كتابتان وكتابتان
عن: الفقد، والموت..
الأب الراحل- لا يرحل، بل يتخلق دون استئذان
ألفت هذه المجلة منذ صدورها أن تنشر “ما يصلها من صدق نابض، دون التزام بالمقاييس الأخرى، وكنا نحتار فى تسميته، وكنا نخاف أن يقاس بما ليس هو، (شعر؟ قصة؟ خواطر؟ أم ماذا؟)، وخرجنا من كل ذلك بحل هروبى رائع، وهو أن نسميه “كتابة”, ولم تكن نغمة الكتابة “عبر النوعية” قد سادت بعد.
وحين عاودنا الظهور، ونحن نحاول أن نحدد المحكات والمعايير، كدنا نفقد، ثم نفتقد، هذا النوع البسيط، الرائع، غير الملتزم إلا بصدقه، وحين أرسل لنا يوسف عزب هذه النبضات الموجزة عن تجربة عتاب الفقد وآلام اليقظة، تلكأنا فى النشر حتى أن له أن يتساءل: هل أنا أنا؟ وهل أنتم أنتم؟
ولما أرسلت إيناس طه خبرتها تحمل نفس التوجه فرحنا بحيوية النبض وصدق التجربة، وتذكرنا يوسف وقلنا فرصة نستعيد ما يميزنا.
الموت هو أصل الحياة، ولعله مبررها، والوعى بالموت إثراء لها والفقد هو النذير الذى يسمح لنا أن نعى معانى الانقطاع، والاختفاء، والتوقف.
لكن هل ما هى علاقة الموت بالفقد؟ وهل صحيح أن من مات يختفي؟ وما هذا اللوم الشديد على الترك؟ أهو موت أم هجر؟ وما حكاية التراكم ؟ وهل على الميت أن يوفينا الحساب قبل أن يفاجئنا بالهجر؟ ولماذا العتاب؟ وكيف؟ هل نفقد من مات أم نسترده؟ ألسنا أقدر على التحكم فيه بعد أن سكت (ظاهرا؟). فإذا جاءتنا كتابة صادقة حتى نخاع منطقة هذه الأسئلة، فلماذا نصنفها قبل النشر، وهل نجرؤ ألا ننشرها؟
ثم تذكرنا كتابتين أخريين كنا قد نشرناهما فى سنتى 1982, 1993 (لحظة الفقد، بإمضاء “هـ.” وحسب، ثم “علاقة” لإيمان مرسال على التوالى)، الأولى كما يتضح من عنوانها فى نفس منطقة الفقد، أما الثانية فهى تثرى هذه المنطقة بشكل أو بآخر. وقد رأينا أن إعادة نشرهما مع يوسف وإيناس هو مما يناسب ويتكامل ويثري.
نرجوأن يكون هذا ومثله، هو ما يميز الإنسان والتطور.
شكرا