ربما فرغ الزيت
وأيضا فى تلك الليلة
استيقظت على تلك الطرقات المبهمة التى تدق مدخل دارنا العتيقة
كان الوقت متأخرا، والعتمة تطلى المكان.
جسدى يرترتجف من شدة البرودة
استيقظ الآخرون أيضا.
سعال أبى الجاف المختنق يأتى من أرضية الحجرة المجاورة للفرن. وأقدام الأم الحافية تجوس المكان وتصدر فحيحا خافتا فى وسط الظلمة والسكون.
نهضت عندما دحرجت الأم جسدى عدة مرات.
ناولتنى المصباح الزيتى الخافت، وتبعت أقدامى الى المدخل.
شنقت المصباح القديم قريبا من باب الدار الخشبى المتآكل الشاهق
الارتفاع، حيث كان يسمح قديما للجمال المحملة بالمحصول بالمرور تحته. رفعت المزلاج الضخم ونحيته جانبا.
اقترب الأب، وساعدنى، كما نفعل كل مرة، فى دفع الباب الثقيل وفتحه.
احدثت حركة الباب ذلك الصرير الهائل الذى كان يعلن للصغار قديما بدء محاولات الفرار من الجد القاسى والانطلاق خروجا الى الحقول.
انفرج الباب قليلا، وسقط خيط رفيع من ضوء القمر الباهت على الارضية الترابية، وعلى وجه الأب الناحل الصامت.
أخذ خيط الضوء يزداد عرضا واتساعا، حتى شمل بخفوته وهدوئه المكان والوجوه.
كان الخدر والنوم يفترشان الجماجم كلها.
لم يتكلم الرجل كعادته دائما كان يرتدى نفس جلبابه المتسع.
أدار وجهه بيننا وتقدم فى هدوء
افسحنا له الطريق ودلف الى داخل الدار فى تؤدة غريبة
تناول الرجل المصباح الصغير وجاس بقدميه جميع انحاء الدار المظلمة فى نفس الهدوء، والصمت ثم عاد الى الباب حيث بدأ، وأشار فانساب الى داخل الدار عدد كبير من الرجال متساويين فى القامة، ووجوههم متشابهة كالتواءم
طاف الرجال انحاء الدار وحملوا متعاونين جميع محتوياته
حل الرجل ذو الجلباب المتسع بقرتنا الحمراء وسبح بها فى العتمة
هرولت العنزة الصغيرة وراءه واختفت فى الظلام
خرج الباقون من الباب بنفس ترتيب دخولهم.
تبعتهم الى الباب ورفعت المزلاج الضخم
ساعدنى ابى على اغلاقه فى أثرهم
“لم يسأل احدنا الآخر عنهم”
تحرك ابى بهدوء ناحية الفرن وتمدد على حصيرته
وانسحبت الأم الى الداخل
تثاءبت، ونظرت الى وجهى فى زجاج النافذة
مسحت ذقنى بيدى اختبر نعومتها
خبا ضوء المصباح وحده وانطفأ
……..،………. ، قلت لنفسى
“ربما فرغ الزيت”.