استفسارات ومشاكل
تجديد دعوة
مازلنا نفتقر إلى قراء يبعثون إلينا بما يرون به أننا أهل لمشاركتهم بعض همومهم أو للإجابة على بعض تساؤلاتهم، وحين لم تصلنا استفسارات طازجة ولا مشاكل جديدة، قدرنا أن نؤجل النشرفى هذا الباب حتى نصل إلى القراء أولا، ثم يصدقون أننا نقدم نوعا آخر من الردود. ولا بد أن نعترف بأن تقصيرنا فى التوزيع هو السبب الأول.
لكننا عدنا فى آخر لحظة، حرصا على ما أمـلنا فيه من تجديد وتطوير، ومن ذلك أن نكون فى متناول القارئ العادى البسيط، بقدر ما نثير ونحاور القارئ المفكر المتحد ى، نقول عدنا فى آخر لحظة ففتحنا درج الأوراق القديمة وأخرجنا رسالتين، نرجو أن نسترجع من خلالهما أبسط حقوقنا فى معايشة المشاعر الطبيعية التى بولغ فى اعتبارها أمراضا بغير وجه حق، حتى كادت البلادة أن تكون هى القاعدة.
الرسالة الأولى: حق الخوف
الاسم :ص ف ف
مصر القديمة – القاهرة (17 سنة) طالب المؤهل: طالب بالصف الثانى الثانوى العام
أنا لاعب (تايكوندو) – وهى لعبة عنيفة مثل الكاراتيه – ومستواى فيها متقدم حيث أننى أمارسها منذ 5 أعوام فى نادى جيد، وظهر هذا المستوى فى تدريبات اللياقة البدنية والتكتيكات الهجومية والدفاعية , وتقديم فنون الاستعراض المختلفة ولكن…
هناك مشكلة لم أجد لها حلا حتى الآن وأنا لم أصارح بها أحدا وهى أننى أخاف .
إننى أخاف دوما من الدخول فى مباريات – أى مباريات ولست أعرف مم أخاف لدرجة أننى أحيانا أخاف من منازلة الأقل فى المستوى منى، وقد حاولت معالجة هذا الخوف بالنسيان وفشلت , ثم حاولت مرة أخرى بإبداء الشراسة فى الأداء وفشلت
ثم فكرت أن هذه اللعبة لا تناسبنى إلا أننى لم أستطع تركها لأنها فى دم ى، وقد بدأت أتضايق أخيرا من هذا الشعور لأنه بدأ يعطلنى عن التقدم فى اللعبة مثل التصفيات والبطولات واختبارات الأحزمة… إلخ
فما هو رأى سيادتكم فى هذا الشعور وكيفية معالجته والتغلب عليه؟
الرد
صديقى:
سنك 17 سنة، أهلا بك…
هل أذكرك ابتداء أن من حقك أن تخاف، وأنك تستطيع أن تستمر فى ممارسة كل نشاطاتك حتى وأنت خائف، ثم ألست معى أن الذى يخاف من الامتحان هو الطالب المتفوق لأنه حريص على استمرار تفوقه، وأن الذى يخاف من المبارايات هو الذى استعد لها وعنده أمل أن يفوز، وأن الممثل المسرحى الجيد الذى يرتقى خشبة المسرح كل يوم , يخاف كل يوم حتى لو كان هذا اليوم يشير إلى المرة الألف التى صعد فيها إلى المسرح
أنا أدافع عن حقك فى الخوف , ولكننى لا أدافع عن الخوف الذى يعجزك عن الأداء العالى , ولا عن الخوف الذى قد يبرر الانسحاب.
وأنا لا أحب تسميتك للعبة التايكوندو وأمثالها لعبة عنيفة، ففيها من الفن أكثر مما فيها من العنف، ثم أليست هى وسيلة دفاع عن النفس أساسا ؟
ثم إننى لا أنصحك بالانسحاب أصلا، لا بد أن تكمل ما بدأت، حيث أنك تستطيع أن تتفوق فيه كما يبدو من خطابك، ولا تنسى أن التفوق يعلم التفوق، والنجاح يجرجر النجاح فى مجالات أخرى فضلا عن هذا المجال الجيد.
ثم تأمل معى أننا نحن الأطباء النفسيين، والنفسيين عموما، قد أشعنا حتى صدقنا الناس أن الخوف هو دائما :إما قلق، أو رهاب، أو نوبات فزع. وأن كل ذلك مرض واضطراب، فنتج عن ذلك أن الناس كادت تنكر على نفسها حقها فى الخوف، مع أن الخوف هو حامى حمى الحياة، وهو خط الدفاع الأول الذى يحفز إلى الاستعداد والتحفز، مرة أخرى ليست أخيرة طبعا، نقول :
دعونا نتعلم أن نستعيد مشاعرنا من أول الخوف إلى الحزن , وحتى الكره والغيظ
ثم دعونا نمارس وجودنا لنتوجه من خلال دفعها إلى ما نصلح به، وننبض معه.
ثم بعد ذلك، إذا أعاقت هذه المشاعر حركتنا، كما بدا فى حالتك يا بنى من خطابك، فلنخفف منها، قليلا قليلا، ليس بالضرورة بأدوية مسكنة، وإنما بقبول طبيعتنا أولا، فإنكارنا لحقنا فى الخوف هو أول العوامل التى تعمل على زيادته، دعونا نواصل حياتنا ونحن نخاف مما يخيف.
ألم نقل فى عدد سابق أن مسألة ‘دع القلق وابدأ الحياة’ هى مسألة تتناول جانبا واحدا من الحكاية ؟ وأنه يمكننا أن نتحمل القلق ونستغله لنفتحم به الحياة !!
ثم ننتهزها فرصة لنكرر أن حكاية الدعوة للطمأنية ‘على العمال على البطال’, والترويج لتسطيح مفهوم النفس المطمئنة حتى التنويم، والاعتماد على النصائح الخائبة التى تصر على أنه ‘لا داعى للخوف ‘ (كيف ؟؟؟) كل ذلك هو أمر هزل لا يليق بحياة إنسانية زاخرة.
وهذه ليست دعوة للخوف لكنها دفاع عن حق الإنسان فى الخوف دون أن يكون ذلك حائلا ضد الإقدام.
وهذا ليس كلاما حديثا، أو فذلكة مغالية , ذلك أن ناسنا البسطاء قد تناولوا هذه المسألة ‘حق الخوف’من وحى مثلين شعبيين يعترفان بهذا الحق، بل ويدعوان إلى ممارسة الخوف الإيجابى لمواجهة أحداث الحياة، يقول المثل الأول:
من خاف سلم.
ويقول المثل الثانى:
خاف وخوف
ولعل باب مثل وموال يتسع مستقبلا لمزيد من إيضاح ذلك .
الرسالة الثانية: حق الحزن وحق الفرح
الاسم :ي.ع.ع.ع العنوان أبو حماد – الشرقية .
…. إنه تنتابنى فى بعض الأوقات حالة ضيق نفسى ولا أطيق التحدث مع أحد وذلك الضيق لا إرادى لدرجة أنه إذا حدث أمامى موقف مضحك لا أضحك، وهذه الحالة تظل معى حوالى أربعة أيام.
وفى بعض الأحيان أحس أننى فى قمة السعادة وفرح وسعيد جدا وذلك بلا أى أسباب وكل هذه المواقف أحس بها أنا فقط ولا أحد يلاحظ على شيء منها.
فأريد رأى حضرتك وتفسير هذه الحالة.
الرد
أشكرك يا بنى، وأشعر برقتك من خلال سطورك.
ثم اسمح لى أن أحترم عدم مغالاتك فى وصف مشاعرك، فأنت تشعر ببعض الضيق ‘ فى بعض الأوقات.
أليس هذا هو الأمر الطبيعى؟
أليس من حقنا جميعا أن نشعر ببعض الضيق أحيانا؟ أم أن علينا أن نتحزم ونرقص طول الوقت؟ ثم هذا الضحك الذى يجرى أمامنا فلا نشارك فيه: ألست معى أن كثيرا من الضحك قد لا يكون إلا تهريجا سخيفا؟ أم أن علينا أن نشارك فى دغدغة مشاعرنا طول الوقت رغم قسوة الحياة وآلام الناس ؟
ثم أنت تحكى عن حالات رائعة من السعادة التلقائية، دون سبب، وأظن أن هذا هو الوجه الآخر للوجود الإنسانى الحى.
نحن من حقنا أن نفرح بلا سبب وبلا تهريج بقدر ما هو من حقنا أن نصمت ونتأمل.
إن الإنسان قد تعود مؤخرا أن يجد سببا لكل شيء، فإن لم يجد ألف سببا زائفا، مع أن كثيرا من الأسباب غير معروفة، ووظيفة العلم والكشف هى أن نزيد من مساحة معرفة الأسباب قليلا قليلا، لكن سيظل المجهول أكثر كثيرا.
يا صديقى: إن من حقنا أن نفرح لأننا نعيش، ولأن الشمس تطلع، ولأن للورد رائحة، ولأن الله موجود، ورحمن ورحيم
ومن حقنا أن نحزن وتضيق بنا الدنيا لأن الأطفال لا يأخذون حقهم، والظلم ما زال قائما، والفرص قليلة، والحياة قصيرة، والسرطان ليس له علاج، وأعداد الناس تزيد أكثر من المساحات التى نزرعها قمحا.
ما رأيك ؟
ومع ذلك فأنا مازلت متمسكا بحقك وحقى أن نحزن ونفرح دون سبب، ودون أن يسمى ذلك مرضا.
ربنا معنا.