العشق والموت
د. أحمد تيمور
هما العشق والموت
والموت والعشق
لاشيء غير هما فى الوجود
هما الساعدان اللذان يديران
هذى الكواكب حول محاورها
وهما المانحان الزمان الخلود
****
عشقتك والموت يلقى الأصابع
فى سلة المهملات
ويكسر قوس الكمنجة
يذهب بالعربات التى تحمل العاشقين
وراء الحدود
على مفرق الأفق
كنت أدس السحابة طى السحابة
أرصد
كيف تصير السحابات
دبا من القطن
يقضم غزل البنات
ويضحك
حين أتت من وراء الحدود
قبيلة عاد
عمودا من الملح خلف عمود
توقفت عند التى كان قلبى لها
نصف تفاحة
قلت جئت أخيرا
فقالت لعلك تذكر أنى وعدتك
لكن مثلك ينسى الوعود
فأنت الذى يصنع الكلمات
ومن يصنع الكلمات .. تهن عنده
فيصدرها للمحافل باقة ورد
عليها بطاقته فى البريد
أنا قلت لم أنس ياحلوتى موعدي
إننى واقف
فوق ذروة مرتفع الشوق
أشكو انتظارك
ليس هنالك فوق الذري
من صعود
أنا كنت أزجيك
عبر فم الشعراء هيامي
فإنى وضعت على شفتى قيس مابثه العامرية
كان جميل بثينة منشد شعرى إليك
وكان كثير عزة بعض مقاطع هذا النشيد
فقالت وهل منع الشعر سبيي
وهل صنع الشعر سيفا
وهل صنع الشعر جنزير دبابة
ليس للورق اللازوردي
يا شاعر العشق فضل الحديد
لغيرك لان الحديد
وأصبح قافية كالمزاليج محكمة
خلفها تحتمى الغانيات
وتأمن ياسيدى بيضة الخدر
من هجمات الثعالب حين تنام الأسود
وقد نمت ياسيدى فى الطريق إلى طنجة
وابن بطوطة يصف الردهات الى نصب الأولياء
ويحكى لنا كيف كان الولى حليقا .. فعير
إذ ذاك صارت له لحية كالليالى الطوال
وشابت مع الفجر
إن الكرامات سر الطريق
وإن الطريق مديد .. مديد
لقد نمت ياسيدي
فاستبانى الذى فضني
مثل بونبونة فى يديه
وشغلنى فى مراقص بيروت
والحرب تشعلها
ثم رحت إلى سوق بغداد
حيث تباع الجوارى وتشرى العبيد
وأنت على ذروة الشوق
فى جبل الإنتظار
تلف دماغك ياسيدى بالجرائد
تحميك من وهج الشمس
والقدمان تغوصان فى طبقات الجليد
أتبقي
تلف دماغك
بالرغم من مغرب الشمس؟!
أبقي
فلا يمنح النخل شخصية النخل
غير الجريد
فقالت لغيرك فى الناس
سال النحاس
ولان الحديد
وفى ذا وذلك
بأس شديد
على كاهل الأفق
كنت أرص السحابة فوق السحابة
والعشق يشكو الرحابة
والموت يصنع من قربة القلب
آلة نفخ
بآخر أنفاسها للصحاب تجود
وكان امرؤ القيس صاحبى البدوي
يطالع وجه السماء ويبكي
ويمسح عينيه بالسيف
فالسيف أصبح محرمة
لاتكفكف إلا الدموع التى تنكفئ كالأرامل
فوق بلاط الخدود
لقد كنت يوما من العرب العاربة
ألملم سرب المها الهاربة
من البلد الأخضر الظل
من ذلك اليمن الحميرى السعيد
وقد كنت أنت زنوبيا
وكان لتدمر وجه كوجهك حلو
وكان لثغرك لون الكروم وطعم الزبيب
وفعل النبيذ
وكان لنحرك فلسفة
فى اقتران الكريستال بالزعفران
وكان لخصرك خاصية الخيزران
يشيل ويضنيه ماشاله من نهود
لهذا ترامت بأسفله
كل كثبان نجد
تساعده إن أراد القيام
وتسنده ان أراد الرقود
أنا تبع
غير أنى تصعلكت من أجل عينيك
حين رأيت بعينيك
فينوس تقفز من فوق زهرتها
وأبولو يطاردها من عطارد للمشتري
وزيوس
يمد -ليصطادها- بالسهام الصغيرة
قواده كيوبيد
أنا تبع
غير أنى تصعلكت من أجل عينيك
صرت السليك وعروة الشنفري
غير أنى أري
- بعد خطفك-
انك عاشقة خاطفيك
وأنك سميتها بالأساور
- فى معصميك – القيود
دعينا نرى الآن صورتنا فى المرايا
عرايا
دعينا نقلب فى دفتر العشق والموت
كنت كما كنت أذكر فى أول الأمر
بلقيس
عرشك كالشمس
فى سبأ تملكين السنا والسناء
وفى ملأ من رجال دهاة وصيد
وصرت ببيت سليمان
من بعض زوجاته المئة الآن
صرت الذى راح يذهلها بالقوارير من تحتها
فتعرى كاحلها .. باب مندبها
ساقها .. شرقها العدني
وصنعاءها .. فخذها الملكي
فمن يمنع الجسد اليمنى من العري
كندة؟!
كندة هائمة فى الفلا العربية
مثل الغزال الطريد
وباقى القبائل دون المرايا قعود
تشاهد بث المرايا المباشر
من سول .. أو برشلونة .. أو كان
أو هولى وود
وتغفو أمام المرايا
وتحلم بالقدس
فى حين يحكم فى أورشليم
ويحلم من غير نوم بمكة جيش اليهود
دعونا من الخطب العنترية
عنترة الآن هاجر ياسادتى لشكاجو
وأصبح يلعب للبولز يدعونه الآن ميشيل جوردان
وأمسى يسمى بساح نيويورك تايسون
يبيع فحولته بالنقود
دعونا من الشعر
لم يفسد العرب اليعربيين غير القوافي
فما زال عمرو بن كلثوم
يزعم أن الفطيم لدينا
تخر الجبابرة المقتوون له بالسجود
لماذا يموت صريع الغوانى إذن
مسلم بن الوليد
هما العشق والموت
والموت والعشق
لاشيء غيرهما
فهما الجاذبية والعامل الطارد المركزي
ببنيتنا الفلكية
إنهما النور والنار
سلسلة لانفجارات مستودع عامر بالوقود
عشقتك
حتى تخطـفنى الطير من كل جنس
وألقى بقلبى أغانى فوق المدائن
ألقى بقلبى مواويل فوق القري
وحداء على كل بيد
تغنت بقلبى أنا القرطبيات فى زمن الحلم
ثم تغنت به الحلبيات فى كل قد
فقلبى فراش يحط على ياسمين القدود
أنا عشت منتظرا
أن تعودي
وزرياب يقسم لى بالتواشيح أنك عائدة
وهو يزرع منفعلا
وترا خامسا فى حشا كل عود
أنا عشت دهرا ألوك الأسى فى انتظارك
أنظر فى كل وجه يمر علي
وأنظر أنظر فى كل جيد
أنا عشت دهرا شكانى لدهر
كما قد شكا عمره
للنسور التى سقطت دون عينيه
- نسرا قضى بعد نسر-
لبيد
أنا عشت دهرين
أسخو على مادحى بمالي
وأملى الأمالي
تخطت خطاى القوافل نحو الشمال
على حين رحت
أقلب طرفى بين الرمال وبين الرمال
أنقب إثر انقشاع غبار الجمال
عن الهند
أخفى سواحلها عن سفينى الهنود
بخ .. سأواصل للصين
للصين تجربة ما معي
بيد أن سمرقند واقفة فى طريقي
تمنع عنى مكان ابن سينا
وتمنع عنى زمان الرشيد
إذن لا سبيل أمامى سوى للجنوب
سأرجع مثل رجوع صدى الصوت للصوت
لكن مأرب
تهرب منها الوعول
وتضرب فيها الزلازل
آخر ما قد تبقى لها من سدود
سيأخذنى الفيضان إلى القحط
يأخذنى الماء للنفط
مرت أمامى السهام التى أطلقوها
على ضرع ناقة صالح الطيب الدر
ليت إلى الضرع
هذا الحليب المشبع بالدم
ليت
وليس يعود
ستمضى التواريخ فى ركضها الزمني
- كأضواء نجم ذوى من ألوف السنين -
لتخبرنا أن مأساتنا بدأت فى ثمود
وأن كوارثنا بدأت
حين راحت تضفر أمشاجنا
حبل حامضها النووي
بصلب الجدود
وداود يصنع ما شاء من أنجم ودروع
ويعقوب يدعو الإله برب الجنود
ونحن نعيش الحماسة شعرا
فميمنة الجيش للمتنبي
وميسرة الجيش للمتنبي
وفى القلب ديوانه دونه شارح
رواه الرواة
ونصف القصائد مرفوعة حوله فى البيارق
والنصف فوق البنود
فكيف من الزمن الورقى سنخرج
كيف من الزمن الشفهى سنخلص
والعشق فعل بكفين
والموت فعل بكفين
والعشق والموت
لا فعل غيرهما فى الوجود
ولا فعل غيرهما للخلود