(2) بعض ما أثارته ندوة نوفمبر 1993
هل تغير نوع التلقـى؟ وما هو المنهج البديل؟
عن كتاب:
“أهل مصر: دراسة فى عبقرية البقاء والاستمرار”
للدكتور سمير نعيم
تقديم: د. أسامة عرفة – أ. محمد عبد الحميد.
أ. خالد عبد الحميد
عرض وتلخيص: يوسف عزب وآخرون
كان عنوان الكتاب مغريا بالعرض، وقد أوقع المنتدين فى خطأ متكرر، وهو أن يقترح تقديم كتاب من خلال عنوانه لا من خلال الإلمام بمحتواه، و قد تم الإغراء من خلال كلمتى عبقرية، وكلمة مصر، وإذا أضيف إليها كلمة “أهل” فقدم ولا حرج، وقد كان
وقد أشاد المنتدون بما يمكن أن يقال عنه دفقة حماس زائد مغلفة بحسن نية صادقة، وقد أمكن من خلال هذا وذاك تقديم لمحات معادة أو هامشية عن ما أسماه الكتاب أهل مصر، أو ما أراد أن يحدد به معالم حياة المصرييين الاقتصادية والاجتماعية ، وذللك بالاستشهاد بأرقام ما – تدل فى رأى المؤلف على حاضرهم- ثم بالإشارة إلى رؤية المؤلف لبعض مستقبلهم التعليمى والثقافى والسكانى والاقتصادى وغيره.
والكتاب يعتمد بشكل أساسى على لغة الأرقام والإحصاءات الموثقة، وينطلق من عدة منطلقات أساسية فى دراسته لمصر كمثل للدول المتخلفة.
وموجز مادار من تقديم ومناقشة أظهر ملامح دالة فى الكتاب وقراءته يمكن إيجازها على الوجه التالي:
1- أجمع كل من المقدمين والحضور على التحفظ على اللهجة الخطابية والأسلوب التبريري
2- لم يستسلم أحد لتقديس الأرقام الكثيرة الكثيرة التى أو ردها الكتاب، وذكر أحد المنتدين كتابات أخرى ( مشيرا إلى محمد حسنين هيكل تحديدا) بأنها يمكن أن تسمى الكذب الموثق، ولكن ما جاء فى هذا الكتاب لم يوصف بأنه كذب، ولكنه علم ( أو شبه علم) مـوثق، وقد أكد المنتدون على أنه ما لم نتأكد من كل من (1) مصداقية الأرقام (2) ودلالتها (3) وموقعها فى السياق المقدمة فيه، نقول إن المنتدين انتبهوا إلى كل هذه الشروط وتناولوا أرقام الكتاب بيقظة مناسبة
وقد انبرى أكثر من مناقش ينبه على أن الدراسات المعتمدة على الأرقام فقط هى دراسات قصيرة العمر، وأن الكاتب قد وقف عند مستوى الرقم، ولم يتعرض لناتج الحالةوكأن الكاتب قد أعفى نفسه من مسؤولية الرؤية بالرقم، وقد ذكر أنها ليست إشكالية الكاتب وحده وإنما هى فى الحقيقة إشكالية العلوم الإنسانية جميعها إذا هى استغنت عن الرؤية الهادفة والصياغة الكلية بالرقم والإحصاء الذى له وعليه.
وإذا كان هذا هو أحد مناهج العلم الأساسية المرتبطة بلغة الإحصاءات، فهل يوجد الآن أسلوب آخر للمعرفة بدلا من لغة الإحصاءات كمدخل للعلم كمشروع حضارى – يضرب لغة العلم الضيقة فى مقتل.
3- ناقش المنتدون محاولة الكتاب أن يدفع عن المصريين صفة التخلف ، ؤأن يبرر هذا الذى لحقها بأن مصر ضربت وتضرب دائما من الدول الاستعمارية لإجهاض أى تجربة تنموية بها بدءا من محمد على - إلى هزيمة 1967، وقد قبل الجميع – تقريبا- هذا الحماس ولكن تحفظوا عليه لاحتمال كونه من نوع التفكير الآمل،
4 - وجاء تحفظ الكاتب على نقل النموذج الغربى نقلا حرفيا متفقا مع قضية تثار باستمرار فى ندوات الجمعية، إلا أن الكتاب لم يقدم جديدا عميقا فى هذا الشأن، بل كاد يقع فى المحظور المتكرر وهو أن ننقد الغرب ونحن فى ساحتهم نتكلم بلغتهم بل يصاغ تفكيرنا من خلال قيمه الكمية والأرقامية والاستهلاكية ، ثم نقول بهذه اللغة نفسها ‘لا” فلا تصل إلى أحد، بل ولا تنفعنا نحن أصلا
5- كذلك انتهى الكتاب إلى ترديد أشياء صحيحة أغلبها لكنها بدت مثل عناوين معادة: مثل الاهتمام بالاستثمار الأمثل لجهود مصر البشرية واعتمادها على الذات، وعدالة توزيع عائد هذه الجهود، وكذلك المشاركة الفعلية لعموم أهل مصر فى اتخاذ القرارات السياسية.
قال المنتدون نعم….ولكن كيف هنا والآن .
فالسؤال يقول: هل هناك إمكان فعل بديل يتولد عنه جديد للنظر والمعرفة، وربما العمل. نوعا وتوجها ؟
وحين غلبت على بعضنا النظرة التشاؤمية قال إننا فى ظلام دامس من حيث معرفتنا بواقعنا وطبيعة أجيالنا الجديدة، فالحصول على المعلومات المتاحة والاتصال أصبح مرتبطا بالسلطة من جهة، والإيديولوجية السائدة من جهة أخري، وهذا يتساوى فى النهاية زيف المعلومة وعدم الارتكان إليها،
وقد تذكر الحاضرون لهجة الخطاب فى الزمن الناصرى ، وأن مثل هذا الكتاب كان يروج إن لم يكن يدرس فى اجتماعات ومنشورات الاتحاد الاشتراكى، وحين لوحظ أن أغلب الحاضرين وكل المقيمين قد رفضوا هذا النوع من الخطابة والتوثيق الرقمى والتعميم والتبرير، ظهر تساؤل دال: هل يا ترى تغير تفكيرنا ونضجنا عن العهد الناصرى ، أم أن المسألة تتراوح إلى أقصى الطرف الآخر بمناسبة خفوت النبرة الإشتراكية
وأضيفت ملاحظة البعض على طريقة التفكير لدينا بنقدها مكررا بأننا نفكر بذات الطريقة التى نرفضها من إطلاق العموميات دون اختبار، وإن كان المطروح حاليا هو التأكيد على التجربة الجزئية الشديدة العيانية، واختبار المنهج فيها وبانجازها أو الفشل فيها يمكن أن تكون البداية، ولا يجوز الحديث قبل ذلك فى أى شيء عن منهج عام،
غير أن هذه النظرة قد رفضت من أخرين، فالتجربة الفردية الجزئية لا تكفي، وهى إن كانت مقبولة على مستوى الفرد، إلا أنها تحتاج إلى قدرر هائل من التقييم فى علاقتها بالمجموع
إذن لابد من منهج ،والمنهج ليس قيدا إجرائيا ولكنه طريقة للتفكير، وهناك مناهج فردية كثيرة تصلح لكى تكون مناهج عامة، غير أنها ينقصها القابلية للتعميم، وطرق القياس، والمطلوب الآن أن يثق أفرادنا فى إمكان أنهم يمكن أن يضيفوا شيئا، ولا يتم هذا إلا بالسماح بقبول الخطأ مادام الأمر قد استوفى شرط الجدية
كذلك سرى تنبيه ضد التبرير التآمرى الذى لوحظ فى بعض أجزاء الكتاب ( إن لم يكن قد غلب عليه) مثل أن الاستعمار والغرب واليهود والشركات ….إلخ إلخ هى سبب فشلنا وتخلفنا -كذا وكيت، ناسين بذلك كسلنا الحقيقى وضعف علاقتنا بالواقع وبحجم الإنتاجية الفردية والجماعية على حد سواء.
وتكررت تساؤلات من جديد تقول (ثانية ومكررا):
- هل مقياس الرؤية عندنا كجمهور المصريين قد شحذ لإدراك، فرفض، نوعية هذا الخطاب الذى يمثله هذا الكتاب أم أن ثمة أسبابا أخري؟
-هل التلقى عندنا اختلف فأصبح أقرب إلى التلقى النقدى منه إلى الانبهار أو التسليم أو الرفض الوثقاني، أم ماذا؟
- وهل النقد الذى وجه لهذا الكتاب ولغته صادر من أصحابه فعلا.. أم ممن هم فى الجهة الأخري؟
ويتشكك صاحب السؤال فى حدوث تغير حقيقى فى التلقي.
وقد أضيف أن الجماعة الحاكمة فى مصر هى هى، وأنها لا تزال تمارس لغة خطاب واحدة مع المصريين بدءا من الحركة اليوليوية وحتى الانتخابات المباركة وأننا أحوج ما نكون الآن إلى دراسة تشمل الفتره العسكرية فى مصر جميعها وتضعها جميعا فى سلة واحدة، وما يمكن أن تكون فعلته بمصر والمصريين من تشوهات فى الإدراك. سابقا وحالا
وكانت ثمة ملاحظة موضوعية قد تكررت تنبه إلى التمسح الذى تكرر فى أكثر من موضع فى الكتاب، التمسح فى نموذج جمال حمدان، وحذرت البعض من تقديس عزلة هذا الراحل الكريم والإعلاء من قيمة تقشفه، و نبهت إلى استحالة تقليده، وفى نفس الوقت ترحمت عليه وذكرت فضله بما ينبغى كما ينبغي.