إعادة قراءة فى مصطلح قديم
… الفصام !!!
مقدمة:
ذكرنا فى نهاية باب للتذكرة والتصحيح :’ إن اسم مرض بذاته ينشأ من تاريخ تطور استعمال هذا الاسم، وأصل ملاحظته، وما شاع عنه، وما ثبت بعد ذلك من صلاح استعمال هذا الاسم من عدمه، وما تطور به هذا الاسم، وما آل إليه، وهل عاد يصلح هو هو أم أنه أصبح اسما على غير مسمى كمايقال”.
وهذا ما سنحاول تطبيقه ونحن نعيد النظر فى إسم هذا المرض شديد الشيوع، ومع ذلك عظيم الغموض، المثير للخلاف.
كيف نقرأ تاريخ مرض بذاته ؟
حين نتعرض لتاريخ مرض بذاته، قبل أن يسمى كذلك فإننا لا بد أن نعتمد على ما عرف عنه بعد ذلك، ثم نبحث عن هذا الذى عرف عنه فيما كتب عن أمراض متقاربة، أو أعراض دالة عبر التاريخ، وهذا موقف دائرى غريب، لكن لا سبيل إلى تجنبه، وبالنسبة لتاريخ الفصام فإن الأمر شديد التشعب مثير للجدل
تاريخ الفصام
إن الصور الإكلينكية التى يعرف بها الفصام حاليا قد وردت عبر التاريخ بكل التفاصيل، على الرغم من أنها لم تكن تسمى فصاما حينذاك، وهذه الصور لا تتفق فى أعراض واحدة، وإن شملتها ثلاثة أمور رئيسية:
الأولى: تفكك(1) فى وحدة الذات (= فقد الواحدية), يصل إلى التفسخ ثم التناثرمع تمادى المرض.
الثانية: ميل إلى التدهور(2)فى معظم الوظائف النفسية (التدهور، أى التناقص فيما كانت تؤديه والتراجع عما وصلت إليه).
الثالثة: جسامة الشذوذ عن السواء، والبداية الباكرة عادة، والجمود المتحجر فى الوجدان وغيره.
عبر التاريخ، جاء وصف الفصام بأشكال متعددة، بأكثرمن لغة، وتحت أكثرمن ظاهرة، ونوجز فيما يلى بعض ذلك :
1– وصف جون كونوللى (1794-1866) فى محاضرات الكوريانية هذه الصورة على الوجه الآتى: ..أحيانا، ليست قليلة، يصبح الشخص خاملا، ويمضى يؤدى عمله وعلاقاته الاجتماعية بشكل ميكانيكى وبدون اهتمام، كما تصير كل عواطفه وماعره غير نشطة، رمادية، ميتة، حتى يصير هؤلاء المرضى متبلدين تماما ‘
2– أما بنيديتكت موريل (1852) فقد وصف حالة نموذجية لشاب فى الرابعة عشر من عمره وقد ظهرت عليه علامات التدهور فى كل من المجالات الاجتماعية والتحصيل الذهنى ‘… فقدراته الذهنية الفائقة دخلت إلى مرحلة من الخمود حتى التوقف”, وقد صك موريل اسم ‘العته المبكر” لهذه الحالة
3– كذلك وصف هيكر (1871) حالة هى أقرب ما يكون إلى الهيبفرينا (= التفسخ: وكان كولبوم قد صك اسم الهيبفرينا من قبل), وقد أكد هيكر على التدهور السريع الذى أصاب مراهقا حتى أوصله إلى الوهن النفسى وحالة مميزة من التدهور النهائي.
4– كذلك وصف كولبوم (1874) ما أسماه ‘الجنون التوتري” وهو ‘..الحالة التى يبدو فيها المريض وهو جالس فى هدوء، وقد يكون أبكما تماما، بلا حراك، مع نظرة جامدة ….إلخ”.
5– ثم جاء إميل كريبلين (1896) فاقترح أن يجمع معا كلا من هيبفرينيا هيكر، وكاتاتونية كولبوم، وذهانات بارنوية أخرى لما تحمل هذه الاضطرابات من عوامل مشركة، وقد حدد أن ما يسمى ‘العته المبكر” هو نوع متميز تماما من جنون الهوس والاكتئاب.
6– لكن أدولف ماير (1906) طور مداخلة تقول: إن العته المبكر هو نوع من التفاعل الخاطئ الذى يحدث أثناء العملية النمائية، ويتكرر هذا التعلم الخاطئ كالعادة المتأصلة حتى يؤدى إلى ما أسماه ‘تعود التدهور”
7– وأخيرا صك يوجين بلويلر (1911) اسم الفصام وهو يعلن أن ما هو معروف باسم العته المبكر هو نوع من الانشطار (الانفصام) للوظائف النفسية للعقل، بما يؤدى إلى فشل التكامل التآزرى ما بين التفكير والنشاط الفعلى والمشاعر، ذلك التآزر الذى كان قائما من قبل بصورة طبيعية، وأن هذا الانشطار هو ما يميز هذا المرض أكثر مما تميزه الأعراض والمنتهى التدهورى الذى قال بهما كريبلين
تعقيبات على التاريخ:
مما سبق يمكن أن نخلص إلى التعقيبات الآتية :
1- إن إشكالة تحديد وتعريف الفصام قائمة عبر التاريخ، ويبدو أنها ستظل كذلك.
2- إنه يبدو أن كل وصف تاريخى وصل إلينا عما يمكن أن يكون فصاما كان يصف تطور العملية الفصامية، وهو ما يقابل – بشكل أو بآخر- أنواع الفصام المختلفة
3- إن هذا التاريخ البالغ الثراء إنما يدل على أن محاولة اختزال هذا المرض المترامى الأبعاد طولا وعرضا إلى خلل موضعى فى المخ، أو نقص محدد فى هذا التركيب البيوكيميائى أو ذلك، هى محاولة غير منطـقية وغير علمية.
4- إنه يبدو لزاما أن نضع فى الاعتبار عملية مسيرة الفصام جنبا إلى جنب مع فحص الأعراض وتحديد المحكات.
5 – إنه يبدو مناسبا أن نفكر جديا فى اقتراح أن ثمة فصامات كثيرة لا فصام واحد يشمل أنواعا فرعية.
مفهوم الفصام
بعد كل ما سبق، هل ما زال فى الإمكان تحيد مفهوم للفصام؟
يبدو أن الأمر -مثل أى وقت مضي- مازال يمثل تحديا علميا مثيرا، فمن الصعوبة بمكان أن نجد تعريفا جامعا مانعا، أو أن ندخل كل ما يقال عنه إنه ‘فصام” فى وحدة واحدة يمكن أن تسمح بعد ذلك بالتشخيص والتصنيف، وعلى الرغم من ذلك فإنه صعب أيضا أن نقسم هذا المرض ذا التاريخ المشترك، والمآل المشترك -فى أغلب الأحوال- إلى عدة أمراض مختلف بعضها عن بعض.
أصول الاختلافات الأساسية :
يمكن أن نرجع بأصول هذه المتاهة إلى بعض نقاط نوجزها فيما يلي:
1- إن الاضطراب الأساسى فى الفصام مازال موضع خلاف عام، فبعض الباحثين يعتقد أنه لا بد وأن يشمل اضطرابا جوهريا فى التفكير، والبعض الآخر يعتبر أن أساس الفصام هو انفصام عرى وحدة الشخصية ككل(= فقد الواحدية).
2- إن الأعراض المختلفة للفصام لا يمكن إرجاعها إلى نفس الأساس الإمراضى (السكوباثولوجي) الواحد.
3- إن أنواع الفصام الإكلينيكية تختلف تبعا للنمط الغالب للأعراض فيها، حتى يصل الأمر إلى أن نجد نوعا يكاد يكون عكس نوع آخر تماما(مثل الفصام البسيط فى مقابل الفصام البارانوي).
4-إن مسار الفصام لا يتبع نمطا واحدا، فكل احتمالات تصنيفات المسار واردة، ونظرة إلى الرمز الخامس الذى يمكن إضافته لوصف مسار الفصام، كما ورد فى التصنيف العالمى العاشر للأمراض نجد أنه يمكن وصف المسار على أساس أنه (ا) متصل (مستمر), (ب) نوابى مع انتقاص ثابت (جـ) نوابى متفتر (ء) فى نوبة إفاقة ناقصة (هـ) فى نوبة إفاقة كاملة، وبالإضافة إلى كل ذلك فإنه يوجد حتما أن يكون دوريا (نوابيا).
5- وكما يختلف مسار الفصام فإن المآل يختلف كذلك من حيث أنه قد يتوقف، أو يتراجع فى أى مرحلة من مراحل تطور المرض، ويمكن فى بعض الحالات أن نرى شفاء كاملا وإن كان ذلك نادرا، ومن المستغرب أن هذا الشفاء الكامل قد يتم بسبب العلاج أو بدون علاج أصلا.
6- كذلك تختلف الاستجابة للعلاج اختلافا بينا بين نوع وآخر، بل بين حالة وأخري.
مناطق تداخل، وعلامات اتفاق:
على الرغم من كل هذه الاختلافات فإنه توجد علامات أساسية مشتركة نورد أهمها كما يلي:
ا) ما يزعمه ياسبرز من أن الفصام يتميز عامة باللامفهومية، بمعنى أنه لايمكن فهم أعراضه باعتبارها نتيجة لخطأ أساسى أو باعتبارها تعنى منطقا خاصا، ويتضح هذا المفهوم المسمى ‘اللامفهومية” إذا ما قارنا أعراض الفصام بأعراض اضطراب المزاج الذى يمكن فهمها فى سياق المزاج الغالب (إما اكتئاب، أو مرح..إلخ)
وعلى أى حال، فإنه كلما زاد النظر عمقا فى أعراض الفصام، قل ما يمكن أن يوصف باللامفهومية. وحديثا اتجهت بعض الآراء إلى اعتبار أن الاضطرابات العضوية العقلية هى الأولى بهذه الصفة حيث تكون الأعراض فى الخلل العضوى عشوائية تماما بلا وحدة محورية مرضية، ذلك لأن الفصام يمكن فهم أعراضه من خلال المنظور الغائى، أى ‘معنى المرض”, أى : ماذا يقول المريض بأعراضه، وإلى أى هدف ‘مرضي” يقصد، وبتطبيق هذا المفهوم الغائى أصبح الفصام وأعراضه فى متناول الفهم. فمثلا يمكن فهم انسحاب الفصامى من الواقع باعتباره يحقق قطع الصلة مع الموضوع (الآخر) تماما ومن ثم العودة إلى حالة أثرية من الوجود، ربما إلى داخل الرحم حيث كان بلا موضوع إلا إحاطة رحم الأم، وبلغة فيلوجينية يمكن أن نفهم هذا الانسحاب على أنه نكوص إلى المرحلة التى كانت الأحياء فيها أحادية الوجود (الاستكفاء الذاتى، أوأحادية الخلية ) حيث لم يكن الكائن الحى يحتاج لكائن آخر من نوعه للتواجد أوالتكاثر، وهكذا، بل إننا قد نفهم الفصام التخشبى باعتباره -رمزا- عودة إلى مرحلة ما قبل الحياة والحركة.
(ب) إن أى نوع من أنواع الفصام يمكن أن يتطور (يصير) إلى نوع آخر، فمثلا، نجد أن مريض الفصام البسيط قد يعانى من هلاوس وضلالات بارانوية، تحت ضغوط حياتية معينة، أو بعد نقلة مرضية ما، وبالتالى يصبح أقرب إلى الفصام البارانوى أو الهبفريني(التفسخي), وفى المقابل فإن الفصام البارانوى قد ينتهى إلى ما يسمى ‘بقايا أعراض”, وهو ما أصبح يطلق عليه اسم ‘الفصام المتبقي” وهو أقرب ما يكون إلى الفصام البسيط..
وعلى ذلك فإن هذه النقلات داخل إطار الفصام ‘نقلة الزملة” تعطى بعض الشرعية لمفهوم الفصام كمرض واحد له تجليات متعددة.
(جـ) فى أغلب الأحيان، حتــى يكاد يكون دائما، تترك كل نوبة من نوبات الفصام انتقاصا ما فى الكفاءة النفسية والأداء الوظيفى والواحدية، ويكون هذا الانتقاص إما دائما أو متزايدا، سواء حدث هذا التفاقم تلقائيا أو زاد بعد كل نوبة، وهذا الانتقاص المتفاقم والنتاج المتدهور هو الذى كان وراء التسمية القديمة للفصام على أنه ‘العته المبكر”.
استعمال، وسوء استعمال، لفظ الفصام فى مجالات أخري:
يستعمل لفظ ‘الفصام” بواسطة الشخص العادى أو الطبيب العام أو حتى الطبيب النفسى استعمالات خاصة متعددة، ليست كلها موضوعية أو علمية أو مفيدة، وإن كان أغلبها له دلالته المتميزة .
فقد يستعمل اللفظ بهدف التوقى (الوقاية), أو للتنبيه إلى توجه علاجى خاص، أو نتيجة لما حمله اللفظ من تاريخ مختلط، أو لاعتبارات سوء سمعة مآل الفصام، أو نتيجة للفهم العيانى اللفظى لمنـطوق اللفظ، ‘انفصام الشخصية”, وكأنه يعنى ‘إزدواج الشخصية”, وفيما يلى بعض هذه الاستعملات:
1-استعمالات قبل أن يستشرى المرض وتتحدد معالمه :
حيين نسمى بعض الحالات التى تظهر علامات دالة على بداية العملية الفصامية قبل التمادى حتى ظهور أعراض محددة أو كافية لتشخيص الفصام. وتسمى هذه الحالات عادة الفصام المبتدئ، والغرض من هذا الاصتعمال قبل الأوان – فى الأغلب- هو الحث على المسارعة بالعلاج الممكن بأمل تغيير مسار العملية الفصامية. وفى هذه المنطقة الإرهاصية نقابل ما يسمى ‘حالات ما قبل الفصام”, أو الفصام العصابى، وينطبق على هذين الاستعمالين ما ذكرناه بالنسبة للتشخيص المسمى ‘ الفصام المبتدئ”.
2- يستعمل تعبير الفصام المحتمل أحيانا للإشارة إلى نفس القضية بأمل التنبيه إلى خطورة بعض العلامات، على أن هذا التعبير ينبغى أن يقتصر على الإشارة إلى أن شخصا ما هو مستهدف للإصابة بالفصام أكثر من غيره لا أكثر ولا أقل، (علما بأننا جميعا يمكن أن ينطبق علينا هذا الوصف ‘الفصام المحتمل”).
3- وأحيانا ما يستعمل لفظ الفصام بقصد مآلى، حيث مازال بعض الممارسين يشعرون أن كل مرض عقلى ليس نموذجيا، ولا يشفى بسهولة، هو فصام بشكل أو بآخر، وربما من هذا المنطلق جاء إدراج الفرنسيين (تقسيم 1968 الذى لم ينشر) ما يسمى الاكتئاب غير النموذجى، والهوس غير النموذجى تحت فئــة الفصام.
4- وقد يستعمل العامة -وبعض الأطباء فى تخصصات أخري- لفظ الفصام للإشارة إلى ازدواج الشخصية، وهذا استعمال خاطئ تماما، ذلك أن الانفصام إنما يشير إلى التفكك فالتفسخ، فى حين أن الازدواج إنما يشير إلى نوع من انشقاق الوعى، بحيث تظهر ذات تلو الأخرى فى ظروف خاصة، مع نوبات نسيان دالة، لكن لا يوجد تفسخ أو تناثر لمكونات أى من هذه الذوات.
5- على أن الفصام -من عمق خاص- وعبر تاريخه الطويل,قد فهم باعتباره عملية مرضية تدهورية (ضد الحياة), بمعنى أنها
(ا) توقف وتعطل عملية النمو (بمعناه الأشمل) ثم
(ب) تعكس مسار النمو هذا وهى تتراجع بالكائن الحى نحو النكوص، بأن :
(جـ) تحلل (تفكك) التكامل إذ تتفكك الوحدة (الواحدية) فتحقق ذلك :
(د) بالانسحاب من ناحية والتبلد الوجدانى من ناحية أخرى، كما أنها
(هـ) تشل الإرادة فتوقف اتخاذ قرار أو فعل مثمر، حتى يصل الأمر فى النهاية إلي: (و) تحقيق ما يمكن أن يسمى ‘ الموت النفسي”.
فإن صح ذلك، من وجهة نظر غائية تطورية، فإن أى اضطراب يحقق هذه الأهداف يمكن أن يعتبر فصاما بشكل أو بآخر.
على أن مخاطر ومضاعفات هذا المنطلق البالغ التداخل والاحتواء، رغم احتمال فائدته من حيث المبدأ – وقائيا وعلاجيا- هو أنه يجمع تحت لواء الفصام فئات تشخيصية لا تمت للفصام بصلة من حيث المظاهر السلوكية والأعراض الإكلينيكية.
وبصفة عامة فنحن نلاحظ هذا التبرير وراء إدراج فئات من الاضطرابات الوجدانية غير النموذجية (مثل الاكتئاب غير النموذجى والهوس غير النموذجي) تحت فئة الفصام وليس تحت فئة اضطراب المزاج ( مثلما ذكر عن التقسيم الفرنسى لعام 1968) كما نلاحظ إمكانية إدراج بعض أنواع الاضطرابات الشخصية تحت فئة الفصام (على الأقل ديناميا وغائيا)
قصورمستمر:
فهل يمكن بعد كل ذلك وضع تعريف للفصام ؟
وهل يصح أن نقول لمريض ما أو لأهله -بأمانة- أن عنده فصاما، ونتصور بذلك أننا نوضح له الأمربأى درجة من الدرجات ؟
وهل إذا قلنا ‘إن الفصام هو اضطراب عقلى يتميز بأعراض تشمل أغلب الوضائف النفسية، وتؤدى -نموذجيا- إلى تدهور تدريجى للشخصية ككل، وهو يبدأ عادة فى فترة المراهقة ويظهر فى مجالات الوجدان والتصرف والتفكير (شاملا الإدراك) كما يصاحبه انسحاب متواصل بعيدا عن البيئة الموضوعية.’
هل نعنى بهذا التعريف -وهوالأكثر شيوعا بعد كل هذه الإشكالات- مايفيد المريض فعلا، مع العلم بأن هذا التعريف يلحقه عدد من الاستثناءات (مثل إنه يمكن أن يحدث فى أى سن، أو أن توجد وظائف عقلية -مع وجود المرض- كاملة الكفاءة، أوأنه ليس كل الحالات تتدهور ..إلخ) .
وما هو البديل ؟
نرجو أن نواصل الإثارة والتحدى والمشورة إلى العدد القادم .
1- والتفكك غير التعدد، صحيح أن الذات يمكن أن تصبح ذواتا متعددة حاضرة فى نفس إطار الوعى العام، ولكن أيا من هذين التعبيرين لا يعنى ما شاع عن الفصام من أنه يصف الشخص ذا الوجهين، أو الشخص متقلـب المزاج من النقيض إلى النقيض حتى يبدو شخصا آخر فى كل من هذه الأحوال، وإنما يعنى أن تنظيمات الذات لا يعود يشملها توجه محورى سائد، أى لا تعود تحت إمرة مستوى محدد من مستويات المخ. وبالتالى يتمادى التفكك إلى الوظائف، فلا يربطها تسلسل أو ربط هادف.
ومن أدق ما وصف مثل هذا التناثر ما ورد فى بيت الشعر العربي:
هذريان هذر هذاءة موشك السقطة ذو لب نثر
2- وخاصة فيما يتعلق بالأداء العملى فى الحياة (الشغل) والتكيف الاجتماعى، والتواصل الوجدانى، والانتظام التفكيرى.