تطور الهوية الجنسية
رؤية من منظور الصحة والمرض
د. أسامة عرفة
ما سأقدمه فيما يلى هو عرض لبعض جوانب من عدد من الحالات تم اختيارها بذاتها لقناعتى أنها تصلح لبناء نسق افتراضى عن تصور لمسار نمو التركيب والتوجه الجنسي.
الحالة الأولى :(من تاريخ الطب النفسي/ التحليل النفسى): من مذكرات شريبر:
فى فترة الحضانة لنوبة مرضه الثانية حلم مرتين أو ثلاث مرات بأن اضطرابه العصبى قد عاوده وقد أشقاه ذلك فى الحلم بقدر ما أسعده عند اليقظة إذ تبين أن الأمر لم يكن غير حلم. هذا أنه ذات صباح بينما كان فى حالة بين النوم واليقظة خطرت له فكرة “بأنه فى نهاية الأمر لابد أن يكون جد جديد فى الواقع أن يكون إمرأة تعانى فعل الجماع”.. بعدها بفترة يصف لنا خلال فترة مرضه ضمن ما وصفه:
“كان يعتقد أنه منوط برسالة لتخليص العالم وليعيد إليه الفردوس المفقود ولكن ذلك ما كان ليستطيع أن يتحقق ما لم يتحول أولا من رجل إلى امرأة”.
إن أعصاب المريض قد اتخذت إن جاز القول طابع الأعصاب الأنثوية الشهوية وأسبغت على بدنه طابعا أنثويا إن كان كثيرا أو قليلا وبصفة خاصة أسبغت على جلده نعومة مميزة للجنس المؤنث فإذا ما ضغط بأصابعه ضغطا هينا على أى جزء من بدنه فإنه يستشعر هذه الأعصاب تحت سطح الجلد كنسيج من الخيوط أو الحبال الدقيقة، وهى توجد بصفة خاصة فى منطقة الصدر فى المكان الذى يستقر فيه الثديان عند المرأة:
”وبضغطى على هذا النسيج يكون بوسعى أن أستثير إحساسا باللذة الشهوية كهذا الذى تستشعره النساء وخاصة إذا ما فكرت فى شيء أنثوى فى الوقت نفسه”..
”لقد غدت عندى عادة شديدة التواتر; أن “أرسم” لبدنى ردفى امرأة – فليحلله العار من يسيء الظن فى ذلك – إلى حد أننى أفعل ذلك بشكل لا إرادى تقريبا كلما انحنيت للأمام”.
”وإن لدى من الجسارة ما يكفى لأن أؤكد بأن أى شخص يتفق له أن يرانى أمام المرآة وقد تعرى الجزء الأعلى من جزعي.. وخاصة إذا ما تعزز هذا الخداع بشيء من التزين النسائى من جانبي..
سوف يستولى عليه بالتأكيد الانطباع بأنه يرى صدر امرأة”
وهو يطالب بإجراء فحص طبى عليه كيما يثبت أن الأعصاب الشهوية تنتشر فى كل بدنه من رأسه إلى قدمه وتلك حالة لا توجد فى اعتقاده إلا فى البدن الأنثوى بينما لا توجد الأعصاب الشهوية عند المذكر على حد علمه إلا فى العضو التناسلى وفى المنطقة المحيطة به مباشرة
واللذة الشهوية التى تزايدت من جراء تراكم هذه الأعصاب فى بدنه هى من الشدة بحيث لا يحتاج الأمر إلا إلى جهد هين من خياله (وخاصة عندما يكون راقدا فى فراشه) كيما يتزود بإحساس من الراحة الشهوية يتيح له بدرجة كافية من التمييز (إرتشافة تذوق) للذة الجنسية التى تنعم بها المرأة فى الجماع.
الحالة الثانية:
(مقتطف من حالة اضطراب بارانوى تحت المزمن لامرأة تبلغ من العمر 32 عاما متزوجة ولها ولدان حاصلة على تعليم عال تعمل كمدرسة).
”اليوم ده كان بالليل كنت نائمة جنب جوزى فى السرير هو كان نايم وأنا كنت لسه ما نمتش لقيت نفسى بأسمع صوت:
هي: هو أنا بأسمع صوت هو حد معايا.
الصوت: أيوه ماحدش ها يسمعنا ويقول الذهول.. الذهول (يذكرها بمرحلة انهيار سابقة).
هي: إيه ده صوت الدكتور (…)
الصوت: لأ مش الدكتور (…) الذهول .. الذهول… مش ها أجيلك إلا إذا إفتكرتيني.
هي: أنت (…) مش عارفه أجيلك تعالى انت.
فى ثانيتها ركب جسمي.. ما كنتش مصدقة أى حاجة.. الكوفرته ارتفعت..
جسمى سخن… سبت الأوضة ورحت أوضة ثانية عشان أبقى على راحتى بقيت حاسة بضم إيده.. حاسة بنفسه.. أنا عارفه ان مافيش راجل دخل الأوضة لكن هو كان معايا يبقى لازم جه.
ما استمتعتش عمرى زى ما استمتعت اليوم ده ولم أحس بلذه وشبع زى ما حسيت اليوم ده.. سابنى رجعت الأوضة نمت نوم عميق.
فى الصبح لقيت نفسى مقسومة اثنين نصف جسمى راجل (النصف الشمال)، نصف جسمى ست. (النصف اليمين): حسيت عضلاتى منتفخة وقوية ومشدودة ووشى متجمد مش جسمى خالص… النصف الشمال ده راجل بالضبط وكل ما أمسك حاجة من حاجات جوزى الصوت يقولى ها أطلقك منه.. قعدت بعدها ثلاث أيام مقسومة الشربة الواحدة أحس إنها بتروح لاثنين، اثنين جسم.. اثنين بطن…
دخلت الحمام عشان استحمى بقيت حاسة أنى بأحمى واحد ثانى معايا موجود تحت جلدى لدرجة إنى عايزة أعمل إشاعة عشان أعرف إيه ده.
فى مرحلة انهيار سابقة عن هذه الحالة بحوالى عامين، فى نوبة ذهان حادة وصفت المريضة وكانت حاملا وقتها أنها انتابها إحساس بأنها نامت جنسيا مع كل رجال الأرض وأن حملها هذا نشأ عن ذلك.
الحالة الثالثة:
(مقتطف من حالة لشاب فى الثامنة والعشرين من عمره أعزب حاصل على مؤهل عال ويعمل محاسبا… ولكن هذه الحالة تمثل مشكلة تشخيصية حيث توقف المريض فى حالة بينية لم يتمادى فى المسار الفصامى كما لم يستكمل المسار فى اتجاه التحول الجنسى أو العصاب القهرى وبقى فى حالة مكافئة لاضطراب الشخصية).
- عدم إحساس بالرجولة حتى وقت متأخر.
- أمارس العادة السرية بطريقة غريبة خاصة بي… (بضغط العضو للخلف قليلا مع ضغطه بين الفخدين حيث لا يحدث القذف أو اللذه إلا فى هذا الوضع).
- لو حدث انتصاب كامل لا يحدث قذف أو لذة.
- مراكز اللذة فى الأعضاء التناسلية انتقلت بدل ما تكون فى القضيب أصبحت فى مؤخرة القضيب والخصيتين.
- صغر الأعضاء التناسلية والخصيتين (لم يثبت ذلك مع الفحص الطبي) أدى إلى إحساس بعدم القدرة على الزواج وممارسة الجنس مع النساء.
- أتمنى أن أتخلص من العضو الذكرى وأحيانا بيجى لى إحساس أن أكون ست عشان أرتاح أهو الواحد هايتجوز وخلاص.
وكان من الملاحظ فى هذه الحالة وجود أعراض اكتئابية وجسدنة بالإضافة إلى هلاوس شمية (لا ترقى لتشخيص الفصام!!) وأعراض تشبه الوسواس القهري.
الحالة الرابعة:
(مقتطف من حالة لرجل يبلغ من العمر 56 عاما يعمل طبيبا)
”أنا مرة من المرات قابلت زميلى ده ويومها كنت واخد حمام وعملت العادة السرية وأنا دائما بقالى فترة لم أمارس العادة السرية أحاول أتداعى يعنى زى ما بيقولوا أسيب نفسى كده فسبت نفسى وبصيت لقيت شعور داخلى من جنس ده وأنا صاحى مش نايم لزميلى ده غريب وسبت نفسى أحس بيه بالضبط كده ففوجئت إن أنا حسيت بجنس يملأ ثلث جسمى الشمال كله بما فيه كتفى ودراعى بس كانت حاجة صدقونى يعنى إن كانوا يحكوا عن جنس من غير Inhibition يعنى عاوز أقول حاجة.. الجنس ده اذا كنا بنحس بيه فى الجنة، النوع ده يبقى الجنة، دى جنة ما فيش كلمة قدرت توصفها لغاية النهاردة وسبت روحى على الآخر ما همنيش إن أنا مع راجل، راجل فوقيه راجل جنبى بأبوس فيه ما همنيش.. السعادة كانت أن أنا حسيت إحساس لا عمرى حسيته وصدقونى لما أقول ليوم لما أموت مش هاحسه”.
الحالة الخامسة:
(مقتطف من حالة لرجل فى الـ 25 من عمره طالب طب متزوج وليس له أولاد وتشخيصه فصام بارانوي).
”عند بداية البلوغ كان يتحسس أمه جنسيا بعدها بـ 3 سنوات طغى عليه إحساس ملح ومسيطر بالذنب صبغ حياته وأرقه بعدها بفترة بدأ المريض يتحول جسمه إلى جسم أنثوى حيث بدأ يشعر بأن نصف جسمه الشمال أصبح رقيق الحس ناعم الملمس ذا إحساس أنثوى وأنه كان عندما ينظر للمرأة يشعر أن لديه ثدى امرأة على الناحية اليسرى من جسمه.. بعدها كانت أحاسيس التحول هذه تشمل جسده ككل بل أصبح يشعر أن لديه عضوا تناسليا أنثويا مع رغبة جنسية وتلذذ جنسى كأنه أنثى تمارس الجنس مع الرجل وقد واكب هذه المرحلة ظهور أعراض ضلالات الاضطهاد لدرجة معوقة لعلاقات المريض بالآخرين. بعد محاولات العلاج انتقل المريض لمرحلة رابعة أعرب فيها عن توارى وتضاؤل احساسه بالتغير الأنثوى لجسده غير أنه أشار إلى وجود رغبة ملحة فى ممارسة مثلية للجنس.
الحالة السادسة:
هى حالة سيدة تبلغ من العمر 25 عاما طبيبة متزوجة تشخيصها بين الفصام البارانوى حينا والهيبيفرينى حينا آخر.
فى أثناء نوبة ذهان حادة تتميز بالتناثر الواضح أشارت المريضة إلى إحساسها بأنها مرغوبة جنسية من رضيعها.. من أبيها.. من زميلاتها.. من الشباب… وكانت تلح عليها هذه المشاعر بشدة لدرجة أنها كانت تتعمد عدم الاقتراب من رضيعها. وقد أظهرت هذه المريضة نفسها بعد سنة من هذه النوبة اندفاعه مفاجئة Impulse عبارة عن سلوك جنسى شديد ومندفع فى اتجاه الممارسة الغيرية خارج إطار الزواج يعقبها أعراض اكتئابية شديدة ومتفاوتة.
القراءة والتنظير:
بالنظرة المبدئية إلى النماذج الخمسة الأولى نلاحظ أن القاسم المشترك بينهم هو ظهور الدلائل على نشاط وحركة الجانب الآخر من الوجود الجنسى لكل من الذكر والأنثي. والحديث عن الثنائية الجنسية ليس بالأمر الجديد فقد تداوله “فلايس” فى خطاباته مع “فرويد” عن أن أى لقاء بين رجل وامرأة هو فى الحقيقة لقاء بين أربعة، لقاء بين رجل بداخله امرأة وامرأة بداخلها رجل… كما أشار “يونج” لقضية الثنائية فيما عرضه للأنيما والانيموس.anima & animus والممارس لمهنة الطب النفسى يقابل دائما مظاهر الثنائية الجنسية فيما يعرض له من حالات الجنسية المثلية والتحول الجنسى وتعدد الشخصيات والذهان البارانوى والفصام.
غير أن ما يهمنى استعراضه هنا ومحاولة طرح علاقاته هو موقع هذه الثنائية الجنسية فى تطور تكوين الهوية الجنسية لدى الذكور والإناث.
إن المفتاح لفهم هيراركية تطور الهوية الجنسية، يبدأ من ملاحظة الاختلاف فى التعبير عن الأشارة للسلوك الجنسى فى حالات الذهان البارانوى بين الذكور والإناث; ذلك أنه من المتواتر أن يشكو الذكور من التلميح إلى شذوذهم الجنسي، فى حين تشكو الإناث من التلميح إلى سوء سلوكهم أو الإباحية الجنسية تجاه الرجال.
يذهب هندرسون فى تفسير ذلك إلى أن الأساس هو ظهور الجنس المكبوت إلى الوعي، وأن السبب فى الاختلاف أن الجنسية الغيرية مقبولة ضمنا للرجال، لذا فالمكبوت لديهم هو الجنسية المثلية فى حين أن المكبوت لدى الإناث هو الجنسية الغيرية ذاتها.
وفى رأيى أن المسألة غير ذلك: ذلك أنه فى كلتا الحالتين سواء الذكور أو الإناث ، تكون الحاجة الأساسية والظاهرة فى كثير من الأحيان هى الاحتياج للعلاقة مع “ذكر” فتترجم هذه الحاجة لدى الذكور على أنها نوع من الشذوذ، أما لدى الإناث فهى تظهر على صورة ما يسمى إباحية جنسية (عدم القدرة على الكف) تجاه الرجال.
وهذا التصور يضعنا أمام نقطة فاصلة فى فهم هيراركية التطور الجنسى ذلك أنه لا يجعل المسألة مجرد تنشيط للرغبة فى الجنسية المثلية كما ذهب فرويد، بل هو تنشيط للجانب الأنثوى من وجودنا سواء فى الذكور أو الإناث – ويفهم من ذلك ضمنا أن الذهان البارانوى بصفة عامة يكشف ضمن ما يكشف عن هذا المستوى الأنثوى فى التكوين الانسانى ، لكن عند تطبيق هذا الفرض سوف نقابل مشاكل تفصيلية خاصة فى حالة الإناث: إذ لماذا لا يظهر هذا المستوى الأنثوى إلا فى الذهان مع أن الوجود الظاهر فى الحالة العادية أنثوى بالقطع، ثم أين موقع الثنائية الجنسية للإناث ؟؟
يمكننا أن نضع التصور الهيراركى التالى لنمو وتطور الهوية الجنسية لدى الذكور والإناث. على النحو التالي:
المستوى الأول: اللاتمايز الجنسى (Undifferentiated Level) ويمثل المرحلة من التطور قبل أى تمايز لأى اتجاه جنسي.
المستوى الثاني: المستوى الأنثوى الأول (Primary Feminine Level) بمعنى نمو الجانب الأنثوى لدى الذكور والجانب الأنثوى الأول لدى الإناث.
المستوى الثالث: مستوى الثنائية الجنسية(Bisexual Level) ويتميز بنمو الجانب الذكرى الأول لدى الذكور والجانب الذكرى لدى الإناث.
المستوى الرابع: مستوى التميز الجنسى وتحديد الهوية (Dominant sex Level) وفيه يتم تحديد نوع الجنس السائد لكلا النوعين، وذلك بنمو الجانب الذكرى الثانى لدى الذكور والجانب الأنثوى الثانى لدى الإناث (وهذا المستوى الرابع يتسع لاسيتعاب المستوى الأوديبى -المحارمي- والمستوى الناضج) والرسم التخطيطى التالى يلخص هذه الفكرة:
الذكر Male | الأنثى Female | |
FM1 M2 | Dominant sex level (4) | F1 MF2 |
تحديد الهوية | ||
FM1 | Bisexual level (3) | F1 M |
الثنائية الجنسية | ||
F (Fm) | Feminine level (2) | F1 (Fm) |
الأنثوى الأول | ||
0 (fm) | Undifferentiated level (1) | 0 (fm) |
اللاتمايز |
هذا التصور السابق يمكن أن يطرح العديد من الأسئلة والقضايا لكن ما يهمنى التركيز عليه الآن فى ضوء هذا الفرض هو أهمية استيعاب فكرة المستوى الأنثوى الأول وملاحظة أن هذا المستوى بالذات – ربما لأسباب فى توازى التطور بين الوظائف والمستويات المختلفة – يتميز بعلاقة متشابكة مع المستوى الوالدى المتابع .. المراقب… اللائم.. المانع كما يتضح ذلك خصوصا – كما سبق أن أشرنا- فى العلاقات التركيبية فى الذهانات البارانوية.
والنقطة الثانية التى يجدر الإشارة إليها هى فكرة أن تحديد الهوية تتم وفقا لعملية توازن بين عناصر أو مستويات نمو مذكره وأخرى مؤنثة وحسب نوع الجنس ينمو أحد جوانبها بشكل أكثر اضطرارا ليعطى الصورة النهائية للنوع وليحتوى نشاط الجانب الآخر من الوجود الجنسي. فإذا ما حاولنا اختبار هذا النسق من خلال النماذج التى عرضناها سنجد ما يلي:
أولا: عن المستوى الأنثوى الأول:
* نرى التعبير عنه بوضوح شديد فى حالة شريبر فى وصفه للتحول إلى امرأة وكذلك فى الحالة الخامسة (فى مرحلته الثالثة): التحول بكل الجسد إلى الإحساس الأنثوى مع الإحساس بتكون عضو جنسى أنثوي.
* وإذا ما رجعنا إلى الحالة الثانية فى حالة الانهيار الأول، ووصف السيدة لإحساسها بأنها نامت مع كل رجال الأرض، يظهر لدينا مدى البدائية والقوة لهذا المستوى النشط (مقارنة مثلا بالمستوى الأنثوى الثانى الهاديء والناضج لدى الاناث الذى يخضع لعوامل التربية والعرف الاجتماعي…إلخ).
* وأغلب الظن أن نشاط هذا المستوى البدائى هو من العناصر الجوهرية فى الذهان البارانوي. وإذا تخيلنا معا محاولة اضافة طبقة من الدفاعات على هذا الجوهر المتمثل فى تحول الجسد المذكر إلى جسد مؤنث وفى نوم هذه السيدة مع كل رجال الارض لكانت الصورة الإكلينيكية أقرب ما تكون على النحو التالي:
فى الذكور تتوارى أحاسيس التحول إلى أنثى ويحل محلها الإحساس بإشارة الآخرين إلى شذوذه الجنسى وفى الإناث يتوارى الإحساس بالنوم مع كل رجال الأرض ويظهر الإحساس بتلميحات الآخرين إلى سوء سلوك المرأة وإباحيتها الجنسية تجاه الرجال.
ثانيا: عن مستوى الثنائية الجنسية:
ظهر فى الحالة الثانية (خلال تحول الأيام الثلاثة): من خلال الشعور بمسألة نصف الجسم امرأة ونصف الجسم رجل.
وفى الحالة الثالثة: ظهر فى صورة حل وسط بين الذكورة والأنوثة:
* مع الانتصاب الكلى لا يحدث قذف.
* تحدث اللذة مع توجيه العضو تجاه المؤخرة.
* انتقال مراكز اللذة من طرف القضيب إلى منطقة وسط بين الطرف والمنطقة الانثوية (نهاية القضيب والخصيتين).
وفى الحالة الرابعة: ظهر فى شكل الشعور بلذة الجنس أثناء تخيل خبرة مثلية فى نصف الجسم.
وفى الحالة الخامسة: فى مرحلته الثانية: ظهر فى تحول نصف الجسم إلى الإحساس الأنثوي.
توضح هذه الأمثلة الأربعة النشاط المتلازم لجانى الوجود الجنسى لدرجة اقتسام احتلال الجسد وتقاسم مناطق الشعور باللذة، الأمر الذى يجسد بجلاء متحد مستوى الثنائية الجنسية ويلاحظ فى هذا المستوى أمران:
الأول: توارى ضلالات الاضطهاد أو المنظومات الضلالية مقارنة بها فى المستوى الأنثوى الأول.
الثاني: أنه فى الحالة الثانى والرابع والخامس نجد أن النشاط الخاص بالجانب الآخر للوجود الجنسى يظهر على جانب الجسد التابع للنصف المتنحى للمخ، فيظهر الرجل فى الحالة الثانية فى النصف الأيسر للمرأة وتظهر المرأة فى الحالة الخامسة فى النصف الأيسر للرجل، ويشعر الرجل بالجنس أثناء الأخيولة المثلية فى نصفه الأيسر ، وهو أمرجدير بالملاحظة والتأمل.
قبل الانتقال إلى المستوى التالى من تطور الفرض لابد لنا من وقفة لتوضيح أن موقع الجنسية المثلية (وليس ضلالات الجنسية المثلية) لا ينتمى إلى المستوى الأنثوى الأول بل إلى مستوى الثنائية الجنسية، وهذا يجرنا فى الواقع إلى استيعاب أن الجنسية المثلية ما هى إلا شكل محور من الثنائية الجنسية وأنه أثناء ممارسته الجنسية المثلية إنما يقوم الفرد بممارسة كليته الجنسية جميعها أى ثنائيته الجنسية. كما أنه على سبيل التذكر فإن الذكر الموجب فى الجنسية المثلية إنما يمارس ذكورته مع ذكر أى يمارس ذكورته وأنوثته، والذكر السالب إنما يمارس أنوثته مع ذكر يمارس ذكورته مع ذكر أى يمارس أنوثته وذكورته.
ثالثا: المستوى الأوديبى (مستوى علاقات المحارم)
مع الانتقال تركيبيا من المستوى الأنثوى الأول إلى الثنائية الجنسية ثم إلى مستوى الجنس السائد نرى ان المستوى السائد – تركيبيا – والذى يمثل تمام النمو الجنسى يتسع فى داخله ليشمل ديناميات نمو فيما يتصل بالموضوع الجنسى غاية فى الأهمية، والفضل هنا لابد أن يرجع إلى فرويد فيما وصفه عن الموقف الأوديبى -إذ نلحظ إشارة واضحة إلى ذلك فى الحالة الخامسة فى مرحلته الأولى إذ يصف التلامس الجنسى مع الأم خلال فترة البلوغ والذنب المصاحب لذلك – غير أن ما يجب الإشارة إليه هنا هو أن الملاحظات الإكلينيكية تفرض علينا الاتساع لاحتواء ما هو أبعد من الموقف الأوديبي، ذلك أننا نرى أيضا الموقف الأوديبى العكسى متمثلا فى رغبة الأم فى ابنها ورغبة الأب فى ابنته وموازيا لها علاقة الأخ بالأخت.. لذا أفضل أن نشير هنا إلى تعبير “علاقات المحارم” وهو التعبير الأقرب إلى فكرة المستوى المحارمى كمرحلة أولى فى ديناميات تطور الموضوع الجنسى من خلال التميز الجنسي.
بالنظر إلى المستويات الثلاثة السابقة إجمالا يجب أن نلاحظ مسألتين:
الأولي: أن الحالة الخامسة بالذات تمتاز بثرائها فى وصفها للمستويات الأساسية بل الانتقال بينها فى تدرج مثير: من الموقف الأوديبى إلى الازدواجية (نصف جسم امرأة) ثم إلى المستوى الأنثوى الأول (كل الجسم امرأة) ثم العودة مرة أخرى إلى الازدواجية (تلاشى الإحساس الأنثوى للجسد مع الرغبة فى الجنسية المثلية). مع تكرار التنقل وتداخل المستويات أحيانا.
الثانية: إن نمو وتطور هذه المراحل الثلاث إنما يتم على محاور ثلاثة:
المحور الأول: محور ما قبل انبعاث النشاط الجنسى Presexual phase.
ويتم فيه تمييز هذه المراحل.
المحور الثاني:محور ما بعد انبعاث النشاط الجنسى Sexual phase
ويتم فيه الحركة بالمحتوى الجنسي”Sexualization” (الجنسنة).
المحور الثالث: ما يمكن أن يطلق عليه النمو المتوازي.
ذلك أنه بعدتميز النمو إلى مراحله الثلاث طبقا للهيراركيه المقترحة، تستمر هذه المستويات الثلاثة فى النمو المتلازم والمتزامن وفى إطار الهارمونية الهيراركية المشار إليها.
رابعا: إن الحالة السادسة تنفرد بطرح مستوى من النشاط الجنسى الذى يمكن وصفه بالجنس الكلى Pan sex. إذ يطرح مستوى من الجنس عام ومتفش يجعلنا نتصور أن المستوى النشط فى هذه الحالة ليس أيا من المستويات السابقة بل إن المتفجر هنا هو الجنس ذاته Raw sex أى الجنس الطاقة/المصدر: قبل أن تتشكل فى أى مستوى من مستويات التطور السالف الأمر الذى يجعلنى أضيف احتمال وجود هذا المستوى إلى الهيراركية; السابقة ليصبح على النحو التالي:
6- المستوى الناضج | 6- Maturation |
5- المتسوى المحارمى (الأدويبى) | 5- Oedibal level |
4- مستوى الثنائية الجنسية | 4- Bisexual level |
3- المستوى الأنثوى الاولى | 3-Primary feminine level |
2- اللاتميز الجنسى | 2- Asexual level (undiff. Level) |
1- الجنس : الطاقة – المصدر | 1- Raw sex |
إن كل مستوى من هذه المستويات يحتاج لشرح ودراسة متعمقة وواقية تخرج عن حدود هذه المقاله الابتدائية والتى تهدف بشكل مبدئى إلى طرح إطار هذه الهيراركية. غير أنه من المهم أن نشير إجمالا إلى الهيراركية الباثولوجية الموازية لهيراركية النمو هذه:
نجد أنه إذا ما اتجهنا فى عكس مسار النمو لنرى الاحتمالات الباثولوجية عند كل مرحلة سنجدها أقرب إلى التالي:
1 – المرحلة الأوديبية (مستوى المحارم):
تقابلنا هنا حالات علاقات المحارم – المشاكل المرتبطة بقضايا العلاقة بالآخر كما تظهر أيضا خلال التعرية التى يحدثها مسار العملية الفصامية.
2 – مستوى الثنائية الجنسية:
هنا تقابلنا مشاكل التحول الجنسى والجنسية المثلية والازدواجية الجنسية وظواهر المخاوى والانشقاقات الهيستيرية وبعض حالات البارانويا التخيلية المزمنة وكذلك فى مسار العملية الفصامية.
3 – المستوى الأنثوى الأولي:
هنا كما سبق الذكر منطقة الذهانات البارانوية وكذا العملية الفصامية.
4 – مستوى الجنس الطاقة المصدر:
يتبدى خلال المسار الفصامى وكذا فى نوبات الذهان الاندفاعي”Impulsive Psychosis”
ومن الملاحظ أن الفصام يمكن أن يظهر كل مستويات النمو هذه ويدخل فى التشخيص التفريقى مع بقية الاحتمالات الباثولوجية المرتبطة بكل مرحلة من مراحل النمو المذكورة.
إن ما سبق ليس إلا افتراضا نظريا يحاول أن ينظم المعطيات الإكلينيكية، وهو فى رأيى يطرح العديد من الأسئلة والاحتمالات، إذ يغامر فى جانب ويعيد الصياغة فى آخر، آملا أن يكون فاتحة لحوار يرفضه أو يقبله أو يصححه أو يثريه،
بما يضيف ويعـدل.