تعليق على العلاقة بين حالة
الأنا الطفلية والنوم والأحلام
د. سيد حفظى
مقدمة: ذكر فى مقالة نظرية التحليل التفاعلاتى: “تظهر حالة الأنا الطفلية فى الأحوال العادية .. جزئياً فى بعض أوجه النوم”، كما ذكر: “من حيث المبدأ فإننا قد نعتبر النوم نوعاً من الوعى يتم فيه الاستبعاد”. وفى هذا التعليق سوف أحاول أن أوضح هذه العلاقة، فالألفاظ قد تختلف فى دلالاتها فى كل من التعبرين.
أشير ابتداء إلى المحاذير التى نبهتنا إليها المقالة السابقة الذكر. فأنه قد يكون ضربا من تبسيط الأمور أو الاستسهال فهم حالة الأنا الطفلية – على سبيل المثال فقط – على أنها مجموعة من التصرفات الطفولية أو النكوصية دون الانتباه إلى التركيبة المخية المعقدة التى بداخل الإنسان والمسئول عن هذا السلوك وإلى العوامل التى تحدد البرمجة الخاصة بهذه التركيبة.
وهنا تجدر الإشارة إلى فكرة الوحدة البشرية الكلية فى مقابل فكرة التجزئ ؛ فإنه لا يفيد كثيرا فهم الإنسان عامة – والمخ خاصة – على أنه مجموعة من الأعضاء أو الأجزاء أو المراكز متراصة بجوار بعضها البعض ولها وظائف محددة تكون فى مجموعها السلوك الإنسانى الكلى – وسوف أوضح هذه النقطة فيما بعد بما يختص بالنوم – لكن علينا أن ننتبه إلى الكليات وإلى التداخل فى تركيب الإنسان والتعقد فى وظيفته.
فيكون المطروح علينا من خلال هذه النظرية هو تنظيمات مخية أو تركيبات مخية متعددة “تعمل فيما بينها بانتظام وانسجام وتناسق” وتعبر عن نفسها فينومينولوجيا وسلوكيا واجتماعيا. هذا يساعدنا فى فهم الإنسان فى شكل مستويات تشمل الأجزاء [1] .
ونعود إلى ظاهرة النوم : فالنوم ليس بالحالة التى تسودها البساطة أو التى تنتج عن إقصاء لتأثير جزء نشط فى المخ أو التى يقل فيها نشاط المخ. فالنوم ليس عكس اليقظة أى ليس اختفاء حالة وهو ليس الوجه السلبى ليقظة. فلقد أثبتت الدراسات الحديثة التى أجريت فى معامل أبحاث النوم سقوط فكرة وجود مركز معين فى المخ للنوم، وذلك بثبوت وجود تكوينات متعددة فى المخ تستخدم موصلات كيميائية مختلفة وتشترك فى عملية التحكم، وتنظيم إيقاعية حدوث النوم؛ كما أنها يختلف نشاطها فى مراحل النوم المختلفة؛ أى أنه يوجد أكثر من مستوى من التنظيمات النيورونية المخية وهى جميعا تشترك ومسئولة عن حدوث مراحل النوم المختلفة. وأفاد جهاز رسم المخ الكهربى فى الإشارة إلى وجود مراحل أو مستويات مختلفة للنوم مثل مستوى النوم غير الحلم وهو النوم الذى لا تحدث فيه أحلام ومستوى النوم الحلم وهو النوم الذى تحدث فيه الأحلام. (سوف أوضح خصائص كل مرحلة فى مقالة لاحقة بإذن الله).
وتوجد التنظيمات التى تنظم عملية النوم والاحلام فى جذع الدماغ وهى تؤدى وظيفتها من خلال اتصالاتها المتعددة بالمناطق الأحدث فى المخ (يعتبر الباحثون التكوين المشتبكى الموجود فى جذع المخ، وهو متضمن فى عملية التحكم فى النوم والأحلام، أقدم تاريخيا سواء من حيث نمو الفرد أم تطور النوع وهو يعنى أكثر بالوظائف الفسيولوجية الأساسية للحياة من الوظائف الرمزية ([2]).
وبالنسبة للأحلام فلقد أشارت الدراسات الحديثة أيضا إلى تدفق الوعى أثناء الحلم وإن كانت تستبعد مظاهر التعبير الحركية، إلا أن هذا الوعى ليس أقل من أو أزيد من الوعى السائد فى حالة اليقظة. فهناك تغيير جذرى فى نمط القشرة المخية، وهى من التنظيمات المسئولة من أغلب حالات الوعى والصور الحسية. فيسود فى النوم شعور آخر يخالف الشعور الذى كان سائدا فى اليقظة، كما أن النوم الذى تحدث فيه الأحلام يمثل مستوى من الشعور يخالف مستوى الشعور السائد فى النوم غير الحالم [3].
ومن ناحية أخرى، فإن المدارس النفسية تعتبر الأحلام نكوصا إلى مستوى وجودى أقدم – تاريخيا أو تطوريا – سواء من ناحية ارتداد الذات عن العالم الخارجى وانحسارها على نفسها أو من حيث اهتمامها بالمثيرات الداخلية فقط أو من حيث اللغة المصورة المستخدمة فى الحلم أو من حيث استخدام العمليات العقلية الأولية الخاصة بالمنطق البدائى التى تغلب على تفكير الطفل والمجنون والشخص البدائى. كما تجدر الإشارة إلى أن الظروف البيولوجية المحيطة بحدوث الأحلام تجعل من السهل على النائم أن يعبر عن الواقع وفقا لرغباته هو الشخصية. وفى هذا ايضا ما يشير إلى ظهور حالة الأنا الطفلية فينومينولوجيا.
وفى البحث فى العوامل المحددة لنوعية التنظيم النيورونى المخى أو لمستوى التركيبة المخية التى سوف تحمل الشحنة النفسية الأكثر نشاطا فتهيمن فى حالة الوعى وتتنحى لها التركيبات الأخرى، نجد فى حالة الأنا الطفلية – كما فى الأحلام – أن البرمجة المهيمنة داخلية أى تلك النابعة من القوى البيولوجية الطبيعية الكامنة، وتتنحى لها أى برمجة أخرى سواء التابعة من المعلومات المفعلنة أم من الاندماج من المحكات الخارجية أو الانطباع بها.
إذن فالتنظيم النيورونى المخى المسئول عن نشاط الاحلام يستبعد نشاط التنظيمات المخية الأخرى، ومن المظاهر السلوكية لهذا الاستبعاد تثبيط أى انفعالات حركية أو تعبيرات لفظية – فى الأحوال العادية – وتثبيط نشاط المراكز المستقبلية للمثيرات الداخلية سواء الإحشائية أو الخارجية.
[1]- عشر محاضرات – محاورات – فى الإنسان والطب للدكتور يحيى الرخاوى.
[2]- Arieti, S. (1974): Interpretation of Schizophrenia, Basic Books, N.Y.
[3] -عشر محاضرات (محاورات) فى : الإنسان والطب . د. يحيى الرخاوى.