حول ندوات الجمعية
تقديم ومراجعة
تبينا من المحاولة التى قدمناها فى العدد الماضى اختلاف وظيفة ما هو ندوة عن ما هو مجلة، وبرغم الثراء الذى أتاحه تلخيص الندوات السابقة فإن الأمر أتاح لمراجعة كما يلى :
1- كان الإيجاز شديدا.
2- ذكر بعض الأقوال على لسان قائليها لم يكن دائما بالدقة التى يرضى عنها المنتدي.
4- لم نستطع أن نحدد مسؤولية المحرر الذى قام بالعمل ولا أن نفصل بين رأيه وبين رأى ما جرى فى الندوة.
وعلى ذلك قررنا ما يلى (فى انتظار رأى القارئ):
1) أن نقدم مادار موجزا أشد الإيجاز ما أمكن ذلك.
2) ألا نذكر أسماء أصلا.
3) أن نختار من بين الندوات بعضها تقدمها المجلة بالتفصيل كرأى لتحرير المجلة وليس للمنتدين.
وسوف نقدم موجزا محددا أعده أحد مقدمى الندوة الأولى: ‘أصول فلسفة الحق’، ثم موجزا أطول قليلا لما دار من تساؤلات غامرة حول موضوع ‘إسلامية المعرفة’ وأخيرا بعض التعليقات العامة حول ندوة مسرحية ‘السكرتير الفني’ للمهندس وشويكار
ولتطبيق ذلك نقدم الإشارة إلى ندوتين ثم إفاضة نسبية حول الثالثة.
أولا : ندوة يناير:أصول فلسفة الحق (هيجل)
قدم الندوة : د. رمضان بسطاويسى، ثم قام بكتابة أغلب هذا الموجز:
- هناك بعض القضايا التى تثار حين يتم تناول كتاب هيجل (أصول فلسفة الحق)[1]، وأول هذه القضايا علاقة الذات بالموضوع، وما طبيعة هذه العلاقة بين وعى إنسان ينتمى لجذور ثقافية مغايرة عن ثقافة هيجل، كيف يراها؟ ولكى يتحقق هذا ينبغى الإشارة إلى عدة أمور مهمة، يمكن أن تعتبر مفاتيح لفهم فلسفة هيجل.
1- النسخة العربية هى ترجمة للنص الإنجليزى من ص 1 حتى 105 من كتاب 380 صفحة، فالكتاب يتكون من ثلاثة أجزاء، أولها الحق المجرد، والثانى الأخلاقية (الأخلاق الذاتية، وهما ما تم ترجمته، والجزء الناقص هو الجزء الثالث عن الحياة الأخلاقية. الذى يتكون من الأسرة (ويتضمن تحليل فكرة الزواج، ورأس مال الأسرة، وتربية الأطفال وتفكك الأسرة)، والمجتمع المدنى ويتحدث فيه عن نظام الاحتياجات، نوع الحاجة، نوع العمل، الشرطة والنقابة الحق بوصفه قانونا، تنظيم العدالة والدولة..
وقد استعاض المؤلف عن ذلك بترجمة عرض للكتاب ككل ، وليس الجزء الذى ترجمه فحسب).
2- لكن هذا لا يؤثر على هيجل، لأن له طبيعة خاصة فى كتاباته، فهو يقدم فى المقدمة رؤيته الفلسفية العميقة للموضوع الذى يتناوله، ثم يقدم بعد ذلك تعينات هذه الأفكار فى مسارها التاريخي.
3- ما ارتباط هذا الكتاب بمجمل فكر هيجل.
4- كيف تتحول الأفكار إلى مؤسسات عينية؟
5- العلاقة بين الفكر والوجود.
6- فكرة الضمير والشعور بالإثم عند هيجل؟
7- إن فلسفة القانون مرتبطة بفلسفة الدولة أو السياسة والقانون يجسد مشروع الأمة.
وقد أثيرت فى المناقشة إشكالية تطبيق الأفكار الجاهزة، فى مجتمع مغاير (تاريخيا وجغرافيا، وثقافيا) وعرجت المناقشة على اجتهادات طارق البشرى فيما نوضحه كما يلى:
إشكالية طارق البشرى فى القانون المصرى، والقانون الحالي.
- الشخص لا يوجد بوصفه عقلا إلا فى الملكية، وعناصر الملكية مثل الحيازة أو أشكال الملكية هى عناصر عقلية
- العقل هو الذى يجعل من الضرورى أن يدخل الناس فى علاقات تعاقدية والعقل هو الذى يصحح الخطأ حين يتعاقد الناس ويختلفون.
- بمعنى هل القوانين التى تنشأ فى الأمة هى جزء من الوعى القومى لهذه الأمة؟ بينما يرى هيجل أن القوانين تعبير عن العقل الإنسانى فى صيرورته التاريخية
- الحرية هى جوهر الحق وغايته فى آن.
- الدعوة لتغيير الواقع غير العقلى ليتمشى مع العقل.
ثم تطرق الأمر لمناقشة علاقة هيجل بالسياسة فأشير إلى أنه: عمل رئيسا لتحرير صحيفة يومية سياسية تصدر فى بافاريا فى أوائل القرن التاسع عشر، واستقال بسبب غضب الحكومة من مقال نشر لديه.
وحين تعرض هيجل لموقف مشابه مما نحن فيه الآن من تدهور سياسى واجتماعى، هل توجه للحكومة أم توجه للشعب؟
يرى هيجل أنه ينبغى التوجه لأصحاب المصلحة الحقيقية، سكان فورتمبورج ويطلب منهم الكف عن التذبذب بين الخوف والرجاء والتردد بين الأمل وخيبة الأمل.
ويردد قول رؤيا يوحنا الإصحاح الثالث 15-16 ‘أنا عارف أعمالك، لأنك لست باردا ولا حارا، هكذا لأنك فاتر فأنا متوقع أن أتقيأك من فمي.
كذلك يمكن إضافة خطوط عامة تناولها النقاش على الوجه التالى:
1- مازالت الترجمة عامة وترجمة الفلسفة خاصة وترجمة هيجل بوحه أكثر تخصيصا تمثل تحديا لم يحل.
2-هيجل له لغته الفلسفية الخاصة ، وهى تكاد تقترب من الدعوة للممارسة أكثر منها الدعوة إلى النقاش العقلي.
3- مقدمة المترجم (إمام عبد الفتاح إمام- رغم أنه مريد) مخلص كادت تكون كتابا بأكمله بدا وصاية على فكر هيجل الأصلي.
4- علاقة هيجل بالقانون، والفعل اليومى والنظام علاقة لها دلالتها الإيجابية برغم ما اتهم به من أبوته للنازية والنظم المشابهة
5- مسألة ‘خذ من هيجل ما شئت لما شئت’ طرحت أيضا بحذر ناقد.
6- تشبيه تفكير هيجل بما يثار حديثا عن التفكير الإيمانى كوسيلة معرفية هو تشبيه له وجاهته، وإن كان قد قيل رأى (محمد عبد الحميد) يحذر من إحالة منظومة فكرية إلى أخرى أو احتواء منظومة فكرية لغيرها تحت مختلف العناوين.
7- قيل إنه لفهم هيجل لا بد من معايشة تفجر الوعى وحركيته بشكل مباشر قد تتيحه خبرة ممارسة الطب النفسى بشكل عميق، لكن الممارسات الخاصة خارج الإطار المهنى وفى جوف الفعل اليومى هى الأصل، وربما تعطى خبرات أبطأ لكنها أبقى
8- تنبه الحاضرون إلى علاقة النظام (الشريعة) بالفكر الكلى ، وإلى أنه بلا شريعة (وطريقة) يغترب الفكر ويشطح، وقد يعيق.
9- تأكد الندوات التى تناولت هيجل – واحدة بعد أخري- أن هيجل متشبع تماما بما ‘هو دين’. وكان هذا واضحا فى تفسير هيجل للقانون.
ندوة فبراير 1994:
حول إسلامية المعرفة:(د. عبد الوهاب المسيرى)
سوف نقدم بعض ما يتعلق بهذه الندوة بالتفصيل نسبيا حيث إنها تمثل موقعا مهما فى مرحلة تطورنا الحالية بشكل آخر.
والندوة تدور حول ورقة ( ليست كتابا) للأستاذ الدكتور عبد الوهاب المسيرى ، أستاذ الأدب الإنجليزى كلية البنات جامعة عين شمس، وصاحب الورقة معروف باهتماماته المهتم أساسا، وبكفاءة خاصة بالتراث اليهودى والصهيونى، واسم الورقة التى حصلنا عليها والتى سبق عرضها فى مقر القاهرة لما يسمى معهد الفكر الإسلامى، اسمها:
(إسلامية المعرفة)
فى النماذج المعرفية والأسئلة الكلية أفكار وتصورات أولية
تقديم د/ أسامه عرفه أ/ محمد عبد الحميد
وقد دار التقديم، والمناقشات من بعده، حول ما تضمنته الورقة أساسا، وإن كان قد عرج إلى ما حولها بما كاد يهدد بالبعد عنها.
ونوجز هنا بعض ما يستأهل النظر والمناقشة التفصيلية فيما بعد، حيث إن الغالب فى التقديم والمناقشة كان إثارة تساؤلات أكثر منه طرح بدائل أو نقد مقولات.
1-إنه يبدو أن د.المسيرى صاحب الورقة ، وهو غير معروف بميول متحيزة بذاتها ، يطمح أن يكون واحدا من الذين يشكلون تيارا أيديولوجيا معرفيا يستلهم الإسلام، وذلك ضمن هدف أن تكون هناك معرفة تستند على رؤيانا الخاصة، ذلك لأن الأنساق المعرفية الغربية التى يبدو أنها لم تعد صالحة لأهلها، هى غير صالحة لغير أهلها، ولذلك فلابد لنا من البحث عن أنساق معرفية خاصة بنا.
2- إن هذا العمل شديد التكثيف يحتاج إلى أكثر من عودة ومناقشة
3-إن التطور التلقائى أصبح مستحيلا بالمعنى الذى عرف فى التاريخ من ذى قبل، وذلك بسبب وجود الإمبريالية الغربية وأجهزة المخابرات الخاصة ، تلك الأجهزة التى تحدد توقعات البشر وتخلق أحلامهم بمقاييس تم إعدادها بعناية فى هوليوود وفى أروقة المخابرات الأمريكية وغيرها.
4-ومن، ثم فإن المسلم الطيب، البسيط العادى، قد لايدرك أن النماذج المعرفية العلمانية قد تخترق وجدانه ووجدان أسرته – وأن هذه النماذج ستشكل إدراكه حتى للقرآن والسنة، وهذا له بعد سياسى بقدر ما له بعد معرفي.
5- أثير أيضا أن المسلم الساذج (الطيب) قد يحمى نفسه أمام هذه المخاطر بالجمود حيث يطابق بين حرفية النص المقدس ومتطلبات الواقع، وبالتالى قد يخلق ترابطا خطيا مسطحا لدرجة التطابق بين المطلق الإلهى والتاريخى النسبى ، ومن ثم فهو ينكر وجود أى ثغرة تفصل بينهما
6- قيل أيضا: إن الإسلام موجود ومستمر – بما هو- فهل يحتاج الأمر إلى لغة أخرى أكثر تعقيدا وأغرب أبجدية ليصبح حركة حية للبشر وبألفاظ أخرى، هل يحتاج الإسلام أن يبعث من جديد؟
7- إن لغة الخطاب الحالى غير اللغة التى تخاطب بها الإسلام فى بداية الرسالة، وتطور لغة الخطاب هكذا يحتاج إلى وقفة، فهل نحن نحتاج إلى لغة خطاب جديدة تتفق مع معطيات العصر ، ومنها هذه الورقة؟
إن الإسلام ليس جديدا ولكن الإطار جديد ، وعلى اللغة أن تكون جديدة.
8-إن الداعى للإسلام لابد أن يضع فى اعتباره أمران معا : الأول: كيف يفهم هو الإسلام ، والثانى : لمن سوف يوجه الخطاب، وخاصة إن كان المخاطب هو الرجل الغربى الذى ليس عنده أدنى فكرة، أو عنده فكرة جسيمة التشويه.
9- لابد من بلورة نموذج معرفى إسلامى فيه الإجابة الإسلامية عن الأسئلة الكلية، ويبدو أن هذه هى الفكرة الأساسية فى أطروحة إسلامية المعرفة قيد البحث.
10- قضية النموذج الإسلامى وعلاقته بالذاتى والموضوعى من أهم القضايا التى طرحتها الورقة.
11- هل يمكن أن يكون النموذج صياغة فردية ذاتيه ولكنه قابل للاختبار الموضوعى ، وبالتالى قادر على رصد العام دون تجاهل للخاص.
12- ثم نأتى إلى حتمية النموذج الذى هو اجتهاد عقلى أساسا لأن الحقيقة لايمكن الوصول إليها بشكل واقعى، لأن الواقع الخام لايمكن الوصول إليه لسبيين: إن الواقع ليس وسيلة وإن العقل ليس أداة ربط بسيطة، فنحن عالم مسامى فى حالة حركة، و الظواهر الكونية لايمكن فهمها من خلال القوانين السببية الصلبة المغلقة .. ولكن من خلال مجموعة من الاقتراحات والقوانين الاحتمالية:
13- إن النموذج بهذا المعنى مرتبط بالحالة الإنسانية ذاتها، ولذلك يمكن القول إن الرصد الموضوعى المباشر مرتبط تمام الارتباط بالنموذج الواحدى المعرفى كمقابل للنموذج التوحيدى – أو الذى يطرح الثنائيات بين الإنسان وماوراء العالم.
14- هل كان الأمر فى صدر الإسلام هو أن الإسلام قد قدم إجابات عن تلك الأسئلة الكبرى التى قدمتها الورقة هكذا، ولماذا نحتاج الآن إلى تقديم إجابات عن تلك الأسئلة هكذا؟
15- هل العقل البشرى وقت نزول الإسلام كان يستطيع استيعاب لغة خطاب لاتصلح لهذا العصر؟
16- هل نحن الآن فى حاجة إلى لغة خطاب جديدة تلائم هذا العصر؟
17- وهل نحن مضطرين لذلك لمجرد مجاراة الحضارة الغربية ؟
18- لا بد أن نتساءل ابتداء : ما المعرفة ، وما مصادرها ، وما وكيفية الحصول عليها ووسائل تحصيلها، وهل حركية الدين والتدين هى إحدى الوسائل المعرفية وليس فقط التعبدية؟
19- نحن فى المجتمعات الإسلامية والعربية نتبنى أنساقا معرفية إما تستند على التراث أو تستند على ما يسمى المعاصرة، وهى إما غير واضحة وبها كثير من التشويش أو كثير من التغريب والبعد عن واقعنا المعيش، وبالتالى نحن نحرم فى الحالين من توليد نماذجنا الحية الخاصة.
20- إن الطموح المطروح فى هذه الورقة هو أن تحدد معرفة تعتمد على رؤانا الخاصة وتراثنا الخاص (الإسلامي) ولكن ما مدى الحاجة إلى هذا الشيء؟
21- إن النموذج الغربى العلمانى لم يعد صالحا لهذا الواقع الإسلامى وهو يتعرض لانتقادات من الغربيين أنفسهم، وذلك بدءا من سقراط الذى قدم نقدا واضحا للمؤسسات الغربية إلى أوصل إلى جارودى الذى راح يلح على ما فى هذه الثقافة من اللإنسانية والقهر الانسانى وتغريب الإنسان.
22- إن هذه الورقة برغم إنتقادها للنموذج الغربى لم تقدم بديلا حقيقى له، فبعد عمل مقارنة بين النموذج الغربى والنموذج المفترض أن يوجد (المعرفى الإسلامي) لم يقدم سوى رد فعل للنموذج المعرفى الغربي.
23- طرح رأى يقول: إن النموذج المعرفى الإسلامى ليس له وجود بذاته ولكنه رد فعل على الثقافات التى سقط فيها النموذج المعرفى الغربى العلمانى الذى يتبنى علما لا وجود للأخلاق فيه.
24- ما هو موضوع هذه الورقة ابتداء ، هل هى ورقة فى نظرية المعرفة أم فى الأسس الفلسفية؟ أم فى الدين ؟
25- هل يوجد منهجان بهذا الاستقطاب لتناول موضوع المعرفة؟ أم أن المسألة تحتمل مداخل كثيرة عدة ومغايرة؟
26- هل هذا المنهج الذى طرحته الورقة تحت اسم إسلامية المعرفة غير المنهج الفينومينولوجى أم أنه هو هو؟
27- ولو أننا رفعنا كلمة إسلامية المعرفة، ثم قلنا فينومنولوجية المعرفة المؤمنة مثلا ، هل يختلف الأمر كثيرا؟.
28- وهل تختلف الأديان الأخرى فى اقترابها من قضية المعرفة هذه أم أنها إيمانية المعرفة أساسا؟
29- أليس ما تقوله هذه الورقة هكذا هو الثورة المنهجية التى يعيشها العالم الغربى حاليا فى الرياضة الحديثة والطبيعة الحديثة، والعلوم الإنسانية والكونية؟
30- هل يمكن أن نعتبر هذا المنهج هو وسيلة معرفية أقرب إلى الفطرة، وبالتالى هى أقرب إلى الدين الحق سواء كان ذلك هو الإسلام أو أى دين لم يتشوه إذ يقترب من الفطرة ليجد أنه يتعرف على العالم من هذا المنطلق أكثر من المنطلق الخطى الكمى التراكمي.
31- هل يمكن بدلا من أن نتكلم عن إسلامية المعرفة ومسيحية المعرفة وبوذية المعرفة وإلحادية (أو علمانية) المعرفة أن نتكلم عن سكون المعرفة وجمودها فى مقابل حركية المعرفة ومساميتها؟.
32- إن أهم ما فى المعرفة هو ارتباطها بالفعل اليومى أكثر من علاقتها بالترميز التجريدى (ولو أنه لوحظ أن كاتب الورقة قد أعلى من قيمة التجريد وعلاقته بالمعرفة بشكل غير مفسر).
33- إن التساؤل الأولى هو تقييم ما تحوى هذه الورقة من مفاهيم بما يجرى فى واقع الحال، فمن هم أقرب إلى إسلامية الإسلام (إن صح التعبير): واحد فينومينولوجى غربى ، أم واحد إسلامى منغلق يلجأ للعنف فى ما يسميه حوارا؟
34- إن الخطورة الحقيقية هو أن نرى ما أسماه المؤلف ‘إسلامية’.
35- إن واقع ما يمكن أن يطبق فى مجتمع تحكمه المناهج الساكنة (الاستاتيكية) والكمية واللفظية والخارجية، وهو الأمر الغالب فى السلطة الإسلامية المعاصرة (وليس بالضرورة التاريخية) ليس إلا النموذج العلمانى الغربى الذى ندعى أننا نحاربه ونواجهه ونطرح له البديل.
36- هل يمكن البحث والتفكير والممارسة من خلال المعلومات أم من خلال االمعايشة الفعلية، وهذه الورقة هل تقدم معلومات أم تقدم مشروع سلوك ، وموقف حياة.
37- وبألفاظ أخرى، أليس المنهج خبرة معيشة ؟ أليست المشكلة هى كيف يمكن أن تفكر من خلال النماذج بدلا من المعلومات؟
38- إن طبيعة المعايشة والخبرة هى التى يمكن أن تحدث نقلة تاريخية فلابد من عدم الفصل بين النموذج والمعايشة.
39- إن الأيديولوجية مفهوم مرتبط بالاقتصاد ، والأدوات الأحدث التى تشكل الفعل اليومى، وهى أدوات لا نحن صانعوها ولا نحن متقنوا استعمالها ، فالخوف أن ندور فى فراغ الأفكار المجردة ثم نجد أنفسنا منساقين من خلال الأدوات إلى صورة مشوهة أو حتى نيجاتيف لما نرفضه هو هو.
40- يبدو أن المطلوب هوتقديم مفهوم جذرى جديد أكثر من مجرد الاستقطاب ولصق بعض الأسماء الإسلامية على إنجازات إنسانية عامة.
41- يبدو أننا فعلا لسنا فى حاجة إلى دين جديد ولكننا فى حاجة إلى ملايين الأنبياء.
42- هل المسلم هو الذى ‘ يعيش فيكتشف منهجه من خلال إيمانه الفطرى المتميز.
أم أن المنهج المعلوماتى يمكن أن يصيغ مسلمين إذا أتقنوا هذه الوسيلة المعرفية كما تقدم لهم؟
43- أجمع الحاضرون على تميز الورقة بأنها لا تقدم تفسيرا علميا للقرآن كما يشيع من ربط بعض جزئيات الاكتشافات العلمية ببعض التفسيرات اللفظية لبعض ألفاظ القرآن.
44- المطلوب صناعة مسلمين من خلال نموذج معرفى إيمانى معيش، وبالتالى نستطيع أن نستلهم حلولا حقيقية مختلفة ، ويبدو أن هذا هو المقصود من المخلصين الذين يقولون إنه لا إسلام بلا مسلمين، وتطبيق الشريعة على من لم يخلط الإسلام بلحمه ودمه، أو من ليس خلقه القرآن هو أمر أقرب إلى المزاح أو إلى المغامرة الحاملة كل مخاطر النكسة الإنسانية والإيمانية معا.
45- لا بد من الوقوف طويلا عند تحديد ماذا يعنى كل منا حين يستعمل كلمات مثل: ‘الحضارة الغربية’، ذلك أنه لا يوجد مضمون واحد متفق عليه بين من يستعملون هذا اللفظ ‘هكذا والسلام’.
46- إن تعدد مناهل ومناهج المعرفة هو حق البشرية كلها، ولا يمكن التنبؤ بما يترتب على هذه الصياغة الفئوية المحتملة.
47- إنه فى واقع الأمر لا توجد دولة إسلامية خارجة عن إطار الغرب وبالتالى تظل مجرد أطروحات خارج التاريخ.
أين الروح التى يتكلم عنها كاتب لكى تتبنى هذا الطرح لتكوين معرفة إسلامية؟
48- هل يمكن طرح قضية تنظيرية أدواتية هكذا بغير ناتج قائم معاش وقابل للاختبار، فأين النتاج المعرفى الإسلامى المعاصر والمختلف فى آن، حتى نقيس به أونقيس عليه ، هل هناك إلا التنظير، وسوء الفهم أو النوايا الحسنة؟
49- تكلمت الورقة كثيرا عن روعة وأهمية الثغرة والفجوات فى تكامل الكيان المعرفى، وهذا من أقرب ما يمكن أن يفسر حقيقة الدعوة إلى ‘الإيمان بالغيب’. بمعنى عدم التوقف عند التفكير الظاهر المتصل، ومع أن ذكر الفجوة تكرر كثيرا فى الورقة، إلا أنه يبدو أنه لم يخطر على بال كاتبها أن هذه الفجوة هى هى الغيب المؤمن به معيشا معرفيا وعمليا.
50- إن الكليات، كما طرحتها الورقة هكذا، لم تعد تطرح بحجمها الحقيقى الجيد إلا فى العمل الأدبى، والنقد الأدبى، تطرح هكذا حتى أكثر من تناولها بأسلوب التنظير الفلسفى ناهيك عن العلوم المــحكمة.
هذا وقد تفضل صاحب الأطروحة أ.د. المسيرى، فأرسل ورقة تعتبر مسودة لتطبيقات مباشرة مقارنة بين نموذجين، ولم يتمكن المنتدون من مناقشتها مباشرة ، مما قد يحتاج إلى ندوة قادمة مستقلة.
ندوة مارس 1994:
مسرحية السكرتير الفنى
بدأت باعتذار مكرر عن التورط فى عرض المسرحية كلها متذكرين تكرار رفضها، وخــير المنتدون فى عرض اللقطات المناسبة التى بررت اقتراحها مع المناقشة أولا بأول، أو عرض المقارنات (مع اللقطات) بينها وبين مسرحية علشان خاطر عيونك .
وذكر المقدم -ربما من باب المبالغة- أنه يريد أن يؤكد على أن الدور الرئيسى فى هذه المسرحية هو لعبد الوارث عسر وليس للمهندس أو شويكار، كما أن روح الدين التى يمثلها عبد الوارث عسر بسماحته وتلقائيته هى التى اختفت بشكل مزعج وخطير من مجتمعنا الآن، ثم إن المقارنة بين مدرسة: ‘ياقوت عبد المتجلي’ وناظرها ثم تطور الأحداث ومآل الناظر، وبين مدرسة طاهر الزلبانى فى ‘علشان خاطر عيونك’ وتطور ناظرها الموازى، يشير إلى ما حدث فى المجتمع بشكل عام، كذلك المقارنة بين إغواء شويكار لياقوت ، وبين إثارة شريهان (الجنسية المباشرة) للزلبانى يشير أيضا إلى اختلاف مستوى التحريك والخطاب الجسدى والجنسى، وحتى لا يتمادى المقدم فى التعقيب قبل العرض قفز اقتراح ملتزم يصر على اتباع تقاليد الندوة ، دون أخذ آراء من جديد، ومن يعجبه !!
وعرضت المسرحية ثلاث ساعات بالتمام.
ولم يعرض المونتاج للمقارنة بين لقطات منها ولقطات علشان خاطر عيونك
وهذا بعض ما تناوله النقاش:
1- إن المسرح لا يكون مسرحا إذا ما عرض بالفيديو، فالمسرح لا يكون مسرحا إلا على خشبة المسرح وبالاتصال المباشر بين الممثل والجمهور.
وقد أفاد هذا التنبيه فى الوعى بطبيعة ما يعرض
إلا أن ردا وجيها تصدى له ليقول إن المسرح فى الفيديو هو ‘نص قائم بذاته’، ينبغى أن يعامل من موقعه الجديد، وأنه بالرغم من وجاهة التنبيه إلا أنه لا ينبغى أن يؤخذ باعتباره حكرا أو تهوينا من دور المسرحية حين تعرض بالفيديو.
وأشير فى هذا الصدد إلى أن المسرح فى الفيديو عادة ما يحرم المشاهد من التجول فى المجال الكلى (الجشتالتي) للعرض ، مما يترك لذكاء وخبرة مخرج المسرحية تلفازيا، فأحيانا ما تكون الأرضية (اللخلفية) أكثر دلالة وأولى بالانتباه من الشكل فى المقدمة، مثل موقف الشيخ خميس المسامح المشجع وهو يراقب غز ل ياقوت ونعيمة، أو مثل موقفه وهو يتابع مندوب شركة الحقيقة، أو موقف حضرة الناظر وهو يعرض ابنته فى الفصل الثالث وهكذا. وأن العرض على المسرح دون التلفاز يسمح بالحركة الكلية بين الشكل والأرضية، لكن مادامت الغالبية العظمى من الناس عندنا لا تشاهد المسرحيات إلا فى التلفاز ، فإن هذا النص، بما هو، يستأهل النقد والمناقشة ، منفصلا عن الحضور المسرحى المباشر.
2- إن المقارنة التى تلح على أن القديم كان دائما أفضل لا تساير التطور، ولا تفيد أحدا
3- إن هذا النص المعروض ليس معقدا ولا مركبا ويمكن أن يختلف تلقيه من طفل فى السادسة إلى كهل فى التسعين مارا بمثقف وعالم وأمى ..إلخ، وهذا النص قد قدم الفرض الذى يلوح بضرورة : البحث عن عمق تلقائى فى سطحية ظاهرة
4- إن التغير الذى حدث ما بين السكرتير الفنى وعلشان خاطر عيونك إنما يعلن التغير القيمى العام الذى جرى طوال هذه الفترة
5- إن السلاسة التى تحركت بها أجساد الممثلين فى النص القديم (وخاصة جسد عبد الوارث عسر ثم المهندس ومدبولي) لا بد أن تنبه إلى لغة الجسد فى الأداء، كما لا بد أن تدعو للمقارنة بالتشنجات الأحدث (والصياح التعويضى للانفصال عن الجسد)، وقد اقترح رأى يقول إن ذلك متعلق بقدر ‘الثقة الأساسية’Basic Trust (تربويا وحييا) التى يمكن أن يحظى بها تركيب بشرى وإبداعى بما يسمح له بهذه الكلية التى لا تفصل الجسد عن الوعى عن الحضور ..إلخ، والانفصال عن جسد هو من المظاهر الخطيرة والأساسية من بين التغير السلبى الذى جرى فى حياتنا المعاصرة (راجع الحداثة والجسد فى هذا العدد)
6- إن الهجوم على ما يسمى الأغنية الشبابية، بالمقارنة بطرب أم كلثوم وعبد الحليم ليس محل بحث هذه الندوة ، مع الإشارة إلى أن انتشار ظاهرة ما واستمرارها ينبغى أخذه مأخذ الجد وليس فقط أن يكون موضع الشجب
7- طرح رأى يقول: إنه أولى بمن عنده ثلاث ساعات أن ينفقها مع فن مسرحى حديث يستأهل وقت الإنسان المعاصر من أن يمضيها مع هذا التسطيح مهما أضحك، وقد جاء الرد على هذا الرأى يقول: إن المتلقى المبدع هو المسئول عن تسطيح مثل هذا النص أو تعميقه
8- أشير عرضا إلى مقارنة مع مسرحية ‘ عطوة أبو مطوة’ بما يناسب بند (7)
9- أشير أيضا إلى نوع الرضا المطروح فى المسرحية ، وتحسين وجه للفقر المثالى (إن صح التعبير)، وأن هذا يمكن أن يكون تخديرا منظما
10 – أشير أيضا إلى نوعية الفقر، وأن ثمة فقرا يورث رضا مستسلما ، وفقرا ينتج حقدا يغلى، وفقرا يثير تطرفا عدوانيا، وهكذا ، وأن تفسير ظاهر الإرهاب الحديثة بالفقر والبطالة وما شابه هو تفسير أحادى ، وسطحى، ولم يقبل هذا الرأى من الجميع على علاته.
11- ألمح أحدهم إلى التاريخ الذى كان على السبورة، وأنه فى الأربعينات، رغم أن المسرحية كانت فى حول سنة 1960، ولم يتفق على دلالة ظهورها فى هذا الوقت
12- طرح رأى يقول إن تطور الأحداث كان بالصدفة، وأن الأبطال الأساسيين تحركوا باستسلام خطير، ورد على هذا الرأى بأن ثمة اختيارات كانت مطروحة فى الخلفية طول
الوقت (مثل أن يخضع ياقوت لرأى الناظر أم يتمسك بدوران الأرض، أن يزور فى الدرجات أم يرضى بالفصل) ، وهكذا، وأن الفرص لها قانونها الخاص الذى لم تغفـله المسرحية.
(1)
[1] – هيجل فى فلسفة الحق، دار التنوير لطباعة والنشر، د. إمام عبد الفتاح إمام