الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / علمٌ هذا؟ أم ماذا؟

علمٌ هذا؟ أم ماذا؟

“نشرة” الإنسان والتطور

18-2-2008

العدد: 171

علمٌ هذا؟ أم ماذا؟

مقدمة:

من حق الناس وبالذات الزملاء العلماء أن يسألوا أو يتساءلوا عن موقع ما يرد فى هذه اليومية: عن ما هو “علم” وما هو “ليس بعلم” باعتبار أن من يكتبها يحمل لقبا علميا، وينتسب ولو جزئيا إلى منظومة علمية أكاديمية.

بعد 170 عددا من هذه النشرة اليومية، التى تركت لها نفسى تحدد ما تراه مناسبا، أو لما يخرج منها ومن مخزونى بالصدفة، بعد أو بدون التحديث، أنا شخصيا تساءلت فجأة عن تصنيف ما أفعل، خاصة والحوار قاصر – تقريبا – على من يعرف بعض ما عندى، تساءلت مثلما يتساءلون: ما هذا الذى اكتبه : “علم”؟ أم “خبرة”؟ أم “أدب”؟  أم “كشف”؟ أم “رؤية”؟ أم “ماذا”؟

يقول مولانا النفرى: إذا اتسعت الرؤية ضاقت العبارة فأكتشف بدورى أنه إذا اتسعت الرؤية وألح الالتزام تعددت الوسائل،

 لم أترك وسيلة يمكن أن أحذقها إلا وقفزت إلىّ تعرض خدماتها لأوصل ما وصلنى من مرضاى أساساً، وأنا معهم، والحق تعالى يجمعنى فيهم إليه.

اتهام:

متهم أنا بالجهل، وهذا فخر لمن له منهج يجهل به، هذا المنهج هو أقرب إلى العلم (الذى ليس ضده الجهل كما يقول النفرى) منه إلى أى شئ آخر.

رحت أقلب فى أوراقى فوجدتنى خططت هنا وهناك محاولات أدافع بها عن جهلى هذا، أعنى عن اتهامى بالجهل، ليس بغرض أن أنفى التهمة، ولكن ربما احتراما لمن لم أستطع أن أبلغه طبيعة ما أحاوله.

وفيما يلى بعض ماوجدته من بدايات المحاولات خلال ثلاثين عاما:

استهلال:

كنا نأمل أن يحل لنا العلم مشكلة الوجود، بعد أن أفسد الشراح والمفسرون دور الدين فى ذلك، لست أدرى ما الذى أصاب العلم حتى ضحكوا عليه فأصبح “ديناً” يكاد ينغلق على أهله، يكفّرُون بنصوصه كل من خالفهم، ويعدونَ مرتدا كل من تجرأ وزحزح  سقفهم .

ضبطت نفس متلبسا بوضع تعريف للعلم سنة 1978 يسمح لى بالهرطقة المناسبة ضد كنيسة العلم السلطوى والعلم باهظ التكلفة، كان ذلك فى مقدمة لرسالة ماجستير أشرفت عليها طالت حتى أصبحت كتابا هو “مقدمة فى العلاج الجمعى”

قدمت لذلك قائلاً:

التعريف‏ ‏الذى ‏ارتضيته‏ ‏حين‏ ‏تصورت‏ ‏أن‏ ‏موقفنا‏ ‏لن‏ ‏ينصلح‏ ‏أبدا‏ ‏إلا‏ ‏بإعادة‏ ‏النظر‏ ‏فى ‏تعريف‏ ‏العلم‏ ‏بشجاعة‏ ‏تناسب‏ ‏خطى ‏العصر‏ ‏العملاقة‏…‏  قلت فيه :

العلم‏ ‏هو‏ وسيلة‏ ‏معرفية‏ ‏لتوسيع‏ ‏المدارك‏ ‏والوعى، ‏يغلب‏ ‏عليها‏ ‏استعمال‏ ‏التوجّه‏ ‏الفرضى ‏الاستنتاجى، ‏وعادة‏ ‏ما‏ ‏تكون‏ ‏معطياته‏ ‏قابلة ‏للاختبار‏ ‏ولكنها‏ ‏ليست‏ ‏بالضرورة‏ ‏قابلة‏ ‏للإعادة، ‏وهذه‏ ‏الوسيلة‏ ‏تشمل‏ ‏جمع‏ ‏المعلومات‏ ‏بنسق‏ ‏ملتزم‏، ‏والعمليتان‏ ‏مرتبطتان‏ ‏ارتباطا‏ ‏مباشرا‏ ‏بدرجة‏ ‏موضوعية‏ ‏وعى ‏القائم‏ ‏بهما‏. ‏وتتحقق‏ ‏المعلومات‏ ‏وتتصاعد‏ ‏الفروض‏ ‏فى ‏هذا‏ ‏السبيل‏ ‏بعدة‏ ‏وسائل‏ ‏تشمل‏ ‏إعادة‏ ‏التجريب‏، ‏واختبارات‏ ‏التطبيق‏، ‏وتقييم‏ ‏الإفادة‏ ‏فى ‏تحقيق‏ ‏مداها‏ ‏والوصول‏ ‏إلى ‏غايتها، ‏ودرجة‏ ‏تناسقها‏ ‏مع‏ ‏المعارف‏ ‏الموضوعية‏ ‏الأخرى، ‏وكذلك‏ ‏مدى ‏صلابتها‏ ‏أمام‏ ‏اختبار‏ ‏الزمن‏ “.‏

رحت أتأمل هذه التعبيرات:

  • موضوعية‏ ‏وعى ‏القائم‏ ‏بهما.
  • وتتصاعد‏ ‏الفروض‏.
  • ‏ إعادة‏ ‏التجريب.
  • ‏ واختبار‏ ‏التطبيق.
  • ‏ وتقييم‏ ‏الإفادة.
  • والوصول‏ ‏إلى ‏غايتها.‏
  • ودرجة‏ ‏تناسقها‏ ‏مع‏ ‏المعارف‏ ‏الموضوعية‏ ‏الأخرى.
  • ‏اختبار‏ ‏الزمن.

قلت الحمد لله،

بعد عشرين عاما سنة 1997  (دون أن أرجع للتعريف الأول. كنت قد نسيت أنى وضعته) وجدتنى أعيد تعريف العلم (مراجعات فى لغات المعرفة) كما يلى:

‏”العلم‏ ‏هو‏ ‏نشاط‏ ‏معرفى ‏يتبع‏ ‏منهجا‏ ‏له‏ ‏معالم‏ ‏واضحة‏، ‏ليست‏ ‏ثابتة‏ ‏ثباتا‏ ‏مطلقا‏، ‏وهذا‏ ‏النشاط‏ ‏ينتج‏ ‏عنه‏ ‏بشكل‏ ‏غالب‏ ‏منظومة‏ ‏من‏ ‏المعلومات‏ ‏متماسكة‏ ‏داخليا‏، ‏وعامة‏ ‏نسبيا‏، ‏على ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏هذه‏ ‏المنظومة:‏

  •  ‏قابلة‏ ‏للمراجعة‏
  • ‏محتملة‏ ‏الخطأ‏
  • ‏قابلة‏ ‏للتصحيح‏
  • ‏قادرة‏ ‏على ‏تفريخ‏ ‏توجهات‏ ‏وفروض‏ ‏جديدة‏
  • ‏قابلة‏ ‏بدورها‏ ‏للمراجعة‏، والتنفيذ‏
  • ‏وقادرة‏ ‏أيضا‏ ‏على ‏تجديد‏ ‏منهجها‏ ‏أو‏ ‏اتباع‏ ‏مناهج‏ ‏جديدة‏ ‏
  • وقادرة‏ ‏كذلك‏ – ‏بالممارسة‏ – ‏على ‏شحذ‏ ‏المهارة‏ ‏و‏‏تعميق‏ ‏الوعى

هل يوجد وجه شبَهْ،بعد عشرات سنوات؟

 وهل ثم جديد الآن بعد عشر سنوات أخرى 2008 ؟

لست متأكدا

فجعلت هذه النشرة اليوم لمراجعة بعض ما كان تمهيداً للانتقال إلى تقديم مناهل المعرفة للشخص العادى أساسا، ولمن يهمه الأمر مهما بلغت أكاديمته!!!

قبل وضع هذا التعريف، كان مدخلى إليه هو من خلال وضع تعريف بالثقافة العلمية، وليس للثقافة العلمية هكذا:

“… ‏إذا‏ ‏كان‏ ‏التسخير‏ ‏العملى ‏لمعطيات‏ ‏العلم‏ ‏فى ‏تسهيل‏ ‏وتنظيم‏ ‏السلوك‏ ‏اليومى ‏المادى ‏الظاهر‏ ‏هو‏ ‏ما‏ ‏يسمى ‏التقنية‏ (‏التكنولوجيا‏)، ‏فإن‏ ‏تسخير‏ ‏معطيات‏ ‏العلم‏ ‏فى ‏تشكيل‏ ‏وعى ‏الناس‏ ‏وتنظيم‏ ‏مستويات‏ ‏الوجود‏…..، ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏هو‏ ‏المعنى ‏من‏ ‏هذا‏ ‏المفهوم‏ ‏الجديد‏ ‏المسمى ‏”الثقافة‏ ‏العلمية”.‏

………..

الثقافة‏ ‏العلمية‏ ‏هى ‏تحقيق‏ ‏التطبيق‏ ‏العملى “لفعل‏ ‏العلم” – ‏تفكيرا‏ ‏وإنجازا‏ ‏وناتجا‏- ‏فى ‏إعادة‏ ‏تنظيم‏ ‏الوجود‏ ‏البشرى ‏لعامة‏ ‏الناس‏، ‏حالا‏ ‏ومستقبلا‏، ‏وخاصة‏ ‏فى ‏مجالى ‏تعميق‏ ‏الوعى ‏وتحريك‏ ‏الإبداع‏.‏

فما‏ ‏هو‏ “فعل‏ ‏العلم“: ‏تفكيرا‏ ‏وإنجازا‏ ‏وناتجا‏ ‏؟

ومن‏ ‏هم‏ “عامة‏ ‏الناس” ‏الذين‏ ‏سوف‏ ‏يسهم‏ ‏العلم‏ ‏فى ‏تنظيم‏ ‏وجودهم‏ ‏بتعميق‏ ‏الوعى، ‏وتحريك‏ ‏الإبداع؟

ها ‏‏كم‏ ‏بعض‏ ‏ما‏ ‏خطرلى ‏من‏ ‏تنويعات‏ ‏تحتاج‏ ‏إلى ‏تمييز‏ ‏وتوضيح‏ ‏مبدئييـن‏ ‏

تنبيه:

إن‏ ‏ما‏ ‏لحق‏ ‏بكلمة‏ ‏العلم‏ ‏مؤخرا‏، ‏يكاد‏ ‏يخرج‏ ‏بما‏ ‏هو‏ ‏علم‏ ‏عن‏ ‏أصل‏ ‏مفهومه‏، ‏بل‏ ‏إنه‏ ‏مسئول‏ – ‏ولو‏ ‏جزئيا‏- ‏عن‏ ‏استعماله‏ ‏فيما‏ ‏هو‏ ‏ضده‏، ‏فأنت‏ ‏حين‏ ‏تصف‏ ‏بحثا‏ ‏ما‏ ‏بأنه‏ “علمى” ‏وآخر‏ ‏أنه‏ “غير‏ ‏علمى”، ‏أو‏ ‏حين‏ ‏تصف‏ ‏حديثا‏ ‏بأنه‏ “علمى” ‏أو‏ ‏أنه‏ “غير‏ ‏علمى”، ‏أو‏ ‏حتى ‏حين‏ ‏تصف‏ ‏ثقافة‏ ‏بأنها‏ “علمية” ‏وأخرى ‏بأنها‏ “غير‏ ‏علمية”، ‏وكذلك‏ ‏الإعلام‏.. ‏إلخ‏. ‏إنما‏ ‏تفعل‏ ‏ذلك‏ ‏بتسليم‏ ‏تلقائى، ‏وكأننا‏ ‏اتفقنا‏ ‏مـرة‏ ‏واحدة‏، ‏وإلى ‏الأبد‏، ‏على ‏ما‏ ‏هو‏ ‏علمى ‏وما‏ ‏هو‏ ‏غير‏ ‏ذلك‏، مع‏ ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏لم‏ ‏يحدث‏، ‏وربما‏ ‏لن‏ ‏يحدث‏ ‏أبدا‏ ‏بهذه‏ ‏الصورة‏ ‏الوثقانية‏ ‏المحدودة‏، ‏بل‏ ‏الأهم‏: ‏أنه‏ ‏لا‏ ‏يصح‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏هكذا‏ ‏أصلا‏.‏

تشويه:

ثَمَّ  ‏تشويه‏ ‏لحق بمفهوم العلم ومكانته‏ ‏نتيجة‏ ‏عوامل‏ ‏كثيرة‏ من ‏أهمها‏:‏

‏1- ‏غلبة‏ ‏أو‏ ‏اقتصار‏ ‏استعمال‏ ‏كلمة‏ ‏علم‏ ‏على ‏العلوم‏ ‏الطبيعية‏ (‏وأحيانا‏ ‏العلوم‏ ‏البحتة‏، ‏أو‏ ‏العلوم‏ ‏المنضبطة‏ ‏أو‏ ‏المحددة‏).‏

‏2- ‏ارتباط‏ ‏كلمة‏ ‏علم‏ (‏أكثر‏ ‏فأكثر‏) ‏بكم‏ ‏وطريقة‏ ‏تقديم‏ ‏المعلومات‏ ‏والنتائج‏ (‏فى ‏شكل‏ ‏أرقام‏ ‏وإحصاءات‏ ‏بوجه‏ ‏خاص‏)، أكثر من دوره البناء فى تعميق الوجود واتساع الوعى.

‏3- ‏قصر‏ ‏كلمة‏ ‏علم‏ ‏على ‏ما‏ ‏ثبت‏ ‏بالتجربة‏ ‏مع‏ ‏الإقلال‏ ‏النسبى ‏من‏ ‏دور‏ ‏الملاحظة‏ ‏بطبقاتها‏: ‏سواء‏ ‏كانت‏ ‏الملاحظة‏ ‏المقننة‏ ‏أو‏ ‏الملاحظة‏ ‏المباشرة‏ ‏المفصلة‏، ‏أو‏ ‏الملاحظة‏ ‏المتضمنة‏ ‏للباحث‏ ‏داخل‏ ‏الظاهرة‏ (المنهج ‏الفينومينولوجى).‏

‏4- ‏التأكيد‏ (‏لدرجة‏ ‏استبعاد‏ ‏ما‏ ‏دون‏ ‏ذلك‏) ‏على ‏ضرورة‏ ‏الإثبات‏ ‏بالإعادة‏ (‏المكررة‏) ‏قبل‏ ‏السماح‏ ‏بتصنيف‏ ‏الناتج‏ ‏بالملاحظة‏ ‏تحت‏ لافتة ‏ما‏ ‏هو‏ ‏علم‏.‏

‏5- ‏المغالاة‏ ‏فى ‏أهمية‏ ‏ارتباط‏ ‏كلمة‏ “علم” ‏بكلمة‏ “معمل”.‏

‏6- ‏ارتباط‏ ‏كلمة‏ ‏علم‏ ‏بكم‏ ‏الوثائق‏ ‏والمستندات‏ ‏المدعـمة‏ (‏وخاصة‏ ‏فيما‏ ‏يتعلق‏ ‏بالعلوم‏ ‏الحكائية‏ ‏أو‏ ‏العلوم‏ ‏التاريخية‏).‏

‏7- ‏ارتباط‏ ‏كلمة‏ ‏علم‏ ‏فى ‏كثير‏ ‏من‏ ‏الأحيان‏ ‏بالملموس‏ ‏والمحسوس‏ ‏دون‏ ‏المستنتج‏ ‏والمستخرج‏.‏

‏8- ‏الخلط‏ ‏بين‏ ‏العلم‏ ‏كماهية‏، ‏ونشاط‏ ‏متميز‏، ‏وبين‏ ‏الحصول‏ ‏على “شهادة” ‏أو‏ ‏درجة‏ ‏أو‏ ‏وظيفة‏ ‏لها‏ ‏صفة‏ ‏لاحقة‏ ‏تسمـى ‏علمية‏.‏

‏9- ‏تخصيص‏ ‏مؤسسات‏ ‏بذاتها‏ ‏لتتصف‏ ‏بصفة‏ “العلم” ‏وكأنها‏ ‏نافية‏ – ‏ضمنا‏- ‏لما‏ ‏‏ ‏هو‏ ‏خارجها‏ ‏باعتباره‏ ‏ليس‏ ‏علما‏ (‏أو‏ ‏ليس‏ ‏بالضرورة‏ ‏علما‏)، ‏مع‏ ‏أن‏ ‏ما‏ ‏بداخل‏ ‏هذه‏ ‏المؤسسات‏ “العلمية” ‏فى ‏الدول‏ ‏النامية‏ ‏كثيرا‏ ‏ما‏ ‏يكون‏ ‏هو‏ ‏الذي‏: ‏ليس‏ ‏بالضرورة‏ ‏علما‏. (‏مثل‏ ‏بعض‏ ‏مراكز‏ ‏البحوث‏، ‏وأحيانا‏ ‏الجامعات‏).‏

فعْلُ العلم:

ما الذى جعلنى أربط “الفعل” “بالعلم” هكذا كما ورد حالا مما يحتاج إلى توضيح

‏‏فعل‏ ‏العلم‏  – فى رأيى – ‏هو‏ ‏نشاطٌ‏ ‏إنسانى ‏كلى ‏يتميز‏ ‏أساسا‏ ‏بغلبة‏ ‏نوع‏ ‏من‏ ‏التفكير‏ ‏يتصف‏ ‏بالتسلسل‏ ‏المنظم‏ ‏من‏ ‏الملاحظة‏ ‏إلى ‏الفرض‏ ‏إلى ‏التحقيق‏ ‏إلى ‏المراجعة‏ ‏إلى ‏التفنيد‏ ‏إلى ‏فرص‏ ‏التوسيع‏ ‏إلى ‏إعادة‏ ‏صياغة‏ ‏الفرض‏ (‏الفروض‏) ‏وهكذا‏، ‏باستمرار‏، ‏هو أقرب إلى‏ ‏ما‏ ‏يسمى ‏”التفكير‏ ‏العلمى”، ‏وقد‏ ‏قصدت‏ ‏استعمال‏ ‏كلمة‏ “فعل” ‏هنا‏ ‏قصدا‏، ‏حتى ‏أنفى ‏أنها‏ ‏عملية‏ ‏تنظيرية‏ ‏معقلنة‏ ‏فقط‏.‏

حين يصبح العلم نفسه “فعلا” قائما بذاته، وليس فقط وسيلة إلى فعل يستعمِلُ ناتجه، يصبح إسهاما فى إبداع جديد لوعىٍ يتخلق.

علاقتنا بكلمة “العلم” وموقعنا منها:

لكل منا موقع وموقف من كلمة العلم حين يستعملها أو يسمع عنها أو ينتمى إليها، وفيما يلى بعض ذلك:

1- ‏مُنـِتـجُ‏ ‏العلم‏: ‏هو‏ ‏الشخص‏ ‏الذى ‏يمارس‏ ‏فعل‏ ‏العلم‏ ‏بمنهج‏ (‏أو‏ ‏مناهج‏) ‏محددة‏، ‏وبدرجة‏ ‏ما‏ ‏من‏ ‏التخصص‏، ‏بحيث‏ ‏يكون‏ ‏ناتج‏ ‏هذه‏ ‏الممارسة‏ ‏إضافة‏ ‏منظمة‏، ‏لعدد‏ ‏من المعلوات ‏و‏المعارف‏ ‏تتصف‏ ‏بدرجة‏ ‏من‏ ‏العمومية‏ ‏والتماسك‏ ‏وقد تعد بفائدة تطبيقية.

‏2-  ‏مستهلك‏ ‏العلم‏: ‏هو‏ ‏المتلقى ‏الذى ‏يستعمل‏ ‏معطيات‏ ‏العلم‏ ‏وإنجازاته‏ ‏فى ‏تسهيل‏ ‏حياته‏ ‏اليومية‏، ‏وكذلك‏ ‏فى ‏تطوير‏ ‏ذاته‏ ‏ومجتمعه‏، ‏يحدث‏ ‏هذا‏ ‏إما‏ ‏بإرادته‏ ‏الشخصية‏ ‏المعلنة‏، ‏أو‏ ‏من‏ ‏خلال‏ ‏أنه‏ ‏يندرج‏ ‏فى ‏مجتمع‏ ‏منظم‏ ‏يسمح‏ ‏وينظم‏ ‏هذا‏ ‏النوع‏ ‏من‏ ‏الاستهلاك‏ ‏والاستيعاب‏، ‏بطريقة‏ ‏تلقائية‏ ‏راتبة‏.‏

‏3- ‏حامل‏ ‏العلم‏: ‏وأعنى ‏به‏ ‏المحافظ‏ ‏على ‏المعلومات‏ ‏الناتجة‏ ‏من‏ ‏فعل‏ ‏العلم‏ ‏وإنتاجيته‏، ‏وهو ليس بالضرورة شخصا، إذ يمكن أن يكون‏ ‏كتابا‏ ‏أو‏ ‏منسوخا‏ ‏أو‏ ‏شريطا‏ ‏أو‏ ‏قرصا‏ ‏أو‏ ‏مكتبة‏ ‏أو‏ ‏وثيقة‏، أو موقعا إلكترونيا ‏أو‏ ‏راويا‏ ‏أو‏ ‏مؤرخا‏ ‏شفاهيا‏.‏

‏4- ‏ناقل‏ ‏العلم‏ (‏موصـل‏ ‏العلم‏): ‏وهو‏ ‏الذى ‏يقوم‏ ‏بتوصيل‏ ‏معطيات‏ ‏وإنجازات‏ ‏العلم‏ ‏من‏ ‏المنتج‏ ‏إلى ‏المستهلك‏ (‏بالمعانى ‏الإيجابية‏ ‏السابقة‏ ‏أو‏ ‏حتى ‏بالمعانى ‏السلبية‏ ‏اللاحقة‏)، ‏ويشمل‏ ‏ذلك‏ ‏الناقل‏ ‏الإنسانى (‏المعلم‏)، ‏والناقل‏ ‏الأحدث‏ ‏بكل‏ ‏أنواع‏ ‏إنجازات‏ ‏التكنولوجيا‏ ‏المتاحة‏ ‏لوسائل‏ ‏التوصيل‏ ‏المعاصرة‏.‏

‏[‏ملحوظة‏: ‏ما‏ ‏سبق‏ ‏من‏ ‏تنويعات‏ ‏لايعنى ‏بأية ‏حال‏ ‏من‏ ‏الأحول‏ ‏تعريفات‏، ‏وإنما‏ ‏هى ‏تحديد‏ ‏غلبة‏ ‏دور‏ ‏بذاته‏، ‏إذ‏ ‏أن‏ ‏أيا‏ ‏مما‏ ‏سبق‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يتصف‏ ‏بأكثر‏ ‏من‏ ‏صفة‏ ‏أخرى ‏فى ‏نفس‏ ‏الوقت‏]‏

الأوجه‏ ‏السلبية‏ ‏التى ‏تتعلق‏ ‏بكلمة‏ “العلم” (= ‏ضد‏ ‏العلم‏)‏

1- ‏خطأ‏ ‏استعمال‏ ‏العلم‏ (Misuse): ‏هو‏ ‏استعمال‏ ‏معطيات‏ ‏ومنجزات‏ ‏العلم‏، ‏استعمالا‏ ‏قاصرا‏ ‏أو‏ ‏ضيقا‏ ‏أو‏ ‏محدودا‏ ‏أو‏ ‏مغلوطا‏ عفوًا أو قصدا‏، مثل استعمال العلم لتفسير الدين.

‏2- ‏سوء‏ ‏استعمال‏ ‏العلم‏: (Abuse) ‏ وهو‏ ‏استعمال‏ ‏معطيات‏ ‏العلم‏، ‏بسوء‏ ‏قصد‏ ‏ظاهر‏ ‏أو‏ ‏خفى – ‏فيما‏ ‏يضر- ‏أو‏ ‏غير‏ ‏ذلك‏ ‏مما‏ ‏هو‏ “ضد‏ ‏العلم”.‏ مثل‏ ‏صناعة‏ ‏السلاح‏ ‏للتدمير والإفناء، ومثل استعمال العلم فى‏ ‏تشكيل‏ ‏الوعى ‏بما‏ ‏يفسده تعصبا، أو عنصرية، أو تميز، أو قهرا.

3‏-اختزال‏ ‏العلم‏: ‏ويدخل‏ ‏هذا‏ ‏فى ‏خطأ‏ ‏الاستعمال‏ ‏وسوء‏ ‏الاستعمال‏،  ‏وهو‏ ‏يعنى ‏اقتطاع جزئية ‏علمية‏، ‏من‏ ‏سياقها‏ ‏، ثم تأويلها الناحية الأخرى، أو مثل‏ ‏أخذ‏ ‏جزئية‏ ‏من‏ ‏المنجزات‏ ‏العلمية‏ ‏وتعميمها‏ وتسخيرها لغير غرَضها ‏فى ‏غير‏ ‏موقعها‏ ‏.‏

4-تلويث‏ ‏العلم‏: ‏وخاصة‏ ‏بخلط‏ ‏منهج‏ ‏من‏ ‏مناهج‏ ‏المعرفة‏ ‏بمنهج‏ ‏آخر‏ ‏بقصد‏ ‏التسوية‏ ‏الزائفة‏، أو التلفيق المتعسف، ‏لتحقيق‏ ‏أغراض‏ ‏لا‏ ‏تمت‏ ‏إلى ‏طبيعة‏ ‏العلم‏ ‏بـصـلـة‏، ‏ومن‏ ‏ذلك‏ ‏بعض‏ ‏التداخل‏ ‏التعسفى ‏بين‏ ‏منظومات‏ ‏المعرفة‏، ‏بقصد‏ ‏التعميم‏ ‏أو‏ ‏لى ‏الذراع‏ ‏أو‏ ‏التعصب‏ ‏أو‏ ‏الإعلان‏ ‏أو‏ ‏الترويج‏، ‏وأكثر‏ ‏هذه‏ ‏النماذج‏ ‏شيوعا‏ ‏هى ‏مسألة‏ ‏التفسير‏ ‏العلمى ‏لبعض‏ ‏نصوص‏ ‏الدين‏، ‏وبدرجة‏ ‏أقل‏ ‏الترويج‏ ‏لعلمنة‏ ‏الفن‏ ‏مثل‏ ‏علمنة‏ ‏النقد‏ ‏الأدبى، ‏وإلى ‏درجة‏ ‏أقل‏ ‏أيضا‏ ‏تلك‏ ‏التداخلات‏ ‏الوثقانية‏ ‏لبعض‏ ‏العلوم‏ ‏النفسية‏ ‏فى ‏تفسيرات‏ ‏فعل‏ ‏سياسى ‏مثلا‏…‏الخ‏.‏

5‏-عبادة‏ ‏العلم‏: ‏وهذا‏ ‏ما‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يسمى “دين العلم” ‏حين‏ ‏يصبح‏ ‏العلم‏ ‏بمثابة‏ ‏قيد‏ ‏أيديولوجى ‏على ‏مصادر‏ ‏المعرفة‏ ‏من‏ ‏روافد‏ ‏أخرى أو حتى مناهج أخرى من خارج مؤسسة العلم السلطوية (‏مثل‏ ‏الممارسة‏ – ‏الإيمان‏ – ‏الفن‏)، ‏ويتطلب‏ ‏هذا‏ ‏النوع‏ ‏من‏ ‏العبادة‏ ‏تجميد‏ ‏المعبود‏ ‏وتصنيم المنهج- ‏مثل‏ ‏أغلب‏ ‏الطقوس المقدسة‏ – ‏بحيث‏ ‏يحول‏ ‏ذلك‏ ‏دون‏ ‏مرونته‏ ‏ومراجعته‏ ‏وتفنيده‏ ‏وامتداده‏، ‏وإبداله‏، ‏ويصبح‏ ‏العلم‏ ‏إلها‏ ‏ينزل‏ ‏الوحى، ‏وليس‏ ‏كيانا‏ ‏دائم‏ ‏التغيير‏ ‏من‏ ‏خلال‏ ‏الممارسة‏ ‏المتجددة‏.

6‏-تخزين‏ ‏العلموحبسه: ‏وينطبق‏ ‏تعبير‏ ‏خازن‏ ‏العلم‏ ‏على ‏العالم‏ ‏المنغلق‏ ‏على ‏ذاته‏ ‏دون‏ ‏امتداد‏ ‏فى ‏تلاميذه‏، ‏كما‏ ‏ينطبق‏ ‏على ‏حجز‏ ‏العلم‏ ‏عن‏ ‏مستهلكيه‏ ‏بانفصال‏ ‏العلم‏ ‏عن‏ ‏المجتمع‏.‏

7‏-احتكار‏ ‏العلم‏: ‏وهذا‏ ‏احتمال‏ ‏وارد‏ ‏حين‏ ‏يصبح‏ ‏العلم‏ ‏ملكا‏ ‏خاصة‏ ‏لفئة‏ ‏بذاتها‏ ‏دون‏ ‏سائر‏ ‏الناس‏، ‏وليس‏ ‏حقا‏ ‏عاما‏ ‏للناس‏ ‏كافة‏، ‏واحتكار‏ ‏العلم‏ ‏قد‏ ‏يأخذ‏ ‏صورا‏ ‏صريحة‏ ‏مثل‏ ‏الاحتفاظ‏ ‏بأسرار‏ ‏علمية‏ ‏مثل‏ ‏سر‏ ‏تفجير‏ ‏الذرة‏، ‏ولكنه‏ ‏قد‏ ‏يأخذ‏ ‏أشكالا‏ ‏أخطر‏ ‏وأخفى، ‏حين‏ ‏يأخذ‏ ‏شكل‏ ‏تصدير‏ ‏ظاهر‏ ‏العلم‏ ‏دون‏ ‏حقيقته‏، ‏أو‏ ‏ممارسة‏ ‏التباهى ‏بقشور‏ ‏ناتج‏ ‏العلم‏ ‏دون‏ ‏امتلاك‏ ‏ناصية‏ ‏منهجه‏، ‏يقوم‏ ‏بذلك‏ ‏عادة‏ ‏المستهلك‏ ‏الأدنى، ‏فينقسم‏ ‏الناس‏ ‏إلى ‏منتج‏ ‏ومبدع‏ ‏فى ‏ناحية‏ ‏فوقية‏، ‏ومستهلك‏ ‏تابع‏ ‏فى ‏الناحية‏ ‏الدونية‏، ‏رغم‏ ‏أن‏ ‏الجميع‏ ‏يتصورون‏ ‏أنهم‏ ‏يعيشون‏ ‏تحت‏ ‏مظلة‏ ‏ما‏ ‏يسمى ‏حياة‏ ‏عصرية‏ ‏علمية‏.‏

8‏-تزييف‏ ‏العلم‏: ‏العلم‏ ‏الزائف‏Pseudoscience ‏: هو‏ ‏النشاط‏ ‏الذى ‏يأخذ‏ ‏شكل‏ ‏العلم‏، ‏وظاهر‏ ‏منهجه‏، ‏دون‏ ‏أن يلتزم بموضوعية ‏‏معناه‏ ‏وغائيته‏ ‏وحركيته‏ ‏وإضافاته‏ ‏ومرونته‏

وقد انتشر هذا النشاط مؤخراً حين تمادت الشركات العملاقة العابرة (الدواء والسلاح والبترول..الخ) فى استعمال العلماء الذين يسمون مؤخرا “بروليتاريا العصر الحديث“، حيث يستعمل العلماء لتحقيق أغراض لم يحاطوا بحقيقة أبعادها: مثل تخليق غرائز استهلاكية جديدة لصالح تكديس السلطة والأموال فى أيدى من لا ينفع البشر ولا يطورهم.

لفظ “العلم” من المعاجم وما يمكن أن يتضمنه

أحترم المعاجم احتراما شديداً، لكننى أتجول فيها مختاراً، وأبدأ منها، ولا أتوقف عندها، وأحاول أن استلهم من محاولاتهم لتقديم تعريف جامع مانع ما يسمح لى بمتابعة تشكيلات الكلمة تاريخا وحاضرا. 

‏أولاً: من المعاجم الانجليزية [1]

‏1- ‏العلم‏ ‏هو‏ ‏حالة‏ ‏أو‏ ‏حقيقة‏ “أن‏ ‏نعرف” ‏

ويشمل‏ ‏هذا‏ ‏التعريف‏ ‏أن‏ ‏العلم‏ ‏هنا‏ ‏هو‏ ‏ما‏ ‏يقابل‏ ‏فعل‏ ‏المعرفة‏، ‏أو‏ ‏حالة‏ ‏كوننا‏ ‏عارفين‏، ‏وهذا‏ ‏يتضمن‏ ‏المعايشة‏ ‏والاستيعاب‏، ‏قبل‏ ‏وبعد‏ ‏تنظير‏ ‏المعلومات‏ ‏وتنظيمها‏.‏

‏2- ‏العلم‏ ‏هو‏ ‏المعلومات‏ ‏التى ‏نتحصل‏ ‏عليها‏ ‏من‏ ‏خلال‏ ‏الاستيعاب‏ ‏أو‏ ‏التعرف‏ ‏أو‏ ‏التمكن‏ ‏من‏ ‏أى ‏مجال‏ ‏من‏ ‏مجالات‏ ‏التعلّم‏. ‏

ويشمل‏ ‏هذا‏ ‏التعريف درجة‏ ‏من‏ ‏تعميم‏ ‏وسائل‏ ‏التعرف‏ ‏بالإضافة‏ ‏إلى ‏التمكن‏، ‏لكن‏ ‏يكاد‏ ‏يحدد‏ ‏هذا‏ ‏التعريف‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏هذا‏ ‏النشاط‏ ‏فى ‏إطار‏ ‏التعلم‏، ‏وما‏ ‏لم‏ ‏يتسع‏ ‏معنى ‏التعليم‏ ‏والتعلم‏ ‏ليشمل‏ ‏تغيير‏ ‏التركيب‏ ‏فإن‏ ‏التعريف‏ ‏يصبح‏ ‏قاصرا‏، ‏ورغم‏ ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏التعريف‏ ‏لا‏ ‏يؤكد‏ ‏على ‏التخطيط‏ ‏الهادف‏ ‏فى ‏هذه‏ ‏العملية‏، ‏إلا‏ ‏أن‏ ‏السياق‏ ‏يوحى ‏بذلك‏، ‏ليس‏ ‏من‏ ‏جهة‏ ‏الفرد‏ ‏فقط‏ ‏وإنما‏ ‏بصفة‏ ‏عامة‏.‏

‏3- ‏العلم‏ ‏هو‏ ‏منظومة‏ ‏شاملة‏ ‏من‏ ‏الأحكام‏ ‏والرؤى ‏العامة‏، ‏وذلك‏ ‏من‏ ‏خلال‏ ‏إثباتات‏ ‏منهجية‏. ‏

هذا‏ ‏مدخل‏ ‏يوسع‏ ‏مفهوم‏ ‏العلم‏ ‏بدرجة‏ ‏كافية‏ ‏لكنه‏ ‏لا‏ ‏يحدد‏ ‏منهجا‏ ‏بذاته‏، ‏وهو‏ ‏لا‏ ‏يقصر‏ ‏بعض‏ ‏المعارف‏ ‏دون‏ ‏غيرها‏ ‏على ‏ما‏ ‏هو‏ ‏علم‏، ‏وتضمين‏ ‏الرؤى ‏هنا‏ ‏فيما‏ ‏هو‏ ‏علم‏، ‏وكذلك‏ ‏عدم‏ ‏تحديد‏ ‏نوع‏ ‏خاص‏ ‏من‏ ‏المناهج،‏ ‏لابد‏ ‏وأن‏ ‏يوسع‏ ‏دائرة‏ ‏ما‏ ‏هو‏ ‏علم‏ ‏بشكل‏ ‏أو‏ ‏بآخر‏.‏

‏4- ‏العلم‏ ‏هو‏ ‏نوع‏ ‏من‏ ‏المعارف‏ ‏أو‏ ‏النشاط‏ ‏الذهنى ‏الذى ‏تتبدى ‏فيه‏ ‏العلوم‏  ‏. ‏

‏ ‏فالعلم‏ ‏الفلانى ‏هو‏ ‏مجرد‏ ‏مظهر‏ ‏نوعى ‏لنشاط‏ ‏معرفى ‏ذهنى ‏أشمل‏، ‏إحدى ‏تجلياته‏ ‏تظهر‏ ‏فى ‏صورة‏ ‏هذا‏ ‏العلم‏ ‏أو‏ ‏ذاك‏.‏

معان أحدث أضيق (معاجم انجليزية أيضا)

‏ ‏المعانى ‏الأحدث‏ ‏للعلم‏ ‏جعلت‏ “ما‏ ‏هو‏ ‏علم‏ : ‏أكثر‏ ‏حبكة‏، ‏وأوضح‏ ‏تنظيرا‏ ‏وإن كان أضيق إحاطة مثل‏:‏

أ‏) ‏العلم‏ ‏هو‏ ‏فرع‏ ‏من‏ ‏الدراسة‏ ‏يصف‏ ‏منظومة‏ ‏متماسكة‏ ‏من‏ ‏الحقائق‏ ‏المبنية‏ ‏أو‏ ‏الملاحظات‏ ‏المرصودة‏ ‏أو‏ ‏الحقائق‏ ‏الملاحـظـة‏ ‏المنسقة‏ ‏والمصنفة‏ ‏حتى ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏تندرج‏ ‏فى ‏قانون‏ ‏شامل‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يحددها‏ ‏بقواعد‏ ‏عامة‏ ‏بما‏ ‏يشمل‏ ‏تحديد‏ ‏مناهج‏ ‏تعتمد‏ ‏عليها‏ ‏لاكتشاف‏ ‏حقائق‏ ‏جديدة‏ ‏داخل‏ ‏ذات‏ ‏المجال‏.‏

ب‏) ‏العلم‏ ‏هو‏ ‏النشاط‏ ‏الذهنى ‏المهتم‏ ‏بالحقائق‏ ‏النظرية‏ ‏فى ‏مقابل‏ ‏الفن‏ ‏الذى ‏تنصرف‏ ‏أحكامه‏ ‏إلى ‏إحداث‏ ‏تأثير‏ ‏بذاته‏.‏

جـ‏) ‏العلم‏ ‏هو‏ ‏النشاط‏ ‏المقنن‏ ‏الذى ‏يدرس‏ ‏العالم‏ ‏الطبيعى ‏وقوانينه‏، ‏مما‏ ‏يتطلب‏ ‏فى ‏النهاية‏ ‏استبعاد‏ ‏كل‏ ‏من‏ ‏الرياضيات‏ ‏والنشاط‏ ‏الكهنوتى ‏واللاهوتى ‏والديني‏.‏

نلاحظ‏ ‏هنا‏ ‏كيف‏ ‏أن‏ ‏التعريفات‏ ‏الأحدث‏ ‏ضاقت‏ ‏بالقياس‏ ‏بما‏ ‏سبق‏، كما أنها اهتمت بأن تكون “مانعة” أكثر منها “جامعة” مثل الإشارة إلى استبعاد “الفن” و”الرياضة” و”الدين” (لاحظ  كيف أن الرياضة ليست علما).

ثانيا: من الأصول والمعاجم العربية

بالنسبة‏ ‏لاستلهام‏ ‏اللغة‏ ‏العربية‏ ‏نجد‏ ‏أن‏ ‏الأمر‏ ‏أكثر‏ ‏فضفضة‏، ‏وإن‏ ‏كان‏ ‏أبعث‏ ‏على ‏الحركة‏ ‏والمغامرة‏ ‏بتوسيع‏ ‏المفهوم‏، ‏فبعض‏ ‏المعانى ‏التى ‏شدتنى ‏وصفت العلم بأنه:

1- ‏يعنى ‏الشهادة‏ ‏والمعرفة‏ ‏والكشف‏ ‏والحدس‏ ‏معا‏.‏

2‏- ‏ ‏يشمل‏ ‏نوعا‏ ‏من‏ ‏العلم‏ ‏يأتى ‏من‏ ‏مباشرة‏ ‏التعرى ‏أمام‏ ‏كون‏ ‏أقدر‏.‏

3- ‏يؤكد‏ ‏جانب‏ ‏الممارسة‏ ‏فيما‏ ‏جاء‏ ‏من‏ ‏إضافة‏ ‏المهارة‏ ‏والتدريب‏ ‏كوسيلة‏ ‏لاكتساب‏ ‏العلم‏ “… ‏بالمزاولة‏ ‏وطول‏ ‏الدراية‏ ‏حتى ‏يصبح‏ ‏غريزة”.‏

(وهكذا‏ ‏فـرق‏ ‏هذا‏ ‏التعريف‏ ‏بين‏ ‏المتعلم‏ ‏والعالم‏ “فالأول‏ ‏يحصل‏ ‏على ‏المعارف‏، ‏ولا‏ ‏تصبح‏ ‏جزءا‏ ‏من‏ ‏كيانه‏، ‏والثانى ‏يخرج‏ ‏بغريزة‏ ‏التعلم‏ ‏ربما‏ الأقرب ‏إلى ‏ما‏ ‏أسميناه: “فعل‏ ‏العلم”)‏

العلم فى اللغة الدينية:

يحلو لكثير من الناس، خاصة المهتزة عقيدتهم، أن يلتقطوا كلمة “علم” كما وردت فى نصوص مقدسة، أو التى تكاد تكون كذلك، ويعممونها دون فحص أو مراجعة على مفهوم العلم بشتّى تنويعاته وكأنهم بذلك يدعمون الدين ويبررونه ويسوقونه، يحدث ذلك بوجه خاص فى التفسيرات السطحية والمتعسفة  لكلمة “علم” كلما وردت  فى نص دينى.

إن المراجعة الشجاعة والمتأنية لهذه المسألة لابد أن تكتشف أن  ما ورد فى ‏القرآن‏ ‏الكريم‏ ‏والأحاديث‏ ‏النبوية من استعمال هذه الكلمة “علم” ليس له علاقة باستعمالها فى عصرنا هذا، وبالتالى يجدر بنا أن نحترم تراثنا بشكل أفضل.

 ‏كلمة‏ ‏العلم ‏ ‏قد‏ ‏وردت‏ ‏فى ‏النصوص‏ ‏الدينية‏ ‏و‏الشرعية‏ ‏بمضمون‏ ‏أبعد‏ ‏ما‏ ‏يكون‏ ‏عن‏ ‏المفهوم‏ “‏الجامع‏ ‏المانع‏ ‏الذىيحدد‏ ‏معناها‏ ‏المعاصر‏، ‏وأيضا أبعد عادة عن‏ ‏المعنى ‏المراد‏ ‏إبلاغه‏ ‏للعامة‏ من خلال المنظومة العلمية الأحدث.

كيف وردت كلمة العلم فى لغة التصوف

حضور‏ ‏كلمة‏ ‏علم‏ ‏فى ‏اللغة‏ ‏العربية‏ ‏فى ‏مجال‏ ‏التصوف‏ ‏كان‏ ‏مختلفا‏، ‏ولا‏ ‏يحسب‏ ‏أحد‏ ‏أن‏ ‏لغة‏ ‏التصوف‏ ‏هى ‏لغة‏ ‏خاصة‏ ‏نادرة‏، ‏ذلك‏ ‏أن‏ ‏العامة‏ (‏فى ‏مصر‏ ‏خاصة‏) – ‏كثيرا‏ ‏ما‏ ‏تتلقى ‏وتستعمل‏ ‏الكلمات‏ ‏وهى ‏تحمل‏ ‏مضمون‏ ‏لغة‏ ‏الصوفية‏، ‏أكثر‏ ‏مما‏ ‏تحمل‏ ‏مضمون‏ ‏اللغة‏ ‏التقليدية‏ .‏

وفى ‏حين‏ ‏لا‏ ‏تظهر‏ ‏كلمة‏ “العلم” ‏هكذا‏ ‏فى ‏معجم‏ ‏إبن‏ ‏عربى -‏مثلا‏- ‏نجد‏ ‏أن‏ ‏النفرى ‏قد‏ ‏أحاط‏ ‏بها‏ ‏من‏ ‏جوانب كثيرة‏، فى مواقف متعددة، ‏ وفيما يلى بعض مواقف النفرى التى استعمل فيها كلمة “العلم”

من مواقف النفرى:

سوف أكتفى‏ بالبدء ‏بالإشارة‏ ‏إلى ‏مقتطفين‏ ‏من‏ ‏النفرى: ‏الأول: ‏يجعل‏ ‏العلم‏ ‏دابة‏ ‏من‏ ‏الدواب‏ ‏فى ‏الطريق‏ ‏إلى ‏المعرفة‏، ‏والثانى: ‏ينبه‏ ‏إلى ‏الفرق‏ ‏بين‏ “جريان‏ ‏العلم” “وعين‏ ‏العلم” ‏وألسنة‏ ‏العلوم”، ‏وأعتقد‏ ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏التمييز‏ ‏يتعلق‏ ‏بموقف‏ ‏الإعلام‏ ‏من‏ ‏ناحية‏ (“جريان‏ ‏العلم”)، ‏والتحذير‏ ‏من‏ ‏الإكتفاء‏ ‏بتسميع‏ ‏العلم‏ ‏والرطانة‏ ‏بلغته‏ ‏من‏ ‏ناحية‏ ‏أخرى (‏ألسنة‏ ‏العلم‏)، ‏ثم‏ ‏التنبيه‏ ‏إلى ‏ضرورة‏ ‏الغوص‏ ‏إلى ‏فعل‏ ‏العلم‏ ‏وجوهر‏ ‏المعرفة‏ ‏من‏ ‏ناحية‏ ‏ثالثة‏ (‏عين‏ ‏العلم‏). ‏

(أ) إذا عرفت معرفة المعارف جعلت العلم دابة من دوابك.

(أنظر كيف حدد العلم كوسيلة بين وسائل أخرى إلى معرفة أمثل، ربما تكون هى عمق الثقافة فى لغتنا المعاصرة)

(ب) من اغترف العلم من جريان العلم، لا من عين العلم، نقلته ألسنة العلوم وميلته تراجم العبارات،

فلم يظهر بعلم مستقر، ومن لم يظفر بعلم مستقر لم يظفر بحكم.

(لاحظ: أن الاستقرار غير السكون والثبات)

هذا، وقد حاولت فيما حاولت أن أقرأ – استلهاما موازيا – بعض مواقف النفرى (يومية 28-1-2008 “النفرى والشعور بالذنب”) بما قد يقربنا من كشف معين فى هذه المسألة

 وفيما يلى بعد ذلك دون تعديل:  “مواقف النفرى بين التفسير والاستلهام”

أولا:

وقال لى :

من لم يقف: رَأَى المعلومَ ولم ير العلم،

فاحتجَب باليقظة كما يحتجبُ بالغفلة

موقف الوقفة (ص12)

القراءة الاستلهام:

خلطوا بين العلم والمعلوم،

 العلم جوهرٌ، والمعلوم ظاهرٌ محتمل.

 قالوا إن العالم هو مَن علم المعلومة أو علّمها.

وتـُعلِّمنا أن العـِالم هو حضورٌ ممتلئ بذاته.

 العالِمُ يتعلم المعلومات، يفرز المعلومات، ولا تحدّه المعلومات.

نـدّعى اليقظة فيحتد الانتباه فيختفى باقينا وراء ألمعية الغباء.

نـدّعى الغفلة حتى نطلب الرحمة، فنتخبّط فى العمى ونظلم أنفسنا.

عِلْمُ العلماء توقف عند عِلْمِ العلماء.

الواقف خاشعا يستعمل علمهم من الظاهر،

لا يـَصـْلح به فى ذاته، إلا أن يكون طريقا إليك.

لا هو يرفضه ولا هو يعبـده.

 فى رحابك يضع علمه حيث تضعه منه.

العلماء أدواتك إليك، لا هُمْ بديلا عنك، ولا هم إثباتا لك.

هم يصلحون بعلمهم إذا ركبوه ولم يركبهم،

إذا ذكروه ولم يـُنسهم أنفسهم.

هم نسوك فنسيتَهم رحمةً بهم،

 وحين يذكرونك سيضعون علمهم ومعلوماتهم حيث تقرّبهم منك،

وليس حيث يثبتونك بها.

 غرّهم بعلمهم الغرور، مع أن العلماء أولى بك من غيرهم.

 امتحانهم أصعب، ويقينى أن عدلك لن يتخلّى عنهم.

بفضلك لم أتركهم، ولم أتبعهم، ولم أعلنهم أين أقف بين يديك إليك،

لا أخاف، ولا أنسحب، ولا أرفض.

اليقظة زادى إلى ما بعدها من غيبك المدهش الحافز للكشف،

والغفلة سماحُك لأجمع نفسى حتى أحتمل مواصلة السعى إليك.

لا تحجبنى عنك لو غرّتنى يقظتى عن خيبتى الرائعة،

ولا تطمس وعيى لو طالت غفلتى.

ثانيا:

وقال لى:

الوقفة روح المعرفة

 والمعرفة روح العلم

 والعلم روح الحياة.

 وقال لى:

 كل واقف عارف،

 وما كل عارف واقف

 موقف الوقفة (ص12)

لكل كيان روح، ليست نقيض جسده، ولا هى منسلخة عنه.

هى جُـمّاعُــه فى امتداده إلى ما بعده.

خاف العلماء على علمهم من المعرفة، فأصبح علما بلا روح.

 سُلبت روحه فما جدواه؟

 وخاف العارفون على معارفهم من الوقفة فأصبحت معرفة بلا روح، سلبت روحها، فماذا تبقى منها؟

 وخاف الواقف على وقفته فى رحابك يريد وجهك،

خاف من ُدخلاء الادّعاء،

فاحتفظَ بروح وقفته وهو يبحث عن أبجديةٍ لها فى المعارف والمعلومات.

راح يحاول أن يحتوى العلم والمعرفة دون أن يتخلّى عن وقفته.

ماذا أقول لهم مولاى العدل الصمد؟

إن الوقفة غير التوقّف. فما أدراهم بالوقفة فى رحابك؟

 عذرتُهم دهرا.

ُبعدهم عنك لم يسمح لهم أن يميزوا بين الوقفة والتوقف.

 خاف العلماء أكثر فأكثر على علمهم من أدعياء المعرفة، فتجنّبوا المعارف إلا ما عرفوا بأدواتهم المقدسة حتى التصلب.

تجنبوا حتى معارف العارفين.

 وخاف العارفون على معارفهم من أدعياء الوقفة، فاستغنواعن الوقفة.

وخاف الواقفون من سفاهة السفهاء فى كل المواقع، فلاذوا بالصمت،

طمعا فى رحمتك بنا، وبهم.

لا أعرف حلاّ فى المدى القريب.

الواقف الذى لا يرى سواك: يرى المعرفة والمعارف، كما يرى العلم المعلومات، تأتيه من خلال وقفته ليراك. (وهل يمكن أن تكون إلا كذلك؟)

حين ينتظم العلم والمعلوم، والمعرفة والمعروف لتكون هى هى منك إليك،

يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار.

تهدى سبحانك لنورك من تشاء،،شرط أن يطلب الهداية.

 إذا اكتفى العلماء والعارفون بعلمهم ومعارفهم، عَمُوا وصمّوا، فأنكروا وضّلوا. حتى لو جاء ذكرك على لسانهم أيام العطلات، وقبل النوم،

 وأثناء أداء العمرة تلو العمرة.

 

ثالثا:

وقال لى:

اطّلع فى العلم فإن لم تر المعرفة فاحذره،

واطّلع فى المعرفة فإن لم تر العلم فاحذرها

موقف المطلع (ص32)

العلم حق، والمعرفة حق، والوقفة حق.

وأحق الحق هو ترتيب الحق فى موضعه منك، ومن الحق الآخر، فالحق الاخر، وهكذا: ليصب الجميع فى الحق الأكبر.

 حذرتُ نفسي-بفضلك من ترك العلم بحجة عـَمَى العلماء،

مع أن كثيرا من أدواتهم هى من بنات عمومة اللات والعّزي.

حاولتُ ألا أفصل المعرفة عن العلم أو العلم عن المعرفة، ولو اختلفت الأدوات، فلم أنجح إلا قليلا.

عدت أبحث عن المقياس، فلم أجد ما يعيننى جاهزا.

قلت: تتوازى السبل لتكمّل بعضها بعضا،

وإذا بالخطوط المتوازية لا تلتقى أبدا.

رحت أنظر فى محاولات غيرى فوجدتهم يترجمون المنظومات إلى بعضها البعض، فلحقتْ الكوارث بالأصل والترجمة على الجانبين ذهابا وإيابا.

خاب تفسير العلم لـلمعارف، وتشوهت المعارف برطان أبجدية العلم، وتفرّقنا مخدوعين بالخلط، أو متبارين بالزيف على الجانبين. فـبَـعـُد الجميع عنك إلا من خيالات نسجوها بدلا منك،

 كما بعدوا عن العلم إلا من مُعلقات مُحنطات.

آلات الجشع تبرق وكأنها نور بديل، فلا تضيئ إلا ما لا حاجة لنا إليه.

بعدوا عن المعرفة إلا من شطحٍ كاليقين.

استعلوا على الغيب خوفا من الخرافة، فطمسواالطريق للكدح كدحا.

هم لم يقتربوا أصلا من الوقفة بين يديك،

ولو فعلوا لتبيّنوا أنك فى كل ذلك غير ذلك.

أمرك، سبحانك.

تأمرنى أن أطّلع فى العلم، بحثا عن المعرفة، فهل يسمح أهل العلم؟

وأن أطّلع على المعرفة بحثا عن العلم، فهل يسمح أهل المعرفة؟

ولماذا أنتظر سماحهم وأنا فى موقف الأمر؟

 أنت تحذرنى ثقة بى، فأنا أهل لذلك، هذا هو.

 رحمتك ورؤيتك تفتح لى آفاق كل شيء، فلا أرفض.

مسئول أنا أن أوصّلَ، لا أن أترجم.

أن أقول، لا أن أعيد.

 أن أفعل، لا أن أثْبت.

 أن أستكشف، لا أن أحكُم.

أبحث عنك فأجدك فى كل صغيرة وكبيرة.

آهٍ لو يخطر على بالهم أن كله منك، وإليك، وأنك تتجلّى فى كل شئ :

فى كل علم، فى كل معرفة، فى كل حرف، فى كل قولية، فى كل إثبات، فى كل ضد، فى كل أصل، فى كل فرع:

إذن لأراحوا أنفسهم وكفّوا عن تشويهك بالأدلة، وبالتأويل، و بالتبرير، وبالتزوير، وبالتسطيح، وبالاستغفال، وبالصور، وبالتصوير، وبالاختزال، وبالتسويق، وبالرشوة.

إذا استمر الأمر هكذا فلسنا أهلا للتوجه إليك،

 إلا أن تغفر لنا، وتتوب علينا.

وبعد

لا‏ ‏مجال‏ ‏لتفصيل‏ ‏ماذا‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏تستلهم‏ ‏مناهج‏ ‏العلم‏ ‏الحديث‏ ‏من‏ ‏كل‏ ‏هذا‏ ‏العمق‏ ‏عند‏ ‏النفرى ‏خاصة‏، ‏وهو‏ ‏يحدد‏ – ‏مثلا‏ – ‏أنواع‏ ‏المعرفة‏، ‏والعلم‏، ‏والمواقف‏ ‏وغيرها‏، ‏لكن‏ ‏إهمال‏ ‏هذا‏ ‏الثراء‏ ‏أو‏ ‏إنكاره‏، ‏والاكتفاء‏ ‏بالجاهز المصمت‏ ‏من‏ ‏مناهج‏ ‏مختزلة‏، ‏إنما‏ ‏يؤدى ‏إلى ‏خنق‏ ‏لفظ‏ ‏العلم‏ ‏داخل‏ ‏قوالب‏ ‏تحول‏ ‏دون‏ ‏حركته‏ ‏وتطوره‏، ‏وهذا‏ ‏هو‏ ‏من‏ ‏أهم‏ ‏ما‏ ‏يحرمنا‏ ‏من‏ ‏استلهام‏ ‏تراثنا‏ ‏بغير‏ ‏وجه‏ ‏حق‏. ‏

وبعد

ليست المسألة مبارزة خائبة بين منهج ومنهج، ولا هى مباراة فخر وهجاء بين أسلوب وأسلوب، وإنما هى دعوى إلى الاستماع لكل الأصوات بالسماح اللازم، والحذر الواجب، فالإنسان بتاريخه الحيوى الرائع، أحوج ما يكون إلى كل مستوياته تنشط وتتضفر وتتجادل، لينطلق إلى ما يَعِدُ به من كل صوبٍ وحدب نحو ما يمكن أن يكونه، “ليصير” أبداً.

[1] – قمت بالترجمة شخصيا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *