بعض ما أثارته ندوة ديسمبر 1993
الفرحة والإيمان واختزال الدين والتدين
بعد عرض ومناقشة فيلم sister act (الراهبة الطروب)
تسجيل وتفريغ : مديحة أبو العينين
حضر الندوة عدد محدود (آخذ فى التناقص) نذكر منهم بعض من شارك نشطا فى الحوار المسئول عما سنقدمه هنا:
د. إحسان فهمى د.. رمضان بسطاويسى – يوسف عزب – محمد يحيى الرخاوى
أ.ياسر عبد الرحمن، إيهاب الخراط، يحيى الرخاوى .. وآخرون.
لم نجد ترجمة لهذ الفيلم سوى هذا التقريب المخل
فالفيلم يحكى حكاية مطربة سوداء تهددت حياتها بشكل بوليسى متواضع فهربوها إلى دير من الأديرة، فعاشت فيه مضطرة ابتداء، لكنها سرعان ما اكتشفت أن ثمة شيئا يمكن أن يضاف إلى هذا المجتمع الخاص، وبدأت النقلة الهادئة المتزايدة تحيى جانب الفرح فى العبادة، حتى اشتركت الراهبات فالناس المصلين فى الغناء والحركة الراقصة المتوجهة إلى الله دون مساس بقيم جوهرية، بل بإقبال نحو العبادة من موقع آخر بأسلوب آخر
وقد دار الحوار بعد الفيلم حول مسائل كثيرة لم نكن نتوقع أن يثيرها هذا الفيلم -بلا ترجمة عليه- بهذا الوضوح، ومن ذلك:
1-إن التربية عندنا عامة هذه الأيام قد اختفت منها الفرحة والانطلاقة : تماما، أو غالبا
2- إنه يتساوى فى ذلك ما كان يسمى التربية الدينية والتربية العادية
3- إننا كلما تقدمنا إلى الأقاليم، وكلما توغلنا فى مدارس الحكومة ظهرت لنا بوضوح هذه الكتمة (المشاعر باهتة، والقلوب ملفوفة برقائق العازل القهري)
4- إن هذه الكتمة المتسحبة تغمر تدريجيا السن الأصغر فالأصغر، فالغم القومى المصرى يغلف مشاعر الأطفال بشكل متزايد ويتمادى فى ثقة عمياء حتى ليكاد يصل إلى الرضيع فى مهده.
5- إنه قد ترتب على كل ذلك نوع من إلغاء المشاعر الفطرية ليحل محلهاما أسماه بعض المشاهدين: المشاعر التليفزيونية (مثلما حلت البلاستو أويما محل الأويما اليدوية، إلخ)
6- إن فصل الفرحة عن الدين هو فى النهاية ضد الدين، لأن تراكم الغم ولو عبر الأجيال سوف ينـفـر من أسبابه لا محالة
7- إن الفرحة التى يروج لها المسطحون دينيا هى فرحة ساكنة مشروطة، والمطلوب هو تنمية الفرحة الفطرية المبدعة
8- إن الغرب المسيحى قد التقط هذه المفارقة وهو يحاول أن يتخطاها فى السماح المتزايد التى تلوح به الكنيسة، والتى لا تلتزم بنصوص حرفية بقدر ما تيقنت أنه ينبغى عليها أن تواكب العصر لهداية الناس وإغرائهم بفرحة إيمانية حقيقية
9-إن محاولات الجماعات الدينية مؤخرا للغناء الجماعى تسبيحا أو تعليما أو حتى إرهابا هى محاولات تعلن إدراك هذا البعد الضروري، لكن ما تم منها – بقدر ما يعرف المنتدون- مازال بعيدا عن مخاطبة الفطرة أو الوجدان، بل هو يزكى الحماس أو يلحن المعقول والمقبول، فى حين أن المطلوب هو إطلاق الطلاقة بأقل شروط ظاهرة
10- إن احتفالات الطوائف فى مصر والحرفيين بالمولد النبوى تتوارى تدريجيا، وقد كانت تمثل كرنفالات المصريين المقابلة لاحتفالات أعياد الميلاد فى الغرب، فيضطر الشباب الذى يجد هذه الحاجة فى نفسه أن يلجأ إلى البدائل الغربية الجاهزة فيما هو “ديسكو” أو أن يحرك وعيه بسموم كيميائية: فهو الإدمان
11- وحتى صورة الشيخ الظريف -المعمم (عبد الوارث عسر فى السكرتير الفنى وعبد الغنى قمر – الشيخ حسن – فى شفيقة القبطية، وحتى عبد العزيز البشرى فى الصحافة والسياسة)، هذا النموذج قد اختفى تماما ولم يبق إلا الشيخ المتجهم أو الشيخ المتحدث
12- إن حكم الحرام والحلال يقدم للأطفال حظرا على ما يخطر فى وجدانهم من مشاعر أولا بأول ، وليس فقط على ما يعلنون من أفكار أو على ما يقترفون من سلوك.
13- إن البديل الذى طرحته البطلة على الناس فى الكنيسة، ليس بديلا كاملا ،لا هو كذلك، ولا هو ينبغى أن يكون كذلك، ولا هو مطلوب منه ذلك ، لكن وظيفة الفن هى تقديم هذا فقط.
14- إن الشعر الصوفى الذى يتغزل فى الله سبحانه يمكن أن يذكرنا بإدراك هذه المساحة التى لا بد أن تملأ ونحن نستلهم الدين والإيمان لمسيرتنا اليومية.
15- ومع ذلك فإن العشق (البشرى أوالإلهي) غير الحب ، غير الفرحة،
16- إن البرامج الفكاهية للأطفال خاصة تعتبر نوعا من الدغدغة (الزغزغة) ، وهى أشبه بافتعال ضحكة أو سرقة لحظة ثم عودة إلى الغم القومى
17-إن من يريد التحريك والإطلاق لما هو فطرة لا بد وأن يأخذ الإنسان ككل، فلا تصبح اللذة هى الأقرب للغرائز، ولا يصبح الغم هو البديل الذى يقع فى الجانب المقابل، ولا ينبغى أن تكون القضية هى إنه على الواحد منا : إما أن يموت (مكتوما) أو يبوظ (ملتذا) .،
18- إنه لابد من منهج تربوى يصب فى ما هو إبداع بمعنى الفعل اليومي
19- إنه يبدو أنه كان هناك شيء تلقائى فى الكتاتيب رغم الفلكة والقهر، وطه حسين الذى وصف الكتاب بأقسى ما بلغه منه، لم يمت إبداعه نتيجة لكل ذاك القهر، لأنه كان قهرا بدنيا صريحا، أما المعروض الآن فهو قهر خفى متسحب ، وبناء عن طلب المقهور الطفل نفسه، (عايز واحد قهر وصلحه)
20- إن هذا الغم القومى قد يمثل أرضية خصبة للإرهاب ،رغم أن هؤلاء الأطفال المحزونون ليسوا من الجماعات الدينية، ولا هم ، ولا أهلهم يؤيدون الجماعات الدينية، لكنهم -دون قصد- يمثلون الأرض الخصبة التى تفرز الجماعات الدينية
21- إن البحث عن النشوة ليس بديلا عن البحث عن الله، لكن ينبغى أن يوصل أحدهما للآخر.
22-إن ما أسماه المنتدون بالمشاعر التليفزيونية ليست متعة ولا نشوة، ناهيك عن أنها فرحة، إنها استنزاف للوقت وتأجيل للمواجهة ، وقد يمتد التأجيل حتى الموت دون مواجهة
23ـ إنه حتى المسمون بالتنويريين إنما يقلـدون الغرب فيما هو عقلنة، وليس فيما هو ترويج وتسويق لما هو فرحة مبدعة.
24-إن الفرحة تحتاج حرية داخلية وخطوة نحو المجهول، فالإيمان بالغيب هو فعل وليس تسليما، كذلك الفرحة هى حركة تولد نفسها، وليست تهريجا ظاهرا له عمر افتراضي.
25- إن الله هو الذى يجمع الأنا بالأخر، كما لو كان مجموع الأنا فى الآخر، هو الذى يتولد منه وبه ما هو قاسم مشترك أعظم: وهذا هو عمق الفطرة ونبض الفرحة
26- إنه يبدو أن الخيوط تتجمع فى أيدى أصحاب مصلحة لا يسايرون سلاسة الطبيعة.. فالمشكلة ليست فى الجماعات وما شابهها.. لكن المشكلة أعمق من ذلك بكثير، هناك أصحاب مصالح فى أن نموت تحت عنوان دين سطحى لم ينزله خالق الفطرة، وراعيها، ومفجرها
27- إن ثمة فرحة يمكن أن ترصد داخل الحزن، ويمكن أن تكون أعمق وأرق. فالحزن وحده لا يؤدى إلى الله، ولا الفرحة إذا انفصلت عن الكل، الله هو الكل، ولا يؤدى إليه إلا كل الكل
28- إن الحزن يفرخ فرحة، أما الكآبة فهى مصنوعة من الرصاص المنصهر المتجمد، يلبسها الواحد فوق أم رأسه (نافوخه)، ويستحيل أن تؤدى إلى ربنا.
29- إنه ينبغى أن نعيد فحص تلك الأدوار المتعددة التى تقوم بها الكنيسة فى العالم الغربى ونحن نقترب من القرن الواحد والعشرين، فما هو موقف الكنيسة -مثلا- من مثل هذا الفيلم ، هل هذا الفيلم يمثل توجها جديدا لكل من الكنيسة والفن على حد سواء؟
30- إنه يبدو أن هذه عيـنه ممكن أن تقبل من كل أجنحة الكنيسة فى الغرب، وتلك الحركات الجديدة، تحدث بصور مختلفة، باجتهادات متنوعة تهدف إلى إخراج التعبير الإنسانى بكل تلقائية، وهذا ظاهر فى الفيلم بشكل أو بآخر. فهذه السيدة المغنية ، الراهبة صوريا رغم أنفها- من الممكن أن توصل رسالة للمتدينين وللشباب والأطفال المتوجهين للدين احتمالا، توصل إليهم معان دينية أكثر من التى توصلها بعض الكنائس التقليدية
31- وظهر تساؤل مكرر يقول: هل ابتدأ المجتمع الغربى يقبل دور الدين، هل انتبه الشخص العادى إلى الدور الجوهرى للدين فى حركة الحياة اليومية.
32- وتساؤل آخر يقول: هل الدين عند الغرب فى الأربعينات هو هو نفس ما يمارس فى التسعينات؟ هل مازال الدين عبارة عن شيء لطيف يمارس يوم الأحد، “حاجة بركة كده”، وما الفرق بين هذا المفهوم وبين ما نعرفه – أو يبغى أن نعرفه- عن معنى الدين عندنا؟إن التركيز المضحك على أن الإسلام فيه سياسة أيضا هو اختزال للدين لا يقل عن اختزاله إلى نشاط نهاية الأسبوع التنفيثي، المسألة أخطر من ذلك بكثير، الحياة إما أن تكون بتوجه دينى يشمل علاقة المرء بكل خلاياه وبربه فى الفعل اليومى والمسجد ومعمل الأبحاث والمكتبة وملعب الكرة على حد سواء، (وهذا معنى أن الدين شمل كل شيء) وإما أن يكون اغترابا فى العبادة أو حتى فى التنفيث بالاعتراف أو التنويم بالاستغفار إلخ.
مرة أخرى إما أن الدين هو كل شيء، كل شيء حتى أن ما يخالفه هو مصبوغ به، بمعنى أن الدين لا ينفصل عن الوجود، أى وجود، ولا حتى عن الذنوب
أو أنه ديكور يستعمل من الظاهر، أو نشاط يمارس بعض الوقت
وهذه القضية عندنا تغيب عن كل من الفرقتين على طرفى النزاع: الجماعات والتنويريين على حد سواء
فهل هذا الفيلم يقول إن الدين فيه كل شيء .. الرقص والحياة، الفرحة والابتهال، هل هو يقول إن الدين هو الأرض اللى تقف عليها وتنبت منها، حتى لو كان النبت هو الإلحاد نفسه؟
فعندما نقول نتحاور مع الجماعات الدينية لا بد أن نذكر أن هذه الجماعات مثلهم مثل العلمانيين أوالتنويريين قد اختزلوا الدين أيضا إلى ما ليس هو
إن الجماعات الدينية هى صورة اختزاليـة أيضا لما هو دين: إنها صورة مثل صور الحكم العسكري، وزيف الديمقراطية،
33- إن المشكلة الأساسية هنا وهناك هى فى خنق الفطرة، فى قلة الرقص، فى قلة الطلاقة ، فى قلة الإبداع،
34- عندما نتحاور مع الجماعات الإسلامية لا بد من الاصطدام بالنص فهل يمكن فتح النص؟ لهم قبلنا؟ بل معنا..
35- لا مفر من المخاطرة وهى مخاطرة غير مضمونة لكن لا مفر من الأخذ بها
وانتهت الندوة والمنتدون فى حال. !!!