الإنتكاسة للإدمان
كيف تحدث؟ وكيف نتجنبها؟
د. إيهاب الخراط
الإنتكاسة:
هى عودة المدمن بعد فترة من الإقلاع عن التعاطى إلى نمط الحياة القديمة حياة الإدمان.
الزلات:
وعادة لا يعود المدمن من الإقلاع التام إلى الإنتكاس الكامل فورا، بل يحدث هذا تدريجيا. فى صورة “زلات” متكررة:
(1) تبدأ الزلات غالبا بأنواع بسيطة من المسكرات أو المخدرات وتزداد الشدة تدريجيا (بيرة، نبيذ، ثم كونياك وبراندى ثم حشيش أو بانجو.. إلخ).
(2) وغالبا أيضا ما تبدأ الزلات على فترة متباعدة ثم يقصر الوقت بين الزلة والأخرى (كل شهر ثم كل أسبوع ثم كل 3 أيام ثم يوميا.. إلخ).
الجذور |
النتائج |
||||
(1) | (2) | (3) | (4) | (5) | (6) |
توقف أو تدهور فى النمو النفسى والشخصى والروحى | عدم إتزان للحياة | مواقف عالية الخطورة (إكتئاب، قلق، غضب) أو فخاخ نفسية وعدم القدرة على التعامل معها | إزديال رغبة فى التع
اطى |
الزلة إستخدام المخدرات لأول مرة بعد التوقف | الإنتكاسة العودة لحياة الإدمان |
يجب الإنتباه | الإنتباه و التدرب | الإنتباه والتدرب | مشكلة | مصيبة |
مصيبة أكبر |
(3) ويبدأ التدهور التدريجى فى أداء وحياة المريض.من حيث إهمال فى العمل والدراسة، علاقات متوترة مع الأهل والزملاء، فقدان للشهية (أو إفراط فى الطعام أحيانا)، تبذير فى الأموال، تدهور فى العادات والطباع.. إلخ.
* الزلة مصيبة، يمكن علاجها، لكن يتطلب هذا حسم ووعى ومرونة وعزيمة صادقة من المريض.
* أما النكسة فمصيبة كبيرة، تطلب ما يشبه إعادة عملية العلاج من البداية، إلا أنها ربما تأخذ وقتا ومجهودا أقل إن كانت لم تستمر مدة طويلة أو لم تدمر كل ما سبق بناءه فى حياة المدمن.
إزدياد الرغبة فى التعاطى:
الرغبة فى التعاطى فى حد ذاتها أمر طبيعى متوقع أن يحدث فى حياة معظم المدمنين المتعافين.
وفيها تهاجم الرغبة المدمن الذى أقلع عن التعاطى، (الشوق، اللهفة، الزمة، أو الزمته… إلخ)، بدون سابق إنذار أو بسبب تعرضه لموقف أو حديث أو مقابلة لصديق قديم بما يسبب إثارة الرغبة (الشعوذة فى لغة المدمنين).
* الرغبة فى التعاطى: تحدث عادة بإلحاح وشدة وتواتر عالى (مرات كثيرة فى مدة قليلة) بعد الإقلاع مباشرة ثم تخفت وتقل بالتدريج تبعا للعوامل التالية :
(1) مع إزدياد مدة الإقلاع (مرور الوقت).
(2) ومع استمرار المدمن المتعافى فى تنمية قدراته على التعامل مع الحياة بعيدا عن المخدرات.
(3) ومع استمرار النمو الداخلى فى مواجهة النفس وتزايد الصفات الشخصية الإيجابية (الإحترام، اللطف، المثابرة، القدرة على التواصل، الإحساس بالمسئولية، النشاط .. إلخ).
(4) ومع حدوث اتزان بين ما يطلبه المدمن لنفسه (متعة، فسح لعب.. إلخ) وما يطلبه من نفسه (واجب، مسئولية، إنضباط، عمل ملتزم.. إلخ).
إزدياد شدة الرغبة فى التعاطى أو إزدياد مرات حدوثها قد يحدث بلا سبب لكن عادة يحدث بسبب من الأسباب الآتية:
1- وجود أزمة يعجز المدمن عن التعامل معها (أ) شعور سلبى: ملل، إكتئاب، يأس، حزن.. إلخ)، (ب) تعرض لضغط من المجموعة القديمة أو مقابلة لأحد أصدقاء الإدمان
(جـ) أو بسبب خناقة أو مشكلة مع شخص آخر.
(2) سقوط فى فخ من فخاخ النفس التى تطارد المدمن المتعافى مثل (أ) فخ إختبار القوة، “أجرب نفسى وأجلس فى جلسة بانجو مثلا ولا أتعاطي”.
(ب) أو فخ القرارات التى تبدو قليلة الأهمية مثل زيارة صديق أو قريب لا يتعاطى لكن قد يزوره صديق آخر يتعاطي. (طبعا زيارة مباشرة لصديق أو قريب يتعاطى هى فخ أوضح).
(جـ) أو فخ مكافأة النفس، حيث يقول المدمن لنفسة لم أتعاطى منذ مدة شهور فلن يحدث ضرر لو تعاطيت مرة ثم أقلعت ثانية، وتكون هذه بداية الزلة ثم النكسة.
وغيرها من الفخاخ.
(3) وجود موقف عالى الخطورة، ليس بالضرورى أزمة، مثل نجاح فى العمل لا يعرف كيف يستوعبه أو يحتفل به بعيدا عن المخدرات أو سعادة غامرة تقوده إلى بحث عن مزيد من “السعادة”.. إلخ مع عدم وجود مصادر دعم وحياة أخرى بعيدة عن الإدمان تملأ الفراغ الخارجى والداخلى وتعين المدمن المتعافى على مواجهة الأفراح، كما تعينه على مواجهة المصاعب.
عدم الإتزان فى الحياة:
أولا: الحياة المتزنة هى الحياة التى تتوازن فيها طرق ووسائل التأقلم مع الضغوط المشاكل مع حجم ونوعية الضغوط والمشاكل التى تواجهنا.
ولابد أن يتدرب المدمن المتعافى على مواجهة القلق بدون مخدرات والإكتئاب بدون مخدرات والغضب بدون مخدرات، كما لابد أن يتدرب على الإستعداد لمواجهة الأزمات الكبرى فى الحياة (الفصل من العمل، الرسوب، حكم قضائى، مرض جسيم، وفاة عزيز.. إلخ).
والإستعداد لمواجهة الأزمات اليومية العادية (زحمة المواصلات، الحر، نقص الأموال، تعطل المصالح، التوتر فى العلاقات.. إلخ).
المدمن المتعافى أقل قدرة من الإنسان العادى على التعامل مع هذه المشاكل (وإن كان معظم المدمنين سينكرون هذا، أو أحيانا سيعترفون به ولكن ينكرون إمكانية التغيير)، ولهذا يحتاج المدمن إلى متابعة علاجية (علاج معرفى، علاج تدعيمى، بصيرة علاجية.. إلخ). كما يحتاج إلى مجموعة جديدة من الأصدقاء والمعارف وعلاقات جديدة.
ثانيا: الحياة المتزنة هى الحياة التى تتوازن فيها الحقوق مع الواجبات، الإستمتاع باللذات مع تحمل المشقات، الفراغ مع المشغولية، الراحة مع الجهد. يظن كثيرون أن العمل 12 ساعة فى اليوم يقى المدمن المتعافى من الإنتكاسة، ولكن الإجهاد والتوتر قد يؤدى إلى إزدياد الرغبة فى التخلص السريع من هذا التوتر، وتحقيق الراحة فى أقصر وقت، تمهيدا لإستئناف العمل، أو ربما حتى يأسا أو نفورا من هذه الحياة التى “لا طعم لها” لذا ينصح بالعودة التدريجية للعمل مع الإحتفاظ بأولوية للمتابعة العلاجية وتنظيم ساعات العمل والراحة والترفيه ونوعية العمل والراحة والترفيه، أيضا، بوعى مع المعالج المتابع.
وينصح بتشجيع المدمن المتعافى على العودة للأنشطة السابقة للإدمان (الترفيهية، الرياضية، الدينية، الثقافية، الفنية، السياسية، الخيرية.. إلخ)، أو التعرف على هذه الأنشطة إن لم يكن مارسها من قبل. وذلك لأن الإنخراط فى مثل هذه الأنشطة يعطى لمن يمارسها قدرة أعلى على التعامل العمومى مع الضغوط، فضلا عن قيمتها فى حد ذاتها للنمو النفسى للإنسان.
النمو النفسى والروحى:
كل إنسان “مدمن” أو “مريض” أو “طبيعي”– مدعو لتحدى النمو، أن ينمو فى معرفة نفسه والآخرين والطبيعة والخالق. وأن ينمو فى العطاء والإثمار، فى الإنتاج والإبداع وأن ينمو فى القدرة على التواصل فى إقامة العلاقات الحقيقية المسئولة والتى تتميز بالحساسية لإحتياجات الآخرين والإهتمام بدائرة أوسع من دائرة نفسه. وأن ينمو فى قدرته على مشاركة إحتياجاته وقبول تسديدها من الآخرين ومن نفسه ومن الله تعالى بسلاسة وثقة.
وبناء على ما تقدم يحدث تغيير فى صفات الفرد، يحل النشاط محل الكسل، الصدق محل الكذب، والتفاهم محل الإنعزال أو الغضب.. إلخ.
وهذا النمو فى العطاء والثقة هو ما نسميه النمو الروحى والنفسي.
وهو لا يحدث من تلقاء ذاته، إنما يتطلب إلتزاما ومجهودا واعيا متواصلا من كل إنسان، والمدمن المتعافى الذى يسير فى طريق النمو هذا يكون أقل عرضة للإنتكاسة أما الذى يتهاون أو يتغافل عن أهمية هذا التحدى، فغالبا لا يعود إلى مجرد الحياة المتزنة ظاهريا والخاوية داخليا التى يعيشها كثير من الناس بل ينزلق سريعا إلى نمط الحياة الإدمانية السابقة.