عيد بأية حال عدت يا عيد
بما مضى أم لأمر فيك تجديد
(المتنبى)
أيمن حامد عبد الشافى
I– مقدمة:
من على منبر شديد الخصوصية طرح الأستاذ الدكتور/ يحيى الرخاوى فى العدد الأخير من مجلة “الإنسان والتطور” التى تصدرها جمعية الطب النفسى التطورى (1) وفى المقال الافتتاحى استعرض وبإيجاز غير مخل مجمل الأوضاع القائمة فى وطننا الحبيب وتسائل السؤال الذى يلح على كل فرد منا من آن لآخر : ما الحل؟ وهو تساؤل قد نستطيع أن نطلق عليه ” الشارع السد” لأن تشخيص المرض فى “المسألة المصرية” -رغم أنها حلقات متداخلة متواصلة متشعبة ومعقدة التركيب – إلا أنه واضح الأعراض مكتمل المنصاب ولا نملك الآن إلا السؤال “الشارع السد” ما العلاج؟ ما الحل؟ !
II- المحاولة:
محاولة أستاذ جامعى وطبيب نفسى معروف وأديب وفيلسوف يمتلك خبرة العلم والحياة د. يحيى الرخاوى اشتمـلت على عدة أطروحات للوضع الراهن والقائم بالفعل قائلا:
”إذن ماذا؟”
1- ننشئ حزبا ينزل إلى الشارع يلتقط إيجابيات البؤر الخفية التى تتجمع تلقائيا حتى لا تفقد الأمل؟
2- نستمر فرادى أو جماعات صغيرة كل فى موقعه فى انتظار الانهيار الكامل لتتجمع البؤر المرتعشة فى نبضة منقذة؟
3- نتوقف تماما – أمانة مع أنفسنا – حتى لا نتصور أنه بمزيد من الكلمات المتبادلة فى الصالونات (الثقافية !!) أو المنشورة فى مثل هذه المجلة، تصور أنها الحل وهى ليست إلا هربا منظما فى الأغلب؟
4- ننسى كل شئ ونتعمق فى اللحظة لأنه للكون قدر يدبره “وللحياة نبض يحميها” “وللإيمان رب يرجحه”؟
ليست عندى إجابة”.
III- التعقيبات:
تعقيب (1): لا أعتقد أن د. يحيى الرخاوى قد قصد بسؤاله ومن ثم أطروحات الحل هو أن يقدم جميع الخيارات المحتملة ولكن فى اعتقادى أن طرحه للسؤال – مجرد الطرح – هو إسقاط حجر فى الماء الراكد بغرض تحريك مبدئى للطبقات التى هى من المفروض أن تقول كلمتها (بالفعل والحركة) فى هذه الآونة ومنتظرا ردود الأفعال التى بلا شك قد بدأت تتوالى عليه إن لم يكن قد بدأ هو بالفعل.
تعقيب (2): إن هذه الاحتمالات ليست كل الاحتمالات والأطروحات المتوقعة بلا شك ولكنها محاولة ذكية لاستدراجنا للتفكير المنظم وللخروج بنا من حيز الانشغال الذاتى الداخلى إلى حيز جديد وإلى مد الجسور مع الآخرين ولخلخلة التشرنق الفردى الضارب بين طبقات المثقفين.
تعقيب (3): إنه لا يوجد فرد أو جماعة تملك الحل الأكيد والنهائى والمطلق لأنه لا يوجد أحد (فرد / هيئة / حزب / جماعة) على وجه المعمورة يملك الحقيقة المطلقة لأن كل شئ نسبى فما بالك والمشكلة المعروضة هى “المسألة المصرية” بكل أبعادها المعقدة!
تعقيب (4): لا دائم إلا الحركة” جملة قيلت فى ملحمة الحرافيش لنجيب محفوظ وهى الفلسفة البسيطة التى تشير إلينا بأصابع الاتهام، فإما الحركة (الحياة/ الموت) وإما اللاشئ أى السكون الخمود الهمود التلاشى والعدم (2) والمعادلة التى لا معنى لها هى التى تقول:
ميلاد بيولوجى —* حياة بيولوجية —* موت بيولوجى = لا شيء.
أما تحدى الإنسانية فيقوم على معادلة أخرى:
ميلاد بيولوجى —< الوعى بيقين الموت —< ميلاد الوعى الجديد —* الحركة والإبداع —* الالتحام العرضى مع المجتمع والطولى مع الأجيال السابقة واللاحقة = خلود حقيقى + موت بيولوجى (لا يهم).
IV- الاسترسال
1- بعد كل هذه التعقيبات / المقدمات هل نستطيع أن نتساءل أى من الأطروحات الأربعة نختار؟ علما بأن خيارين منها (الثالث والرابع) لا يتضمنان أى حركة أو إبداع أم أن الاختيار الحقيقى ينحصر فى حــلين (الأول والثاني) ؟
2- إن الحل الثانى فى حقيقته استمرار للوضع القائم بالفعل وحركة انتظار أيضا، وما الذى يدرينا أن الذى ننتظره نبضة منقذة؟
3- هل يصبح السؤال المفروض علينا الآن هو سؤال : ما الحل؟ أم يصبح السؤال المناسب: كيف؟
كيف نبدأ البداية الصحيحة الواقعية والعلمية ضد الهيمنة المفروضة من محور واحد فقط (هيمنة التراث الدنيى + العنف / هيمنة السلطة + العنف / هيمنة الأثرياء الجدد + الفساد) بدلا من المحورين السابق ذكرهما فى المقال الافتتاحى للدكتور / يحيى الرخاوى:
أ- محور بين حملة السلاح: البوليس والجيش والبلطجة الرسمية من ناحية والمتدينين المنغلقين المسلحين أيضا فى الجانب الآخر.
ب- محور (بين الأثرياء الجدد والعدوانيين السلبيين الممتنعين) أو هم نحن فى حقيقة الأمر.
ويصبح الممتنعون جبهة عريضة فى محور واحد جديد ضد محور الهيمنة (الفتوة / ناظر الوقف) فى آخر المحاولات الجادة للخلاص من السقوط كما حلل د. حسن حنفى رواية “أولاد حارتنا” نجيب محفوظ(3).
4- التساؤلات المطروحة بشدة حول الحل الأول (إعلان حزب سياسي) هى : هل يمكن لحزب سياسى – فى ظل الأوضاع الحالية – أن يضيف جديدا على الساحة؟
وهل السياسة هى الحل الأساسى وميدان المعركة الرئيسى الآن؟
لا شك أنها ميدان هام وأساسى ولكن هل يمكن الآن العمل الجاد والمثمر من خلال حزب سياسي.؟ ولا أقول تداول السلطة بطريق الانتخابات ! وهل الدخول فى لعبة الانتخابات مضمون العواقب فى ظل السيطرة البوليسية من ناحية والعصبية القبلية من ناحية أخرى وبدون أرضية فكرية واجتماعية تتيح للمرشح النجاح؟ ولا أعتقد أن إجابات هذه الأسئلة فى صالح هذا الطرح فى وقتنا الراهن.
ونعود من جديد للتساؤل (الشارع السد) ما الحل؟ مع الاعتبار بقناعات ثلاث:
أولا : أزمة مصرية شاملة (ثقافيا،سياسيا، اجتماعيا، اقتصاديا، أخلاقية … إلخ).
ثانيا: أن الحياة (بما أنها حياة) تحتم علينا الحركة (لا العدم).
ثالثا : أن الحل السياسى ربما يكون حلا مستقبليا نافعا ومثمرا إلا أنه بغير ضرورة آنية ملحة.
أما القناعة الرابعة التى يجب أن تضاف فهى عامل الزمن: يقول د. غالى شكرى “إن إرادة الانتساب إلى العالم الجديد تغدو برنامجا حضاريا شاملا لعالمنا (العربى والإسلامي) حيث يلعب الزمن دور البطولة فنحن فى سباق تاريخى عنوانه الأكيد “نكون أو لا نكون”. (4) أما الأستاذ / السيد ياسين فيقول فى مقاله الهام “الإرهاب وتحديات التغيير”.
”فنحن فى النهاية فى حاجة إلى مشروع جديد للتجدد الاجتماعى يبنى على أساس استحداث المؤسسات وإبداع الأفكار وعدم الخوف من التجديد والجسارة فى اقتحام المستقبل” (5).
V - حل مقترح:
1- المبادرة بالإعلان عن قيام جماعة أو حركة/ جمعية/ شركة لا تستهدف الربح فى إطار قانونى سليم.
2- نشر الفروع فى جميع مدن مصر بقدر الإمكان بواسطة أفراد موثوق بهم بداية لحين استكمال جميع الهياكل التنظيمية بالانتخاب.
3- دعوة الجمعيات والمنتديات والنقابات والأحزاب للمشاركة لينتمى الجميع إليها دون فقد هويتهم وعلى اختلاف المشارب والألوان.
4- الحركة اجتماعية ثقافية فى المقام الأول هدفها الرئيسى والصعب “إعادة تشكيل الوعي” للإنسان المصري.
5- جماعة تقوم من أجل الإنسان (أى إنسان) تتوجه للطالب والعامل والفلاح وربة المنزل والموظفة وأصحاب المحال، المثقف والغير مثقف، تخاطب الجميع بلغة بسيطة وشعارات أبسط وبكل صدق.
6- جمعية لا تبغى الصراع بقدر ما تتبنى التقارب والتوافق (لا التلفيق) من أجل تغيير البنية الثقافية التحتية للمجتمع (6).
7- حركة لا تقوم على “القص واللزق” بل بالخروج كليا على النص عن طريق إبداع المعادلة البديلة لمختلف النصوص وهى المعادلة التى تصوغ “المجتمع المدنى الحديث(7).
8- حركة تثور على الفكر الدينى المتزمت وحركات الإرهاب الدموى لا ثورة على الدين نفسه، كما أطلق عليها د. غالى شكرى ” الأيديولوجية الشعبية الراقدة فى وعى ملايين المؤمنين وكأننا نحارب الجماهير نفسها” (8).
9- حركة تطبق الأساليب الديموقراطية على نفسها قبل أن تنادى به، فلا احتكار للفكر أو للقيادة لأنها ضد التسلط بجميع أشكاله (الفردى، الأسرى، السياسى، الاجتماعي) (9).
10- حركة تستعيد التاريخ (كل التاريخ) بموضوعية لا تنحاز بل تقيم، وتقيم لكى تستفيد لتمضى فى الحاضر صوب المستقبل.
11- حركة تستوعب العلم، تستخرجه من قلب الوطن لحل مشكلات الوطن لا حركة تقوم على الأسطورة والخرافة بل لتحتويهم بعلمنتها (بجعلها شيء علمي) ووضعهما فى الإطار الصحيح لهما نقبل منهم ما نقبل ونرفض منهم ما نرفض ونهذب ونبحث فيهم عن النافع مدركين تطور الإنسان وحاجته الإنسانية عبر كل العصور (10).
12- حركة تؤمن أن المرأة كيان إنسانى كامل متكامل وأن الإنجاب والرضاعة ميزتان تتفوق بهما على الرجل لتنهى ذلك الاستعلاء الذكرى الأجوف(11).
13- حركة تتصالح مع البيئة الطبيعية، حركة زرع وبناء لا حركة هدم واجتثاث.
14- حركة تستعيد قيمة الإنسان من أجل الإنسان فى واقعة الحى ومستقبله المأمول بدلا من التغريب الحادث ومن الماضوية المهلهلة عدو التقدم الحقيقى للإنسان (12)..
15- حركة تستوعب آمال الجيل الجديد، هذا الشباب المتمزق بين أضلاع السلطة، الدين، الثراء المستفز لينتفض مهاجرا أو متغربا (عبدة الشيطان وأمثالهم) أو إرهابيا دمويا أو مدمنا أو فى أحسن الأحوال سلبيا ممتنعا.
16- حركة تشجع الفن الحقيقى الهادف والإبداع الخلاق من أجل دور أقوى وفاعل فى تشكيل وعى الإنسان الجديد.
كلمة أخيرة
إن تحمست فأرجو أن تجدوا لى عذرا وإن أوجزت فأرجو ألا يكون الإيجاز مخلا بالمعنى وإذا اتفقنا على المضمون وإذا خلصت النيات فسوف تشرق الشمس من جديد، وأستميحكم عذرا إن استعرت من المتنبى هذه الأبيات:
وإذا لم يكن من الموت بد فمن العجز أن تموت جبانا
كل ما لم يكن من الصعب فى الأنفس سهل فيها إذا هو كانا
والسلام ختام،،، الإسكندرية فى 30 نوفمبر .1997
الأسانيد:
1- الإنسان والتطور السنة الثامنة العدد 59 أكتوبر – ديسمبر .1997
2- ملحمة الموت التخلق (دورات الحياة وضلال الخلود .. فى حرافيش نجيب محفوظ)
قراءة يحيى الرخاوى الهيئة العامة للكتاب .1990
أنظر أيضا كتاب حيرة طبيب نفسى د. يحيى الرخاوي.
3- د. حسن حنفى السقوط والخلاص (قراءة فى رواية أولاد حارتنا لنجيب محفوظ)
عالم الفكر المجلد 23 العدد 4.3 ، 1995 المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب – دولة الكويت.
4- د. غالى شكرى “الخروج على النص” تحديات الثقافة والديموقراطية. دار سينا للنشر
الطبعة الأولى .1994
5- السيد ياسين “الإرهاب وتحديات التغيير” جريدة الأهرام الخميس 1997/11/27.
6- نصر حامد أبو زيد نقد الخطاب الدينى دار سينا للنشر .1992
7- د. غالى شكرى المرجع السابق.
8- د. غالى شكرى المرجع السابق.
أنظر أيضا د. محمد نور فرحات “البحث عن العقل” حوار مع فكر الحاكمية والنقل، كتاب الهلا ل أغسطس 1997 العدد .560
9- د. نصر حامد أبو زيد “النص، السلطة، الحقيقة” الفكر الدينى بين إرادة المعرفة وإرادة الهيمنة “المركز الثقافى العربى الطبعة الأولى بيروت .1995
10- د. يحيى الرخاوى “الحاجة إلى علمنة الخرافة” ملحق أهرام الجمعة أكتوبر .1997
أنظر أيضا د. محمود سيد القمنى الأسطورة التراث دار سينا للنشر .1995
11- د. محمود سيد القمنى رب الزمان ودراسات أخرى دار سينا للنشر.
12- محمد أركون نزعة الأنسنة فى الفكر العربى (جيل مسكاوية والتوحيدي) ترجمة هاشم صالح. دار الساقى بيروت 1997 .