حالات وأحوال: الجزء الثانى ألعاب علاجية
أخاف من قوتى…!!
[ لا أجرؤ أن أكون قويا = لا أجرؤ أن أطلق سراح قوتى = لا أجرؤ أن أعرف مدى قوتى ]
الأرضية التنظيرية والفرض
كل الناس تزعم أنها تريد أن تتمتع بالقوة، وأن تمارس التفوق القادر، وأن تكون يدها هى الأعلي، ولكن هل هذه حقيقة عامة؟ وهل القوة التى تظهر فى شكل السيطرة أو التمادى فى الامتلاك أو فى استعمال السلطة، هى القوة التى يتميز بها الإنسان حقيقة وفعلا ؟ أم أن أغلب ذلك هو بدائل عن الـقوة الحقيقية الكامنة فينا، والتى نلغيها أو نرفضها أو ننكرها أو نستبدلها بالسيطرة أو السلطة أو السادية أوالحرب
الفرض:
فى التركيب الإنسانى طاقة قوة أكبر بكثير من تصوره، وهى مرتبطة أشد الارتباط بغريزة العدوان، وهى تأخذ صورتها الإيجابية حين (ا) تصل إلى الوعى (ب) تلتحم بالكل (جـ) تبنى ولا تهدم (تبنى الذات والآخرين العالم).
وفى هذه “الحالات” سوف نعرض لبعض جوانب هذا الفرض من خلال تفاعل علاجى يسمى -مرحليا – اللعبة، جرى خلال جلسة من جلسات العلاج الجمعى:
ألعاب([1]) علاجية (أو: كشــف - علاجيية)
فكرة ما هو “لعبة”، التى تجرى أثناء العلاج الجمعى عادة تتألف من أنه يطلب من المريض (والمعالج إن لزم الأمر) أن يقوم بإجراء (لفظى فى الأغلب) هو أقرب إلى تمثيلية شديدة القصر(أفضـل أن يطلق عليها إسم “ميكرودراما”)، وهى مكونة من جملة ناقصة ،أو نصف جملة (وهذا هو كل النص المتاح) على أن يقوم المؤدى (المريض أو المعالج) بإكمال ما بعدها-تأليفا تلقائيا- بعد النطق بها ، أى أن نص “الميكرودراما” لا يزيد عن بضعة كلمات تكون جملة ناقصة، أو نصف جملة ، وعادة ما يجد المريض المبتدئ صعوبة، ويبدى مقاومة حين تشرح له اللعبة، ولكنه فى أغلب الأحوال ، ومهما كان مرضه أو درجة ذكائه، سرعان ما يشارك ، ومهما كانت درجة استيعابه للعبة فإن الاستفادة العلاجية من خلال محاولاته واردة دائما.
وبعض الألعاب العلاجية مشهورة ، ومكتوبة ، ويمكن استعمالها فى الوقت المناسب، ولكن فى ممارستنا فى مصر (قصر العيني: أساسا)، كانت وما زالت أغلب الألعاب تنشأ من وحى اللحظة أثناء التفاعلات العلاجية الجارية وحسب مقتضى الحال، ويمكن أن يؤلف اللعبة ويقترحها المعالج فى العادة، كما يمكن أن يقوم بذلك أحد المرضى ثم يوافق المعالج عليها دون، أو بعد التعديل.
واللعبة التى ستقدم الآن جرت منذ أيام أثناء جلسة من جلسات العلا ج الجمعي* فى مسشفى قصر العيني، وقد لاحت حين تكلمت إحدى المريضات- نهى – التى قالت إنها تفتقر إلى القوة ، وأنها تشعر أنها لو كانت تتمتع بها، إذن لواجهت صعوبات حياتها، وسلبيات مرضها ، وتحديات علاقتها الزوجية، وقد ثار حوار وتفسير وممارسة آنية (هنا-والآن)([2]) لهذه الجزئية، واقترح أن يكون زعم “عدم القوة” هو من اختيارها، أو بتعبير أدق هو اختيار مستوى ما من مستويات وجودها (لا نريد أن نختزله إلى تعبير: أنه من مصدر لا شعوري)، وقد حدث كل ما هو متع من نهى حيث رفضت، وقاومت، واستبعدت، ونفت، فظهرت فكرة اللعبة ا بقصد الالتفاف حول كل ذلك، ليس فقط بالنسبة لها، إنما بالنسبة لجميع أفراد المجموعة، فكان التالى:
اللعبة:
كان على كل واحد (أو واحدة) أ ن يقول العبارة المقترحة موجها كلامه لزميل أو معالج بالإسم (يا فلان: تبعا للقاعدة العلاجية “أنا-أنت”) ([3]) ثم يكمل “أى كلام” ، حتى لو لم يكن الكلام الذى سيكمل به مرتبطا بالعبارة الأولي، حتى لو لم يعرف معناه، المهم أن يكمل.
وكانت اللعبة مكونة من جزئين، عبارتين ، يقولها المؤدى الواحدة تلو الأخرى لنفس الشخص الذى يوجه إليه الحديث ، وكانت العبارة الأولى تقول:
” يا فلان: أنا خايف أبقى قوى ، لحسن …..” ،
ثم يكمل -أى كلام يخطر، أو لا يخطر على باله !!،
ثم يلحق ذلك بالعبارة الثانية:
” يا فلان: أنا عايز أبقى قوى ، وساعتها …..” ،
ثم يكمل -أى كلام يخطر،أو لا يخطر على باله !!-
وقد جرت اللعبة على الوجه التالى:
1– نهى:([4]) (وهى التى بدأت التفاعل حين حكت عن افتقارها للقوة كما سبق بيانه)
” يا (…..) أنا خايفة أبقى قوية لحسن أكره الناس”
ثم
” يا (…..) أنا عايزة أبقى قوية وساعتها حاكره الناس”
2- باسم:
” يا (…..) أنا خايف أبقى قوى لحسن أظلم الناس”
ثم
” يا(…..) أنا عايز أبقى قوي، وساعتها أرد لكل واحد حقه”
3- سامية:
” يا (…..) أنا خايفة أبقى قوية لحسن أأذى نفسي”
ثم
” يا(…..) أنا عايزة أبقى قوية، وساعتهاحاقدر أحمى نفسي”
4- ممدوحة:
” يا (…..) أنا خايفة أبقى قوية لحسن أقتل إللى يأذيني”
ثم
” يا(…..) أنا عايزة أبقى قوية، وساعتهاحاقتل أى حد يأذيني”
5- زبيدة:
” يا (…..) أنا خايفة أبقى قوية لحسن أأذى الناس”
ثم
” يا(…..) أنا عايزة أبقى قوية، وساعتهاحاقدر أحمى نفسي”.
6- د. يوسف
”يا (…..) أنا خايف أبقى قوى لحسن تـفـلت منى “
ثم
” يا(…..)أنا عايز أبقى قوي، وساعتها: يمكن أقدر أبطل ده” (يشير إلى المجموعة)
7- د. حسن
” يا (…..) أنا خايف أبقى قوى لحسن الناس تأذينى “
ثم
” يا(…..) أنا عايز أبقى قوي، وساعتها إللى بره حايبقى زى اللى جوه”
(هذا، ولم يمكن تذكر ما قاله المريضان الآخران بدقة لتسجيله حرفيا، حيث لا يجرى تسجيل الجلسة فورا”
التعقيبات:
أولا: تعقيبات عامة:
1- كانت التشخيصات مختلفة ومتعددة ، ومع ذلك تمت اللعبة بنفس الطلاقة مع الكل، وكشفت عما كشفت بغض النظر عن التشخيص كعائق خاص (عمر المجموعة أكثر من خمسة أشهر)، وهذا يدل على الاستعداد للتفاعل من جانب كل المرضى العقليين والمزمنيين وغيرهم
2- بمجرد أن بدأت اللعبة، وبعد المقاومة المتوسطة المتوقعة جرت بسهولة وبسرعة ولم تستغرق سوى بضعة دقائق محدودة.
3- لم يعقب المعالجان على اللعبة، ولم يعطيا أى تفسير، وهذا هو المتبع عادة، فالمعالج يكتفى بعد اللعبة بطرح السؤال التالي:
هل وصل إلى أحد أية رؤية أو معلومة أثناء لعبه هو ، أو أثناء مشاهدته وملاحظته لزميله وهو يلعب؟
وقبل أن يجيب أحد ينبه المعالج -عادة- ألا يقول أحد ما وصله بل يحتفظ به لنفسه، فقط يشير أنه قد وصله، وهذاالأسلوب ليس القاعدة دائما، لكنه ما يجرى فى هذا النوع من العلاج الخاص بهذه المدرسة العلاجية، والفكرة من ذلك أن االمريض إذا حكى عما وصله من مثل هذه الخبرات الكاشفة بالألفاظ فإنه قد يعجز عن الإحاطة بحقيقة أبعادها الكشفية والعلاجية بمجرد أن توضع فى ألفاظ مألوفة، وأيضا كثيرا ما يكون الحديث عن هذه الخبرات إنكارا لما حدث أثناء اللعبة، وقد ثبت أن هذا الاستيعاب الصامت يترك أثرا علاجيا أعمق وأبقي.
ثانيا: تعقيبات على اللعبة عامة
1- يلاحظ أن نهى – وهى التى أثارت فكرة اللعبة بإعلانها افتقارها إلى القوة – كان موقفها من الخوف من إدراك قوتها، وكذلك الرغبة فى أن تكون قوية، واحدا ، أى أى أنه موقف يخدم نفس الغرض (وهو: الحذر من رؤية الآخر على حقيقته ومن ثم حرمانها منه)، ونفس الحال بالنسبة لكل من ممدوحة (قتل الآخر باعتباره مصدر الأذي)
2- يلاحظ أيضا أن معظم أشكال الخوف من القوة والرغبة كانت متعلقة بالعلاقة بالآخر، ، ولكن فى حالة “سامية” كان التركيز على نفسها (تحميها من الآخر أيضا)
كذلك كانت استجابة المعالج الأكبر (د. يوسف) غير متضمنة بشكل مباشر العلاقة بالآخر
وأيضا الجزء الثانى من استجابة المعالج الأصغر كانت خالية من حضور الآخر مباشرة
ثالثا: تعقيبات عن الحالات منفردة
1- نهى:
” يا (…..) أنا خايفة أبقى قوية لحسن أكره الناس”
ثم
” يا (…..) أنا عايزة أبقى قوية وساعتها حاكره الناس”
يبدو هنا إشكالة العلاقة بالآخر وما تتطلبه من التغافل عن الجانب السيئ فيه(الذى يستدعى الكره أو الترك) ، أو أنه إذا تمت رؤية هذا الجانب السيئ فإن المطلوب لكى تحدث علاقة صحيحة هو أن يكون الرائى للسوء قادرا عل تحمل التناقض.
وفى الموقف الاكتئآبى تصطبغ العلاقة بالآخر بأنها مصدر الحب، وفى نفس الوقت هى تحمل مخاطر التهديد بالترك، وتختلف الحلول المطروحة لحل هذا المأزق، ومن بينها أن يتنازل الشخص عن رؤيته (ميكانزم الكبت أو الإنكار) فتنشأ علاقة تكيفية عادية مبنية على استعمال ميكانزمات مناسبة ، فإذا لم يستطع الشخص إلا أن يرى الجانب السيي، ، وخاف أن يترتب على ذلك مواجهة، أو الدفع بعيدا ، أو قرار تجنب، فإنه قد يلجأ إلى إضعاف نفسه (التنازل عن قوته، أو عن حقه فى القوة) فيصبح المبرر لاستمرار العلاقة-رغم آلام الرؤية- هو الضعف والحاجة إلى هذا الآخر بكل عيوبه.
وتكشف نهى هنا ، وتكتشف فى نفس الوقت، أنها لا تريد أن تكون قوية حتى لا تـلغى احتياجها لهذا الآخر، فتطلق لمشاعرها العنان، فتكرهه غير آبهة باحتمال تركه لها إذا لم يتحمل كراهتها، لأنها أصبحت قوية
فهى تخشى أن تكون قوية حتى لا تستغنى ، فإذا حدث وأن تشجعت واكتسبت القوة كماتتمنى (وتخاف فى نفس الوقت) فهى سوف تستعمل حقها فى أن تكرهه، وما يحدث يحدث.
وبناء عليه، فإن زعمها الذى استدعى اللعبة منذ البداية – بأنها ضعيفة وتفتقر إلى القوة – يتعرى ليصبح: إنها هى التى تنازلت عن حقها فى القوة كما سبق، وبالتالى لا يكون الحل هو الشكوى المرضية والاكتئاب، وإنما هو مواصلة النمو، حتى يمكن أن تحب وأن تكره، وألا تخاف من الكراهية باعتبار أن ثمنها هو الهجر وإنما تستعمل الكراهية لاستكمال كلية العلاقة لتنتقل إلى مرحلة النضج التى يمكن أن تسمح لها أن تكون قوية، وفى نفس الوقت أن تكره دون أن تترك أو تخاف الهجر، وفى نفس الوقت تستمر العلاقة دون مرض أو مذلة ظاهرة أو خفية
(وهذا من أساسيات وأهداف هذا العلاج الجمعي)
2- باسم:
” يا (…..) أنا خايف أبقى قوى لحسن أظلم الناس”
ثم
” يا(…..) أنا عايز أبقى قوي، وساعتها أرد لكل واحد حقه”
لا يبدو هنا الخوف من القوة مهددا للعلاقة بالآخر، وإن كان يحمل ملامح شك باسم فى صدق رؤيته، وكأنه يشترط لكى يتمتع بحقه فى إعلان قوته، وممارستها، أن تكون رؤيته موضوعية وكافية ، لأنه لو كان قويا، وأعمى ، فإن ضررا قد يصيب الآخرين نتيجة لأنه سوف يطيح فيهم مثل أعمى يلوح بعصاه فى الفضاء، ومن هنا يأتى احتمال ظلم الناس
وكأنه فى هذا الجزء الأول يعلن: أن الرؤية الموضوعية لازمة لللتمتع بحق القوة واستعماله، وإلا فالضعف ضرورى حتى يلجم الإيذاء العشوائى المحتمل
ولكنه حين يكمل الجزء الثانى من اللعبة فيتصور أنه اكتسب القوة فإنه يبادر بأن يحمى الناس من احتمال ظلمهم بأن ينصب نفسه حكما عدلا للمظلومين يرد لهم حقوقهم، وهذا نوع مما يسمى “تكوين رد الفعل ” أى أن يقوم بعمل عكس ما يعتمل فى داخله، حتى يلغى هذا الذى فى داخله ويخفيه، وربما ينظر لنفسه كأحد الذين سيستردون حقوقهم حين يكتسب القوة اللازمة.
3- سامية:
” يا (…..) أنا خايفة أبقى قوية لحسن أأذى نفسي”
ثم
” يا(…..) أنا عايزة أبقى قوية، وساعتهاحاقدر أحمى نفسي”
تحافظ سامية على وجودها، على استمرارها، على سلامتها ، وربما على حياتها خلال دفاع (ميكانزم) الضعف، وكأنها لو اكتسبت قوة كافية فسوف تستطيع تنفيذ قرار كامن بإيذاء نفسها، ويرتبط هذا بما نلاحظه أن بعض المرضى المكتئبين لا ينتحرون إلا بعد قدر مناسب من التحسن الذى يستعيدون به قدرتهم على الفعل، ومن ثم ينفذون قرار التخلص من الحياة الذى كان يحول دون تنفيذه الضعف الناتج عن المرض الذى أضعف القدرة على اتخاذ قرار قابل للتنفيذ فعلا، وليس معنى هذا أن سامية هنا تعلن رغبتها فى الانتحار، فإن إيذاء الذات درجات كثيرة أقصاها هو الانتحار.
ثم إن سامية حين تستعين بالضعف ضد إيذاء الذات تعلن خللا تركيبيا لا يقتصر على المرضي، حين يكون الكيان السائد هو كيان والدى (داخلي) لا يسمح إلا بتكرار الأسبق دون إبداع أو تلقائية ، وبمجرد أن يطلق سراح الطاقة الداخلية(القوة) يستولى هذا الكيان الوالدى عليها -نتيجة سيطرته أو غلبته- فيوجهها ضد الكيان الطفلى النامى الذى هو فى أشد الحاجة إليها ليكمل نموه ويمارس استقلاله وإبداعه.
لكن ما إن تنتقل سامية إلى الجزء الثانى من اللعبة حتى نكتشف أن المسألة ليست بهذه البساطة، بل إنها إذا اكتسبت القوة التى ترجوها فقد تستطيع أن تكسب الجولة وتسحبها- تسحب القوة أى القدرة ، أى الطاقة المحررة- من هذا الكيان الوالدى الداخلى المتحفز لإيذائها، لتزداد هى -الكيان الطفلي- قوة فى مواجهته، فتحمى نفسها
وأهمية هذا التفسير هو التأكيد على أن غلبة كيان على الآخر ليست عملية ثابتة، ولا مطلقة، وأن هذا التناوب فى امتلاك مقاليد القوة ، واستعمال الطاقة هو الأنسب لحركية نمو الإنسان عموما، وهذا ما تعلنه سامية دون تفسير، أو تفكير، أو شعور بالتناقض كما يتصور الناس العاديين الذين يصرون على التعامل الأحادى مع أنفسهم والآخرين.
4- ممدوحة:
” يا (…..) أنا خايفة أبقى قوية لحسن أقتل إللى يأذيني”
ثم
” يا(…..) أنا عايزة أبقى قوية، وساعتهاحاقتل أى حد يأذيني”
ممدوحة هنا تربط مباشرة بين السماح بإطلاق سراح قوتها وبين القتل، وعلى الرغم من أن هذا بدوره مستبعد كفعل حقيقى محتمل فى حالة مديحة ، بل وفى أى حالة ، فإنه ينبغى النظر إليه باعتباره من أهم أسباب توقف النمو ، وضعف الإبداع، لأنه إذا ارتبط إطلاق الطاقة الحقيقية للوجود البشرى (القوة) بقتل الآخر، فإن النتيجة أن تقمع بدرجة مختلفة وفى صور متعددة، وفى حالة مديحة كان القتل واضحا فى جزأى اللعبة رغم أنها فى سلوكها الظاهري، بل وفى أعراضها ، لم يكن هناك أدنى نزوة عدوانية أو خطرة، وهذا فى ذاته ينبهنا إلى أن عدم التناسب بين المظاهر السلوكية وبين التركيب الداخلى هو أمر شديد الأهمية والدلالة سواء فى الحياة العادية أو فى العلاج.
5- زبيدة:
” يا (…..) أنا خايفة أبقى قوية لحسن أأذى الناس”
ثم
” يا(…..) أنا عايزة أبقى قوية، وساعتهاحاقدر أحمى نفسي”.
يلاحظ أن استجابة زبيدة هى نفس استجابة سامية، وعلى الرغم من احتمال التقليد ، فإن ذلك لا ينفى أن لكل منهما خبرته المستقلة رغم تشابه الألفاظ.، وهذا أمر يحتاج إلى متابعة أثناء التفاعلات اللاحقة فى نفس الجلسة العلاجية، وبصفة عامة
6- د. حسن
” يا (…..) أنا خايف أبقى قوى لحسن الناس تأذينى “
ثم
” يا(…..) أنا عايز أبقى قوي، وساعتها إللى بره حايبقى زى اللى جوه”:
أولا: يجدر أن ننبه القارئ إلى أن من أهم ما يميز هذا النوع من العلاج- وخاصة فيما يتعلق بالألعاب العلاجية- أن ما يسرى على المرضي، يسرى على المعالج، اللهم إلا إذا كان مبتدئا تحت التدريب ، فمن حقه أن يعتذر لفترة من الزمن حتى يشتد عوده ويطمئن، وهذا لا يعنى أن المعالج -صغيرا أو كبيرا – يعالج فى نفس الوقت الذى يعالج فيه مرضاه، لكن الكشف الخبراتى للذات فى مواجهة الآخرين هو جزء لا يتجزأ من التدريب على العلاج، كما أنه جزء لا يتجزأ من الاقتراب من المرضى ، وتوثيق العلاقة العلاجية
ثانيا: يلاحظ أنه ظهر فى الجزء الأول من اللعبة جانب مختلف للعلاقة بالآخر، وهو يظهر فى الأسوياء المتفوقين عادة – مثلما هو الحال فى هذا الطبيب الأصغر، إذ أنه هنا يخشى من أن يتميز حتى لا يستدرج إلى هجوم تنافسى من قوى آخر، وكأنه لا يعلن خوفه من أن يكتسب القوة، ولكنه يعلن خوفه أن يـظهر قوته ، أو أن يعلنها
أما الجزء الآخر فهو يعلن جانبا آخر لنوع القوة التى يكتسبها المعالج الأصغر من خلال تدريبه حين يعترف أن القوة لا تقاس بكم يزيد أو ينقص، بقدر ما تقاس بمدى الهارمونية بين الداخل والخارج، وبالتالى لا تصبح القوة مهددة لهذا الجانب على حساب ذاك، أو للذات على حساب الآخر أو العكسب، بل تصبح طاقة يمكن أن تحقق التوازن الكلى وتحفز استمرار النمو المتسق.
7- د. يوسف
” يا (…..) أنا خايف أبقى قوى لحسن تـفـلت منى “
ثم
” يا(…..)أنا عايز أبقى قوي، وساعتها: يمكن أقدر أبطل ده” (يشير إلى المجموعة)
يختلف الموقف مع المعالج الأكبر، إذ يبدو أنه مارس قدرا كافيا، أو هو يرى هو أنه قدر مناسب لما يريد، وأنه لو زاد عن ذلك فقد يختل التوازن، فيقدم على طموحات أكبر لا تتناسب مع الواقع ، وهذاالوعى بتناسب قدر القوة مع مساحة الإمكانيات هو ضرورة مفيدة، والوعى باحتامل عدم التناسب، مهما تصور الشخص عن نفسه من خبرة أو وعى ، هو فى ذاته أمر مطلوب للطبيب ثم للمريض حتما
أما الجزء الثانى من لعبة د. يوسف – من حقى أن أضيف عليه لأنه يخصنى شخصيا- فهو يشيرإلى أن ممارسة هذا النوع من العلاج هو أمر شاق، وأن الاستمرار فيه ، وخاصة فى سن هذا المعالج (65 سنة) يحتاج لحسابات فيها من المسئولية والوعى بالدور ما فيها، وبالتالى تصبح أى جرعة من القوة المناسبة قادرة على الإسهام بقرار مثل قرار التوقف عن ممارسة مرهقة طول الوقت، الأمر الذى يبدو أن هذا المعالج لم يستطع أن يقرره بعد ، فالتوقف هنا يحتاج إلى قوة بقدر ما تحتاج البداية والاستمرار إليها ، ولكن نوع القوة يختلف ، ومظاهر حضورها السلوكى تختلف أيضا
رابعا: تعقيب عام
1- يلاحظ مدى ما يمكن استخلاصه من لعبة مباشرة تبدو بسيطة ، إلا أن احتمالات تأويلاتها شديدة الثراء
2- يلاحظ أن جانبا كبيرا من فهم ما يجرى يعتمد على الفرض الذى جرت اللعبة لتحقيقه
3-يلاحظ أيضا أنه بالرغم من أن هذا الفرض قد نشأ من تفاعل شخص واحد فى المجموعة إلا أن اللعبةجرت على الجميع وكان كشفها لللجميع(دون استثناء المعالجين)
4- يلاحظ أيضا أن الأمر لم يحتج إلى تأويلات وسيطة -مثل استعمال لغة تحليلية فرويدية مثل اللاشعور وتحت الشعور وعقدة أوديب إلخ ، أو استعمال لغات أخرى مثلا الشعور بالنقص (أدلر) وتعويض القوة …إلخ.
5- يمكن -بالقياس – إعادة النظر فى كثير من تصرفات الأفراد العاديين من خلال هذا الفرض البسيط الخطير فرض أن الإنسان كثيرا ما يتجنب معرفة قدراته وقوته، وأنه يخشى انطلاق إمكانياته، وأنه يرشو الآخر أحيانا بضعفه حتى تستمر العلاقة بصورة من الصور،
6- لا بد من التذكرة بأن كثيرا من الألعاب – ومنها هذه اللعبة- تعتمد على مدرستين ليستا شائعتين عند الكافة (لا عند أطباء النفس، ولا المعالجين ، ولا المرضى ولا عامة الناس ، وخصوصا فى مصر) وهما مدرسة علم النفس الجشتالتى (التى تركز على كلية الإدراك ، وتبادل الشكل والأرضية والهنا والآن) ثم مدرسة التحليل التفاعلاتى التى تتعامل مع النفس باعتبارها عدد من حالات الذات (الشخوص أو التنظيمات الداخلية) وخاصة حالة الذات الوالدية، والطفلية والناضجة )، أى أن كلا منا فيه طفل وناضج ووالد ، وأن القيادة فى التركيب والسلوك يتبادلونها فيما بينهم حسب الموقف المناسب، وأن خلل العلاقة بين هذه الذوات يترتب عليه أمراض مختلفة)، وعلى ذلك فإن مثل هذه الألعاب ، وأيضا التمثيلية النفسية ، وغير ذلك من تقنيات العلاج تعيد تنظيم هذه العلاقات بين الذوات، بدءا بتعميق تفاعلاتها فى ” الهنا والآن”
7- أنه بالرغم مما يبدو من جدة وغرابة أفكار هذه المدارس إلا أنه فى التطبيق ، لا يتطلب الأمر درجة معينة من الذكاء ، ولا التعليم ، ولا الثقافة النفسية كما يبدو للقارئ لأول وهلة. ثم إن مثل هذه اللغة التنظيرية لا تـستعمل أصلا فى التفسير والتأويل فى هذا النووع من العلاج
8 – وأخيرا: قد يكون من الطريف – أو غير ذلك – أن يجرب القارئ هذه اللعبة نفسها -دون تفكير مسبق أو وصاية قبلية – مع نفسه أو مع أصدقاء ، شريطة ألا يتعجل فى الاستنتاج أو التأويل أ و أن يسارع فيلحقها بمناقشة أو تحليل
9- ثم إنه قد يكون مفيدا ومثيرا أن نتلقى تعليقات القراء قبولا أو رفضا أو تعقيبا.
[1]- ابتداء من هذا العدد سنقدم ما يسمى ‘ألعاب علاجية’، وليس الهدف من ذلك أن يقوم بها القارئ للتسلية، ولا أن نعرض من خلالها مفارقة غير مألوفة، وإنما الهدف هو أن نظهر جانبا من جوانب النفس الإنسانية من خلال ممارسة علاجية مع حالات فعلية ، وما يسمى لعبة ، ليس لعبا بالمعنى الشائـع الذى يستخف بما هو لعب، لكن كلمة لعبة هى أقرب ترجمة لكلمةGame بالإنجليزية، وهى الأصل ، وحتى نجد لها ترجمة أخرى سوف نكتفى بهذه الحرفية .
[2] -المجموعة مكونة من عشرة أفراد غير اثنين من المعالجين، وقد حضر هذه الجلسة سبعة أفراد، من تشخيصات مختلفة: واحدة فصام متفسخ (فى حالة إفاقة جزئية)، وواحد عصابى مع أعراسض جسدنة، وواحدة – التى بدأت اللعبة – حالة اضطراب وجدانى من نوع الاكتئآب مع صعوبات زوجية، وأخرى اكتئآب مختلط فى شخصية تفتقر إلى النضج، وثالثة اضطراب وجدانى دورى ، مع غلبة الشعور بالذنب . (طبعا لا يكفى هذا التعرف ومع ذلك ليس التشخيص هو محور التقديم).
[3] – القاعدتان الأساسيتان فى العلاج الجمعى هو أن يكون التفاعل -إلا نادرا جدا – فى اللحظة الراهنة، وفى الحضور المكانى المحدد الآن (هنا الآن)، وأن يكون الخطاب بضمير المتكلم الفرد والمخاطب الفرد، ‘أنا-أنت، وليس هو، ولا التعميم: الواحد، الناس، الإنسان، هو ، هى ..إلخ
[4] – الأسماء غير الأسماء الحقيقية بداهة.