حــوار:
حول كارثة الأقصر
إدوار الخراط: يجيب
1- ……………………………………………………………………………………………
إيجاد وصلة بين حرية الإبداع وحركيته وهذا النوع من القتل الأعمى ليست بالأمر الصعب، ولكنه فى نهاية الأمر يندرج فى سياق قضية أكبر من مجرد الصلة، وخاصة إذا تصورنا الإبداع بمعنى شامل يتجاوز مجرد الأعمال الفنية ليشتمل على الإبداع فى السلوك اليومى بدءا من المسائل التى تدخل فى نطاق السياسة أو الاقتصاد، وتمتد إلى منطقة التعليم والإعلام. فى هذا السياق تتصل حرية “الإبداع” اتصالا وثيقا بالدوافع التى حدت بقتلة الأقصر إلى ارتكاب جريمتهم، إذ أن الافتقار إلى “حرية الإبداع” فى هذه المجالات الحيوية يدفع بالشباب خاصة إلى الانضواء تحت مفهومات تقوم على التعصب الأعمى والانغلاق على ذات تحجرت فى قوالب سلفية ظلامية عفا عليها الزمن.
2– …………………………………………………………………………………………
فاضت الأقلام فى تحديد وتقصى الدور الأمنى بما لم يعد فى حاجة إلى مزيد من التفصيل. كل ما يمكن أن أضيفه هنا وفى مستويات الرتب الصغيرة أن رجل الأمن هنا هو رجل لم ينل حظا كبيرا أو قليلا من الوعي، وسعة الأفق، ومن ثم فهى ليست مشكلة التقصير الأمنى فقط، بل هى مشكلة وعى المواطن بشكل عام وثقافته وإدراكه للأمور ومدى حريته فى التخلص من وطأة الأفكار السلفية، والتعصب المتزمت، وهنا تشير أصابع المسئولية ليس إلى الأجهزة الأمنية فقط بل إلى مجمل آليات المجتمع بأكمله، كما نعيشها الآن.
3– …………………………………………………………………………………………
إن مدى التخلف الفادح فى نظام ومناهج التعليم الجامعى لا يحتاج إلى تعليق، فبدلا من أن تدرب الجامعة طلابها على الاستخدام النقدى لملكة التفكير والمقدرة على وضع الأسئلة والبحث بحرية عن الإجابات نجد التعليم الجامعى شأنه فى ذلك شأن مراحل التعليم السابقة يقوم على التلقين والحفظ والسعى إلى الحصول على ورقة رسمية مختومة أيا كان اسمها، بكالوريوس أو ليسانس أو دبلوم، هى فى غالب الأمر مجرد جواز مرور لوظيفة أو مكانة اجتماعية، وليست دليلا على حصول الطالب على ثقافة حقيقية.
4– …………………………………………………………………………………………
بغض النظر عن أن السياحة مورد هام من موارد الدخل القومى فإن الموقف [الشعبى] هو أيضا إنعكاس للموقف من سائر أوجه الحياة، فليست السياحة مجرد الحفاوة بالوافدين نتيجة لكرم أصيل وسماحة عريقة فى نفوس الناس، وليست مصدر إرتزاق هام فقط، ولكنها عند قطاع من الشباب الذى وقع فى قبضة التصورات والأوهام الظلامية هى باب لدخول “الآخر” الغريب الذى يكاد أن يكون مجردا عن صفته الإنسانية حتى تطلق عليه تسميات الكفار والمشركين أو الصليبيين، وما إلى ذلك من مفهومات عصور التخلف والتردى مما أتاح لقتلة الأقصر أن يقضوا عليهم بل وأن يمثلوا بجثثهم على نحو تشمئز منه وتروع له النفوس باعتبار أن” الآخر” ليس إنسانيا أصلا فى نطاق هذا التصور الظلامي.
إن نفى “الآخر” يجعله فى مرتبة أدنى من اعتباره إنسانا، ومفهوم “التكفير” يخرجه عن نطاق التراحم الإنساني، وذلك ما يترتب على الدعوات الظلامية المتفشية الآن فى بعض الأوساط الشعبية.
5– ………………………………………………………………………………………………
فى سياق المحنة الاجتماعية والحضارية التى يمر بها الوطن. ليست السياحة إلا جزءا من القضية لا أكثر، ذلك. لأن القضية أوسع كثيرا من أحد أعراضها أو إحدى نتائجها. القضية تتعلق أساسا بالوضع السياسى والإقتصادى الذى يؤدى إلى تفريخ هذه الظاهرة المرضية بدءا من تفشى الرأسمالية المتوحشة التى تتفاقم أثارها يوما بعد يوم من حيث إزدياد الهوة بين الدخول واستشراء الطبقات الطفيلية وإزدياد البطالة بين الشباب، والإفتقار إلى الأمل فى الأفق المسدود أمامهم، وسوء بل خلل نظام التعليم، وعطب الإعلام الذى يتجه أساسا نحو التسلية الزائفة وترويج العنف وإعلاء القيم الإستهلاكية، والافتقار إلى ساحة أوسع بكثير من للديمقراطية الحقيقية التى وحدها تسمح بالبدء فى علاج هذه الكارثة.
أما الخصائص الأصيلة للشعب المصرى – وقد أخذ يخيم عليها الآن ظلام، أومن أنه سوف ينجلى وينحسر إن عاجلا وإن آجلا – فإنها خصائص عريقة تقوم على السماحة والإيمان ببهجة الحياة ورفض العنف الدينى أى المتستر بقناع الدين – وهو ليس إلا مجرد السعى بالعنف لاغتصاب السلطة السياسية – كما تقوم على تفهم “الآخر” وقبول التعايش معه بل الترحيب بالتنوع والتعدد فى المفاهيم والسلوكيات الأصيلة (سواء كان هذا الآخر مختلف الديانة، أم مختلف الثقافة، أم مختلف الجنسية) كما تقوم خصائص الشعب المصرى على رفض القيم النفطية الوهابية الصارمة الجافة، بل على العكس تؤمن كما يقول المثل الشعبى العظيم بأنه “ساعة لربك وساعة لقلبك” ، أى أن المتعة بالحياة هى من إحدى خصائص الشعب المصري، بجانب الإيمان الدينى المستنير المتفتح.