلم منهم الفلسفة والحكمة والتاريخ والدين والحرية والسياسة، ذلك أننى أمارس العلاج الجمعى فى مستشفى حكومى (جامعى) أسبوعيا، منذ اثنين وأربعين عاما، تعلمت خلالها نصف ما أعرف عن الشعب المصرى، وعن مهنتى، وتاريخ بلدى، وثقافته، وعن دينى، إلى وجه ربى سبحانه وتعالى، أكثر مما تعلمت من الكتب والمراجع والأبحاث، عرفت من بين ما عرفت معنى الوعى الجماعى، والمعرفة الفطرية الرائعة، وحقيقة ما ينفع الناس ويمكث فى الأرض، ومن خلال كل ذلك بعض معنى المرض والصحة.
اجتمعت ممارستى لهذا العلاج الجمعى مع ممارستى لما يسمى “علاج الوسط”، وهو نوع من العلاج يقوم به الطبيب بالإسهام والمشاركة فى إعداد “وسط علاجى” نافع، هو – ككل – الذى يعتبر العامل العلاجي الفاعل لمعظم المرضى، فى هذا العلاج نمارس – الأطباء والمعالجون – نشاطات بدنية (ليست رياضة: واحد – اتنين، واحد – اتنين!!) عملية ، بطريقة نسميها “كتفاً لكتفْ” بمعنى أن الطبيب أو المعالج لا يأمر المريض بالقيام بعمل شىء، أو نشاط إلا وكتفه بجوار كتف مريضه يقوم بنفس العمل، فأتيحت لى فرص ضمن العمل العلاجى أن أعزق الأرض مع أصدقائى هؤلاء بالفأس ساعة أو بعض ساعة كلما لزم الأمر، وإذابى ذات مرة أثناء انحنائى على فأسى وظهرى يكاد ينكسر، خطر ببالى أن يكون هذا هو الاختبار الحقيقى لصفة “عمال وفلاحين” فى مجلس الشعب، بأن نعمل “معسكر تأهيل” لطالبى الترشيح: ومن ينجح أن يعزق أربع ساعات (لا عشرة أو أكثر كما يفعل الفلاح الحقيقى) متواصلة، أو يحمل قصعة الخرسانة على سقالة إلى الدور الرابع تسع طلعات (وليس من شرقتها لغطستها) ، يُسمح له بالترشيح بهذه الصفة، وتصورت أن هذا يضمن الجدية فى التطبيق، والاحترام للقانون، كما يضمن درجة من صحة المرشحين وشبابهم أيضا (يِعطيهم العاافية) ، واشترط َخيالى وأنا أتقمص المرشح – وأنا ما زلت منحنيا على فأسى – أن يتم ذلك وبجوارى فلاح أو أكثر، لا أعرفهم ولا يعرفوننى، يشترط عليهم ألا “يـِتـْمألتوا” علىّ (أى: يسخروا منى)، ومن يرسب فى الامتحان من المرشحين يعطى فرصة للتأهيل فى الانتخابات التالية، وهكذا.
ثم إني عدت إلى موسوعة الأمثال العامية التى جمعها وشرحها أحمد باشا تيمور، فوصلتنى جذور الثقافة السياسية التى يمكن أن تدير البلد لو أن العمال والفلاحين الحقيقيين، أو الذين نجحوا فى اختبارات معسكر الإعداد ومغزاه، تولوا الأمر، من أول: ” مِنْ آمنـَكْ لمْ تِخُونُهْ ولوْ كنت خايِنْ” حتى “عيشْ ندْل تموتْ مستورْ”، وأيضا من أول “اللى ييجِى منـّه أحسنْ منـّه”، حتى “إعملْ الطيـّبْ وارميهْ فى البَحر”، كل هذا “سياسة” مِيّهْ مِيّهْ، ولم يكن تيمور باشا فلاحا لا بنص الدستور، ولا بتفسير المنتفعين، لكن يبدوا أنه كان جزءا من وعى بلده العام الذى غاص به إلى هذه الأغوار.
وللحديث بقية .