الأخلاق (الجامعية): ميثاق مكتوب،أم ثقافة معاشة؟
أما قبل:
قدمت هذه الورقة - فى صورتها الأصلية- فى ندوة عقدت بجامعة القاهرة، بعد حادث محاولة اغتصاب طالبة معوقة من مدرس علم نفس فى كلية الأداب بنفس الجامعة وقد حوكم وأدين، وبعد سنوات بدأت الأمور تتكشف عن خراب أخلاقى فى الجامعة، لم يكن جديدا على من يعرف ماذا يجرى فعلا، إن ما حدث من تزوير فى النتائج، أو تبديل لأوراق الإجابة هو الدليل الأول على الحاجة إلى إعادة النظر، فالمسألة أعم، وأهم، و أخطر من تناولها بشكل فردي. الشأن الفردى أمر تتولاه النيابة فالقضاء، ومهما كان حكم هذا أو ذاك، فإن الدلالات تظل قائمة.
فضلنا أن ننشر الورقة كما قدمت فى الندوة بأقل قدر من التعديل .
تمهيد:
فى الوقت الذى تتغير فيه الحياة إلى ما لا نعرف، تحت عناوين متعددة (“عصر المعلومات” “العولمة/الكوكبة””النظام العالمى الجديد”..إلخ)، نجد أنفسنا مضطرين إلى أن نعيد النظر فى كل أسلوب حياتنا، وفى قيمنا، وفى سلوكنا، ولعل هذا اللقاء هو من قبيل ذلك فيما يتعلق بمسألة الأخلاق
بداية نتساءل: أليس مجرد أن تكون الأخلاق “مسألة فيها نظر”تستدعى ندوة نقاش هو أمر يدل على أن الأخلاق لم تعد من المسلمات البديهية التى يفسدها الكلام فيها، وعنها؟ الدعوة لعقد هذه الندوة تحمل رسائل متعددة، منهاعلى سبيل المثال:
1) إعلان درجة الدهشة (من بعض ما حدث مؤخرا، ناهيك عما يحدث سرا).
2) إبلاغ فرط الانزعاج إلى من يحسب أن المسئول مسئول (ياه !!! إلى هذا الحد؟)
3) إظهار حسن النية (ها نحن نعقد ندوة عن الأخلاق والمثل، ألا يدل ذلك على موقفنا من القيم، وحرصنا عليها؟)
4) محاولة تأكيد التفاؤل (نحن قادرون على وقف ما لا يليق!!)
5) محاولة استعادة الوعى (إن كان لدينا شجاعة الاعتراف بغيبـته أو تغييبه)
6) بعض إبراء الذمة (نحن لسنا شركاء فيما حدث)
إن كل هذا لايعنى أن الخير والبر والإيجابية يمكن أن تتحقق جميعها، أو يتحقق بعضها، بمجرد انعقاد الندوة أو إعلان التوصيات، بل إن الخوف -على الرغم من كل النوايا الطيبة- هو أن يحل هذا اللقاء الذى عادة ما ينتهى بالفرح، والقبلات، فالطمأنينة للقدرالهائل من النصائح والبيانات والتوصيات وبنود الميثاق المقترح، أن يحل كل ذلك محل وعينا المتألم بما آل حالنا إليه.
أعتقد أنه ما لم تتضح أبعاد المسألة الأخلاقية (ماهية الأخلاق) التى سوف نتحدث عنها أو نتحدث فيها، فإننا يمكن أن نلف وندور حول أمور مختلفة تماما، ونحن نحسب أننا نتكلم حول نفس المسألة.
ولتحقيق أى قدر من الاتفاق اللازم لإمكانية التفاهم والحوار لا مفر من طرح أسئلة تدور فى خلدنا حتى لو لم ندرك ذلك. وإليكم بعض ما عن لى من أسئلة، لم أحاول قاصدا أن أتوقف للإجابة عليها، حيث أن قيمتها بدت لى فى طرحها أكثر مما هى فى إجاباتها المحتملة.
من هذه الأسئلة:
1) متى تكون الأخلاق بديهية لا تحتاج إلى مناقشة
2) إلى أى مدى يمكن أن تشوه الأخلاق إذا ما نوقشت كلاما منطوقا أو مكتوبا؟
3) هل إشكالة تحديد مستوى ومعنى ووظيفة الأخلاق هي: إشكالة ممارسة؟ أم إشكالة حضارة؟ أم إشكالة تدين؟ أم إشكالة تربية؟ أم إشكالة ثقافة عامة؟ أم إشكالة سياسة؟ أم إشكالة قانون مكتوب، وميثاق معلن، وقسم مشترك (…إلخ)؟
4) أى أخلاق تلك التى جئنا لنناقشها هنا والآن فى هذه المناسبة؟
أخلاق التشكل لما يجرى فى المجتمع وترضى عنه السلطة؟
أم أخلاق المواثيق (المستوردة) الحسنة السمعة (حقوق الإنسان، منظمة العفو..إلخ)؟
أم أخلاق الفعل الماثل أمامنا “يمشى على الأرض”؟
أم أخلاق التدين الشائع ؟ حسب نص سلطة الفتوي، لا نص الهدى والفطرة.
أم أخلاق الموقف الإيمانى الكيانى الكلي؟
أم أخلاق القانون (المكتوب) الظاهر؟
أم أخلاق الترهيب والترغيب؟
أم أخلاق الاتساق الهارمونى المبدع؟
5) ما علاقة الأخلاق بالتعليم، بالعلم، بالبحث العلمي؟فى عصرنا هذا، فى مصرنا هذه؟
6) هل تختلف أخلاق الأديان المختلفة عن بعضها البعض؟
7) هل ثمة فرق بين ممارسة الأخلاق فى مختلف المواقف.
مثلا : هل يختلف الأمر (أخلاقيا) فى موقف الإنسان :
(ا) أمام الله ،
عنه (ب) أمام الناس،
عنه (جـ) أمام القانون المكتوب أساسا أو تماما؟
8) هل يوجد ما يسمى الأخلاق السرية الخاصة؟ (من أول تقية المتصوفة، وحتى أخلاق راسكولنيكوف فى الجريمة والعقاب: ديستويفسكي
9) هل يوجد ما يمكن أن يسمى أخلاق الصفوة؟ تميزا عن أخلاق العامة؟
10) هل الأخلاق فعل شعورى مسئول، أم طبع لا شعورى غائر. وبالتالى: ما هو الحد الفاصل فى تحديد مدى مسئولية صاحبها، ليس أساسا بصفة قانونية، ولكن من حيث اختياره لهذا الخلق دون ذاك.
11) هل يمكن مناقشة مثل هذه القضية فى موقع بذاته (الجامعة مثلا أو المدرسة أو الحزب)، أو موقف بذاته (مثل الانتخابات) أو وقت بذاته (بداية القرن 21)، بعيدا عن السياق الكلى لثقافة مجموعة البشر ؟
12) كيف يتعلم الأطفال الأخلاق ؟ و مِنْ مَنْ؟
وبعد
لا تقدم هذه الورقة إجابات، لكنها تأمل يقينا فى مشاركة.
إن أى إجابة سريعة أو مباشرة أو جاهزة أو مستعارة هى إجابة خاطئة فى أغلب الأحوال. إن ربط الأخلاق بنفع الناس، بالإيمان، بالتوازن النفسى (الصحة النفسية) بالجمال هو أمر يحتاج إعادة تعريف مضمون كل هذه الكلمات وغيرها، بقدر ما يحتاج إلى تخليق مناهج قادرة على اختبار طرق وتشكيلات احتمال هذا الربط.
إن الورقة المطروحة خاصة بما آل إليه الحال فى الجامعة خاصة، حتى قبل تقديم بعض رجالها للمحاكمات بتهم التزوير وغيرها، لكنا مجرد نموذج لما يجرى فيم هو أقل من مستوى الجامعة ، وأيضا فيما هو أعلى من مستوى الجامعة.ثم إنها ليست قاصرة على النظر فى المرحلة التى كتبت فيها، ولا على المناسبة التى كتبت لها.
هى قضية عامة، تتجلى مظاهرها فى داخل أى أسرة صغيرة، لتمتد سياسيا واقتصاديا تظلل اجتماعات مجموعة السبعة الكبار (ولا مؤاخذة).