مقتطف موقف
حول العلاج النفسى الآن
ما هى قيمة (ثمن) الطب النفسى بدون العلاج النفسي؟
(م. افيلين M. Aveline)
(مجلة اللانست The Lancet الطبية البريطانية مجلد 11 صفحة 856 سنة 1984 – الموجز)
المقتطف
’كان من المصادفات العجيبة – وفى خلال شهرين فقط – أن تظهر ثلاث مقالات إفتتاحية فى مجلات طبية رائدة تتفق جميعها على فقد العلاج النفسي، وقد عرضت هذه المقالات وجهة نظر تقول: أن العلاج النفسى يفتقر إلى الأساس العلمي، وأن فاعليته ليست أكثر من فاعلية عقار زائف Placebo باهظ التكاليف، وقد تراجع العلاج النفسى عما كان عليه من وفرة فى مجال الممارسة الطبية الخاصة (غير الحكومية) فى الولايات المتحدة الأمريكية.
وقد أدى ذلك إلى إثارة تساؤلات حول قيمة إدخال العلاج النفسى فى الخدمات الصحية التأمينية، حيث أنه لا يوجد ما يبرر تشريع ذلك، لا على مستوى نتائج التجربة، ولا على مستوى تحليل القيمة بالنسبة لما يدفع فيه من ثمن Cost benifit – analysis .
والتساؤلات المطروحة الآن تشمل:
(أ) هل الأدلة المشيرة إلى مدى (حقيقة) النفع هى واهية إلى هذه الدرجة؟ .
(ب) ألا توجد دراسات منشورة يمكن أن نستقى منها المباديء التى تتحكم فى العلاج؟.
(جـ) ما هى حقيقة العلاج النفسى بالنسبة للتأمين الصحى الوطنى(1)N.H.S..
دعونا نرى – على الأقل – أى ‘رجل من القش’ قد سقط بالقاضية؟.
الموقف:
ومع ذلك، فما زال ‘العلاج النفسي’ هو مفهوم شديد الجذب، حسن السمعة غامض المحتوي، عند الشخص العادي،ومازال العلاج النفسى هو الجانب الخبراتى الذى يميز الطبيب النفسى (عن طبيب الأعصاب مثلا)، ومازال هذا المفهوم مرتبطا – بشكل ما – بتصور شائع أيضا عن التحليل النفسي، وحل العقد، والتنفيث والترويح – ومع ذلك . فهذا هو التحدى ‘العلمي’ ملقى فى وجوه الجميع، وموقفنا هنا هومحاولة – مجددة – للإجابة عن التساؤلات التى طرحها المقتطف. وفى ذلك نقول:
* إن حقيقة النفع مما هو علاج نفسى لا يمكن تقييمها بالطرق التقليدية: لا بإختفاء الأعراض، ولا بسؤال المرضي، ذلك أن إختفاء الأعراض (وهو أهم دلالات الشفاء) قد يكون عاملا مضللا فى حقيقة مسيرة تطور المرض، كما أن سؤال المريض إنما يعتمد على قدرته على التعبير من ناحية، وعلى المرحلة التى يتصور فيها أنه لابد أن يشفى أو يتحسن من ناحية أخري، ولا شك أنه لا يمكن – مهما بلغ الحماس – أن ننكر النتائج السلبية التى تشكك فى قيمة العلاج النفسى بالنسبة لما يبذل فيه من وقت وجهد، لكن للمسألة وجه آخر، وهى أنه ينبغى أن ننظر إلى ‘عملية العلاج النفسي’ من زوايا أخرى مثل:
(أ) أن عملية العلاج النفسى هى عملية ذات أهداف مختلفة، للمعالج والمريض على حد سواء، وتتركز الأهداف فيها على إطلاق مسيرة النمو للاثنين على درب التكامل البشرى بما يؤكد ‘نوعية’ الحياة ويضمن ضمنا تجنب النكسات أو التدهور الخفى إلى ما هو ‘مجرد عادي’ خامد مثبط.
(ب) أن نتائجها الإيجابية على المريض لا تتوقف عند ذهاب الأعراض بل تمتد إلى إطلاق القدرات، وعند الطبيب لا تتوقف على فائدة ‘هذا’ المريض، بل تمتد إلى شحذ كفاءته الفنية الإكلينيكية فى سائر أنواع المداواة الأخرى .
(جـ) إن سؤال المريض عقب إنتهاء العلاج أو أثناء العلاج لا يمكن أن يعتمد عليه فى ذاته، بل أن نتائج العلاج الطبية قد لا تظهر ألا بعد شهور أو سنين من إنتهاء العلاج بما يظهر فى التغير النوعى فى دائرة حياة المريض كلها وليس فى سلوكه اللفظى فحسب .
(د) أن العلاج النفسى ليس هو هو التحليل النفسي، وإنما هو تقنية علاجية لها أكثر من طريقة، وأكثر من إطار نظرى ومن الخطأ العلمى أن مطلق لفظا غامضا مشتملا هكذا على عدة ممارسات قد تختلف من النقيض إلى النقيض .
(هـ) إن الدراسات التى تقيم العلاج النفسى تأتى عادة ‘من خارجه’ وبواسطة أناس لم يمارسوا العلاج النفسى أصلا، وبالتالى فلهم – عادة – ظاهر الظاهرليس إلا – أما الدراسات التى من داخل العلاج النفسى فهى مهتمة بالتحيز والشخصية، ويستحيل أن يستمر الوضع على هذا النمط إذ ينبغى أن نستقى حقيقة هذه الممارسة من قدرتها على الصمود، ونوعية نتائجها، لا كم خدماتها فحسب.
(و) إن إختلاف البيئات والثقافات ، وسوء إستعمال معانى الترفيه والحرية، قد تؤثر جميعها على هذه الممارسة بشكل يصعب معه تنقية العوامل الإيجابية المحتملة فى ثنايا العملية العلاجية نفسها.
(ز) إنه فى الممارسة الطبية الحديثة يكاد يستحيل أن نفصل العلاج النفسى بعيدا عن الخطة العلاجية الكلية بما فيها الوسائل الكيميائية والفيزيائية، وبهذا يكاد يصعب تحديد فاعلية علاج مستقل دون الآخر، مهما زعمنا إمكانية الدراسات المقارنة، الأمر المستحيل عمليا بشكل أو بآخر . وعلى ذلك فإن معظم الدراسات المنشورة هى دراسات تتعلق بمظاهر تكاد تعجز عن سبر غور حقيقة المباديء التى تتحكم فى هذه الممارسة.
(ح) إنه بالنسبة للتأمين الصحى الوطني، قد يكون من صالح المريض وصالح التأمين أن يظل العلاج النفسى نشاطا فرديا منفصلا عن أى إعتمادية معلنة أو خفية، حتى يظل الحافز للتغير، والإتفاق المقصود هو من خصوصية وحرية المريض والطبيب معا، ويظل التحدى ملقى فى وجه العلاج النفسى إن إستطاع أن يصمد بعيدا عن دعم الدولة والمؤسسات التأمينية.
.. . .
أما فى مصرنا العزيزة:
فالمسألة أخطر وأحرج .
1 – فممارسى العلاج النفسى – حقيقة وفعلا – أقل من القليل .
2 – والتدريب على العلاج النفسى يكاد يكون منعدما حتى أن أغلب الممارسات هى إجتهاد شخصى بشكل أو بآخر .
3 – والإمكانيات المادية أضعف من مساندة هذا النوع من العلاج إلى أى مدى .
4 – والحماس الشعبى لهذا العلاج أكبر من قدرات كل المختصين من المحترفين والهواة جميعا
5 – والإشاعات الشائعة حول هذا العلاج على السنة المختصين وخاصة فى وسائل الإعلام هى أكبر من كل الجارى أضعافا مضاعفة، بل أن من يتكلم عن العلاج النفسي- عادة – هو الذى لا يمارس فعلا
6 – والتداخلات الأخلاقية والدينية، الدعائية، الحسنة النية والغافلة كلها تختلط بالمفهوم الحقيقى للعلاج النفسى وأغراضه النموية والتنويرية.
7 – وقضية التأمين الصحى والعلاج النفسى غيرمطروحة أصلا .
8 – والأبحاث المتعلقة بالعلاج النفسى ضعيفة المنهج، قليلة حتى الندرة نابعة من داخل الممارسة، تستعمل العلاج عادة فى كشف ماهية المرض والنفس أكثر مما تحاول تحقيق طبيعة العلاج وتقويم نتائجه.
[1] – الحديث عن التأمين الصحى فى بلد النشر، ومن باب أولى فى مصر الأفقر والأحوج.