عدد يناير 1985
ارهاصات غير متفائلة تماما
محمد محمود عثمان
فى عدد سابق (يوليو / أغسطس/ سبتمبر 84) كتب الدكتور رضا عطيه مقالا مطولا تحت عنوان ( قبل أن يأتى الطوفان).. تحدث فيه عن موضوعات شتى ما بين أسباب ومظاهر… لما نعانيه من فوضى ملحوظة وهموم نجترها ونعيشها… وما نكتبه يأتى مشاركة فى اثراء الحوار واثارة للوعى والسلوك الواعى، نتفق معه فيما ذهب اليه مبدئيا من أننا لسنا.. بصدد تحديد قضية المنهج.. فإن الاشارة تجدر الى أن قضيتى المنهج والممارسة هاتين ليستا ذات طابع فردى بالأساس..
مع معرضتنا لقوله ‘ وسوف ننضم بهذا المقال وأشباهه الى طابور المشخصين والعور.. ومحاولى العلاج..
وقد أصاب فى الأولى وأبرز الطابع غير الفردى لقضيتى المنهج والممارسة..
وجانبه الصواب فى الثانية لأنه يدرجنا فى السطور التالية كمسئولين عن (المنهج والممارسة) فى قوله(.. ومحاولى العلاج) وذلك لأن محاولات العلاج غير فردية ولا نملكها أو نستطيع السيطرة عليها كأفراد. وأن كنا داخلين فر نطاقها .والملاحظ اليوم أننا نتحدث ونشاهد ولا ننكر أننا نعيش فى حالة من الفوضى والتشويه والابهام لكل ما هو عام وخاص.
لكن يجب أن نضع فى اعتبارنا أن المشكلات الاجتماعية نظهر بوضوح وبصورة حادة أثناء فترات التحول ولا يعنى أن المشكلات غير موجودة فى المجتمعات بوجه عام، هى موجودة لكنها تتفاوت فى درجة حدتها وكذا نوعيتها والملمح الظاهر للمشكلات هى وجود حالة من عدم الرضا..وقد يقفز الى الأذهان تساؤل( أى تحول؟!) و( الى أى الجهات) و(ما مداه)…
من الصعب أن نجد اجابة حاسمة على تلك التساؤلات بشكل محدد(حاليا) أو حتى (تنبئيا) بدرجة قوية.. وكل ما يحدث هو ضروب من الاحتمال، القابل للتحقق بصورة ليست دقيقة جدا أو غير قابل للتحقق أيضا..
وجديز بنا أن نضع فى اعتبارنا عندما نتحدث عن مشكلات مجتمعنا التركيبة النفسية /الاجتماعية/ التاريخية للمجتمع المصرى وأن هناك قوى كثيرة مسئولة مسئولية مباشرة وغير مباشرة (لا أخلاقيا( أولا و (أخلاقيا) ثانيا، عما هو (حادث) وما يمكن (ألا يحدث) زيضا.
وتتضافر فى ذلك عدة عوامل داخلة فيها ذلك القوى هي:
1 - عوامل خارجية: – استعمار – حروب – كوارث.
2 - عوامل داخلية: ونوجز القول والحديث عنها كالتالي:
(أ) القوى السياسية:
والتى اندرجت فى ظلها أو تحتها (قوى أخري) لها تأثيرها الفعال بقيام ثورة يوليو .52 فقد زضحت القوى السياسية (المعنية بالأساس) – بكل تناقضاتها وتصارعاتها الكامنة قبل وبعد 52 – مع القوى الأخرى متداخلتان ولا منفصلتان وتتخذان وجها آرستقرطيا ينهج الى الثبات كمحصلة نهائية وذلك لا يتفق مع ديناميات المجتمعات الانسانية. فتصبح تلك القوى بعد أن كانت قائدة نحو التقدم، تصبح مسيطرة ومهيمنة لا تتعدى حتى ظروف مرحلتها التاريخية. وتعمل على قمع حركات الاصلاح فتتحول الى قوى معرقلة رجعية معادية لكل أشكال ومناهج التقدم.
(ب) القوى الاقتصادية:
وقد عظم دورها خاصة فى فترة السبعينات (الانفتاحية) وما تلاها… وهى متعددة تبدأ بالرأسمالية (الماصة) العالمية، ذات السيادات( السريعة الانتشار) ولا تنتهى بالرأسمالية غير الوطنية مرورا بالطبقات الطفيلية ذات الربح السريع وزحفها بسياسة( الخبطة – خبطة)و (الصفقة -صفقة) نحو فرض الاستغلال والتحكم والاحتكار، و(مصاحبة) و (مصاهرة) و (مناصرة) ذوى النفوذ من أجل (صفقة أفضل) و..( مجموعة من الأصفار)..
(ج) القوى الدينية:
وأبرز تأثيراتها فى مجال خلطها بين (الظلم الاجتماعي)،مفهوم (القضاء والقدر) فلم تحدد بدقة وتعلن الفواصل بين هذا وذاك بل أحيانا تتعالى على المعانى الانسانية التى تنظم الحياة . وقد يكون الاختلاف على الكلمات المستخدمة (الألفاظ) فقط.
وذلك بالاضافة الى عاملين آخرين هما:
1 ـ العامل التاريخى:
والمتمثل فى الارث المتعمق فى الوجدان المصرى والذى يقوم على الدور المتعاظم للحاكم (الاله – ظل الله).. وذلك الارث يقول أو يعبر عنه عبد الرحمن الأبنودى فى قصيدة بعنوان (البيات الشتوى)(1) فيقول:
(قالوا جدودنا للملك: انت الاله
أنت شعاع الشمس.. واهب الحياه
ولك الصلاة
…. … …
… … …
مصر ابتدت فى الكون عبادة الفرد
النقش ع الجددان وفكرة التألية)
وهناك ملحوظة جديرة بالاهتمام ـ دون حساسيات، أو مقاصد مرصودة ـ وهى منذ وعيت أرى صور الحاكم ترفع على الحوائط.. والأجدر أن توضع نصب أعيننا وعلى جدران بيونا راية الوطن الذى له الانتماء.
ومن جانب آخر هناك دور لا ينكر لكافة أنواع السيطرة الاستعمارية وما صاحبها من مظاهر الصفع والاذلال والتشرية والقتل…
2 ـ العامل الثقافى:
ومعظمنا يعلم ما هى الثقافة أنها: القيم + المعايير + الأهداف + الوسائل + المعتقدات + السلوك..
وهى الحياة: فكرا وسلوكا ومعتقدا….
أن النمط الثقافى يعمل على تكامل وانسجام السلوك فى المجتمع. فما هو هو النمط الثقافى السائد الذى يعمل على ذلك ؟
ـ غير محدد… غير معاروف!!
ما هى الفلسفة الاجتماعية التى يعتنقها الجميع أو التى يعمل بمقتضاها المجتمع أفرادا ومؤسسات وهيئات وجمعيات وجماعات.. ونستمد منها مشروعية أهدافنا ووسائل تحقيقها.. ؟
– غير محددة!!
أى شعور يراودنا حين نقرأ ما قاله أحد علماء الاجتماع (2) فى حديثه عن الثقافة:
.. الأهداف التى يسعى اليها الفرد قد تحددها له الظروف الثقافية السائدة..
.. عملية المعرفة بالكون تحمكها معايير ترجع الى النمط الثقافي.
وفى بلدنا نرى العديد من الظواهر الثقافية غبر المرضية( بضم الميم) بسبب تأثر وتأثير الثقافة فى كل قطاعات المجتمع بمعنى انتقال التأثير والتأثر من والى جميع النظم والنسق الاجتماعى والأفراد أى (البناء الكلي) للمجتمع، باعتبار أن المجتمع كل متكامل ببنائه(التحتى) و(الفوقي).
النمط الثقافى اذن بمثابة الرابطة الأساس التى تتألف من خلاله البنى الاجتماعية.. صيغها وترابطاتها ببعضها ومع غيرها كذلك.
وكلمة غير أخيرة.. أن الفرد ينزع ادئمت إلى التوافق مع الأشكال الاجتماعية التى تحقق له أهدافه، فاذا ما كانت هذه الأشكال والتفاعل وتهدد كيانه الاجتماعى وتعمل على تقويضه كفرد اجتماعى له وعيه فأنه سرعان ما يبدأ فى (نبذ) هذه الأشكال سلبا (بالابتعاد عنها) أو ايجابا( بمجاولات ابراز طابعها الهدام والعدائى ليس على مستوى الأفراد بل المجتمع ككل).. واتذ يأخذ الفرد فى اعتباره تجارب ومواقف الأخرين المشابهة يتماثل السلوك وبتماثل السلوك (المضاد) هذا، وقبول الأسس التى يستند اليها تصبح استجاباته (سلبا) أو( ايجابا) ذات معنى ومدلول اجتماعي، هنا يبلغ الوعى نضجا محركا وفعالا فى احداث التغييرات الاجتماعية / التاريخية، تبلغ أهدافها اذا ما كانت تلك الأهداف (قابلة للنحقق) و( وسائل تحقيقها كافية)..
وربما ما بحدث لآلاف الأفراد من مجتمعنا ارهاصات للتحول أو للنطور. اردناها بصورة واضحة أو غير واضحة. فهى حادثة بشكل أو بأخر، كيف والى أى مدى..؟؟ لا ندرى على وجه الدقة لأننا داخلين فى (العملية) نفسها أو فى نطاق المرحلة ذاتها…
فلنكون وعينا ونساهم فى تكونيه للآخرين ليحدث ما نطمح اليه (صالح المواطن المصري) بخاصة، والانسان (المطحون) (المغلوب على أمره) (المقهور) بوجه عام.
[1]- أدب ونقد. العدد السادس 1984، ص 105، 106
[2]- جون ركس: فى كتابه المترجم تحت عنوان (مشكلات أساسية فى النظرية الاجتماعية) – ترجمة د. محمد الجوهرى وآخرين.. ف: الخامس طبعة أولى منشأة المعارف بالاسكندرية 1973.