الافتتاحية
……… أما عن موقفنا “أسرة التحرير” من هذه الأجازة، فقد أخذها البعض مأخذ اختبار لمدى شدة عود المجلة وقابليتها للاستمرار .. حتى ما بعد أو ما بدون رئيس التحرير، ومازال سيف تحذير د. ماهر شفيق وغيره من التحذيرات المفيدة مسلط على الرقاب، وأخذها البعض الآخر مأخذ محاولة لابلاغ هذه المجلة لسن الرشد ودعوة لمزيد من الجهد أو الانتماء. وفى جميع الأحوال فموقفنا هو احترام لتجربة النظر برؤية من الخارج ومن زاوية مختلفة، على أمل العودة برؤية بها شئ جديد، ومن ثم، أكثر عمقا وشمولا وموقفنا هو الاعتراف بحق رئيس التحرير فى الانعتاق ولو لبعض الوقت من عبء نعلم أنه بالغ الصعوبة، مع الاستفادة من تعهده بأن “يؤدى ما يطلب منه تماما”، بالاضافة الى استمرار المادة القيمة التى يكتبها للمجلة.
ونأمل الا تكون هذه الأجازة محاولة من الجيل الأقدم لاعطاء الفرصة للجيل الأحدث، فاعطاء الفرصة أو تسليم القيادة من جيل لن يكون بتنازل مسالم متفضل .. وهو لا يكون الا أخذا عن جدارة واقتدار. فالصراع بين الجيل الأقدم والأحدث هو صراع وتفاعل جاد لا هوادة فيه ولا محل لتبادل التنازلات، وبفضل جدية هذا الصراع لن يستسلم الجيل الأقدم لترف تكرار مواقفه القديمة، ولخمول الحياة عالة على أمجاد سابقة، حتى لا يصاب بالتخمة فالاختناق وبسبب هذه الجدية هناك أمل أن يحقق الجيل الأحدث ما لم يحققه الجيل الأقدم.
وليجعل الجيل الأقدم هذا الصراع شريفا لا رقيقا .. واعيا فى نفس الوقت أنه ليس صراعا للقتل أو الابتلاع، وأنما هو صراع لصلابة العود. وليحذر دائما الوحدة الخبيثة واليأس الزاحف، فهما كالشلل التدريجى .. يرقبه الانسان وهو يدب فى أطرافه طالما أنه قادر على الصحو فى أى وقت .. وقد يخطئ التقدير، فتأتى ارادة الصحو لا قدر الله بعد فوات الأوان وليقبل الجيل الأحدث على المسئولية مهتديا بابداعه الفطرى، عالما بأن البقاء اذا كان دائما للأصلح، فأن الأصلح على المدى البعيد هو الأكثر اصالة وليس الأكثر انتهازية.
ونظن دائما أن بقاء الأجيال المتعاقبة معا فى الميدان واختلاف مواقفها هو مما يثرى الحياة.
ثمة سؤال يتردد عن أزمة الابداع .. ولماذا العجب؟ وهل ما يحدث فى ميدان الابداع الا تعبير عن واقعنا؟ .. فها نحن نقبل هدية رمزية من القمح من المملكة العربية السعودية، واذا كان الواهب حسن النية قاصدا أن يكون الرمز فى هديته هو للوقوف الى جانب أخ فى أزمة، فأننا نحن قد عجزنا أن نفهم الجانب الآخر من الرمز، وأن ندرك ما هى الأزمة الحقيقية لقد عجزت سواعدنا أن تروى الأرض البراح التى وجدنا أنفسنا فوقها، بالماء الذى يجرى من تحتنا، وأن نعمل فيها بفئوسنا فننتج ما يملأ بطوننا من القمح وعجزت بطوننا عن الاكتفاء بالقليل الذى نتتجه، فتغلب شرهنا على كرامتنا، فقبلنا الهدية شاكرين.
لقد ارتضت جميع الأطراف الدوران حول المأزق الحقيقى، اشفاقا من مواجهة الواقع الذى لا مفر منه، وهو أن ما يجرى حاليا وهو نفسه ما كان يجرى من قبل قد أصبح غير مجد، وأن المطلوب يختلف عن ذلك اختلاف جذريا وعلى سبيل المثال فنحن نلعب جميعا، حكومة ومعارضة وناسا (لعبة الدعم)، وكل منا يلتزم بدوره الحكومة تخشى المعارضة والناس اذا الغت الدعم، وتخشى الدائنين لو ابقت عليه، والمعارضة تستمر الموقف لكسب النقاط، ونحن نحتضر خوفا من نقص المؤن وعجزا عن تحمل اى الم، والعامل المشترك الأكبر هو عدم المشاركة وعدم الانتماء وننتظر جميعا الحلول السعيدة من خارجنا : يجتهد كبارنا فى زيادة المعونة الواردة الينا من أمريكا ومن السوق الأوربية وغيرها، ويجمع مجتهدونا “النقوط” فى “حب مصر” من أهل الجود، ويأمل مشايخنا فى عون يهبط من السماء، ويتخرج شبابنا من الجامعات ويقعدون فى انتظار تعيين القوى العاملة فى وظيفة “متعطل رسمى” مقابل معونة بطالة تسمى مرتبا ونعجز جميعا عن اليقين بالفشل المتربص واذا كان انتظار المستحيل الآتى من الخارج هو انذار بافلاس الداخل، فأن السؤال عن أزمة الابداع يصبح مردودا عليه، كما يعمق اليقين بأن حتمية تطور الانسان هى القضية الرئيسية، وهى الحاضر، وهى المستقبل.
نجد أنفسنا مضطرين للجوء الى نفس ما لجأت اليه كل الصحف والمجلات، وهو زيادة سعر عدد المجلة، كما نجد أنفسنا مضطرين لتكرار اللجوء للاعلانات كمصدر للتمويل ونأمل بالرغم من (الجنيه الكامل) فى الاستمرار.
ابراهيم عادل
عندما طالب رئيس التحرير لنفسه بدور أقل فى ادارة تحرير المجلة مؤقتا : أربعة أعداد)، كان قد طالب فى الحقيقة بدور أكبر لنا : تلاميذه وأصحابه، وكان قد قرأ، بطريقة ما، مطالبتنا – التى تعدت الصمت بقليل بهذا الدور فقد احسسنا بأن تحديه الدائم لنفسه، وللظروف، واصراره على أن يصل (الجواب) باليد، بدون (طابع بوستة) لأصحابه ومستحقيه، احسسنا أن هذا التحدى والاصرار قد صار جزءا منا وخاصة من خواص تلك المجلة.
عرفنا أيضا أننا قادرون، أو قاب قوسين من القدرة، على أن نكمل ادارة التحرير بدونه، غير خائفين من أن نخطئ، كما علمنا، ومن أن نتعلم، وراغببن فى تحرير جزء من طاقاتنا التى كدنا ننساها من فرط الخوف منها والشك فيها، واستسهال التلقى، وحلاوة الاعتماد.
أدركنا أيضا أن رئيس التحرير، أحق بأن يعتمد علينا فى ادارة شئون مشروعنا هذا، وأحق له، وحق عليه أن يتحرر من أقفاص الوقت الضيقة والانشغال بالتفاصيل، ليعطى لنا أخريات من الأعمال العلمية والأدبية، فى تلك المجلة تحديدا كما وعدا.
ورغم أنه لم يدعنا نفرض عليه مطالبنا فرضا طبيعيا، ففرضها على نفسه بمجرد أن أحس أريجها، فأننا نود أن نؤكد لكم، وله، ولأنفسنا، أننا قد قبلنا ما فرضناه، وما فرضه، وأننا مستمرون فى التحدى الطلب، وفى الاصرار … وتتمنى أن ننجح فيما استطعناه، الى أمد أكثر من أربعة أعداد، عل فى هذا كل خيرات التحدى والاصرار، وكل خيرات الأصالة والجديد.
عصام اللباد
مرة أخرى، يغامر رئيس التحرير، فيبتعد دون أن يترك، ويراهن بما كان واجبا، على ما كان لا يجب له أن يستمر، ورغم وضوح الفشل السابق (راجع افتتاحية عدد يوليو 1982 مثلا)، والذى ليس بالضرورة فشلا بالمعايير السائدة، بقدر ما هو اختلاف عن ما هو يحيى الرخاوى، وعن ما هى “الانسان والتطور”.
ومن البديهى أن يتشكل القرار بناء على محاور متعددة متشابكة، والتقت، فأفرزته، الآن ولكنى لا أظن أن ما يهم القارئ فيها يتجاوز كثيرا ما يتعلق بمسيرة “الانسان والتطور”، مصدرا، ومآلا، عبر صفحاتها المتعثرة نجاحا وفشلا واستمرارا، ولذلك، فأن ما عندى هو أن هذا القرار قد جاء متأخرا عن موعده المفترض (بالطبع ليس متأخرا عن موعده الطبيعى)، فليس من الطبيعى أن يقوم فرد واحد أيا كان بالكتابة وأعمال التحرير التنظيمية والانتقائية والمطبعية كلها دفعة واحدة، ويسمى هذا فى النهاية “مجلة” على مدى 6 سنوات، ولكن الطبيعى الطبيعى، أن يدفع فى وجوهنا (أسرة التحرير والقراء المشاركون على صفحاتها على حد سواء) بهذا الاختبار (وليس الامتحان) فى لحظة ما، كانت لابد آتية.
اذن، فالأمر ليس الا اختبار الطبيعة والجدوى، وهو اختبار صعب (وليس امتحانا) لرصيد السنوات الست السابقة: هل لهذا الرصيد أن يتحول الى حركة تمتلك مقومات وجودها دون استنزاف تجزيئى لفكر متكامل (… ريما …)، أم سيظل طول الوقت مسرحا لفصول عابرة من الاجتهادات الرخاوية، الملحق بها فى اعتمادية خائفة بعض عابرات السبيل من أعمال بعض اسرة التحرير التى وجدت المسرح مفتوحا بلا ثمن الا بعض التتلمذ على صاحبه (وهو أمر ليس باليسير، وهو امر ليس بالكافى)؟؟
اذن، فنحن نقبل، لأنه ليس أمامنا الا القبول، ولأن الأمر قد أن أوانه، بلا مجال للتردد، أو للتأجيل، والا … …. فحتى متى!؟
محمد يحيى الرخاوى
…. وقد وصلتنا منذ أسابيع، وفى اثناء دراستنا لقدراتنا على حمل امانة التحرير وهى أمانة جماعية، عملية، نحملها جميعا معا، رسالة من الزميل المهندس الأديب محمد فتحى عبد الفتاح سكرتير تحرير المجلة يعتذر فيها عن مواصلة حمل هذه الصفة بكل التحديدات التى ارتآها فيها دون أن يكون ذلك على وجه الدقة هو دوره فعلا اسهاماته فى النقد الفنى خاصة، والرؤية العلمية كما عودنا ثم نواصل مسيرتنا فى عمل جماعى بغض النظر عن حدود الوظيفة أو “الصفة” التى تسبق أو لا تسبق اسم أى منا.