حـــوار
عن إستثمار الطب.. والبحث العلمى..
والنوادى الخاصة “جدا”(1)
د. رضا عطية – يحيى الرخاوى
د. رضا عطية: للأشياء قانونها الخفى ودرسها الخبيث، إلى حين كنت أعتقد أننى فاهمها، إعتقاد الريفى فى بساطة العالم وامتلائه بمن يسعون إليه لتقديم العون دون ثمن، وهكذا راحت تناغى مخيلتي- حالة تخرجي- صورة للعلم عند الغرب، كهول شائبو اللحى بمعاطف بيضاء، وتنسك فى أروقة المعامل، وأسلاك هنا وأزرار هناك، لم يكلفنى الأمر سوى كارت مطبوع من مجلة علمية مرموقة، ملأته و… إلى أحد المراكز الطبية بلندن ليوافونى بالدورية العلمية (مجلة أطباء الدراسات العليا) وسرعان ما عاد البريد محملا بعبق زهور الغرب: لا بالمجلة فقط، بل وبدوريات طبية أخرى. قلت أن العلم والحضارة لقادران على أن يلهبا الشعور بقوة الإنسانية.
الرخاوى: سيدى، هذه همة مشكورة، فقد خطوت بنفسك كطبيب مصرى صغير، فى بلد متواضع فقير، لتشارك فى حوار علمى عالمى رصين. ألا .. شكرا لله لك حسن سعيك فماذا؟
د. رضا: ثم تطوعت جهة أخري- لم أراسلها- بارسال ‘مجلة الطب العربية’ ، وتمولها السعودية، ثم تلتها مجلة ‘الطب الإسلامي’ ، قلت لعل ثمة تنسيقا بين الهيئات العلمية المحايدة حتى ولو كان النفط طرفا فيه.
الرخاوى: بدأت أشم رائحة اليقظة الساخرة باستعمالك كلمة ‘المحايدة’- وأحسب (رغم تجاوزى مرحلة السذاجة الطفلية الريفية) أنه ليس عيبا أن تتعاون الهيئات العلمية فى تزويد بعضها البعض بعناوين وأسماء الأطباء الشبان المتحمسين أمثالك لطلب العلم، فماذا أثار هواجسك؟
د. رضا: نبش فأر خبيث فى عبى، على أى كتف إذن يربتون وأى مشاعر يدغدغون؟.
الرخاوى: تعنى حكاية الطب الإسلامى؟ على سنة الله ورسوله؟
د. رضا: .. هل يحفل من كان آباؤهم نيوتن وماكسويل وجاليليو بكون الطب إسلاميا أم بوذيا؟ وهل يعنيهم غير منهج العلم الذى بفضله آلت إليهم حضارة ضخمة؟
الرخاوى: دعنى هنا أقف معك وأنت تثير هذا الإعتراض الحاسم ضد هذه التسميات التجارية الدعائية المسطحة، ومنها الطب الإسلامى، وهى تسميات شوهت كلا من الطب والإسلام جميعا، وقد كان المدخل خبيثا والغرض خافيا من حيث المبدأ، إلا أنه لا ينبغى علينا أن نتهم حماس الشباب حسنى النية، أو أن نشك فى إخلاص المتدينين المتلهفين على تحسين منظر دينهم بأى وسيلة، وإنما علينا أن ننبههم إلى هذه المساومات والتسويات هى إعلان لدونية الدين عن العلم، وعن الطب، وهى نوع من التصفيق الذى يحتاجه رب العالمين وخالق الخلق لنقول له أنه ‘برافو لقد سبقت بمعرفة أن الأرض بيضاوية’ – وقس على ذلك النفخ فى معانى آيات وآيات، لنقربها إلى ما نعتقد أنه صواب فى علم الأجنة مثلا ( وهو ليس بالضرورة صوابا جازما نهائيا)- ونشترى الخواجات لهذه المؤتمرات، فيقبضون، ويقلبون أسماء أطوار الجنين إلى Alakra وكذلك Modghak، وهم يضحكون فى سرهم وفى جهرهم على ما بلغناه من سذاجة، ويقبضون وينصرفون…، وتعاد المؤتمرات والندوات لنعلن من خلالها بمنتهى الفخر أن الله سبحانه يأمر الناس بالنظافة، وكأن هناك إحتمال – أى إحتمال- أن ينزل دين أى دين يأمر الناس بالقذارة، وحتى قذارة بعض تعليمات الأديان البدائية والبعيدة هى ليست قذارة للقذارة، ولكنها – للأسف- ضمن مراسم مؤقتة لا بد أن تهجر بعد حين، وكل الأديان الأرضية والسماوية- سيدي- ظهرت ونزلت لتصح الأبدان وتصح العقول، ويصح الوجدان دون تخصيص لدين بذاته، وتطبيل لنص بذاته.
أما الأمر الذى اختلف معك فيه فى هذه الفقرة فهو أنه بفضل منهج العلم آلت إلينا حضارة ضخمة، فمنهج العلم له فضل علينا أى فضل، لكنه ضاق أمام فيض مناهل المعرفة، تحت مخاوف الناس من أمثال الطب الإسلامى، حتى لم يعد منهجا وإنما صار سجنا، والعلم بصورته الحالية وبعض منهجه الغربى المفروض علينا هو وسيلة محكمة لوأد إبداعنا، والحضارة قامت وتطورت وازدهرت بالدين (الإيمان) والعلم (الكشف) والأخلاق (الإلتزام التقشفي) جنبا إلى جنب طول الوقت، وأى تفضيل لأساس على الآخر هو ميل بالبناء بما يهدده بالإنهيار.
ولكن قل لى، ماذا وصلك بعد ذلك؟
د. رضا: بعد أسابيع- وصلنى طرد ممتليء يحوى ‘المجلة الطبية السعودية، ومعه تسلمت كومة خطابات على أغلفتها كلمات من نوع (سرى، خاص جدا..)
الرخاوى: ياسبحان الله! أصبحت رجلا مهما هكذا مرة واحدة بمجرد إرسال خطاب واحد عابر إلى أحد المراكز العلمية بلندن؟ يبدو أنى عشت ثلاثين عاما جاهلا فلم أرسل مثلك مثل هذا الخطاب ولا غيره، ولم أراسل جمعيات، ولم أحظ بعضويات وزمالات مما يحصلون عليها بتوقيعات وتوصيات، وعفى الله عما فات. وآسف لاستدراجى للهجة لا أحبها، لكنك قلبت على مواجع حقيقية، إذن فأنت أصبحت ممن يتلقى ما هو سرى وخاص، ولكن كيف تجرؤ أن تذيعه هكذا على صفحات مجلتنا، ؟ ألا تخشى أن يضروك إذ تذيع السر فيعملون لك ‘عملا’ يصيبك بالثراء الخفى والطمس المنظم؟ فإن كنت ما زلت لا تخشى ذيوع السر، فهات ما عندك.
د. رضا: الخطاب الأول: ‘… رسالة إخبارية استثنائية خاصة، ترسل بالبريد الجوى كل شهر إلى أعضائها البارزين…، تجلب لك ما يجرى فى عالم الإستثمار والعقارات’.
الرخاوى: آسف، أليست هيئة علمية هى التى أرسلت إليها ما أرسلت فما دخل الاستثمارات والعقارات؟ ولكن دعنى أراجع نفسى، فالطب الآن نفسه استثمار وعقار، والأباء يكدحون عادة لصالح البشرية جدا (جدا) فتفيض جيوبهم بفائض كدحهم ، فهم ‘لقطة’ لأمثال هذه الشركات التى تريد أن تهييء لهم فرص إمتلاك العقار الذى يريح بالهم فى أجازاتهم فى الخارج، ويضمن لهم أمانا ماديا (لعجز- لعوز) وبالتالى يتفرغون فى بلادهم الفقيرة لمهمتهم الإنسانية…، ولكن ما أعجب له هو أن يتوجه مثل هذا الإعلان (أعنى النصيحة العلمية) لمثلك وأنت فى بداية حياتك لا تملك ثمن طابع البريد، أم إن نظرهم بعيد لهذه الدرجة، أم أنه تحديد لنوع طموحاتك وطموحات من هم فى سنك ومنذ بداية الطريق؟
د. رضا: .. أى نمط إقتصادى يسعون لتسويده بين شباب الجامعات حيث التلويح بأحلام الثراء، وهل تعلم حكومتنا بأمر هذه الشركات، أم هى فى خدمتها؟
الرخاوى: وايش أدخل حكومتنا فى هذه الخدمة الخاصة يا سيدى؟ إن المصيبة عالمية، وشاملة، وإدارتها- فى ظنى إحتكارية يهودية، وهدفها هو تخريب منظم لمسار الإنسانية لحساب فئة جبانة لم تتحدد معالمها لى بعد، وهذه الفئة قد تغلغلت- للأسف- فى إتجاهين من أدق ما كان ينبغى أن نحذر تغلغلها إليهما، وهما اتجاه تجارة الدواء (2) (ومايستتبعه من تنظير علمى مواكب) واتجاه البحث العلمى بمناهج ساجنة محدودة الآفاق، وحتى اهتمامات الرأى العام بأولويات الصحة والوقاية أصبحت تحددها المؤامرات التجارية وأسواق المال والاستهلاك، فما شأن حكومتنا بخطابك وهو خال من السياسة، والكلام عن الدعم، ألا يكفيها الإنشغال بخطاب ‘نوايا’ البنك الدولى .
د . رضا: أعادنى الخطاب إلى خبر كنت قرأته بإحدى الصحف فى السبعينات لم يكن فج الدلالة فى حينه حول فيروس الإيدز .
د . الرخاوى: ذكرتنى يا رجل، وقد زارنا مؤخرا طبيب نفسى متميز من تلاميذى السابقين الذين حصلوا على الجنسية الأمريكية ثم هو يعمل فى إحدى دول الخليج حيث جاء يحاضرنا عن المضاعفات النفسية العصبية لمرض الإيدز، وكأننا عرفنا المضاعفات الأخلاقية الحضارية لمرض البلهاريسيا، لكنها ‘الموضة’ والسلام .
د. رضا: وقتئذ (فى السبعينات) لم يكن هذا الفيروس نجما بعد، ولا كان قد اكتسب هذا الرعب الأسطورى، ذلك الفيروس الذى يصيب بنسبة جزء من الألف، والذى هو ليس أخطر على الجنس البشرى ولا أجدر بالدراسة من فيروس النزلة المعوية الذى يجعل 12% من زهرة أطفال الفقراء فى العالم الثالث فى جفاف أعواد الحطب؟ أو فيروس شلل الأطفال الذى يعتصر نوارة الآباء والأمهات فى رحى ألم مقيم. . أو فيروس الإلتهاب الكبدى. .
الرخاوى: لا شك أنك على حق، ولعل الفيروسات أيضا أصبح لها أولويات عرقية، وحظوظ خاصة، ولست أدرى تحديدا ما هى العوامل التى جعلت لهذا الفيروس الأحدث كل هذه الجاذبية والدعاية؟
د. رضا: الخبر الذى قرأته مفاده ‘إجتماع هام لمجالس إدارات شركات صناعة الجنس فى أمريكا لمناقشة مستقبل هذه السلعة الذى آل إلى خطر يهددها بالإفلاس، إذا نجحت قوى أخرى فى إستصدار قانون باباحة الشذوذ الجنسى، والزواج المثلى.
الرخاوى: يا خبر!! وماهى علاقة هذا المؤتمر بحكاية الإيدز هذه.
د . رضا: قرر المؤتمرون شن حملات أخلاقية أداتها رجال الدين، ودراسات أكترى لها علماء فى السيكوسوسيولوجى إلى ساعات وأعمدة فى جهاز الإعلام، إلى – وهذا ما يهم- علماء بيولوجى وأطباء بأوسمة وألقاب رفيعة، وهات يا تمويل وأبحاث تمخضت عن إكتشاف الإيدز العظيم . سحروه وعملقوه، وعلى طريقة ذكر نصف الحقيقة وبعض المبالغات المشروعة من باحثين يحسبهم الجمهور أفاضل، تم ميلاد الفيروس المقدس، ونجح اللوبى المضاد فى وقف مشروع إباحة الشذوذ الجنسى حفاظا على صناعة الرقيق الأبيض .
الرخاوى: لا . . إسمح لى، لم يخطر ببالى أن المسألة بهذا الخبث والتعقيد، ثم أنه يبدو أن الأمر قد خرج من يدهم بعد أن ثبت أن الإتصال الجنسى بأنواعه (المثلى والغيري) هو من وسائل نقل هذا الميكروب، ولكن لعلك مصيب وخاصة وأنت أرسلت مقالك موضوع هذا الحوار، قبل هذا التعتيم، ولو صح شكك، وهو ما زال صعب على تصديقه، فلعلها لعبة بدأت بهم، فانقلبت عليهم، من يدرى؟ ولعلهم سيسارعون بلعبة جديدة يخففون بها المضاعفة غير المحسوبة، كل شيء جائز فى دنيا الأبحاث العلمية المشبوهة، والعلاقات التجارية الدوائية الإحتكارية التى لا هم لها إلا غسيل مخ الأطباء والناس لصالح بيع مواد بلا ثمن أصلا بمليارات الجنيهات لمجرد أنها أخذت شكل الأقراص الملونة، أى والله يا بنى، أى والله العظيم ثلاثة ، فمادة الدواء الخام- فى أغلب الأحيان- هى بلا ثمن تقريبا، بلا ثمن- ولكن مادخل هذه الخواطر عن ميكروب الإيدز بشكوكك حول شركات الإستثمار وبيع العقارات لأطباء العالم الكبار (وبيع الأحلام بهذه العقارات لأطباء العالم الصغار؟ لم أفهم جيدا الرابط بين الإثنين اللهم إلا أن كان خاطرا إستطراديا نبع من هياج شكك فى كل أنواع الدعايات فأسرع بخطى فكرك من الطب الإسلامى، إلى الإستثمار العقارى. إلى تجارة الجنس؟ فهل ظنى فى محله؟
د. رضا: سرعان ما صار العرض أكثر فجاجة.
الرخاوى: ماذا تعنى بأكثر فجاجة؟ هل دعوك مباشرة إلى عرض جنسى مباشر أم ماذا؟
د. رضا: أرسلوا لى العروض، ولكثير من من زملاء المهنة كما عرفت، (دعوة إلي) نوادى الهزيع الأخير من الليل: ‘سيدى المحترم.. نتشرف بدعوتك إلى عضوية بعض النوادى الخاصة والملاهى الليلية البارزة فى العالم، هذه الأندية تقدم لكم التسهيلات لتناول الطعام، والديسكو، والترفيهات فى الهزيع الأخير من الليل، هذه الأندية مفتوحة للأعضاء فقط، وسطا مثاليا لإستضافة زبائنكم المهمين.. الخ- الخطاب من النادى الأم فى لندن، ومختوم بخاتم البحرين، ولم ينسوا إرسال إستمارة بها عناوين سبعين ناديا موزعة بسطح الكرة الأرضية.
الرخاوى: الله !! الله !! النادى بلندن والخاتم من البحرين، ولكن ما علاقة هذه النوادى بمراسلات علمية من طبيب شاب؟ ترى هل تساءلت مثلى؟
د. رضا: (طبعا تساءلت) : أهو إختراق من قبل هذه الشركات للمؤسسات العلمية للحصول على أسماء ونوعية وعناوين الخريجيين من شباب العالم الثالث؟ أم أنه مخطط يستهدف حقن الشعوب الساعية للنهوض بدماء جديدة تعوق سعيها وتوقف نموها؟
الرخاوى: هو كل ذلك، وغير ذلك مما أوردت فى خطابك ولم أثبته فى الحوار، وأحسب أنك ستشك أنى حذفت الجزء الخاص ببلدنا خوفا ورهبة، فهأنذا أتراجع وأسمح لك بالإستطراد
د. رضا: أليست إذن ثمة رابطة وثيقة بين التهريب وبورسعيد والسمسرة وتجارة العملة والتصدير والإستيراد من جانب، وبين المخدرات والدعارة واللا إنتماء.
الرخاوى: رغم شدة موافقتى على هواجسك، فإنى لا أميل عادة إلى هذا الربط المباشر والذى يبدو سطحيا، فالأمور أخطر من كل ذلك، ونحن شعب لا يفسد بهذا فحسب، بل الأخطر والأخبث هو تصدير الأفكار المعوقة والمذاهب المجمدة، وعندى أن الجماعات الدينية (وليس الدين) بصورتها الحالية هى الوجه الآخر لهذه اللعبة الإستعمارية الجديدة، وأعتقد أنها أهم وأكثر فائدة للإستعمار من كل الدعارة والمخدرات، لأنه مهما بلغ إنتشار سوق الدعارة والمخدرات فالذين يقبلون عليها عدد محدود من القادرين اللصوص، أو حتى من القادرين حتى ولو لم يكونوا لصوصا، أما تخريب الفكر وتجميده بالتعصب الدينى والأيديولوجى فهو الضمان الأكيد لعدم التقدم، فيظلون دائما أبدا هم سادة الدنيا وقادة البشرية حتى فى تدهورها المهدد، أما أن نختزل إغارتهم إلى الهجوم على قشور المصيبة الإستهلاكية، وخدعة الرفاهية العابرة، فهذه مجرد عينة ظاهرة وما خفى أخبث- وأحسب أن مواصلة الهجوم على مضاعفات الإنفتاح مثلا قد تنسينا أصل المصيبة وإستمرار الإغارة رغم اختلاف صور الأنظمة.
د. رضا: من كان إذن يحكم فى السبعينات ومن يحكم الآن؟ ومن أين أتت لتجثم على وجه الوطن كل هذه الشخوص المدربة من كوادر التبعية فى صور شتى من مقننين ومشرعين وأساتذة جامعة ورجال أعلام واقتصاد؟ هل تم إستيرادهم أم أنهم أصحاب مصالح ثم غيلان ترتب سلفا فى مفرخة المؤسسات المضاربة العقارية ونوادى الهزيع الأخير من الليل.
الرخاوى: إلى هنا وأتوقف قليلا، بل كثيرا، لأننى لا أتصور أن هذا التعتيم هو مفيد لأى درجة من الدرجات، ولا أتصور أن ما نحن فيه نتيجة بسيطة لألعاب المؤسسات العقارية ونوادى الهزيع… الخ، فمصيبتنا أخطر وأشمل- وإن كان أحد مظاهرها ما نقول إلا أن جذورها ترجع إلى أننا تنازلنا تماما- ويبدو نهائيا – عن أن نتوقف، ونراجع، ونتساءل، ونرفض، وحين ترى هذا الموقف فى مركز الجامعات، والأبحاث، ومحافل الفكر تعرف أنه الفراغ الفراغ الفراغ ، وهذا الفراغ يسهل أن تملأه رفاهية قصر بقبرص، أو فخد خواجاية لعوب فى نادى هزيعى، أو جمود عقيدة شلت صاحبها فصار خاتما فى أصبع من لا يدرى، أو خدر بحث علمى لا معنى له يلقى فى مؤتمر دعائى سياحى، كل ذلك دون إنتاج ودون إنارة ودون حوار وتاريخ بداية هذا الفراغ الفراغ الفراغ لا يرجع إلى السبعينات، فهو موجود فى السعودية والكويت والسنغال والبحرين دون سبعينات، وهو موجود فى سوريا ومصر الناصرية وسودان المهدى والنميرى على حد سواء- فراغ حقيقى ورهيب، لأننا توقفنا عن التفكير والمراجعة، ولم نعد نتحرك إلا فى ملاعب مفرغة من هواء الحضارة والصحة، ملاعب لها حدود مرسومة لنا كأقفاص حديقة حيوان العالم الثالث- وأنا ياعم رضا لا أيئسك، ولكنى أحافظ على حماسك وأحترم آلامك حتى لا تستسهل فتتصور أن ما يحل هذا المأزق المرعب هو تعديل إقتصادى أو تنظيم عمالى، فالمسألة تحتاجك وملايين مثلك أنبياء جدد، برسائل جديدة متطورة أبدا، وأخطر الخطر عندى مرة أخرى: هى مراكز أبحاث مشبوهة، أو غافلة، ومعلومات مسطحة ساجنة سجينة، واستسلام عقلى للمستورد من التاريخ أو من الخارج- هذه هى القضية.
د. رضا: لقد تجسد هدف هذه المحافل فى أنشطة مشبوهة تمت فى مصر، من تلك التى تستبيح أطفالنا حيوانات تجارب لأدوية خطيرة، والمساهم فيها بعض أطبائنا إلى هذه التى يجربون فيها وسائل بشعة لتعقيم نساء مصر فى مستشفياتنا العامة والجامعية، آن بالضغط أو بدون علمهن (كلية طب طنطا) وما هو مركز الأبحاث الطبى الأمريكى بالعباسية وما يشاع حوله؟… وما حقيقة المنح والمعونات لتمويل أبحاث بعينها؟.
الرخاوى: يا سبحان الله !! من أين لك كل هذا وأنت بعد صغير، إن أخطر الخطر يا سيدى ، حتى بدون كل هذه الشكوك هو أم مايجرى فى مصر من تعليم وبحث علمى هو غير إنتاجى وغير هادف وبلا معنى بنسبة 95% على الأقل (فى تقديرى العشوائي) فالأبحاث أغلبها تحصيل حاصل، والمناهج البحثية محدودة بوصاية خارجية، وما يسمى بالأبحاث المتصلة بالبيئة مضحك أغلبها، ومكتبى وورقى، أما التعليم الجامعى خاصة فهو تشويه منظم لما لا علاقة له بما بعد التخرج فى أغلب الأحيان، فالأمر فى تصورى لا يحتاج لكل هذه المؤامرات والمعونات ونوادى الدعارة. فقد خربت عقولنا والذى كان قد كان- وإن كنت أوافقك على خبث طبيعة إنتقاء نوع الأبحاث التى تستأهل المعونة، وقد رجحت مرة أن الأمريكيين مستعدون لتمويل بحث عن ضعاف العقول عندنا (ربما للحفاظ عليهم ووقايتهم ضد الذكاء) وغير مستعدين لتمويل بحث يهدف إلى تنمية الإبداع مثلا.. فشكوكك فى محلها- فى الأغلب- وإن كانت أقل كثيرا من حجم المصيبة والعياذ بالله، لأن المصيبة تمثل عندى أخطبوطا سريا يمتد من أول شد الهيروين حتى معارك المنيا التعصبية الأخيرة، من أول محاضرة جامعية بلا إضافة وحتى بحث علمى بلا معنى، مصيبة واحدة وشيكة منظمة لا أعلم حتى الآن أى يد خفية وراءها.
د. رضا: شبكة عندما نصفها بأنها شبكة تجسس نكون مقصرين (كما يقول أ. رفعت سيد أحمد).
فيا حاملى ذاكرة الأمة، وتراثها… انتبهوا أيها الحماة الطيبون.
الرخاوى: فتح الله عليك…، ولكن كيف؟
ثم نحن لا نملك رفاهية اليأس، لهذا نواصل: الصدور/ العمل/ العناد/ الأمل… وشكرا.
[1] – وصلنا هذا المقال بعنوان “أطباء . . عقارات . . دعارة” من الزميل د؟ رضا عطيه منذ أكثر من عام، وأجلنا نشره لأسباب كثيرة – ليس من بينها محاذيره – ثم فضلنا أن نقتطف منه بعض ما يصلح به حوارنا، داعين لكاتبه بالشفاء العاجل مما أصابه فى حادث مؤخرا.
[2] – يمكن الرجوع فى ذلك إلى مثالى عن “التفسير الدوائى للنظريات الطب نفسية الحديثة – فىعدد (17) يناير سنة 1984 من هذه المجلة ص 18