الافتتاحية (1)
إذن فالمسألة تستأهل
هذا ما وصلنا رغم طول الغيبة، وتواضع العودة بظهور العدد الماضى.
وكنت قد بدأت التعليق على هذا التلقى الكريم لعودة المجلة كاتبا فى المسودة الأولى لهذه الافتتاحية: قائلا ” إذن فالأمل موجود، لكن الخطر موجود، أيهما أكبر: الأمل أم الخطر؟ “
وقبل أن أكمل الافتتاحية الملغاة، جاءنى الجواب من كارثة الأقصر.
وهكذا وجدنا أنفسنا بين كارثة الأقصر، وحلول رمضان، واقتراب معرض الكتاب، وحتمية الاستمرار، فماذا نقول فى هذا العدد؟
كارثة الأقصر نذير ليس أقل من نذير1967:
وقد حل رمضان فى ظروفنا الصعبة هذه، وليس من دورنا أن نشارك فى زفة الرشاوى غير العلمية التى تبرر الصوم بفوائده التى تعود على الجسد وتشفى كل الأمراض، فتكاد – ولو بحسن نية- أن تخلغ عنه وظيفته الأعلى من حيث أنه عبادة أساسية وركن جوهرى لدين فطرى لا يحتاج إلى مبررات حديثة وزائفة حتى نغرى الناس باتباعه وأداء عباداته، ولهذا فإننا نعتبر مقالى د. أحمد صبحى منصور ود. عصام اللباد هما الاحتفال المناسب بممارسة هذه العبادة التى تقوم – أو ينبغى أن تقوم – بدور التذكرة بضرورة كسر الرتابة التى ألفناها طول العام وذلك بالإقدام على تغييرات ممكنة، ونتصور أن هذا التغيير البسيط فى عادات الأكل والشرب اليومية له دلالته الخاصة لتحريك الوعى والتذكرة بالقدرة على التخلص من كل ما اعتدنا، لكن رمضان يأتى ويذهب فلا نمارس إلا حلاوة الكسل، و سخف التبرير لأخطائنا واندفاعاتنا إذ نلصقها بعبادة المفروض أنها ترتقى بالخلق لا تبرر الخطأ، ثم إننا نتراجع فى رمضان أكثرفأكثرعن الالتزام بالعمل كعبادة دائمة وأساسية، وكأننا كنا نعمل فى غير رمضان حتى توقف عن العمل فيه، يأتى رمضان وسيذهب دون أن نـتغير، بل ربما يشير ذلك إلى أنه أتى وذهب وصمناه دون أن نصوم أصلا(!!) بما يرضى الله .
واقتراب معرض الكتاب حفل بهيج يكاد يفقد معناه إن لم يتبق منه ما يغير الفعل اليومى، للإنسان العادى، ولو دون أن ندرى،
نعم: يبدو أن الخطر أكبر من الأمل، ومع ذلك فلا مفر من حتمية الاستمرار، لأننا لا نملك غير ذلك. الفائدة من استمرار صدورنا موجودة فى الأغلب، إلا أنها – اعترافا وعجزا-، أبعد من مجال رؤيتنا الآن .
والحل ليس أن نتوقف عن الحركة، وإنما أن نواصل الفعل مؤتنسين بأى جهد فى أى موقع آخر بأى لغة أخرى فى وطننا هذا، فى عالمنا هذا، فى عصرنا هذا.
إن التغيير ليس مسألة حسابية بسيطة نعرف مفرداتها مسبقا، ثم نذهب نطبقها بعد تأكدنا من صحة نتائج “الحسبة”، إذ لو كان الأمر كذلك لنجحت ودامت الشيوعية فى الإتحاد السوفيتى، وغيره، فما أجمل مقولاتها وأعدل نظمها، وعلى صاحب الكلمة أن يقولها، ورزقه على الله والتاريخ وعائدها على الناس الذين لا يعرفهم فى الأغلب، شريطة أن تكون “كلمة فاعلة” ليست فقط مضيئة، ولا مشتعلة.
فكيف يكون ذلك؟.
نواصل كل شيء، رغم كل شيء، من يدري
فرحنا نعد هذا العدد ونحن نصر أننا أصحاب البلد بقدر ما أن المسئولية هى مسئوليتنا تحديدا . وبعد أن كنا قد أفردنا ملفا خاصا بهذا الحدث – الأقصر 1997- تراجعنا عمدا، استجابة لنصيحة تقول: إن ما نشر حوله يكـفى، لا لإحداث تغيير، وإنما يكفى أن نكف عن الحديث عنه، حتى لا تحل الكتابة والنشر والتفسير والتحليل محل الفعل والتغيير. لهذا اكتفينا بتقديم الحوار الذى أجريناه مع إدوارد الخراط كعينة دالة وطيبة لما كنآ نجمعه حول ما حدث فى الأقصر، جنبا إلى جنب مع مقال مترجم عن الخوف والأنظمة العسكرية ترجمه سعد زهران واخترناه ليذكرنا أن قراءة تاريخ الآخرين (أمريكا الجنوبية مثلا) هو أيضا أمر مساعد تماما.
إن المصيبة-فى تقديرنا- ليست فيما حدث – مثلما كان الحال سنة 1967- وإنما فيما أدى إليه، وما قد يؤدى إليه. وقد نعود إلى ملف الإرهاب كله فى العدد القادم بقصد عرض وجهة نظرنا متكاملة من حيث ما يمكن فعله فعلا، هنا والآن، بين الناس وللناس، فى مواجهة الحكومة ومعها إن شاءت، أو فـلتتحمل مسئولية انهيارها مع أننا نحن الذين سندفع الثمن.
(أنظر آخر صفحة: دعوة إلى حوار عن هيبة الدولة وإشكالة الانتماء)
المسألة فعلا أكبر من الكلمات ومن الكتابة ومن التبريرات بل أكاد أقول: ومن السياسة بمعنى الاحتراف السياسى، وربما أكبر من الثورة – أى ثورة – التى يرثها عادة، بل غالبا، بل دائما، غير أهلها .
ثم إن هذه المجلة ليست سياسية أصلا، مع أننا لا نعرف الحد الفاصل بين فعل المواطن المشارك، حامل هم الناس، وبين الفعل السياسى المغير، وبين العمل السياسى المحترف، ولن نحاول أن نصنف ما نفعل إلا أنه مسئولية حياتنا كما نتصورها
* * *
ونواصل فى هذا العدد مسيرتنا، فيكتب لنا – لكم- د. أحمد صبحى منصور عن وجهة نظر إسلامية عن العلاقة بالآخر، ويكتب لنا محمد البدرى. عن ليبرالية خارج التاريخ فيصرخ بدوره للحرية بلغة تكاد تكون نقيضية لكنها صرخة إفاقة على أى حال، كما يواصل عصام اللباد حواره المتخيل مع إريك فروم عن الإيمان والنفس، ويبدأ د. شبل بدران حضوره معنا إذ يعرض لهذه الإشكالية المزمنة حول “رهاب” الغزو الثقافى المعطل، كما يضيء د. جمال زهران جانبا هاما من لعبة أوهام الديمقراطية واحتمالات توجيه أدوار المعارضة الخــفية لصالح اللامعارضة.
ويقدم د. يحيى عبد الحميد إبراهيم. . مفهوما واضحا عن نوع مما هو علاج نفسى، وليس تحليلا أو نصحا سطحيا، فهو نوع أوضح وأكثر مباشرة من التنويعات الشائعة عن ما هو علاج نفسى، والعلاج الذى يقدمه غير مألوف بعد فى مصر، وفيه يتضفر إحياء وتنشيط المنطق السليم جنبا إلى جنب مع حفز الدفع االمناسب لهذا المنطق ليتحقق من خلال هذا وذاك الدرجة المناسبة للتوازن النفسى .
ويعود ضيوفنا القدامى للمشاركة والنبض معنا (اعتدال عثمان -سيد زرد- أحمد زرزور).
وما زلنا نفتقر كثيرا إلى إسهامات إبداعية أصيلة، وخاصة مما أسميناه ذات مرة “ما ليس كذلك”.
ونواصل التوعية النفسية الناقدة من كل مدخل: فحديث الإدمان يتناول منع النكسة، ومحو الأمية النفسية يتكلم عن نبض العقل وكم المعلومات، ويواصل باب ” استفسارات ومشاكل الرد على القراء”، وهو يقدم هذه المرة رؤوس مواضيع عديدة فى شكل حوار بـرقى عن الصراع بين الأجيال ,وتنشئة الشباب الدينية، وتقلب المشاعر، لكننا نعتذر عن غياب باب إعادة قراءة فى مصطلح قديم، على أن نواصل تقديمه فى الأعداد القادمة .
أما باب حالات وأحوال فبالإضافة إلى قراءة حالة عن السير البطئ الخطير للمرض النـفسى فإننا نقدم من خلاله تجربة جديدة، نأمل أن تتواصل فى الأعداد التالية، ألا وهى عرض خبرة علاجية كعينة مباشرة مما يجرى فى العلاج الجمعى وهى خبرة الألعاب العلاجية، أو ما أسميناه هنا “الميكرودراما”
ويتناول باب التصحيح والتذكرة مسائل عن القلق، وهل هو مرض العصر، كما يتحدث عن مرض الطبيب النفسى وميزة تطوع المدمن للعلاج وهل ذلك أفضل دائما من فرض العلاج عليه.
ونواصل التقاسيم على أصداء نجيب محفوظ الذى يدردش معنا أيضا عن علاقته بأولاد نويرة (فؤاد نويرة أساسا).
ومع عودتنا للظهور بدأت الرسائل الكريمة تصل إلينا تشجعنا وتقومنا، فخصصنا لها بابا جديدا هو رسائل وردود، نأمل أن يفتح آفاقا جادة تذكرنا بحواراتنا القديمة منذ ظهور المجلة.