ملف العدد عن:
أزمـة القيم، وإشكالة الأخلاق
نشأت فكرة هذا الملف حين كتب زميلنا سكرتير التحرير”فريد زهران”، افتتاحيته هذا العدد يكمل ما بدأه فى هذا الموضوع، ويضعنا أمام مسئوليتنا الصعبة، وهو يذكرنا بدلالة الأخلاق وخطورة سوء استعمالها، وخفاء مداخل زيفها وتزييفها.
فى افتتاحيته السابقة للعدد 66/65 بدأ هذا الهم يتضح بجلاء وهو يتقدم بأطروحته التى تناولت”الأخلاق بين الضرورة الاجتماعية، والإيمان الديني”، وكانت هذه الأطروحة بمثابة الرد على مقال لرئيس التحرير نشر فى الأهرام عن العولمة ونوعية الحياة (المعاصرة)، بتاريخ 4 يونيو 1999، وقد رد رئيس التحرير بدوره فى افتتاحيته لنفس العدد بسلسلة من التساؤلات كان من أهمها تساؤل عما إذا كان ‘استدعاء حضور الله هو مرادف لاستدعاء القيم الخيرة والأخلاق النبيلة، أم أن وجود الله سبحانه هو حقيقة موضوعية فى ذاتها، والأخلاق بعض تجلياتها؟”. عاد فريد زهران فى افتتاحية العدد 68/67 إلى إثارة جوانب أخرى فى المسألة حول ‘الأخلاق بين مذاهب الانحطاط، وسقف الضرورة الاجتماعية”، ثم ها هو يعود فى هذا العدد مصرا على تنبيهنا إلى محور نعتبره أساسا فى تبرير صدورنا، وتشجيعنا على الاستمرار.
ولما كانت المجلة تعاود الصدور بشكل يكاد يكون عشوائيا (!!) بالصدفة أو نتيجة الشعور المتماوج بالذنب، فقد كان طبيعيا أن يبدأ الحوار بين أعضاء تحريرها، وهو تقليد وارد منذ صدورها، فجمع رئيس التحرير ما تيسر من أوراقه، مما سبق نشره متفرقا ومما لم ينشر أصلا، ووضعهم بالترتيب الممكن أملا فى أن يتواصل الحوار من خارج البيت بإسهام القراء الذين يهمهم هذا الموضوع، وكلهم كذلك.
الخراب الأخلاقى ،سواء كان سببا أم نتيجة، هو أخطر ما يصيب أمة فى مرحلة من مراحل تطورها، وهو أمر لا يمكن فصله عن الصحة النفسية، بمعنى الهارمونى الممتد، ومن ثم عن معنى الجمال، والتكامل البشري.
إننا ونحن نفتح هذا الملف لا ننسى أن نشكر مشارك فاضل سبق له أن أسهم فى هذه القضية فى هذه المجلة بمقاله ‘الأساس الأخلاقى للاشتراكية العلمية”، (العدد 68،67 سنة 2000)، وكنا نود أن نضمن المف هذا المقال بأكمله، لكن حال دون ذلك خشية التكرار المتلاحق، فقام د. أحمد الفار بإيجازه فى هذا العدد.
نحن نأبى أن يكون هدفنا من طرق هذا الباب هو إقامة مزيد من حلقات ‘العديد” على ما آلت إليه القيم والأخلاق. لا فائدة من إطلاق خطابة الترهيب، والترغيب، والرثاء والنحيب على أمجاد وأخلاق الماضى من فوق منابر الإعلام والتعليم والمؤسسات الدينية، الأمر الذى يعرف الجميع مدى تهاوى مصداقيته.
الذى حدث ويحدث مؤخرا فى المجتمع المصرى هو من أخطر ما مر على مصر منذ عصور طويلة، وقد صورت وسائل الإعلام المسألة تصويرا أبشع من الواقع، لكن ذلك قد يكون مفيدا بشكل أو بآخر. نحن لسنا مع الذين يزعمون أننا نعيش ثقافة العنف، أو ثقافة الغدر، أو ثقافة البلطجة. إننا نعيش ثقافة الغش، وثقافة الكذب، وثقافة الكسل والاعتمادية واللامبالاة. ولأنها ثقافات أكثر سلبية، فهى أسهل انتشارا. العنف والبلطجة مازالت تدور فى إطار محكوم بالقانون، رغم تراجع سطوته، هى مظاهر مازالت مرفوضة، ولو من حيث المبدأ. الخطر الحقيقى يكمن فى التدهور الأخلاقى حين يأخذ شرعية وقبولا حتى تنعكس منظومة القيم لتصبح الرذيلة هى موضع فخر لمن يرتكبها !!!
دلالة أخرى أخطر من العنف، والسلاح الأبيض، وعقوق الوالدين، والاعتداء على الأمهات، وقتلهن أخيرا، هو أن مصدر فساد القيم وانحلال الخلق أصبح هو هو الذى كان منوطا به إرساء القيم، وتمثيل القدوة. ما حدث فى الجامعات (مثلا) سواء فى كلية الآداب (مدرس يغتصب طالبة معوقة) أو طب قصر العينى (وكيلا الكلية يحاكمان بتهمة التزوير) أو جامعة الإسكندرية، أو حلوان، أو المنيا ليس جديدا. الجديد أنه اكتشف، ثم أعلن عنه ليصبح فى متناول الناس.
الحديث عن الفساد، والرشوة، وسوء استغلال النفود، هو حديث عما آلت إليه الأخلاق أساسا.
تدخل من باب الأخلاق فتجد نفسك فى ملعب السياسة، والدين، والحضارة والمستقبل. جميعا. لهذا كان هذا الملف.
نحن فى حاجة إلى تعريف جديد للأخلاق بقدر ما نحن فى حاجة إلى اكتساب وتخليق أخلاق جديدة تناسب العصر دون السجن فى أحكام جاهزة مسبقة ومغلقة.
تواكب إعداد هذا الملف مع استشراء ظاهرة الداعية الشاب”عمرو خالد”، تلك ظاهرة التى قد تكون لها مغزى خاص، تغلب إيجابيت (حتى الآن)، إذ نرى من خلاله حقيقة ما يحتاجه شبابنا، ومدى تقصيرنا فى حقهم،وقد تحتاج إلى عودة مستقلة لنناقش ما لها وما عليها، وخاصة فيما يتعلق بما وصـلنا من دور هذه الدعوة فى الترغيب دون الترهيب، وأيضا فى تقديم ما أسميناه”الدين الدمث”، وهو صورة نحتاجها بقدر ما نتصور أنها لا تكفي، وقد يساء استعمالها.