رقصات تسبيح بترنيمات
مولانا النفرى
نص على نص
د. إيهاب الخراط x د. يحيى الرخاوى
اعتذار
كلامى فى نسيمك ثقيل أخرق
وفى عاصفتك عـيـى واهن،
فعذرا يامولانا
إيهاب
فإن خاطبتك مستضعفا مستكينا مستجديا، فلا تسمعني،
وإن خاطبته متجاوزا إياك فهذا حقي،
فنورك لا يحجز بينى وبيني،
يحيى
أوقفنى فى نور وقال لى لا أقبضه ولا أبسطه ولا أطويه،
ولا أنشره ولا أخفيه ولا أظهره،
وقال يا نور انقبض وانبسط وانطو وانتشر واخف واظهر،
فانقبض وانبسط وانطوى وانتشر وخفى وظهر،
ورأيت حقيقة لا أقبض وحقيقة يا نور انقبض.
وقال لى ليس أعطيك أكثر من هذه العبارة، فانصرفت،
فرأيت طلب رضاه معصيته
فقال لى أطعنى فإذا أطعتنى فما أطعتنى ولا أطاعنى أحد،
فرأيت الوحدانية الحقيقية والقدرة الحقيقية.
موقف نور ص 72
طلب رضاك هو معصية لله
طاعتك الحق نور يسبب ذاته، وتسببه أنت فى آن. طاعتك لا تكون طاعة
إن كانت طلبا لرضاك.
طاعتك لا سبب لها إلا أنت.
ولا سبب لها حتى أنت.
إيهاب
حين يحيط النور بالظلام يدخل الظلام فى النور، لكنه لا يختفي.
وحين تحيطنى سبحانك بكل هذه اللاءات :لا تقبضه ولا تبسطه ولا تطويه، ولا تنشره ولا تخفيه ولا تظهره، فأنت تضعنى بحق قوة ضعفى ويقينى بك داخل رحمتك، فلا أعتذر ولا أنسحب ولا أعشى ولا أتراجع، بل أقتحم عشما ورضا.
فإن خاطبتك مستضعفا مستكينا مستجديا، فلا تسمعني،
وإن خاطبته متجاوزا إياك فهذا حقي
نورك لا يحجز بينى وبيني،
لا عتبي. بل مجازفة بلا استئذان.
يحيطنى نورك فلا يمحو ظلامي، فأشع بك منك.
فلا انقباض ولا انبساط ولا انطواء ولا انتشار ولا خفاء ولا ظهور.
إذا تقابلت الأضداد بكل هذا التحدى الحى اجتمعت فيك،
فهى النور الذى ليس كمثله شيء، فكيف أنقبض وأنبسط وأظهر وأختفى وأنطوى وأنتشر وأنت تنيرنى بخطابك، وترجعنى إلى نفسى بلاءاتك.
لاءاتك ليست نفيا وإنما هى حفز.
فإذا رأيت حقيقة لا أنقبض فى حقيقة أن أنقبض علمت أنه يمكن أن يتخلق الإنسان فى كبد من أول، نعم من أول، دائما هو فى أول.
وما طمعت أن تعطينى أكثر من النفى فى عبارة، وعلى أنا أن أستضيء بها، بل إن النفى يحفزنى حتى يكفينى الحرف “لا”. يكفى وزيادة.
فى البدء كان الحرف.
طاعتى لك ليست تسليما، بل استعادة لى وأنا كما ولدتنى أمي، بل إنى ولدت لتوى فى نورك، فإذا أطعتك فإنى أحافظ على بقائى فى نقطة البدء المتجدد، أن يكون أولى هو آخري، الأول لا يطيع بل يعيد ليبدأ.
ثم إنه لا توجد وحدانية حقيقة وأخرى زائفة،
ولا قدرة حقيقية وأخرى ملوحة، اللهم إلاعند من لا يعرفك،
وأنا أحاول. فلا تمتحنى أكثر.
يحيى
فقال إن أسلمت ألحدت وإن طالبت أسلمت،
فرأيته فعرفته ورأيت نفسى فعرفتها، فقال لى أفلحت،
وإذا جئت إلى فلا يكن معك من هذا كل شيء.
موقف بين يديه ص73
وهل أطالب إن لم أسلم لك؟
وهل أسلم إن لم ألحد؟
……
المطالبة قوة التسليم
والتسليم رجل منتصب القامة واقف على صخرة الإلحاد وسط طين الميوعة وترهل بناء المتزمتين
أقف على الصخرة منتصبا.
فأراك فأعرفك فأعرفني، ثم لا يكون معى شيء من هذا كله.
إيهاب
فرح أنا بكل هذا، يا لفرط غيظهم.
أنا لست مسلما كما صاغوني، بل إننى حين أحسنت الإنصات لدعوتك، توجهت أطالبك بي، فأسلمت خفية منهم حتى لا يحرمونى منك. فرأيتك غير ما علموني، وعرفت نفسي.
كيف يكون معى أى “هذا” أو “هؤلاء”، وأنت أغنيتنى بالسماح لى بطلبك مباشرة؟
يا أخى يا أيها الواقف فوق صخرة الإلحاد، ليس للإلحاد صخرة، ولا للمتزمتين إسلام، فالإلحاد محنة ينعم الله بها على عباده حتى يختبر بها جديتهم فى السعى إليه، أما التزمت فهو إلحاد الجبناء الواقفين حواجز بين البشر وبينه.
يحيى
أوقفنى فى العظمة وقال لى لا يستحق أن يغضب غيري،
فلا تغضب أنت فإنك إن تغضب وأنا لا أغضب
فإن غضبت أذللتك لأن العزة لى وحدي.
وأوقفنى فى الرحمانية فقال لا يستحق الرضا غيرى فلا ترض أنت، فإنك إن رضيت محقتك، فرأيت كل شيء ينبت ويطول كما ينبت الزرع ويشرب الماء كما يشربه وطال حتى جاوز العرش.
موقف العظمة صـ 74
غضبى تسريب لنار النبات وعطش الشرب، ورضاى توقف عن النبات حتى تجاوز العرش.
الغضب عبادة أوثان والرضا كذلك.
التوحيد هو العزة لك وحدك والرضا والمـلك.
أغضب فتذلنى وأرضى فتمحقنى فأنبت وأشرب وأنت الزارع والساقى والذى يـنمي.
إيهاب
بل أغضب إليك، وأغضب منهم تجاهك،
أنا بغضبى هذا أختبر حقى فى عصيانك لو فهمت نهيك،
ألتمس غفرانك بغضبي، وإلا لم أكن كما خلقتني،
ربما تريدنى أن أغضب غضبى لا غضبك،
ومن أنا حتى أغضب غضبك إلا بك،
وربما تنهانى عن رضا الاستسلام، لكن رضاى عنك أمر آخر،
ترضى عنى فأرضى عنك، وأنا لا أطمئن إلى أنك راض عنى إلا حين أرضى عنك
امحقنى لأعود بدءا من جديد
امحقني، أتخلق زرعا يطول ويشرب ماء عذبا.
أنا على يقين أنك لن تمحق منى إلا ما هو ليس أنت،
فما خوفى على منك؟.
يحيى
وادخل إلى بغير إذن فإنك إن استأذنت حجبتك
وإذا دخلت إلى فاخرج بغير إذن فإنك إن استأذنت حبستك…
وافرح فإنى لا أحب إلا الفرحان.
موقف التيه صـ 75
الاستئذان تردد وتصنع ورياء وارتداد إلى النفس.
الفرح فى الدخول والفرح فى الخروج، دخول أطفال واثقين، أنضجتهم شدة الهوي.
الإيمان هو الفرح.
إيهاب
هذا هو
هذا هو، فأنت أذنت لى حين خلقتنى فكيف أستأذن وكأنى نسيت أن إذنى معى لمجرد أنك أوجدتني،
إنهم حين اشترطوا الشروط، وأوقفوا الحجاب دونك، حجبوا الناسين عنك، فراحوا يستأذنونهم هم; لا يستأذنونك، ولو تذكروا لما احتاجوا إذنا منهم، ولا منك.
ثم إنى واثق أنهم حتى لو استأذنوك فلن تحجبهم دونك، ولن تحبسهم دونهم، لكنك تنبهنا أن يكون الإذن منك أنت لا منهم، وساعتها، وقبل أن نستأذن سنعرف أننا لا نحتاج لإذن.
فكيف لا نفرح؟ وكيف لا نفرح أكثر وأنت تحب الفرحانين.
يحيى
وقال لى جازف نفسك وإلا ما تفلح. وقال لى حسابك غلط والغلط لا يملك به صواب. وقال لى الحساب لا يصح إلا مني.
موقف الحجاب صـ 77
فى هذه الحياة لابد من المقامرة أو الرهان لأننا لا نعرف على وجه اليقين من نحن.
المغامرة قد يـفقد فيها الإتزان أو يـسحق فيها التزمت. الإحجام أمان، انتظار الموت الجاثم الأكيد.
إيهاب
وحين أجازف لأعرفك فلا أعرفك، يقتلوننى قبل أن أعرف، وهل يمكن أن أعرفك دون أن أجازف، إذا عرفتك بلا مجازفة فقد عرفت صورتك التى صوروها لى عنك لا أنت، طبعا أجازف، ولكى أكون صادقا فلا ضمان فى المجازفة، وإلا فهى ليست مجازفة، حتى لو انتهت بى بعيدا عنك، فأنت تقترب كلما ابتعدنا مادمنا صادقين. هذا حسابك كما بلغنى منك
أما الحساب الذى تخاف على منه، فهو الحساب الذى يحول دون المجازفة، وهو تابع لجدول الضرب الذى فرضوه علينا دون إذنك، بل بإذنك حتى تختبر حرصنا على المجازفة إليك
يحيى
أوقفنى فى الثوب وقال لى إنك فى كل شيء كرائحة الثوب فى الثوب.
موقف الثوب صـ 78
مبغضين حتى الثوب المدنس من الجسد
إيهاب
الثوب ثوب لمن تجزأ، ولا يتجزأ إلا من ينقسم عنك، فأنا الثوب وأنا رائحته، لأنى فى كل شيء الذى هو واحد كل، ولك واحد، فلا ثوب ولا رائحة إلا تجليات زوايا النظر.
يحيى
وقال لى قل للمستوحش مني: الوحشة منك، أنا خير لك من كل شيء.
وقال لى يوم الموت يوم العرس ويوم الخلوة، يوم الأنس.
موقف الثوب صـ 78
ساعة نهاية الغربة. بداية الحرية. بداية انحلال القيد. معرفة الذات معرفتك الدخول للعرس. الانتصار. الفرح. اللقاء مع السحاب.
وحشتها منى وغربتى عنها فى لا فيك
إيهاب
المستوحش منك عنده حق إذا كان فى بداية الطريق إليك قفزا فوق حواجزهم دونك، ولو علم ما علمتنا هكذا لنام تحت مظلتك ليفتح عينه فى نورك، فمن أين تأتى الوحشة.
الموت هو الباعث للوحشة، لكن من يعرفك لا يموت، هو يزف إليك إذ يتجلى فى نور آخر لا نعرفه، “ليكون” عرسا، فالفرحة عرس اللقاء فى التجلى الآخر.
ولا خلوة ما دمت بنا محيطا
من يأنس بك لا يستوحد أبدا
فهى خلوة عنهم، وعن ما هو دونك
يحيى
وقال لى إن شغلتك بدلالة الناس على فقد طردتك.
وقال لى أنا وشيء لا نجتمع وأنت وشيء لا تجتمع.
موقف الثوب صـ 78
إن لم تطردنى دللتهم عليك بانشغالى بك لا انشغالى بهم. اطردني، فأدلهم عليك، وآخذهم معى عودا إليك بدون استئذان منك. أصارع معك وأغلب. وأجتمع. تجلدى على الطرد تأهيل للعود.
أعود معهم فلا يكونوا معى بعد. بل معك.
وأكون أنا معك. لا شيء إلا أنت ولا شيء إلا أنا.
إيهاب
لا يعرفك من ينشغل عنك بالدلالات إليك.
وهى ليست دلالاتك بل هى ألعاب ألفاظهم تورى وكأنها تهدى إليك.
فإن لم أنتبه إلى عبث الألوان الزائفة سريعة الزوال فأنا أستحق طردك. أن أحاول أن أعايش أنه لا إله إلا أنت بحقها، هذا هو سبيلى إليك، فهل هذا هو الطريق؟ نعم هو الطريق.
وحين أنجح، سوف أبلغهم استحالة أن أقرنك بشيء، أو أن أقرن شيئا بك، ولو زعموا أن هذا الشيء هو الدليل إليك. أو عليك.
يحيى
وقال لى إذا رأيت عدوي، فقل له مصيبتك فى اعتراضك عليه
أعظم من مصيبتى فى أخذك لي.
موقف الثوب صـ 79
رأيت الشيطان ساقطا مثل البرق من السماء. رأيته عند قدمي. فشل فى أن يأخذنى وفشل حين أخذنى وفشل حين فقدني.
يحترق فى كبرياء العناد الغبى الهاديء. فى وهم أنه متميز وهو عادي. وأنا عادى أيضا أمامك وفى هذا نصرتي.
إيهاب
لا أستطيع أن أعيش مصيبته، حتى أننى لا أفهم قسوة اعتراضك على اعتراضه، وأكاد أتصور من عشمى فيك أنه يعبدك حين يكون سببا فى أن تظهر لنا برحمتك تحمينا منه، هو لا يأخذ إلا من انفصل عنك، وهو لا يستطيع أن يأخذنى إلا ليلهب سعيى إليك، ليس لى حق الشفاعة
لكنى أحتفظ بحقى فى يقينى فى رحمتك حتى تشمل من لا نتصور أنه يستحقها.
يحيى
وقال لى أغريتك بى حيث لم أجعلك على ثقة من عمرك.
وقال لى أى عيش لك فى الدنيا بعد ظهوري… وقال لى
حصل لك كل شيء فأين غناك. فاتك كل شيء فأين فقرك.
وقال لى أعذتك من النار فأين سكوتك
وأظفرتك بالجنة فأين نعيمك.
وقال لى الجزء الذى يعرفنى لا يصلح على غيري
وقال لى ما بينى وبينك لا يـعلم فيـطلب.
موقف الثوب صـ 7
لا عيش لى فى الدنيا بعد ظهورك.
وهل كان لى عيش قبل ظهورك؟.
تحصيل الأشياء واقع لكن مخاتل، لا يـمسك، لا يشبع، لا يفيد، قبض الريح.
الفقر ساحق وبغيض لكن لا يؤذى ولا ينفع.
هى لا تضر ولا تفيد.
أنت لا تخاتل ولا تتملص ولا تعد بما لا تفى به.
ولا تنذر بما لا تنوى أن تتمم.
إيهاب
الجزء لا يستطيع أن يعرفك، وإنما يعرفك الكل مهما تعددت أجزاؤه، وحين حاولوا أن يرشونا بإثباتك بجزء العلم الذى أتقنوه.
عموا وصموا ثم عموا وصموا. حتى كدنا نعمى ونصم وراءهم لاهثين باسمك دونك.
وما عمرى إذا أنا عرفتك وأنت بلا أول ولا آخر، الزمن ليس له حدود إلا عند من تقزم حين توقــف عن السعى إليك
والعيش فى الدنيا بعد ظهورك غير وارد، فأنت لا تظهر إلا لمن لم تعد عنده الدنيا دنيا، ولا الغنى غني، ولا الفقر فقرا، ولا الجنة نعيما، فكل هذه المراحل هى تصبيرات إليك.
ومن رحمتك -سبحانك- أنك لا تظهر قبل الأوان
فيظل ما بينى وبينك مبررا لعيشى إليك، فهو لا يعلم ولا يطلب لكنه يستر ويؤجل فترحم ضعفنا فلا تظهر، إلا قليلا قليلا ودائما أبدا.
يحيى
ذكرى أخص ما أظهرت وذكرى حجاب، وقال لي
إذا بدوت لم تر من هذا كله شيئا.
موقف الوحدانية صـ 80
ذكرك إظهار
ذكرك حجبة
ظهورك يبدد الذكر
ومن يحتمل ظهورك
ومن يحتمل الذكر الخالى من الشوق لظهورك.
الذكر شوق والظهور تحقق.
والشوق أسهل احتمالا من التحقق.
إيهاب
ما ذكرك إلا بسب تأجيل ظهورك
وحجابك يقينا بهــر نورك.
فلا تبدو حالا، ولا تبدو كثيرا، حتى يمكن أن نبرر حقنا فى السعى والذكر والضعف والفرحة بالأمل إليك.
الذكر شوق، والشوق يظل شوقا طالما السعى يظل سعيا.
وأنا إن لم أر من هذا كله شيئا، فقد رأيت كل شيء.
يحيى
إذا رأيت النار فقع فيها ولا تهرب،
فإنك إن وقعت فيها انطفأت، وإن هربت منها طلبتك وأحرقتك.
موقف الإختيار صـ 81
الخوف منها أقوى على من لسعتها.
أخوض الخوف مرتجفا متلفتا.
أقع فى النار ملسوعا. فهل أنا هارب؟ أم أنا محارب غير متراجع؟
وعرفت الدخول فيها وعرفت انطفاءها فى الدخول.
وقعت فيها فانطفأت.
فهل أنا واهم؟ أم إنى متجلد صابر؟
أم هى فعلا انطفأت؟
وهربت منها فما شعرت بها.
فهل لحقتنى وأنا غافل؟
أم هى متربصة بى ستلحقنى فى أواخر الطريق؟ أم هى ساكنة بردت؟
شرط المحبة الجسارة، شرع القلوب الوفية.
إيهاب
صعب هذا رغم أنه حق اليقين.
الجسارة الجسارة، والسعى السعي، عدم الاستئذان، والرضا المتبادل
ولا حلاوة دون نار، فلا مفر من خوض غمارها.
فرق بين أن تقع فى النار إقداما، وأن تـلقى فيها عقابا ومهانة،
من لم يتجرأ على النار يقينا من رحمتك يلقى فيها جزاء تردده.
لا مهرب من نار هى ضريبة الجسارة اللازمة للتقدم إليك، فالهرب منها هرب منك، وهذا هو الجحيم بعينه. أما نار المغامرة فهى ضريبة الجسارة الرائعة،
لا أحد يعبر الصراط إلا فوق نار اختار أن يقع فيها،
فيجتازها وهو يولد منها جديدا، وباستمرار.
يحيى
أوقفنى فى العهد وقال لى اطرح ذنبك على عفوي
الق حسنتك على فضلي.
موقف العهد صـ 83
أطرح ذنبى على عفوك لا على بري
ألقى حسنتك على فضلك لا على تقواي.
والعهد أن ينبت فضلك حسناتي
وأن يفنى ذنبى فى عفوك وحده.
العهد أنك تعطى وأننى آخذ.
إيهاب
ولو لم توقفنى فى العهد لما ترددت أن أقتحمه عشما فيك، وثقة بك،
وهل أمامى سبيل آخر؟
ثم إننى طلقت الذنب ورضيت أن أتحمل يقين خطئي،
ويقينى بعفوك مسح الذنب لكنه لم يبرر لى تكراره،
أما حسبتى فهى خيبتي، كيف أحسبها وأنا لا أستطيع مجرد تصور حجم رحمتك التى هى قبل وبعد كل حساب.
يحيى
وقال لى لا تيأس مني
فلو جئت بالحرف كله سيئة كان عفوى أعظم.
وقال لى لا تجترئ علي
فلو جئت بالحرف كله حسنات، كانت حجتى ألزم.
موقف عنده صـ 85
فى حجتك تظهر سوءات حسناتى
وتلزمنى بأن الحسنات لا تحسب هكذا.
وفى عفوك تخفى حجتك ذنبى عن كل عين.
إيهاب
اليأس لهو الكذابين المرفهين المبررين،لا جعلتنى منهم أبدا، ثم إنى عاهدتك وعاهدت نفسى ألا أيأس منهم، فكيف أيأس منك
هو عفوك الذى علمنى الجسارة
وهو الذى شجعنى على البعد
وهو الذى أطفأ النار حين وقعت فيها إقداما
وحجتك هى التى تجعل حسانى تستأهل، بغير حجتك من يضمن أن تكون بضاعة مغرضة، أو خدعة ملتبسة، أو زهو ذاتي، أو مناورة غبية تدعى الذكاء، على من، عليهم، وما لهم هم
بدون حجتك لا حسنات.
يحيى
وقال لى فضلى أعظم من الحرف الذى وجدت علمه
ومن الحرف الذى علمت علمه
ومن الحرف الذى لم تجد علمه ومن الحرف الذى لم تعلم علمه.
موقف عنده صـ 86
كبرياء الحرف هو فى الحرف الذى عرفته وفى الحرف الذى وجدته فقط. وفى الحرف الذى أطمع فيه وفى الحرف الذى أيأس من بلوغه وأعلم أنه يغوينى وينتظرني.
فضلك أعظم من كل الحرف وكل العلم. أسجد.
إيهاب
ليس عندهم إلا الحرف. والمصيبة أنهم أحيانا يلوحون لى به على أنه الدليل إليك، وكل شيء يتضاءل إذا قدمنا فضلك، لكن أهل الحرف لا يعرفون الفضل إلا من خلال الحرف، ولا فضل للحرف، ولا الحرف يـظهر فضلك، وكل ما وجدته، وما علمته وما علمت علمه، هو بفضلك، فكيف لا يكون أعظم منه.
والعظمة العظمة هو أن يصبح حضور الحرف، وعلم الحرف، وجهل الحرف بفضلك، فتضيء كل الحروف وكل اللاحروف بصيرتهم رغما عنهم.
يحيى
وقال لى من عرفنى فلا عيش له إلا فى معرفتي،
ومن رآنى فلا قوة له إلا فى رؤيتي.
موقف المراتب صـ 87
ومن من لم يرك، هل له قوة فى غير رؤيتك له؟ وليس له.
ومن لم يعرفك هل يعيش فى غير معرفتك؟
يعيش ولا يعيش.
العيش والقوة فى السؤال والسؤال يسلم للرؤية.
ومن يرى لا يعود له عيش ولا قوة إلا فى الرؤية.
إيهاب
قول بسيط خطير.
لا أحد يراك ولا أحد يعرفك.
كل ما نملكه هو أن نجتهد فى اتجاه رؤيتك، وأن نسعى نحو احتمال معرفتك
فشرطك هذا يطمعنا ويطمئننا، لكنه لا يعدنا،
ولا يختزل رحلتنا إليك بلا نهاية نهائية.
يحيى
وقال لى إذا جاءك التأويل، فقد جاءك حجابى الذى
لا أنظر إليه، ومقتى الذى لا أعطف عليه
موقف المراتب صـ 87
التأويل يجيء ومعه الحجاب والمقت، ثم يعبر وبعد ما يعبر تجيء أنت.
أبحث عنه ويبحث عني.
أبحث عنك وتبحث عني.
عبثا أهرب منك أو أهرب منه.
التأويل الذى يجثم ويلصق :
لعنة ومقت لا فكاك منه.
التأويل الذى يعبر يؤذن بحضورك.
التأويل حجابك الذى لا تنظر إليه،
ومقتك الذى لا تعطف عليه.
ومن وراء الحجاب قدس الأقداس،
وبدون الحجاب لا يكون القدس.
والقدس لا يرى إلا إذا رفـع الحجاب.
فأعطنى الحجاب فأرفعه.
وأعطنى الحجاب ثم شقه من أعلى إلى أسفل.
وأدخلنى القدس من وراء الحجاب.
إيهاب
التأويل حروف مرصوصة،
فهى حجاب بقدر ما أن حروفه هى ظلام العقل المغلق خلف أسواره.
فإذا سلمت نفسى لها فأنا أستأهل مقتك،
وإذا تركتها فقد تخليت عن بعض وسائلى إليك
فهل يمكن أن نستعمل الحروف دون أن نستسلم لها؟
وهل يمكن أن تضيء طريقنا إليك لا تقودنا فيه؟
وهل يمكن أن تستلهم إضاءتها من نورك لا أن تدعى اكتشافك بتأويها؟
هذا هو التحدى الذى إن لم أنجح فيه، فيا ويلى من مقتك،
ويا خوفى من حجابك.
يحيى
وقال لى إن عصيت النفس إلا من وجه لم تطعك من وجه
موقف المراتب صـ 87
أمارة بالسوء. وإن صلبتها مرارا وأنكرتها.
ولا زلت من حيث لا أدرى أربت عليها لكى تصحو. وإذا استيقظت أفزع من صحوها الشرس. إن طاوعتها فى وجه واحد سرعان ما تـخضعنى من كل وجه.
فضلك وحده يقيني. وخلاصى سبيلى إلى عصيان كامل عليها من كل وجه.
إيهاب
لا أعصيها من وجه، ولا تطيعنى من وجه.
أطوعها لأكونها، فلا تأمرنى بسوء، حيث لا يكون سوء.
وما أعصاه منها هو انفصالها عنى وعنك.
وما تطيعنى به هو أن تكون وجها لي، وليس بديلا عني.
أنكروا الوجوه إلا وجه الحرف،
وكل وجوه وجودى تبتغى وجهك،
وهى لا تنضم واحدة إلا فى رحابك: لحظة مرعبة رائعة،
ثم تتعدد حتى ما لا أعرف. لتضمها رحمتك،
وهكذا إلى ما بعد المدي.
يحيى
وقال لى صاحب العلم إذا رأى صاحب المعرفة
آمن ببداياته وكفر بنهاياته.
وصاحب المعرفة إذا رأى من رآني: كفر ببداياته ونهاياته
وصاحب الرؤية يؤمن ببداية كل شيء ويؤمن بنهاية كل شيء
فلا سترة عنده ولا كـفران عنده.
موقف المراتب صـ 88
أرقص عند سقوط الأستار.
أهتف عند نهاية كل شيء
أتجاسر وراء الكفـران
أنا صاحب العلم وصاحب المعرفة
صاحب الرؤية وصاحب الكفران هو أنا، وصاحب من وراء الأستار.
إيهاب
فهى درجات، يحوى بعضها بعضا.
غاية ما أملك هو البدايات، ثم مواصلة السعي، ثم البدايات..،
أطمعتنى ألا أترك العلم شريطة ألا أحسم النهاية،
وألا أغتر بالمعرفة فقد تهدينى إلى الرؤية،
وألا أطمئن لرؤية الشيء دون كل شيء.
فإن سترت عنى شيئا الآن فذلك لكى لا أنخدع بالرؤية قبل الرؤية.
وحين أتصور وصولى للرؤية التى هى بداية ونهاية، فلا سبيل إلى سترة ولا كفران، لكننى أرعب من أن تحدث، وأنا لم أستعد بعد لها،
ما دمت أنا أنا، لست أنت.
يحيى
وقال لى العلم عمود لا يقله إلا المعرفة
والمعرفة عمود لا يقله إلا المشاهدة.
وقال لى أول المشاهدة :نفى الخاطر
وآخرها:نفى المعرفة
موقف المراتب صـ 88
العلم قائم على تحليل المعارف،
والمعارف على التعبير عن الرؤي،
والعلم يصارع المعرفة التى قام عليها لينفيها وهى تصارعه لكى تبقى عليه حيا.
إيهاب
نبدأ من شهادة لا إله إلا الله :
هى باب المعرفة، لكن لا بد من الدخول إلى المعرفة، دون الاكتفاء بالمشاهدة، حتى نشترك فيها معا إليه.
نعرف أنك هو، فلا يصدقنا المساكين أهل العلم وأهل الحرف،
فنجد أنفسنا نقولها لهم بلغاتهم اضطرارا،
فيحسبون أنها علم قد أدى إلى معرفة إلى مشاهدة،
وما هى إلا مشاهدة، ألزمت بالمعرفة، فاستعمت العلم.
المشاهدة تريد أن تعلن فلزمت المعرفة،
والمعرفة تريد أن تقال فلبست حرف العلم، احتراما لعجزهم، وأملا فى هدايتهم ماداموا لا يرون ما وراء نفى الخاطر ونفى المعرفة،
أما أول المشاهدة فهو آخرها لأنه ليس لها آخر.
ونفى الخاطر ونفى المعرفة ليس تخلصا منهما، وإنما هى إحاطة بهما، ولوغابا.
يحيى
أوقفنى فى السكينة وقال لى هى الوجد بي،
أثبت ما أثبت ومعا ما معا
موقف السكينة صـ 87
الوجد بك يثبت حضورك، وحضورك يثبت السكينة.
الوجد بك يمحو الزائلات. يثبت السكينة.
يثبت دفق الفرح المتفجر. والفرح المتفجر يثبت السكينة. ويمحو ما يمحو.
إيهاب
أنا أرعب من السكينة الساكنة المطمئنــة التى يسوقونها بلا مجاهدة،
لا بد أن سكينة الوجد بك هى غاية الحركة فى دوائرك معا،
هذه سكينة دوارة فى فلك منتظم،
فتختفى الحركة وكأنها الثبات، وما هى بثبات،
ونختفى معا فى واحد، وكأننا لسنا معا فى واحد،
إن كان ذلك كذلك، فأهلا بسكينة الوجد بك دون سواها.
يحيى
وقال لى السكينة أن تدخل إلى من الباب الذى جاءك منه تعرفي
وقال لى فتحت لكل عارف محق بابا إلى فلا أغلقه دونه
فمنه يدخل ومنه يخرج
وهو سكينته التى لا تفارقه
موقف السكينة صـ 88
جعلت أمامك بابا مفتوحا لا يقدر أحد أن يغلقه.
أنا هو الباب، تدخل وتخرج وتجد مرعي.
أدخل أقتنص سكينة وأخرج وهى معي.
ما وراء الحجاب يبقى حتى يفنى الحجاب، يبقى فى زخم السوي.
يبقى سكينة حاضرة قريبة عند احتدام الظلمة والغبار والضوضاء.
وصلصلة الآلات الصماء.
السكينة وراء الباب وراء الحجاب قائمة تمنح نفسها لسائليك وتمنع نفسها عن سائليها.
إيهاب
حين ينضبط إيقاعى مع دوائرك، أرضى بموقعى فى اللحن الكلي،
هذا هو الباب الذى عرفتك منه.
فلو عرف كل عازف آلته، وأنها بابه، لما أغلق بابه أبدا،
ولو أتقن كل واحد آلته فى رحابك لظل اللحن هو أنت، ونحن منه إليك به.
هذه هى السكينة الأخرى التى هى ليست سكونا، بل ضده.
يحيى
وقال لى أصحاب الأبواب هم أصحاب المعارف
هم الذين يدخلونها بعلم منها
ويخرجون منها بعلم مني.
موقف السكينة صـ 88
علم الأبواب نعمة منك نتركها عند مدخل الحجال.
والعلم عنك نعمة نأخذها ونحن خارجين.
نمسك بالعلم ونرخيه وإلا أمسك بنا وخدعنا
وقتلنا أو قتلنا به أنفسنا.
نمسك بك ولا نرخيك لأنك أنت أنت.
إيهاب
….فالباب الباب هو آلة العزف فى اللحن الكلي، نتعلم القراءة والكتابة، والنحت والشعر، والعلم، وكأننا نريد القراءة والكتابة والنحت والشعر والعلم، نريدها لها، لنا، فتخرجنا منها إذ نبتعد بها عنك،
ولا سبيل إلا أن ندخل بها إليك، فلا نخرج منها إلا إليك.
يحيى
وقال لى إذا قصدت إلى الباب فاطرح السوى من ورائك، فإذا بلغت إليه فالق السكينة من ورائه وادخل إلى لا بعلم فتجهل ولا بجهل فتخرج.
موقف السكينة صـ 89
إن بقيت مع السوى لم أبلغ إليك. ولم تبلغنى السكينة،
وإن بقيت مع السكينة لم أبلغ إليك وفارقتنى السكينة،
وإن بقيت مع العلم لم أبلغ إليك ويفوتنى الجهل.
وإن بقيت مع الجهل لم أبلغ إليك ويفوتنى العلم.
إن قصدت إليك أبلغ السكينة والجهل والعلم وأجدك.
إيهاب
مازلت تصالحنى على السكينة ضد السكون، السكينة من وراء الباب، السكينة اكتمال اللحن بتضفر الآلات أبوابا إلى الواحد الجامع معا.
أما أن تكون آلة العلم هى دون غيرها، فهو الجهل.
وأما أن تكون آلة الجهل هى ضد العلم، فلا مكان لذلك إلا خارج اللحن.
فهى السكينة التى لا يمكن من خلالها فصل الجزء عن الكل،
أو الآلة عن العازف.
يحيى
وقال لى إذا قصدت إلى لقيك العلم فألقه إلى الحرف فهو فيه
فإذا ألقيته جاءك الذكر فألقه إلى المعرفة فهو فيها،
فإذا ألقيتها جاءك الحمد فألقه إلى الذكر فهو فيه
فإذا ألقيته جاءك الحرف كله فألقه إلى الأسماء فهو فيها،
فإذا ألقيته جاءتك الأسماء فألقها إلى الاسم فهى فيه
فإذا ألقيتها جاءك الاسم فألقه إلى الذات فهو لها
فإذا ألقيتها جاءك الإلقاء فألقه إلى الرؤية فهو من حكمها.
موقف السكينة صـ 89
أوقفنى بين يديه وقال لى اجعل الحرف وراءك
وإلا ما تفلح وأخذك إليه.
وقال لى الحرف حجاب وكلية الحرف حجاب وفرعية الحرف حجاب.
وفال لى لا يعرفنى الحرف ولا ما فى الحرف
ولا ما من الحرف ولا ما يدل عليه الحرف.
وقال لى المعنى الذى يخبر به الحرف حرف
والطريق الذى يهدى إليه حرف.
موقف بين يديه صـ 90
فرعية الحرف سجن أضيق من كليته وكليته سجن أضيق من طريقه..
الحرف حجاب لابد من شقه للدخول للأقداس وطريق الأقداس بعد الحجاب ويفنى وجه الحجاب
إيهاب
كل هذه الحواجز ليست حواجز، هى دوائر يحوى بعضها بعضها، تصالحنى فى اللحن الدوائرى الأعظم على كل الدوائر الأصغر فالأصغر، العلم فى الحرف، والذكر فى المعرفة، والمعرفة فى الحمد، والحمد فى الذكر الأكبر، والذكر يدور بالأسماء مع الأسماء فيها ليكون الاسم الذى هو فى الذات، فلا أحد من كل هذا يحل محل أحد، وإنما هو يدور معه ليحتويه،
ولا أحد يجرؤ أن يحل محلك كما تخدعهم الحروف والعلوم والمعارف والذكر.
إذا انفصل الحرف عن دائرته الصغيرة وأوهمنا أنه أكبر من الحرف، ضعنا فيه بعيدا عنك.
ولا مفر من الحرف ولا غنى عنه شريطة ألا يستقل بذاته.
فلو أن الحرف ظل حرفا لما خرج منه إلا حرف وحرف وحرف،وحروف كثيرة مزدحمة، لكنها لا تصنع “كلمة” أبدا.
أما لو ذاب الحرف فى سكينة اللحن وزخم الدوائر:
فهو الحرف الذى لم يعد حرفا.
يحيى
وقال لى تعرفى إليك بعبارة توطئة لتعرفى إليك بلا عبارة.
وقال لى إذا تعرفت إليك بلا عبارة خاطبك الحجر والمدر.
موقف بين يديه صــ 91
وقال لى إن سكنت إلى العبارة نمت وإن نمت مت
فلا بحياة ظفرت ولا على عبارة حصلت.
وقال لى الأفكار فى الحرف
والخواطر فى الأفكار
وذكرى الخالص من وراء الحرف والأفكار
واسمى من وراء الذكر.
موقف بين يديه صــ 91
العبارة توطئة لتعرف بلا عبارة
والنوم توطئة للموت
الموت فقدان العبارة،
وتعرف بلا عبارة حياة من بين الأموات.
وإن سكت أصحاب العبارة نطقت
وهتفت المدر والحجارة.
إيهاب
الخوف الرعب الضياع أن نستغنى عن العبارة قبــل أن نعرف الطريق إليك بلا عبارة.
رحمتك هى التى جعلت العبارة وسيلة بينى وبينك فلا تحرمنى منها ولا تغننى عنها،
الرعب لو أوقفتنى عندها أو توقفت أنا غرورا، اكتفاء بها وتمنطقا بحرفها.
أخاطب الحجر والمدر بلا عبارة، بل بعبارة ليست عبارة.
فهى العبارة الوصل إليك لا البديل عنك.
وهى العبارة الجزء من كلك وليست المستغنية بها عن ما تشير إليه،
ولا سكون إلى عبارة إلا إذا أغلقت أبوابها دونك،
حتى لو كانت تقول عنك.
يحيى
وقال لى اخرج من العلم الذى ضده الجهل،
ولا تخرج من الجهل الذى ضده العلم : تجدني،
وقال لى اخرج من المعرفة التى ضدها النكرة،
تعرف فتستقر فيما تعرف فتثبت فيما تستقر
فتشهد فيما تثبت
فتتمكن فيما تشهد.
العلم الذى ضده الجهل علم الحرف
والجهل الذى ضده العلم جهل الحرف
فاخرج من الحرف تعلم علما لا ضد له وهو الربانى
وتجهل جهلا لا ضد له وهو اليقين الحقيقي.
موقف بين يديه صــ 91
والعلم الصوفى أيضا مثله مثل علم الحرف. طقوس العلم كطقوس الدروشة حجاب.
واليقين بالجهل توطئة للعلم. العلم الذى ما فيه جهل، ما فيه علم..
إيهاب
إذا لم يكن الجهل هو ضد العلم فما هو ضده؟
وإذا لم يكن العلم ضده الجهل فما هو ضده؟
عالم الأضداد المتقابلة يختزل الحقيقة،
وعالم الأضداد المتداخله يتسع بها إليها.
تعلمنى أن الجهل الذى ضده العلم أقرب إليك من العلم الذى ضده الجهل
الجهل الذى ضده العلم أفـقـه متسع لأنه جهل،
فهو الظلام الواعد بالنور القادم، والقابل لكل الأضواء،
فما بالك بالنور الأعظم؟
أما العلم الذى ضده الجهل فهو ينفى وينكر ويحتكر
ما زلت أخاف الاستقرار حتى فيما أعرف،
كما أخاف الثبات حتى فيما أستقر فيه،
لكننى أطمئن إلى استقرار لا سكون فيه بل سكينة مليئة بالتناغم يذيبها فى الكل ولا تختفى فيه.
أحاول أن أخرج من المعرفة التى ضدها النكرة لكننى أتمسك بحقى فى أن أستعملها دون أن أسكن فيها أو إليها.
أخرج من الحرف معه وبه، لا أستغنى عنه،
العلم الذى لا ضد له، يحتوى الجهل الدافع إلى مزيد من الكشف بالعلم وبالجهل وبالصبر وبالمشاهدة، وكرمك إذ نسبته إليك (العلم الرباني) هو خير ما يـطمئن المرعوب من غموضه وخصوصيته.
والجهل الذى لا ضد له هو الحركة المستمرة إلى يقين واعد بلا هزة فى حقيقة وجوده مهما تأخر ظهوره.
يحيى
وقال لى إذا علمت علما لا ضد له وجهلت جهلا لا ضد له:
فلست من الأرض ولا من السماء.
وقال لى أعمال أهل الأرض الحرص والغفلة.
فالحرص تعبدهم لنفوسهم
والغفلة سكونهم إلى نفوسهم
وقال لى أعمال أهل السماء الذكر والتعظيم.
فالذكر تعبدهم لربهم
والتعظيم سكونهم إلى ربهم.
موقف بين يديه صــ 91، صــ 92
أعمال أهل الأرض الطمع والبخل، أعمالهم الثقة فى أنفسهم وعدم الشك فيها.
وأعمال أهل السماء الدروشة والسكون.
والدروشة الثقة فى فعل العبادة والسكون الثقة فى فعل التعظيم. فلا تجعلنى من أهل الأرض ولا من أهل السماء.
احفظنى مترددا بين الأرض والسماء، حتى أخلص من الحرص والغفلة ومن الدروشة والسكون. احفظنى بين الأرض والسماء حتى أدرك الجهل الذى فيه العلم والعلم الذى فيه الجهل. اليقين الذى فيه الحيرة. واليقين.
إيهاب
عالمنا يا مولانا اليوم لا يريد، لا يستطيع.
لكن علوم الطبيعة والرياضة والشواش والفلسفة تقول إننا يمكن أن نحافظ على أملنا أن نريد، وأن نستطيع.
العلم ليس ضد الجهل
والجهل ليس ضد العلم
العلم الذى لا ضد له: هو العلم الذى كلما علمنا منه حرفا فتح علينا آفاق الحروف الأخرى التى ليس لها آخر، فازدادنا جهلا رائعا،
فأين الضد؟
والجهل الذى لا ضد له: هو الجهل الذى يحفزنا إلى دوام السعي، وأن لا نسكن إلى الحرف المدعى احتكار العلم، بل نبدأ منه فنزداد علما به وعبره،
فأين الجهل؟
لا أعرف الحد الفاصل بين الأرض والسماء
أعرف الأعمال الدنيا التى تواصل الحرص تحت عمى الغفلة،
وأعرف الأعمال الربانية التى تواصل الذكر والتعظيم لتشارك فى اللحن الأعظم الذى نصفه بالسكون لشدة تناسقه لا لتوقف حركته.
عذرا إن أخطأت، فهذا غاية ما يمكننى الآن.
يحيى
وقال لى العبادة حجاب دار، وأنا من ورائه محتجب بوصف العزة، والتعظيم حجاب أدنى أنا من ورائه محتجب بوصف الغني.
وقال لى إذا جزت الحرف وقفت فى الرؤية،
وقال لى لن تقف فى الرؤية حتى ترى حجابى رؤية، ورؤيتى حجابا.
موقف بين يديه صــ 92
والحرص حجاب يخفى عدوك. الغفلة حجاب يستتر ورائه الشيطان.
أهل الأرض واقفون بحجاب الشيطان
أهل السماء واقفون بحجاب الرحمن.
كل حجاب مخلوق لنمزقه ونرى من ورائه.
والرؤية فور حدوثها تتحول حجابا آخر.
حجاب موضوع لينتهك. ليغوى برؤية أوضح
وأنت فى القدس وراء الأحجبة.
إيهاب
حين تحتجب وراء العبارة، ووراء وصف العزة والتعظيم، أطمئن إلى رحمتك بعجزي، فما أرعب منه هو أن يرفع الحجاب وأنا لم أستعد له، فأهرب منه ومما وراءه وأنكرك.
أحافظ على الحجاب احتراما لعجزى ووثوقا بما وراءه.
لا أجاوز الحرف حتى لا أقف فى الرؤية، حتى لو طمأنتنى بأن رؤيتك حجاب، وحجابك رؤية، فالحرف والعبارة هما وسيلتى لأطمئن أننى فى طريقى إليك.
هذه هى رؤيتى التى تطمئننى إلى حجابي،
رحمة منك ومني.
يحيى
وقال لى لن تلقى فى موتك إلا مالقيته فى حيوتك.
وقال لى اعرض نفسك على لقائى كل يوم مرة أو مرتين،
وألق ما بدا كله والقنى وحدك.
كذا أعلمك كيف تتأهب للقاء الحق.
موقف بين يديه صــ 92
الحياة الأبدية أن يعرفوك. من يعرفك الآن، يعرفك أبدا.
ومن لم يعرفك، لم يعرفك.
وأقم الصلاة، الصلاة أن أعرض نفسى للقائك.
كل يوم مرة أو مرتين،
الصلاة عبارة لمعرفتك. ومعرفتك عبارة لرؤيتك،
ورؤيتك عبارة لما وراء الحجاب،
وما وراء الحجاب يحفظ الليل والنهار.
إيهاب
يختفى الحد الفاصل بين الموت والحياة إذا نحن عرفنا ما هو الموت وما هى الحياة،
ومن رأى ذلك لا يؤجل ولا ينخدع،
فكيما نحن: كيفما نكون : كيفما نصير،
وحين لا أفصل الموت عن الحياة لا أملك إلا أن أحاول أن أتعرف على الزمن وعلى فى حضرتك،
لقاؤك صعب، أما أن أعرض نفسى عليه فهو غاية ما أملك،
لعلك تتقبلنى فتعد بلقائي، لأعاود عرض نفسي.
إذا حاولت لقاء ما بدا كله، وعدنى كل ما بدا بلقائك.
وإذا أنا لقيتك وحدى فليس إلا لأنك معى نحوهم،
وليس لأنى معك بدونهم.
ولقاء الحق هو الهول الأكبر،
أتعلمه نعم، ولكننى لا أتعجله ولا أغامر بالقفز إليه.
أما صديقى الذى يتحدث فى هذا الموقف عن الأبدية، فهو إما أنه يتحدث عن اللحظة المتجددة فلا أخالفه، وإما أنه يتحدث عن خلود ليس هو أملى ولا فى متناولى مجرد تصوره،
يحيى
وقال لى احفظ نهارك أحفظ ليلك،
احفظ قلبك أحفظ همـك،
احفظ علمك، أحفظ عزمك
موقف بين يديه صـ 93
أحفظ ما أري، تحفظ ما لا أري،
أحفظ ما أنوي، تحفظ ما يطرأ،
أحفظ ما أفكر فيه، فتحفظ ما أقوى على صنعه.
إيهاب
رحمتك ألا تكلفنى إلا وسعي.
فنهاري، وقلبى وعلمى فى متناولي، لا أحفظهم فقط، بل قد أحافظ عليهم، حتى لو لم يكونوا هم، حتى لو حجبونى ـ بغفلتى ـ عنك،
أما ليلي، وهمي، وعزمي، فهم فى رحابة ما لا أدركه بنهارى وعلمى وقلبي،
فمن يحفظهم غيرك؟
حفظى ما أستطيع هو قربانى إليك حتى تحفظنى مما لا أعرف كيف أحفظه،
إنك لا تخلف الميعاد.
يحيى
وقال لى اعرض نفسك على أدبار الصلوات
موقف بين يديه صــ 93
أنسى دائما أن أفعل هذا.
أعرض نفسى عليك ومعى الفرحة
أعرض نفسى عليك ومعى العزم
أعرض نفسى عليك ومعى الهم الجديد
إيهاب
أخاف أن أفعل ما توصينى به هذا.
ولماذا أدبار الصلوات بالذات،؟
تريدنى أن أعرف هل كنت معى فى صلاتى أم كان غيرك؟
أخاف أن أكتشف المسافة، أو إن كنت مختبئا فى الحرف، أو أنى اكتفيت بالعبارة، فلا أعرض نفسي.
أخاف مني،
أخاف أن أكشف صلاتى لي،
لكنها حتى لو كانت ماذا بالذي، فهى طريقى إليك،
مرة تحضرنى فيها، ومرات أنتظر عفوك.
تأخذ بيدى فتذكرنى أنك تحيط بى أكثر فى أدبار الصلوات، فتشجعنى أن أغامر لعلى ظلمت نفسي.
فهل أفعل؟
يحيى
وقال لى أتدرى كيف تلقانى وحدك،
أن ترى هدايتى لك بفضلي، لا أن ترى عملك،
وأن ترى عفوى لا أن ترى علمك.
موقف بين يديه صــ93
بالنعمة الخلاص، بالرحمة دخول الأقداس وأما من لا يعمل ولكن يؤمن بالذى يبرر الفاجر فإيمانه يحسب له برا.
إيهاب
عملى وعلمى هما غاية ما عندي، لكنهم ليسا غاية ما أريد منك إليك، وهدايتك
وهدايتك لى هى من خلال صدق محاولتي، وليست شرط مزاولتي، وأنا لن أكف عن العمل والعلم، ولن أتوقف عندهما، طالما أنت راض عني، فأنا راض عنك.
لا أرى عملى عملا، ولا علمى علما، وإنما أرانى مجتهدا بهما إليك،
هذا غاية ما يمكننى بفضلك.
يحيى
وقال لى اعلم واجتهد واعمل واجتهد، واجتهد واجتهد،
فإذا فرغت فألقه فى الماء
آخذه بيدى وأثمره ببركتى وأزيد فيه كرمي
موقف بين يديه صــ 94
اجتهادى فضلك، وعملى نعمتك وعلمى كشفك وعرقى ثمر تعبك، تراه فتفرح
فضلك وحدك لا شريك لك ولا أنا.
بفضلك أقف أمامك كما أنا.
وأنت كما أنت.
ليس كمثلك شيء
إيهاب
هذا هو،
عشت الموقف السابق قبل أن أنتقل إلى بركتك هنا فى هذا الموقف، فإذا بك تقول ما وصلني، فأطمئن إلى اجتهادي، فالاجتهاد هو غاية السعى وليس مقابل الوصول. ويقينى أنك ترى اجتهادى حتى لو أبعدنى عنك، فصدقـه تعرفه، ورحمتك تلحقنيى قبل أن أهلك غرورا بجهدي.
لا مقابل للجهد، ولا أمل لى إلا فى أن تبارك اجتهادي، فتزيدنى منه بكرمك.
كم يعرفك ناسى وهم ينصحوننا أن نعمل طيبا ثم نرميه فى البحر، ولم أكن متأكدا لمن نرميه فى البحر، فها أنت تطمئننى وناسى أننا نلقى به إليك. أنت صاحبه تباركه وتزيده أبدا.
يحيى
وقال لى أحسن إلى كل أحد، تنبه روحه على التعلق بي،
واحلم عن كل أحد، تنبه عقله على استفتاح أمرى ونهيي،
وقال لى إذا رأيت القاسية قلوبهم، فصف لهم رحمتي،
فإن أجابوك، وإلا فاذكر عظيم سطوتى
موقف بين يديه صــ 94
عملى ذكر رحمتك هو فضل منك.
فضل علي، وعلى سامعى ذكر الرحمة.
وذكر سطوتك هو فضل منك على وعلى سامعى ذكر سطوتك.
إحسانى وحلمى وتنبه العقـل وتنبه الروح والتعلق بك.
أجتهد فأحسن، أجتهد فأنبه، وأجتهد فأرحم، وأجتهد فأستفتح العقول وأجتهد فأرى القاسية قلوبهم وأذكر الرحمة فينتبهون أو أذكر السطوة فينتبهون هذا هو الوعظ الحق.
وكلامك هو بين جلدى وعظمى وبين نومى ويقظتي.
إيهاب
كنت أتصور أن القاسية قلوبهم لا يصل إليهم الإحسان، لا منى ولا منك، ما دام على قلوب أقفالها، لكننى حين وقفت بين يديك أحسن الإنصات، وجدت الإحسان لا يقتصر على من تلين قلوبهم لذكرك، بل لعل قساة القلوب أولى به حتى تنتبه أرواحم للتعلق بك، حتى لو صدونا غباء،
أو أنكرونا وأنكروك وأنكروا الإحسان غــفـلـة.
لا أستطيع أن أصف لهم رحمتك، وكل ما يمكن أن أستلهمك لأرحمهم، فيعرفون فضلك على إليهم.
ولا أستطيع أن أذكرهم بسطوتك، فأنا لا أخاف منها فكيف أخيفهم بها.
هذا غاية ما عندى فاغفر عجزي.
يحيى
وقال لى غلبت أنوار ذكرى على الذاكرين فأبصروا قدسي،
فكشف لهم قدسى عن عظمتي، فعرفوا حقي.
فأسفرت لهم عظمتى عن عيانى فخشعوا لعزي،
فأخبرهم عزى بقربى وبعدى فاستيقنوا قربي،
فأجهلهم بى قربى فرسخوا فى معرفتي.
موقف بين يديه صــ 95
الذاكرون تغلبهم أنوارك، تباغتهم، لا يفوزون بها بل تفوز هى بهم.
القدس يكشف عظمتك عيانا.
والعز يفرض الخشوع، الخشوع المصنوع ليس خشوعا. العزة وحدها مبعثه
استيقان قربك يثبت العطش لا يطفئه، يولد إدراك الجهل.
العطش يثبت الجهل، والجهل يرسخ المعرفة.
إيهاب
صعب هذا، فما العمل؟
أنوار ذكرك تحول دون أن نعيش نورك،
وما تكشف عنه ليس أنت وإنما هو علامة إليك،
وبعدك هو قربك،
ومن استبق قربك، استعجل واستسهل زعم معرفتك فلم يعرفك،
وإنما يعرفك من يذكرك ليحافظ على السعي، لا يضيع فى أنوار الذكر، وهو من يبصر قدسك وعظمتك وعزك، فلا تلهه صفاتك عن وجهك الواعد البعيد الداعى لمحاولة الاقتراب أبدا.
هذا الصعب لا يسهله إلا يقين المحاولة واستمرارها.
فأعنا على كل ذلك،
وأعنا مرة أخري، ومرات كثيرة.
يحيى
وقال لى أنا المهيمن فلا تخفى على خافية.
وأنا العليم فكل خافية عندى بادية.
وقال لى أنا الحكيم فكل بادية جارية.
وأنا المحيط فكل جارية آتية.
موقف بين يديه صــ 95
أوقفنى فى قلوب العارفين وقال لى قل للعارفين:
إن رجعتم تسألونى عن معرفتى فما عرفتموني،
وإن رميتم القرار على ما عرفتم فما أنتم في.
موقف قلوب العارفين صــ 97
معرفتك تنزع القرار باضطراب الشوق ثانية.
عدوك يغوينى بالرضا عما عرفته منك والقرار فيه.
القلق علامة معرفتك الدائمة.
إيهاب
كل خافية بادية، وكل بادية جارية، وكل جارية آتية،
فلم التردد، ولم التوقف، ولم الكذب.
إلا أن الخافية البادية الجارية الآتية ليست تسليما نتفرج عليه، لكن كل ذلك تنبيه أن نشارك حتى لا نكتفى بما يبدو عما يجري، فتحيط بنا الغفلة من كل جانب وكأنها المحيط البديل عن المحيط الجارى بما هو.
لا نسأل عن معرفتك لكن تتنامى احتمالات معرفتك من السعى إلى معرفتك، هذا هو غاية ما نملك، لا أرجع أسألك، ولكن أتقدم أبحث فيك، عنك، بي، فأين القرار إلى الاستقرار الذى لا يوقف المحاولة إليك؟، وكأن للطريق نهاية!!
يحيى
وقال لى قل لقلوب العارفين:
من أكل فى المعرفة ونام فى المعرفة ثبت فيما عرف.
موقف قلوب العارفين صــ 99
أنام وأنا بعد معك
من يأكل فلك يأكل ويشكر
ومن لا يأكل فلك لا يأكل ويشكر
إيهاب
من ثبت فيما عرف راح منه ما عرف إن كان قد عرف،
ولا يثبت فى المعارف إلا من نام فيها وأكل فيها (لاأكل منها)
المعرفة يقظة متجددة، والنوم فيها غفلة ظالمة مظلمة،
فكيف أقول لقلوب العارفين مالا يكونون عارفين إلا بمعرفته؟
أقول لك إن رحمتك بهم هو أن تعينهم عليهم،
أما أنا فعجزى هو عذري، وهو دفعي، وهو قوتي. سامحني.
يحيى
وقال لى سبح الأبد، وهو وصف من أوصافى فخلقت من تسبيحه الليل والنهار وجعلتهما سترين ممدودين على الأبصار والأفكار وعلى الأفئدة والأسرار
وقال لى الليل والنهار ستران ممدودان على جميع من خلقت،
وقد اصطفيتك فرفعت السترين لتراني،
وقد رأيتنى فقف فى مقامك بين يدي،
قف فى رؤيتى وإلا اختطفك كل كون.
موقف عهده صــ103
سبح الأبد. سبح فقط، ذكر جمالك ومدح.
فخرج من بطن الأبد دوران عجلة الزمن.
الأبد وصف من أوصافك وخروج الليل والنهار ظل من ظلال الأبد.
أنت وراءه واخترتنى لأقف وراء الليل والنهار ولأقف فى حضرة الأبدية فى ظل جناحيك.
إيهاب
لست حمل اصطفائك، فأعد لى السترين فأنا أدور بهما إليك، ترحمنى دوراتهما بى من أن أقف فى مقامك أتوهم رؤيتك ولا أراك، أو لا أتيقن أنى أراك، لا يختطفنى كل كون إذا ضبطت إيقاع دوراتى فى نغم كونك مستورا بالليل مواكبا النهار، أميل مع الشمس وضحاها وأناجى القمر إذا تلاها، فيحتد بصرى إليك دون أن أراك فلا تضعنى فى تجربة، فأنا أحتاج سترك بقدر شوقى إلى رؤيتك.
يحيى
وقال لى مقام الولى بينى وبين كل شيء فليس بينى وبينه حجاب.
وقال لى سميت وليى وليا لأن قلبه يلينى دون كل شيء
فهو بيتى الذى فيه أتكلم.
وقال لى إما أن تدعونى فآتيك، وإما أن أدعوك فتأتيني.
موقف أدب الأولياء صــ 105
صديقك
وأدب الصداقة أن يناديك وإن لم ينادك ناديته وإن تأخر نداؤك ناداك.
صديقك
وأدب الصداقة أن يكون قلبه بيتك
وقلبك بيته
صديقك
وأدب الصداقة أن كل الأشياء تلى الصديق وهو معك وأنت معه.
معك وأنت معي.
إيهاب
لا أطمع فى مقام بينك وبين كل شيء، ولا حتى أنا أثق فى ولى يقف بينى وبينك لأنى أكون منك ومنه أى شيء، فما العمل؟
لا أتصور أن أكون بيتك الذى فيه تتكلم،
أذوب فى نورك ولا أنطق،
ولا أتصور وليا يمكن أن ينوب عن مخاطبتى إياك،
لكن ما دمت قلت فهو ما قلت.
صاحبى جعل الولى صديقا له آداب تجعله أهلا لصداقتك،
ليكن، أما أنا، فماذا أملك إزاء عجزى إلا أن أستغفرك وأستلهم عفوك، وأحذر حتى أولاياءك إن قاموا، أو أقاموا ساترا بينى وبينك؟
أخطئ فى حضرتك لثقتى برحمتك،
أنتزع موقفى بين يديك، فيتساوى عندى أن أدعوك أو تدعوني،
أنا لا يلزمنى وليا إليك،
ولا أن أكون وليا لهم إليك.
يحيى