باب جديد
محو الأمية (النفسية)
لاحظنا تناقضا بين ما ندعو إليه من ضرورة البدء بالاهتمام بالشخص العادى فى مساره العادى كلبنة أساسية لأى تغيير حقيقى، وبين ما نتقدم به حقيقية وفعلا لمثل هذا الشخص بمعلومات ليست بسيطة وإن كانت ضرورية، وقد حاولنا استعمال الاسلوب العملى والبسيط، عدة مرات منذ صدور هذه المجلة إلا أننا لم نفلح حتى الآن، وحين أعدنا قراءة الموسوعة بالذات، وأحسنا الإنصات إلى ما وردنا بشأنها وبشأن غيرها، قررنا أن نعاود المحاولة.
ونتصور أن هذاالباب هو تحد أكبر من أى باب آخر، ولذلك يأتى إصرارنا هذه المرة على أن ننجح مناسبا لهذا القدرمن التحدى، وسوف نلتزم فى هذا الباب أن يشمل ما يشبه لعبتين : الأولى لعبة: “ليس…. ولكن” فنقدم من خلال هذه اللعبة الشائع الخطأ ( أشبه بباب أستاذنا عيسى عبده : خدعوك فقالوا) والثانية : لعبة: “نعم ….. ولكن” فنقدم من خلالها معلومة شائعة، صحيحة لكنها ناقصة أو مغلوطة، ثم نحاول أن نشير إلى نقصها أو نجلو غموضها أونحدد معالمها.
كما سنقدم أيضا محوا للأمية بعض الأحاديث فى شكل [س، وجـ] حتى لو كان قد سبق نشرها فى موضع وظرف ليس فى متناول قارئ هذه المجلة.
كذلك سوف نضيف فقرة (ربما بدءا من العدد القادم ) نسميها أرقام دالة : سوف نعرض فيها لبعض الأرقام ومعناها سواء كان ذلك إحصاء، أم نتائج بحث له فائدة تطبيقية مباشرة، فمثلا حين نقول إن الفصام موجود بنسبة 1 % فى كل أنحاء العالم، نتبعه بأن فى مصر أكثر من نصف مليون فصامى، أين هم، وكيف ..إلخ
وسوف نحرص دائما ألا يكون هذ الباب أشبه بالنصح والإرشاد المباشرين مهما كان الإغراء يوحى بالبساطة.
محو الأمية هذا العدد عن:
الضلال، والشعور بالنقص، وعدوان المرأة
أولا: حرف الضاد: (ضلال):
يسمى بالإنجليزية delusion يسمى أحيانا بالعربية “هذاء”، وهو يعنى: اعتقاد خاطئ، ثابت، لا يقبل المنطق، ولا يساير الواقع، ولا يشارك فيه الآخرون من نفس البيئة والثقافة، ويعوق الإنسان عادة عن التفكير السليم فى نفس الموضوع، وأحيانا يعوقه عن التكيف والعمل
وليس كل اعتقاد خاطئ ضلالا، ولكن لا بد أن نأخذ حذرنا من أى شذوذ عن المجموع.
نعم هو عرض خطير، ولكن مجرد وجوده لا يعنى جنونا مطبقا.
وحين يظهر الضلال مبكرا، أو يكون مهزوزا نسبيا (ليس ثابتا تماما) أو يكون مصاحبا بانفعالات مناسبة لمحتواه فإنه يمكن أن يعالج بسهولة بالعقاقير أولا، وأحيانا بجلسات تنظيم المخ
وإذا كان الضلال مزمنا وقديما، يمكن أن نصرف النظر عن التخلص منه فى مقابل ملء التفكير بمحتوى سليم يحل محله.
حرف النون: نقص
( الشعور) بالنقص: هو أن يشعر الإنسان أنه أقل قيمة، وأقل قدرات، من حقيقة قيمته وقدراته، وليس كل شعور بالنقص مرضا، وخاصة فى فترة المراهقة، نعم هو شعور صعب لكنه قد يكون مفيدا إذا كان دافعا للتفوق، وهذا الشعور قد يكون مسؤولاعن ما يسمى “رهاب المجتمع ” social phobia وقد يكون مصاحبا للاكتئاب، وفى هذه الحالة يعزوه الإنسان إلى تقصير أو يشعر الواحد بثقل ظله بغير حق.
ولا يعالج الشعور بالنقص بالنصح والإرشاد، وإنما يمكن للفتى أو الفتاة التركيز على الإنجازات البسيطة والحقيقة، كما أن ما يسمى بالعلاج المعرفىcongitive therapy يجعل المريض (أو الشخص) يردد عبارات تؤكد إنجازاته وتفوقه.
والعقاقير عادة لا تفيد فى علاج الشعور بالنقص، بل ويخشى من التعود عليها إذا كان هذا الشعور ممتدا (مزمنا)، أى إذا كان سمة من سمات الشخصية، ولو مرحليا
ومن المهم ألا نقرع الأطفال بجرعة أكبر من أخطائهم، وأيضا لا بد من الحذر من عقابهم أو توبيخهم أمام آخرين(كبارا أو صغار)، فمن أهم ما يعمق الشعور بالنقص خبرات الإهانة العلنية، والمهان فى موقف العجز عن الرد، خوفا أو أدبا يترسب فى داخله بجانب الشعور بالظلم والقهر، شعورا بالنقص والعجز يظل غائرا، وقد يمتد إلى مواقف أخرى كثيرة غير الموقف المسبب له.
كذلك من أهم ما يترتب فى نفوس الأطفال أن يشعروا بالصد (ظاهرا، والأهم باطنا)، أو أن يعاملوا كالأشياء التى يمكن الاستغناء عنها أو استبدالها، أو ألا نلاحظ بعض إشاراتهم التى يقصدون بها لفت النظر أو الحصول على الحق فى التشجيع
والتشجيع ليس مسألة تصفيق، بل لعل كلمة “برافو ” الشائعة هى من أضعف الكلمات قدرة على نقل ما نعنى، المهم هو ” الاحترام” وقد يتعجب الأهل كيف يحترم الكبير الصغير، فنقول إن الاحترام هو أن تضع الشيء فى محله لا أكثر ولا أقل، فلا تفرط فى مدح ما لا يستحق، ولا تبالغ فى التهوين لما يستأهل التقدير المناسب.
ثانيا: حديث: عدوان المرأة
* المرأة : الحنان، الرقة . الأمومة : كيف تتحول إلى قاتلة، وخائنة، ومجرمة.؟
بداية، لا بد أن نعيد النظر فى بعض المفاهيم التى شاعت حول بعض الكلمات، سواء الكلمات ذات السمعة السيئة مثل العدوان والعدوانية وما إلى ذلك، أو الكلمات ذات السمعة الحسنة مثل: الحنان والرقة ..إلخ .
فليس كل عدوان قتل . بل هناك العدوان الإقدام والعدوان التغيير والعدوان الإبداع
وليس كل حنان فضل أو فضيلة، فهناك الحنان الجبن، والحنان الشفقة المتعالية، والحنان التخلي.
كما أن عدوان المرأة له إيجابياته وسلبياته مثل الرجل على حد سواء
غير أن المرأة وهى تنتقل من مرحلة القهر والتبعية والتسليم إلى مرحلة الاستقلال والإبداع والاقتحام، لا تكاد تميز بين العدوان الإيجابى والعدوان السلبى، ونحن نحاسبها على سلبياتها دوو أن نحمد لها إيجابياتها
فاقتحام المرأة لمجالات جديدة، وثورتها على قيود قديمة، وإبداعها فى حقول متعددة هو من أهم ما ينبغى رصده جنبا إلى جنب مع مضاعفات هذه الاندفاعة المسماة بالعدوانية ( وليس العدوان) فى شكلها السلبى الذى يظهر فى صورة جريمة نكراء، أو خلق مرذول.
ثم إننا لا بد أن ننظر فيما يميز المرأة عن الرجل فى هذا الصدد.
فلا يكفى أن ننظر إلى عضلات الرجل ومظهره، أو نلتفت إلى غروره وارتفاع نبرة صوته لنتصور أنه الجنس الأقوى أو الجنس الأقسى، ذلك أن التاريخ البيولوجى للحياة يقول إن الأنثى دائما كانت – وما زالت- هى الأقوى والأقدر، والأكثر مسئولية عن استمرار الحياة، والجنس الذى يتصف بهذه الصفات لا بد أن يكون أكثر حذقا فى الدفاع عن الحياة بما فى ذلك استعمال الحيل الدفاعية بكل أنواعها، وبما فى ذلك العدوان والعدوانية مهما اختلفت صورهما.
كذلك فإن بعض صور ما يسمى الحنان والرقة لا تعدو أن تكون عجزا وسلبية وتخل عن المسئولية.
ومن هذا وذاك يستحسن أن نراجع أنفسنا قبل أن ننعى ضياع القيم الذى هز صورة المرأة والأم كما نتصورها ( وليس كما هى) وقبل أن ندهش لظهور العدوان صريحا عنيفا من بعض النساء كما شاع أخيرا .
*… نعانى من انحسار القيم الروحية الجميلة ضد طاغوت المادة ..وأصبحنا نعيش عصرالجريمة ..جريمةالإنسان ضد أخيه الإنسان ..والإبن العاق ..والأب الجاحد وأيضا الأم القاتلة .(!؟)
الجريمة موجودة منذ وجد الإنسان، قبل التكنولوجيا والتقدم، والجريمة موجودة داخل الأسرة، فقد قتل قابيل هابيل حسدا وضغينة، وحواء ارتكبت خطأ هو أقرب إلى الجريمة حين سولت لها نفسها إخراج زوجها الآمن المؤمن من الجنة، وكلنا يذكر شجرة الدر، ومؤامرات حريم السلطان، والجرائم فى القبيلة البدائية لا تستثنى المرأة الصائدة المقاتلة أبدا .
بصراحة لا بد من التأنى قبل الاندفاع لإظهار الأمر وكأنه بدعة لم تحدث من قبل، أو كأنها ظاهرة ضد الطبيعة وضد التاريخ.
* .. زوجة تقتل زوجها .. تقطعه إربا .. تضع كل قطعة فى كيس بلاستيك وتلقى بها فى سلال القمامة، مطلقة تقتل طفلها (الوحيد) لتتخلص منه وتتزوج، مطلقة تقتل أمها العجوز لتجد مسكنا تتزوج فيه :
وئدت مشاعرالحب والأمومة الفطرية التى أودعها الله فى قلب حواء .. كيف ؟
لا شك أننا جميعا نقشعر لسماع مثل ذلك، ولا يوجد أى عذر يبرر كل هذه الوحشية والقسوة .
إلا أننى من واقع ممارستى الخاصة أستبعد تماما التسليم لمقولة أن مثل هذه الجرائم قد تواترت لتمثل ظاهرة تستدعى الوقوف عندها .
فأنا متأكد أن الإحصاءات الحقيقية مازالت تدرج مثل هذا الشذوذ تحت طائفة الندرة، ولكن مبالغة الإعلام فى الإصرار على تكرار نشر مثل هذه الجرائم ( أحيانا فى الصفحات الأولى)، بالإضافة إلى حاجتنا نحن أن نسقط قسوتنا المختبئة على غيرنا فى الخارج وكأننا نتخلص منها بالمبالغة فى وصف الآخرين بها (وهذا بعض تفسير انتشار أفلام العنف مثلا،) هذا وذاك هما اللذان يزيدان من حجم المسألة حتى نتحدث عنها كظاهرة.
ثم إننى لست من الذين يعزون انتشار هذه البشاعة ببساطة إلى الفقر مثلا والظروف الاجتماعية، فهذا أيضا تفسير سطحي.
لكننى أعترف حتما أن الوازع الشخصى قد ضعف فعلا، وأن الوازع الدينى أصبح يستعمل – فى الأغلب – من الظاهر وعلى هامش الوجود البشرى ، وأن العلاقات بين الناس أصبحت أكثر تسطيحا وأقل مسئولية، وكل ذلك يعتبر من العوامل التى أدت إلى ظهور هذه الحالا ت التى ما زلت أصر على أنها فردية، وليست ظاهرة .
* الزوج لا يعرف الكلام المعسول الرقيق التى تسمعه الزوجة عادة فى الأفلام والمسلسلات، وكل جريمته أنه رجل وقور محترم …ليس لديه الوقت الذى يدلع فيه زوجته ….الزوجة تحتفظ براتبها فى البنك ولا تساعد زوجها المريض بالقلب فى مصروفات العملية وما تعقيبك؟
نعم، هذا وارد، واحتجاج الزوجات من هذا التصرف جائز، وأنانية الزوجات نقابلها بين الحين والحين.
ولكن عندك، فأنا لا أريد أن أدافع ابتداء عن مآخذ أخلاقية إجرامية مرفوضة حتما، إلا أننى أود أن أنبه إلى الجانب الآخر للقضية بدءا من الآخر للأول:
فالزوجة التى تحتفظ براتبها فى البنك ليست هى القاعدة، بل إن الزوجات العاملات يقاسين الآن من سوء الاستعمال المادى بالإضافة إلى القهر البيتى، فأصبحت الزوجة خادمة وممولة ومحظية فى نفس الوقت، فإذا جاءت زوجة واحتفظت براتبها فلا بد أن نعتبرها استثناء من ناحية، كما ينبغى أن نتأكد من حقيقة حاجة زوجها المريض لقرشها فعلا، فإذا امتنعت فهنا يقع اللوم عليها بنفس القدر الذى يمكن أن يقع على الوالد الذى لا يعالج ابنه استخسارا رغم وفرة موارده، أو الزوج الذى يهمل حقوق زوجته الإنسانية ( بما فى ذلك الرعاية الصحية)، رغم يساره .
أما الاحتجاج بالافتقار إلى الكلام المعسول، والتدليع من جانب الزوج، فهو ليس شائعا كما نتصور، فإذا حدث فاللوم لا يقع فقط على الزوجة، وإنما أساسا على وسائل الإعلام والتربية التى أشاعت هذه المفاهيم عن الحب، مفاهيم عدم النضج والعبثية، وأموت فيك وتموت فيه”، فتعريف الحب الناضج علميا هو الرعاية والمسئولية والمشاركة واحتمال الاختلاف، فأين هذا كله من ” تموت فيه”، أو من ” إحنا من غيرك ولا حاجة.
ومع مسئولية وسائل الإعلام فإن الزوج أيضا مسئول إذا تصور أن عقدالزواج يسمح له بالتمادى فى الإهمال والتنفير والخشونة.
فإذا خرجت زوجة عن طوقها تحت تأثير خداع الإعلام غيرالناضج من ناحية، وجلافة زوجها من ناحية، فلا بد أن نتأنى قبل الهجوم عليها ولومها.
* المرأة المطلقة التى تدفع أولادها دفعا لكره والدهم (؟!)
مرة أخرى ، هذا الأمر يحدث من الطرفين بنفس القدر، ولا يمكن أن تختص به المرأة
* الزوجة التى تلجأ إلى العلم الحديث لتقتل زوجها بالسم البطئ…ولك أن تعرف أن هذا السم البطئ هو نقطة دم فاسدة من دماء الدورةالشهرية .
أولا هذا ليس علما ولا هو حديث، فإشاعة أن نقطة الدم من العادة الشهرية قاتلة، هى إشاعة غير علمية حتى ولو كانت فاسدة، وهى من معتقدات السحرالأسود لا أكثر ولا أقل، وهى ليست ظاهرة متواترة الحدوث كما يبدو من حادث عابر نشر أو ما إلى ذلك.
خلاصة القول:
إننى مازلت أرى أن المرأة لم تأخذ حقها كاملا حتى نحاسبها بنفس الميزان الذى نحاسب به الرجل الذى يتمتع بكل السلطات والدعم والتأمين والسطوة والوفرة المادية من فرص العمل واستقلالية الحركة .
أما المرأة العصرية، حتى لو كانت متعلمة أو عاملة، فهى مازالت تعيش فى جو من عدم الأمان، يفسر أحيانا بعض عدوانها الصريح أو الخفي
ثم إننى أفضل أن ننتبه إلى عدوان المرأة السلبى بدلا من الدهشة لبعض عدوانها الصريح فى شكل جرية أو اعتداء .
فالعدوان السلبى أكثر إضرارا، وأبعد عن المقاومة لشدة خفائه، ذلك أن العدوان الصريح مرتبط بشكل أو بآخر بالذكورة وهرمونها .
أما العدوان الأنثوى (ومن بعض صوره الاعتمادية المفرطة، أو التملك المعيق، أو الاحتواء الملتهـم) فهو ما يميز عدوان المرأة، وهو ضار بتنشئة الأطفال، وبإبداعها وإبداع رجلها بشكل أو بآخر، الأمر الذى يحتاج إلى تفصيل آخر.