نشرت فى الدستور
26-10-2005
العلاج بـ “وصفة” الأعراض (3)
رهاب الموت
الخوف فى المرض النفسى له تصنيفات وتشكيلات، فالخوف من مجهول غامض متذبذب وداخلى غالبا، يسمى “القلق العام العائم المتماوج”. هذا المرض كان شائعا فى أول ممارستى للطب النفسى (أواخر الخمسينات) لكنه أخذ يتراجع لحساب نوبات الهلع التى ذركناها فى العدد الماضى، هناك أنواع أخرى من الخوف تحدث بالنسبة لمثير بذاته، لا مبرر للخوف منه، على الأقل الآن، مثل الخوف من الأماكن المرتفعة، أو الضيقة المغلقة، وهو ما يقال له “رهاب” (بضم الراء على وزن فعال)، ويسمى هذا الخوف أو ذاك “رهاب كذا ، أو رهاب كيت ، مثلا : رهاب الموت، أو رهاب السرطان..إلخ
كيف يمكن أن نتناول رهاب الموت، كمثال، من منطلق “وصفة الأعراض”؟
يأتى المريض ويحكى عن خوفه من الموت، وأنه يخشى لحظة الاحتضار، أو عذاب القبر، . ثم يسأل وهو يشير إلى بعض أعراض تذكره بالموت : يعنى أنا حاموت يا دكتور؟ فأبادر بالتأكيد أنه “إن شاء الله”، (بدلا من : بعد عمر طويل، أو بعيد الشر) فيقفز المريض متعجبا : إن شاء الله ماذا؟ فأرد فورا “إن شاء الله ربنا ياخدك” ، هذا إذا كنت قد اطمأننت لدرجة مناسبة من الثقة طبعا، فيكمل المريض “كيف ؟ ماذا تقول؟”، فأواصل” تماما كما سيأخذنى وقتما يشاء سبحانه. ثم أتحسس ثقة أعمق لأواصل التقدم ، وأنا أطلب منه ألا يقاوم الفكرة بل يستدعيها، طالما أنها فكرة الموت، وليست الموت نفسه، وهذا عكس ما يقال له عادة فى الاتجاه الآخر من أن عليه أن يستعيذ من الفكرة، وأن يطردها بأن يحل محلها أفكارا بهيجة، أو أن يشغل نفسه بما هو أكثر واقعية. يستغرب المريض وهو يريد أن يتأكد من أنه أمام طبيب حقيقى، فأكمل بأن أكتب له على الروشتة فعلا “مسموح الموت وقتما يشاء سبحانه وتعالى”.
فى الاستشارة نتواجه من جديد، ويتأكد هو من موقفى، وقد نتحدث فى نوع الجنازة التى يفضلها، أو تفاصيل النعى، وقد يبادلنى مثل ذلك، وقد يتدعم موقف الثقة بما يسمح لى أن أكتب له عبارات معينة يكررها مرات محددة صباحا ومساء، وقد يقبل، وقد يشفى، أو قد يذهب إلى من هو أحذق منى، وأطيب، مع أننى طيب والله العظيم، لكن الطيبة أنواع.