حالات وأحوال: ألعاب علاجية
(حق الخيبة)
كانت هذه الجلسة هى أول جلسة فى رمضان (1418هـ) وكان الميعاد قد تأخر نصف ساعة، وحضرت (س) التى كانت قد غابت الجلسة الماضية، وسأل المعالج “من الذى يرغب أن يشتغل (مين اللى عايز يشتغل؟(1) ولما لم يستجب أحد ساد صمت غير مألوف، طال، ولم تقطعه شكوى أى من المرضى من هذا العرض أو ذاك، فقد كانت المجموعة قد تعلمت أن وصف الأعراض مرارا وتكرارا لم يعد مفيدا، بل لم يعد مقبولا حرصا على الوقت، طال الصمت ، ولم ينكش المعالجان أحدا، أو يعزمان على أحد بالبداية.
قالت (س) بعد أن طال الصمت أكثر وأكثر، إنها حين تمر بمثل هذه الخبرة تشعر بشعور داخلى تريد أن تصفه، ثم استدركت قائلة إنها “الآن” تشعر بهذا الشعور،: “أشعر بخيبة”، وأن هذا الشعور يزعجها ، وهى لا تحبه، وهى تريد أن تتخلص منه، وتطور الحوار مع المعالج الأساسى إلى وضع عدة احتمالات، منها أن الكلام يلهى عن رؤية الداخل، وأن الصمت قد كشف هذه المساحة من الواقع الداخلى، ويبدو أن ما كـشف هنا هو كيف أن الكلام يقوم بوظيفة هامة حين يلهى (س) ، أو يلهينا جميعا عن خيبتنا الموجودة بشكل أو بآخر، وأن هذا الصمت الذى بدأت به هذه الجلسة هذا الصباح قد واجهنا بموضوع الخيبة “هكذا” مباشرة.
ولم يحاول المعالج أن يترجم الخيبة إلى ما شاع عنها مثل خيبة الأمل ، أو الضعف، وإنما ترك التفاعل يعطيها المعنى الممكن، وبدا من مشاركة بعض الأعضاء أن نفس المنطقة-منطقة الخيبة- قد تحركت فى معظمهم بشكل أو بآخر، وبدا أننا نقف من خيبتنا موقفا يحتاج إلى تعرية، فنحن نتخذ إزاءها موقف التغطية، أو الإلغاء إذا ما اقتربت منا، أوربما أنكرناها ابتداء قبل أن تقترب أصلا، ويبدو أن الأقل من الناس هو الذى يقف من خيبته موقف القبول فالاختراق.
فحاول المعالج أن يبدأ بدعوة (س) أن تقبل خيبتها، فرفضت قائلة:
إنه موقف مزعج، حيث لا أستطيع من خلاله أن “أفعل”، بل لا أستطيع أن أرى ماذا هو.
وأضافت أن كل ما تشعر به هو أنها متعبة، ورافضة، وعاجزة، وما يشبه أنها مكشوفة، مع بعض الخجل والميل إلى التراجع، وأنها ترفض هذا الصمت الذى أدى بها إلى هذا، وفى نفس الوقت أعلنت أنها ما زالت عاجزة عن بدء الكلام.
وحين سئلت: أليس من حقك- من حقنا-، أن نكون خائبين “أحيانا”، أو “بعض الوقت”، أو “من حيث المبدأ” قبل أن نسارع بهذا الإنكار ..إلخ، أجابت بالنفى لأنه شعور صعب ومزعج، وهنا ظهر اقتراح هذه اللعبة.
اللعبة (2):
يقول كل واحد من المجموعة الجملتين الناقصتين التاليتين الواحدة بعد الأخرى، ثم يكمل كل واحدة منهما موجهاخطابه إلى أحد أعضاء المجموعة (دون استثناء المعالجين).
الجملة الأولى: أنا من حقى أبقى خايب لو…..(ثم يكمل)
الجملة الثانية: أنا مش عايز أبقى خايب علشان…..(ثم يكمل)
وقد جرت اللعبة على الوجه التالى:
باسم:
أنا من حقى أبقى خايب لو: ضعفت
أنا مش عايز أبقى خايب علشان: ماضعفشي
نجوى:
أنا من حقى أبقى خايبة لو: الناس ما خدوش بالهم
أنا مش عايزة أبقى خايبة علشان: ما حدش يشوف خيبتي
سلوى :(وهى التى بدأت التفاعل واقترحت اللعبة من أجلها)
أنا من حقى أبقى خايبة لو: الشيء اللى قدامى مش موجود
أنا مش عايز أبقى خايبة علشان: أعرف أعيش
(……..ثريا): (وهى الفصامية، وكانت حالتها متدهورة هذا الصباح، وتبدو بعيدة جدا)
أنا من حقى أبقى خايبة لو: بقيت قوية
أنا مش عايز أبقى خايبة علشان:هاموت
[ولم نتذكرالعضوالخامس]
د.حازم (المعالج المساعد)
أنا من حقى أبقى خايب لو: أنا عايز كده
أنا مش عايز أبقى خايب علشان: ماضعفشي
د. يوسف (المعالج الرئيسي)
أنا من حقى أبقى خايب لو: الناس سمحت بكده
أنا مش عايز أبقى خايب علشان: ما حدش حا يحترم خيبتي
القراءة:
أولا: نظرة عامة.
يلاحظ:
1- إن أحدا لم يرفض أو يقاوم بشكل مباشر أن ثمة حق يسمى “حق الخيبة“، فى حين أن هذا المفهوم غير مطروح أصلا فى الحوار العادى عند عامة الناس، بل إن الخيبة تكاد تكون سـبة يعاير بها الناس بعضهم بعضا طول الوقت.
2- إن رفض الخيبة (أنا مش عاوز أبقى خايب) غير إعلان وجودها (أنا من حقى أبقى خايب)،وهما لا يتنافيان، ذلك أن استعمال الحق (من حقى أبقى خايب) هو أمر متروك لصاحبه، أى أن وجود الحق لا يعنى بالضرورة وجود ما يستتبعه من استعمالات مناسبة أو غير مناسبة.
3-(فرض:) إن إعلان: من حقى أبقى خايب ، بدا -غالبا- مرادفا لـلقول: إن من حقى أن أعترف بخيبتى، وأن أعلنها بشكل أو بآخر.
4-يبدو أن الخيبة ليست مرادفة للضعف، وإن كانت قريبة منه ومرتبطة به (باسم، د. حازم).
5- يبدو أيضا أن الخيبة مرتبطة برؤية الناس لها، وبالتالى فإن تخبئتها أو تجنب الاعتراف بها يرجع أساسا لرفض الناس لها أكثر مما يرجع إلى نكران صاحبها لوجودها (نجوي- د.يوسف).
6-إنه يمكن إظهار الخيبة إذا ضمن الواحد قوته (ثريا، رغم فصاميتها) أو كفعل إرادى (د. حازم: أنا عايز كده).
ثانيا: ملاحظات خاصة:
باسم:
أنا من حقى أبقى خايب لو: ضعفت
أنا مش عايز أبقى خايب علشان: ماضعفشي
يشير باسم هنا إلى أنه لن يقبل (يعلن) خيبته، إلا حين يضعف، أى: إلا مضطرا، فهل معنى ذلك أنه طالما كان قويا فهو قادر على أن يظل محتفظا بخيبته سرا بينه وبين نفسه، أم أنه حين يكون قويا لن يكون خائبا أصلا، الاحتمال الأول هو الأقرب ، بمعنى أن الحق فى الخيبة هو أمر وارد ، لكن ليس هناك – فى ظل ما ألفنا، وما صورنا به أنفسنا للناس- مبررا لإعلانه، فإذا ما ضعف الواحد – مثلما نبهنا “باسم”، فلا مانع من أن يلجأ إلى استعمال هذا الحق المؤجل.
وفى الجزء الثانى تنقلب الآية: فيصبح الضعف نتيجة للخيبة ، وليس مبررا لإعلانها، فهو يرفض الخيبة خشية أن يترتب على قبوله لها أن يستسلم لها، وبالتالى يضعف، وهذا مؤشر محدد يقول: إن الخيبة ليست مرادفة للضعف بهذه البساطة التى يشاع عنها
نجوى :
أنا من حقى أبقى خايبة لو: الناس ما خدوش بالهم
أنا مش عايز أبقى خايبة علشان: ما حدش يشوف خيبتي.
تؤكد نجوى هنا على أهمية موقف الناس من الخائب، وأنهم بدلا من أن يسمحوا بذلك، أو أن يروه فى أنفسهم، يسارعون برفضه أو استغلاله لصالح تفوقهم الزائف، أو هم يسقطون عليه ما أخفوه من خيبتهم شخصيا، وبالتالى فإن نجوى لا تمانع من أن تواجه خيبتها، بل وتعترف بحقها فى الخيبة، ولكن فى السر، بينها وبين نفسها، إلا أن هذا الاعتراف السرى تكون فائدته محدودة، والتراجع عنه سهل، والشك فيه وارد، والخجل منه باب لإلغائه.
أما الجزء الثانى من اللعبة فهو يؤكد الجزء الأول ، ولكنه لا يبرر إخفاء الخيبة بقدر ما يتمنى ألا توجد أصلا ، ليس لأنها مرفوضة، أو غير طبيعية، أو شاذة، ولكن حتى لايراها الناس من أصله، فرفض الخيبة هنا ظلم على صاحبها إلا أنه ما دامت غير مقبولة منهم فلا داعى لها.
سلوى :(وهى التى بدأت التفاعل واقترحت اللعبة من أجلها)
أنا من حقى أبقى خايبة لو: الشيء إللى قدامى مش موجود
أنا مش عايز أبقى خايبة علشان: أعرف أعيش
الجزء الأول: بالرغم من أن سلوى كانت سبب بداية هذه اللعبة إلا أن استجابتها جاءت غامضة بشكل غير متوقع، وكالعادة، حسب قواعد اللعبة (وقواعد العلاج إلى درجة أقل) لم نفاتحها عن هذا الشيء الذى أمامها، والذى يمنعها أن تتمتع بحق الخيبة.
وفى الجزء الثانى من اللعبة بدا أن درجة الخيبة التى أثارها الصمت فى بداية الجلسة العلاجية هى كبيرة لدرجة أنها يمكن أن تعتبر حائلا دون الاستمرار السلس، ولا يمكن فهم هذا الجزء فهما كافيا ما دام هذا “الذى أمامها” غامض بهذا الشكل،
(……..ثريا):(وهى الفصامية، وكانت حالتها متدهورة هذا الصباح، وتبدو بعيدة جدا)
أنا من حقى أبقى خايبة لو: بقيت قوية
أنا مش عايز أبقى خايبة علشان:هاموت
من الأمانة أن نتجنب المبالغة فى قراءة استجابة ثريا فى هذه الجلسة ، فالقراءة المنطقية تفترض أنها تعنى (قد قصدت) الألفاظ التى خرجت منها بدرجة تسمح بقراءتها من خلال مفهومها العام. ومع ذلك سوف نحاول التفسير على الرغم من هذا التحفظ:
فإذا بدأنا من قراءة الجزء الثانى وجدنا أنه صعب تماما أن نفترض أن رفضها للخيبة، هو رفضها أن تكشف ورقها وأنها هى التى اختارت خيبتها، أى اختارت انسحابها الفصامى وتناثرها الذهانى، وبالتالى فسوف تخسر قدرتها على ممارسة عدوانها السلبى، إذ ما دامت هى التى اختارت خيبتها فلتدفع الثمن، وكأنها لا تريد أن تكون خائبة، حتى لا تفشل قوة خيبتها الخفية.
وهذا تفسير متعسف على كل حال.
أما الجزء الأول من اللعبة – فيمكن مع المبالغة – افتراض أن القوة – التى يفتقر إليها الفصامى تماما- هى التى يمكن أن تسمح له بإعلان خيبته ، ولو صح هذا فإن افتراض بعدها عن تحميل الألفاظ مضمونها العام كان افتراضا خاطئا ويجدر بنا هنا أن نتذكر ونذكر أن الفصامى هو من أقدر الناس على معايشة التناقض ، ولكن للأسف معايشته سلبية على طول الخط، وحين نصف الفصامى بثنائية الوجدان، وثنائية المواقف ، وثنائية الفكر، فإننا نعلن هذه الحقيقة والتى تبدو هنا من ثريا وهى تجمع القوة مع الخيبة (هكذا والسلام)
د.حازم (المعالج المساعد)
أنا من حقى أبقى خايب لو: أنا عايز كده
أنا مش عايز أبقى خايب علشان: ماضعفشي
تبدو هنا استجابة الشخص السوى أكثر تماسكا، وحساباته أدق توقعا، فهذا الطبيب د. حازم لا يعلن خيبته إلا حين يرى أن ذلك فى صالحه، وأنه يريده، وأنه -استنتاجا منا- قادر على تحمل ما يترتب عليه.
أما الجزء الثانى فإنه يشير إلى تخوفه – رغم وضوح رؤيته فى الجزء الأول- من أنه: حتى لو أراد أن يستعمل هذا الحق، حق الخيبة، فإنه لا يضمن أن يتمادى الأمر حتى تصبح المسألة ليست استعمالا لحق ، ولكنها استسلاما لضعف ما.
ولابد من التنبيه أن هذه الاستجابة ليست هى استجابة الشخص العادى تماما، وبالتالى فلا يصح أن نعتبر هذا المعالج أو المعالج الرئيسى ممثلين للاستجابة العادية، فمن ناحية فإن المعالج النفسى على هذا المستوى هو غير الشخص العادى (إحصائيا على الأقل)، ومن ناحية أخرى فإن الوجود مع مرضى قد تعروا بهذا القدر ، وبهذه التلقائية هو أمر مشجع لأى سوى كى يغامر بأن يرى نفسه، وأن يكشف عن بعضها، وأن يراجع فى ظل هذا الجو المشجع حتما.
د. يوسف (المعالج الرئيسي)
أنا من حقى أبقى خايب لو: الناس سمحت بكده
أنا مش عايز أبقى خايب علشان: ما حدش حا يحترم خيبتي
على العكس من المعالج المساعد ، وعلى غير توقع فإن المعالج الرئيسى وضع حساب الناس أكثر من زميله الأصغر، فهو يشترط ليكون خائبا أن يحترم الناس ذلك، وأن يسمحوا به، ولعله بذلك يعلن – من خلال خبرة أطول- ما يعرفه أو يقدره من موقف الناس من الخيبة عامة (التى تترادف عندهم بالفشل أو بالضعف) ، كذلك فإن الصورة التى يستقبل الناس بها معالجا قديما كبير السن، (والخبرة) فى مجتمعنا الشرقى المعتمد على السلطة الأبوية معظم الوقت، لا تسمح لمثل هذا المعالج أن يعلن خيبته الإنسانية البسيطة، وأنه مهما بلغت صورته ، فهو بشر مثل البشر من حقه أن يكون خائبا، ولكن بشرط السماح والاحترام
ثالثا: التعقيب النهائى:
إذا كان “حق الخيبة” قد ظهر فى موقف علاجى نفسى بكل هذا الوضوح ، وبدت تنويعات شروط استعماله بكل هذا التحديد، فما هو موقف عامة الناس من ذلك ؟
لا نستطيع أن نعمم الإجابة ، فنكتفى بأن نورد أغلب التوجهات المحتملة فى مجتمعنا خاصة، وليس فى سائر المجتمعات طبعا، ونورد هذه الاحتمالات كما يلى:
1- إن الخيبة عادة ما ترتبط بالفشل، وهى تقال كثيرا بمعنى خيبة الأمل ، أو الإحباط ، وليس هذا هو ما تناولته هذه اللعبة هنا ، وبديهى أن الناس تكون أقرب إلى رفض الفشل والإحباط منها إلى قبول التواضع البشرى ، ونسبية القدرات التى أعلنتها اللعبة.
2- إنه نتيجة لذلك فإن أغلب الناس يخفون خيبتهم ولا يعترفون بها.
3- فإذا خاب أحدهم ، وأعلن ذلك ، فإن موقفنا -نحن العامة- تجاهه قد يقع فى أحد احتمالين أساسيين، إما:
(ا) أن نسقط عليه خيبتنا نحن التى أخفيناها ونخفيها طول الوقت، فنبالغ فى تصوير خيبته ، وربما نكمل عليه بوعى أو بغير وعى، أو :
(ب) قد نبدى شفقة -مبالغا فيها عادة- وهى أقسى من معايرته أو لومه ، لأنها عادة تصدر من موقع علوى بالضرورة.
4-إن وسائل إخفاء الخيبة لا تتم باكتساب القوة، وإنما هى تتم عادة بلبس قشرة من السلطة، أو الغرور، أو القسوة، أو اللامبالاة.
5- إن بعض من يعترف بخيبته إنما يتصورها ضعفا صرفا، وبالتالى فهو يطلب مقابل اعترافه هذا درجة من الاعتمادية تصل إلى نوع من العدوان السلبى
وبعد
عزيزى القارئ
هل تستطيع أن تميز بين ضعفك وخيبتك؟
وهل صحيح أن لنا حق فى الخيبة؟
وهل يمكن – أو نجرؤـ أن نعترف بخيبتنا لنتجاوزها دون أن نلغيها، ونعود إليها بكل يقين البشر بأنهم مجرد بشر؟
وهل يمكن أن يكون اعترافنا بعجزنا النسبى (دون ادعاء تواضع يخفى غرورا أخطر) هو السبيل لاكتساب، أو اكتشاف، قوتنا الحقيقية؟
وهل يسرى مبدأ: “حق الخيبة”، و”حق الفشل”، و”حق الهزيمة”، هذا على المجتمعات وعلى الأمم كما يسرى على الأفراد؟
وهل لو كنا اعترفنا بخيبتنا سنة 1956 أو سنة 1967 أو مع حدوث الثغرة، هلى كان موقفنا سيتغير؟
وهل تحاول أن تلعب هذه اللعبة مع نفسك ولو فى السر؟
وإلى لعبة علاجية أخرى نرجو لنا ولك خيبة قوية مشروطة وإرادية ومرحلية.
كما نأمل معك فى قوة متواضعة، واستمرار مبدع.
[1] – فى هذا العلاج نستعمل كلمة ‘يشتغل’ حتى ننفى أننا نتقابل لنتكلم، فقد أطلق بعض المعالجين والأطباء تعبير يصف العلاج النفسى أنه : العلاج بالكلام (Therapy by talking) وأيضا هذا ما شاع عن التحليل النفسى، ولذلك تعمدنا أن نستعمل تعبير ‘يشتغل’ ، للتنبيه الضمنى أن الكلام للكلام (والتفريغ) ليس هدفا، ولا هو كاف، وبالتدريح يتعود المرضى على معنى ‘الشغل ‘ فى هذا السياق. حيث يصبح الكلام فى ‘الهنا والآن’ فعلا قائما، وليس أصواتا طيارة، أو تفريغا تنفيثيا.
[2] – (تكرار ضروري):
فكرة ما هو ‘لعبة’، التى تجرى أثناء العلاج الجمعى عادة تتألف من أنه يطلب من المريض (والمعالج إن لزم الأمر) أن يقوم بإجراء (لفظى فى الأغلب) هو أقرب إلى تمثيلية شديدة القصر (أفضل أن يطلق عليها اسم ‘ميكرودراما’)، وهى مكونة من جملة ناقصة، أو نصف جملة (وهذا هو كل النص المتاح) على أن يقوم المؤدى (المريض أو المعالج) بإكمال ما بعدها – تأليفا تلقائيا – بعد النطق بها، أى أن نص ‘الميكرودراما’. لايزيد عن بضعة كلمات تكون جملة ناقصة، أو نصف جملة، وعادة ما يجد المريض المبتديء صعوبة، ويبدى مقاومة حين تشرح له اللعبة، ولكنه فى أغلب الأحوال، ومهما كان مرضه أو درجة ذكائه، سرعان ما يشارك، ومهما كانت درجة استيعابه للعبة فإن الاستفادة العلاجية من خلال محاولاته واردة دائما.
والهدف هو أن نظهر جانبا من جوانب النفس الإنسانية من خلال ممارسة علاجية مع حالات فعلية، وما يسمى لعبة، ليس لعبا بالمعنى الشائع الذى يستخف بما هو لعب، لكن كلمة لعبة هى أقرب ترجمة لكلمة game بالإنجليزية، وهى الأصل، وحتى نجد لها ترجمة أخرى سوف نكتفى بهذه الحرفية.