تقاطعات مع نص قديم
أحمد الفار
الابن
ـ1ـ
لا يعرف الناس كيف يواسون من يشعر بالوحدة، ولا تسعفهم إنسانيتهم ليقتربوا من ذلك الجالس وحيدا، حتى لو صرخ.. يا بشر أحبكم. أيها الناس لست مجذوما اقتربوا.. لسخروا منه ولأمعنوا فى التجاهل. قال ذلك لى أبى قبل أن تكتمل غيبته، ثم ربت على كتفي، وقال حينها لا تبتئس وادخر لنفسك بعض الدمع لعلك تحتاجه كى تواسى به مجذوما آخر..
ـ2ـ
قلت لابى رأيتنى واقفا على باب بستان، وكانت فى السماء نجمة لامعة فإذا بها تهوى على قدمي.. فابتسم وقال وحدك يأتى إليك المشردون والمشوهون والمرضى واليتامى واللواتى فقدن أطفالهن والفقراء، يلقون عند قدميك خبز يومهم وزيتونهم. علك تمنحم أغنيه أو نبوءة.. ثم تجهم ونظر إلى وتلمس وجهى ووجهه وقال سوف تسيل دماء كثيرة.. دماء كثيرة هل تراها. ها هي، كان يمر بيده على أعضائى ولم أكن أفهم.. كان يشير إلى وجهه ولم أر غير قنوات حفرتها دموعه.
ـ3ـ
كنت أسمع إخوتى الكبار يسخرون منه، يقولون فقد الرجل عقله. منذ ماتت زوجته يحدث فى الليل نفسه، وكنت أكره ذلك منهم، فقد كنت الوحيد الذى يهش له حين يقترب منه ويحمله على فخذيه ويحدثه، لكنه فجأة يقطع حديثه ويقول هذا يتيمك الصغير لمن تركتيه، ويصمت بعدها لا يزيد حتى أشعر بالملل وأتركه إلى اللعب..
ـ4ـ
قال لى الصق أذنك بالارض ولتسمع صوت النمل فى أنفاقه. صوت الجذور تخترق الأرض. قطرات الندى تتخلل التربة. فعلت ولم أسمع شيئا. لكننى ثابرت حتى سمعت صوت النمل وصوت الجذور وصوت الندى وصوت الأرض. حدثتنى فكان صوتها مثل الموسيقى تتصادى معي، فمثلما يتصاعد اللحن ويسيل حين تخضر الأشجار وتبرد مياه النبع، أنتشى وتجيش روحي، وحين تنتفض ويتحرك الإيقاع عندما يسقط المطر أثور وأتحرك، وكما يتباطأ اللحن عندما تسقط أوراق الشجر . . أشيخ.
ـ5ـ
ذات ليلة طرقت الباب عليه ودخلت تهلل وجهه وانفجر بالبكاء. جريت عليه لكنه لم يهش لى كما اعتاد بل حتى لم ينظر الي. إنما رحب بشخص لم أره وقال .. أوحشتنى كثيرا. كنت أعرف أنك آتيه.. اقتربت منه وهززت يده لكنه لم يلتفت إلى وظل يرحب بذلك المجهول ويحدثه.. ناديت عليه حتى تعبت ونمت عند قدميه وعندما استيقظت فى الصباح كان مازال يحدث ـ وحيدا ـ ذلك الغائب، غير المرئي، الصاد…
بعدها اكتمل غيابه فلم يعد يحدث أحدا أو يرد نداء، بل انهمك فى حوارات طويلة مع ذلك الغائب يتخللها ـ لأول مرة منذ زمن طويل ـ بعض الضحك..
ـ6ـ
كنت أذهب إلى مهبط القوافل، لا أبيع ولا أشتري، بل أنتظر حداة الإبل أجلس معهم وأسألهم عن مراحل السفر وعن بلادهم، ماذا يرتدى الناس، وكيف تبدو منازلهم وقصور حكامهم. حكايا الجدات لأطفالهم قبل النوم. ماذا يقولون لزوجاتهم قبل العناق. ما يأكلون ويزرعون، وأين تقع بلادهم. على شاطيء أى بحر أو فوق أى جبل أو فى مهبط أى واد..
ـ7ـ
وكان يصطحب إحدى القوافل شيخ يعظمونه ويستهدونه. حملت إليه ذهبى كى أسمع منه، فأشاح عني، زدته فأبي، فكنت أقف جانبه صامتا منتظرا كلمة أو إشارة حتى كان يوم أشار إلى أن أتبعه حتى ابتعدنا عن العيون فأخذ كل ذهبى ودفنه فى الأرض ثم أوقفني. كانت الشمس حارقة، لكن فاض فأظلنى وأغرقني.. علمنى ما لم يعلمنى إياه أبي، ولا أخبرنى به حداة القوافل ولا أسرت به إلى الأرض. قال لى لماذا تبدو كل الأمهات حزاني، ولماذا نحب الأطفال ولماذا حين يموت صديق نشعر بالحزن.. وأى سحر يكمن تحت أثواب النساء، ولماذا نفقد فى حضرتهن تماسكنا. ولم كان الفراق محتما.. ثم تركنى وغاب لم يأت بعدها أبدا..
ـ 8 ـ
قال لى ساعتها ليس لك إلاك.. أنت واحدك. فاستمسك بنفسك وتوثق. وحدك من يهبك الفرح..
ـ9ـ
رحمك الله يا أبي، هديتنى إلى غوايتى فسقطت. سقطت حتى عرفت ما لا يعرفه الآخرون. طارت روحى فى مدارج الفرح حتى اجتزت. أدركت حزنا لا يسمو إليه الناس، حتى أسقط فى يدي، فلا أنا هناك، ولا أنا هنا.. ولا الظلام كاف بصري، ولا النهار مؤذن بانقضاء ليلى الطويل..
الأب
ـ10ـ
كنت أعرف أنها لابد راحلة، وكنت لحد الموت أخاف ذلك. كنت أخاف الوحدة وكنت أخاف فقدانها. كنت قد جربت التوحد قبلها حتى اعتدته، وعندما بها اكتملت، ما عدت أطيقه. لكنها تركتنى وحدى وغابت. صرت وحيدا مثل صبارة فى مدى الصحراء الواسع تستقطر الروح بعض الماء حتى تستطيع الحياة..
ـ11ـ
كنت منذ الليلة الأولي. منذ ارتفعت إلى السماء صرخة نشوتها، وتوتر جسدها من الشهوة قوسا…كنت أدرك أنه جميلا سيكون.
ـ12ـ
غابت عنى طويلا، وكنت أناديها كثيرا. أستحلفها بى وبولدنا الصغير أن تبين لكنها لم تفعل، وكانت كلما أمعنت فى الغياب، أمعنت فى البكاء والتوسل، حتى كانت ليلة ـ تمجدت ـ طرقت ودخلت مجلوة مشرقة ناهضة وجلست. رحبت بها لكنها لم ترد، تجاهلتنى كثيرا لكنها فى النهاية لبت دعائي.. وعادت..
ـ13ـ
وكنت كلما أمطرت بقلبى غيمة رفعت بصري، فوجدتها تدفع فى السماء إلى السحاب المناويء وتستمطر الريح وقطرات الغيم..
ـ14ـ
مثلما غابوا.. وحيدى غاب.. فمن لى غير الدمع..
ـ15ـ
ملعونة يا نكته الحزن. إنها هناك، فى قلب الفرح العميق، وفى عمق شهقة الشبق الأولى وإنها آتيه.. هى الخطوة التالية أو التى تليها.. وهى الحادث القادم
ـ16ـ
يا لبؤسها حياة.. تعيش على بعض روحك حتى تجف منك الروح..
ـ17ـ
يالله كنت قريبا فنأيت.. مجيبا فصددت.. ألم يكف كل ذلك للتكفير عن ذنبى القديم.. لقد تركت كل شيء، لم أربح واسترضيت الجميع حتى عفوا.. أم أنك كنت كتبت فى البدء على الترحال والخسران..
الأنثي
ـ 18ـ
لم أملك مثل البنات الصغريات لعبة ولم أضفر شعرى وأهدهد دميتى وأحلم بطفل.. كانت دميتى منذ الصغر، حين دخلت بيت السيدة، جسدي. صار صديقى أسر إليه وألهو به ومعه.. فى طفولتنا تعلمنا الرقص، وعندما كبرنا قليلا، أطلعتنا السيدة على الأسرار.. لماذا فى وقت ما ينفر النهد، ويستدق الخصر، وينسال كأنما من رخام الفخذ، وكيف يهطل الماء الذهب، وكيف نعين الطبيعة على صنيعها.. وعلمتنا كيف بالحديث وبالرقص نشعل نار الرجال.. كيف نقودهم فى أدغال الشهوة حتى نوردهم نبعها الأقدس..
ـ 19ـ
كنت أعرف أنه تزوجني، ليشعل بى خشب شيخوخته الذى عطنه البلل ففسد.. كان يجعلنى أرقص له وألاعبه كل ليلة، ثم يتركنى . . ألعق مثل كلبة جرحى حتى النزف..
ـ20ـ
حين أتى به زوجى من السوق كان خجلا لم يرفع بصره إلي، ولم أضبطه يومها ولابعد ذلك يختلس مثل الباقين النظر…..
كنت أنا من تلصص عليه.. كان جسده جميلا فى عريه.. لم يكن مفتولا، لكنه كان متناسقا.. وكان بعض الزغب الأسود يزين بياض جسده.. اشتهيته، وصرت كل ليلة حين يتركنى الشيخ فى المنتصف، أكوره وأفتح بطنى وأغلقه عليه..
ـ21ـ
ليلتها لم أستطع الصبر.. ولم أقنع مثل كل ليلة أن أسكنه داخلي. تسللت إلى غرفته.. كان نائما يرتفع صدره وينخفض فى سكينه.. كنت أشتعل حين أفكر أنه هنا.. قريب مني، وأن جسده العارى يستكين تحت ثوبه الكتانى الأبيض.. مددت يدي. لم ألمسه لكننى مررت يدى على أعضائه كلها، من شعره الفاحم حتى إصبع قدمه.. كنت أشعر بحرارة جسده.. كان مائى يفور.. حين فتح عينيه. ورآني..