مقتطف وموقف
(1) شهادة محمد حسنين هيكل
(2)…. وجوائز ميلاد حنا
تمهيد:
حسنين هيكل صحفى عالمى مؤرخ حرفى رائع، وهو “مستغرب” على حد توصيف أحمد الشيخ للفظ “مستغرب”، بقدر ما هو “مستشرق” معاصر، فشهادته لها دلالتها تحتاج منا إلى موقف، هو الجزء الأول من هذا الباب هذا العدد.
(2)….”وجوائز” ميلاد حنا
أما أ.د. ميلاد حنا، فهو تاريخ حى دال، وهى فى دوره الحكيم ودعوته إلى قبول الآخر يشجعنا أن نجرب معه حوارا صادقا، لعله يقبلنا – كرأى آخر- فتعلم منه، عمليا، ما يدعم دعوته، فنشكره مجددا.
المقتطف الأول: محمد حسنين هيكل، والمافيا الرسمية
من مقال: “السياسة والقانون والحب والحرب فى عصور مختلفة”
مجلة “الكتب: وجهات نظر” العدد (1) بتاريخ 1 / 2 / 1999
محمد حسنين هيكل صحفى محترف، نختلف معه، ونعترض عليه، ونغار منه، ونرفضه، لكن أحدا لا يستطيع أن ينتقص من قدراته، أو أن يهون من بالغ ذكائه، وأهمية شهادته، وهو حين يكتب عن بعض ملامح مجتمع حـذق لغته، وأتقن أدواته، وهو مجتمع الديمقراطية الأمريكية خاصة، والغربية عامة، فلا بد أن نأخذ كلامه بالاحترام والتقدير المناسبين.
وحديثه عن “حكاية مونيكا والرئيس بيلي”تجاوز هذا الحادث الصبيانى العابر إلى ما هو أخطر وأكثر دلالة، فراح يرجعه إلى جذوره الدالة، فأثار لدينا موقفا تساؤليا استحق التسجيل
الجزء الأول (جون كنيدى وشقيقه روبرت)
المقتطف:
”………….مارلين مونرو” راحت تلح على “كنيدي” أن يعترف بعلاقته بها وتهدده بإذاعة سره، ولم يتورع “كنيدي(1)عن إصدار الأمر بقتلها، والغريب أن الذى تولى تدبير القتل – مستعينا بعناصر من المافيا – هو شقيقه “روبرت”، وهو وقتها المدعى العام - أى وزير العدل - لكن “روبرت” قبل أن ينفذ “أمر القتل” لم يتورع عن غواية المرأة التى كلف بتصفيتها وأقام علاقة معها، وبعدها وليس قبلها حضر بنفسة عملية حقنها بإبرة تحمل سـمـا لضمان صمتها وبحيث يكون الصمت أبديا!.(2)
الموقف:
من طبيعة الشباب، أى شاب فى العالم، حاليا وعبر التاريخ، أن يحدد له مثلا أعلى يرغب أن يكونه أو أن يسعى فى اتجاهه، وبعد مسألة الإنترنت والشفافية والعولمة والمعلوماتية تحددت قيم جديدة عامة وبراقة، وتغيرت صورة المثل الأعلى، كما انضمت التوجهات إلى مصدر فى أقصى الغرب يلوح بالنموذج الأمثل والأوحد والألمع النموذجى الأمريكى وهو صاحب، اسم الدلع المعروف بـ “النظام العالمى الجديد”.
ولنتصور شابا مصريا أو سنغاليا أو بنجلديشيا، يحلم أن يكون فى موقع أعلى مما وصله مثله الأعلى من نجاح وعلو وامتياز فى عصرنا هذا، فهل يمكن أن يتمنى إلا أن يكون أمريكى الجنسية، ديمقراطى النظام، أغلبى الشعبية، مما يسمح له أن يواصل حلمه ـ (نؤكد: حلمه) ليصبح على قمة سلطة أغنى وأقدر وأقوى بلد فى العالم، فإن لم يمكن، فليوصله حلمه إلى أن يكون شقيق هذا الرئيس: “مدعيا عاما” مثلا (وزير عدل) أمريكا شخصيا!!).
فماذا تقول شهادة “حسنين هيكل” فى ذلك؟ شهادة هذا العقل المحترف جدا الموثق أبدا؟ ماذا تقول فى من وصل إلى هذا الموقع فى تاريخنا الحديث؟
وحسنين هيكل حين يقول فهو لا “يثير”، ولا “يهرج”، ولا “يطلق إشاعات”
ولعل الموقف الذى أثارته شهادة هيكل فى هذا الجزء الأول هو طرح عدد من الأسئلة، نرى أن الإجابة عليها، أو العجز عن الإجابة عليها، هو الموقف الذى نريد أن نستثيره فى القارئ معنا
ولا يخفى على أحد موقف هذه المجلة من احترامها البالغ لــ “ذكاء السؤال”، وشرف “اتخاذ المواقف”، ليحل هذا أو ذاك أو كليهما محل “استسهال الإجابة” أو “وصاية الفتوي”( نعلم أن هذا التأكيد ورد فى الافتتاحية، ونعني: التكرار!!).
الأسئلة (الموقف):
المجموعة الأولى
(1) هل هذا (الذى ذكره هيكل) صحيح؟
(2) إن صح ذلك: فهل هذا هو المجتمع الأنجح والأرقي؟
(3) ثم كيف لم يـحـل كل هذا النجاح دون كل هذه القسوة، وذلك الجوع للذة وتلك القحة المتبجحة على الحياء وعلى الحياة؟
المجموعة الثانية
(1) ماذا استفاد جون كنيدى كإنسان له وجدان ووعى بشرى من توليه قيادة العالم، إذا كان مازال بهذا الجوع الجنسى، ثم بهذه البلادة الباردة، ثم بهذه النذالة القاتلة؟ (هذا إذا كانت الإجابة عن سؤال (1) فى المجموعة الأولى هى بالإيجاب).
(2) ما معنى أن الذى يقيم العدل الأمريكى (وزير العدل = المدعى العام) هو الذى يغوى امرأة، ثم يضاجعها قبيل تنفيذ ما هو مكلف به من شقيقه الرئيس بتصفيتها بحقنها بالسم؟
(3) وماذا كانت قيمة صمت القتيلة ما دامت كل هذه المعلومات الموثقة فى المتناول هكذا، (تذكر: حسنين هيكل هو ملك التوثيق الانتقائي)
(4) ثم هل غاب الله – نستغفره سبحانه – عن كل هذا (الله فى نفوسهم، والله فى خطبهم، والله فى عدله المطلق؟ وإمهاله المحسوب؟؟)
(5) وأى بديل عندنا لكل ذلك إن دعتنا هذه الأخبار أن نتصور أن نجاحهم هذا هو نجاح زائف فعلا؟ (وهو ليس كذلك تماما فى رأينا)
خلاصة كل تلك الأسئلة
(الموقف)؟
(1) ما هذا؟
(2) إذن ماذا؟
(3) حتى متي؟
الجزء الثانى:
ليست صبيانية “مونيكا- بيلى”، ولكن للمسألة جذورها الأهم!!
جاء فى نفس مقال هيكل تفسيرا لموقف المحقق ستار المبدئى، باعتبار أن المسألة ليست مسألة مونيكا، وإنما ثمة أمور أقدم وأخطر هى التى حفزت المحقق أن يحاول ويواصل ويصر، وعموما فإن ما فعله كلينتون من “صبيانية لطيفة” مع الست مونيكا لا يقارن بما فعله كيندى و أخوه، ولا بالحقائق والشهادات التى أوردها هيكل عن المصادفات السابقة، والأسبق لهذه اللعبة الجنسية العبثية العابرة، نقرأ معا:
المتقطف:
(من نفس المقال):
”….. على سبيل المثال: إن عددا من موظفى ولاية “أركنساس” ممن كانوا مستدعين للشهادة فى التصرفات التى جرت قبل تعيينه (ستار) محققا مستقلا – تعرضوا لمصائر مأساوية:
- وقعت بينهم 21 حالة وفاة.
- منها 8 حالات قيدت على أنها حالات انتحار.
- وكانت هناك حالتان لفتتا النظر فى هذه المصائر المأساوية.
- الأولى كاتى فيرجسون (لأنها) تعرف حقيقة ما جرى، وسوف تبوح والثانية “إد ويللي” المدير المالى لحملة كلينتون الانتخابية… وهو الرجل الذى يعرف مصادر كل الأموال الواردة إلى الحمـلة
…(ثم) كان الضحية (الأخري) هو “فنسنت فوستر” الشريك القديم لـ “هيلارى كلينتون” فى “مكتب روز للمحاماة” فى “ليتل روك” والذى ذهب مع العائلة إلى البيت الأبيض وأصبح مستشارا قانونيا للرئيس… (حيث) خرج من مكتبه بعد الظهر، وبعد ساعة من الزمن وجدت جثته ممدودة على جانب ممر تحت أشجار حديقة وفى يد الجثة مسدس يوحى بأن صاحبه (انتحر)
ثم قتل جيرى “باركس” (الضابط المكلف بتقصى وجمع أوراق هامة)، وقد تنبأ بقرب إغتياله بعد سماعه (نبأ مقتل باركس) حيث قال (لزوجته) بصوت مرتجف “إننى الآن رجل ميت”، وبعدها بيومين فوجئت بمن يخبرها أن زوجها لقى مصرعه حين أطلق عليه الرصاص من مسدس كاتم للصوت وهو ينتظر منحنيا على عجلة قيادة سيارته…إلخ.
الأسئلة (الموقف):
(1) هل يبالغ حسنين هيكل، هذا المحترف العظيم، والمرجع الثقة؟
(2) هل يمكن أن تكون أمريكا (فالعالم) محكومة بدولة “تحت الأرض” فعلا لها قوانينها السرية غير المكتوبة.
(3) هل هذا هو الناتج المباشر للوجه الآخر لهذه الديمقراطية المقدسة، وتلك الديانة الجديدة الجاهزة “للتصدير” التى اسمها، حقوق الإنسان؟.
(4) وماذا كسب الانسان الفرد -أنا وأنت- إن ساد العالم وفقد ما يدل كل ذلك على فقده؟
المقتطف الثانى: ميلاد حنا… والرأى الآخر جدا
أستاذنا ميلاد حنا ، ذلك المصرى المثابر، الذى وجد له دورا فى الصحافة القومية وفى النشاطات غير الحكومية المتعددة، وفى المجالس الثقافية الرفيعة، أصابه داء “الولع بمصر”، (وهى الترجمة الأرق من “هوس المصروية” بالإنجليزية(Egyptomania – وهو داء جميل رائع، فراح يتبنى موقف “قبول الآخر” ويدعو إلى المصالحات على كل المستويات، كل المستويات: بشكل تسوياتى هاديء (لدرجة قد ذكرتنا – خطأ – بعنوان مسرحيه جان بول سارتر)، ذلك أنه بدا لنا أنه يحقق هذه التسويات بأن “يرضى جميع الأطراف، مما يشير إلى ما يوحى ببلوغه مرحلة “الحكمة”، إلا أن كثيرا ممن يتوقعون منه، أو يرجون له، دورا مستمرا محدد المعالم لم يهضموا “مظاهر فرط الحكمة” هذه كما تظهر فى خطابه مؤخرا. ولعل مما أكد له دوره الجديد الحكيم هذا هو ما ناله أخيرامن تقدير بحصوله على جائزة عالمية فرحنا لها بقدر ما تعجبنا لجهلنا بطبيعتها وقيمتها، فراح هو شخصيا-مشكورا- يعرفنا بهذه الجائزة العالمية، وأفضليتها على جائزة نوبل (!!!). وبالملوك والرؤساء الذين نالوها قبله، ففرحنا أكثر، فرحنا له، وفرحنا لمصر (فرحنا لنا)، ثم إنه مضى بكل حماس وإخلاص من موقعه الجديد يحاول حل مشاكل جنوب السودان المستعصية، ويواجه آراء الكونجرس المتحيزه، ويتحفنا بذكرياته مع الملوك والرؤساء والبطاركة العظام جيمعا.
وكل هذا طيب بشكل أو بآخر،
إلا أن هذا الدور، وهذا التكريم -حتى لو غمـضت دلالالته – لابد أن يلزمه بدرجة أكبر من الحذر – وانتقاء الألفاظ والمعانى، وهو يواصل عطاءه وينثر علينا حكمته، بما فى ذلك السماح لنا بحواره، وهذا بالذات هو ما شجعنا على إعلان موقفنا مما كتب مؤخرا فى مسألة جوائز الدولة، وقد ينبهنا إلى خطأ موقفنا فنصححه، أو قد تنتبه إلى التباس خطابه فيوضحه، وفى كل خير.
كتب الأستاذ الدكتور ميلاد حنا مقاله النصف شهرى فى الأهرام بعنوان:
جوائز الدولة صارت تشكيلة متناغمة
وذلك بتاريخ 6 / 7 / 1999 بمناسبة الإعلان عن هذه الجوائز، وقد كانت دلالات ما لم يـقـل صراحة فى المقال هى من أهم ما تخفيه اللغة لتبينه (من رصد سيميائى رحب!!) نعم كانت هذه الدلالات أكبر بكثير مما جاء فى كلمات المقال الصريحة، مع احتمال خطأ تأويلنا طبعا!.
جاء فى هذا المقال:
المقتطف 2 / 1
…. مما جعل مستوى المتقدمين فى بعض السنوات هابطا
الموقف:
المقال برمته يوحى أن كاتبه هو الذى يمنح الجوائز،، فإذا أردنا التواضع أكثر، ونسينا ما تخفى اللغة واكتفينا بما تصرح به دون “فضاء الخطاب” الذى هو “أرحب الفضاءات فى الرصد السيميائي”، فإن كاتب المقال هو فعلا من بين من يقررون من هو الجدير بهذه الجائزة، وخاصة الجوائز الأكبر (جائزة مبارك، والتقديرية)
ولكن هل يصح لأحد المحكمين أن يعلن على الملأ رأيه ـ مهما كانت الأسباب من وجهة نظره ـ فى مستوى المتقدمين، فيصفه “بالهبوط” هكذا؟ من الوارد ألا ينال كثير من المتقدمين الجائزة، بل إن عدد من لا ينالها من الرواد الأفاضل أكبر حتما من الذين ينالونها، ومن المقبول أن يلتبس على أحد “الحكام” (مثل كاتب المقال) مبررات ترشيح هذا أو ذالك، وأيضا له الحق فى تقدير أسباب عدم أحقيته فى تلك اللحظة، لحظة التقييم، لجائزة لها شروطها وظروفها المحددة، كل هذا وارد ومقبول، لكن ماهو المبرر الثقافى والأخلاقى الذى يسمح لكاتب المقال أن يصف بعض المتقدمين بأن مستواه كان “هابطا”؟ أليس فى هذا تجريح يصل إلى حد السب؟ لا يليق بمستوى الحكام على هذه الدرجة الرفيعة؟
المقتطف2 / 2
”… ولقد لاحظت – عند تقييمى للمرشحين للجوائز الكبيرة أن بعض الأفراد لا يدركون الهدف من الجائزة، ولذا فإن البعض يقدم قوائم لسرد كل بحث أو مؤتمر أو حديث أعطاه لمجلة، وقراءتها مضيعة للوقت والجهد فيسجل البعض كل مقال كتبه، وكل خبر نشر عنه، وكل رسالة ماجستير أشرف عليها فأشعر أنه “خوجه” غير جدير بالحصول على تقدير الدولة… إلخ.
الموقف:
إن هذا الجزء الآخر من المقال-بالذات- إنما يرجح ما ذهبنا إليه من طبيعة رؤية كاتب المقال لنفسه، وتحديده لدوره، أنظر ما بين الشرطتين فى قول:- “عند تقييمى للمرشحين للجوائز الكبيرة -“، ونحن نتصور أنه من نبل القول أن تكون الصيغة بالجمع – عند تقييمنا للمرشحين – حتى لو كانت الملاحظة فردية “وقد لاحظت” أما نهاية المقتطف، فهو تجريح آخر… فأشعر أنه “خوجة” غير جدير…. إلخ. مع أن صفة الخوجة ليست…. سبه يعير بها صاحبها.. إلخ،
المقتطف2 / 3
……. فقد لاحظت أن بعض المرشحين يكتبون هم بأنفسهم مبررات الترشيح، ويبدو ذلك واضحا من صياغتها، والتى تحمل نغمة “الأنا” ومدح الذات مما يحمل الظن، وبعض الظن إثم، أن أصحابها قد أحرجوا رؤساء الجامعات بالضغط والإلحاح، وربما بالواسطة، لإرسال أوراق قاموا هم وحدهم بإعدادها، فتأتى إلينا فى المجلس الأعلى للثقافة وهى تحمل بين طياتها شخصية مستجدية غير قديرة أو جديرة أصلا بأى تقدير، لا من الدولة، ولا من الجامعة… الخ
الموقف:
أولا: نوافق الكاتب فعلا أن بعض الظن إثم، ولكننا نختلف معه فى أن ينشر بعض هذا الإثم هكذا على الملأ، قد يحق للفرد أن يخطر بباله نوع من الشك فى هذا، أو ترجيح دوافع ذاك، أما أن يتكلم يصيغه المقيـم “عند تقيمى”… ثم هات يا تجريح هكذا، معتذرا: بأن “بعض الظن إثم” فهذا هو الذى لا يجوز على هذا المستوى.
ثانيا: إنه تكلم هذه المرة بلهجة الجمع: “.. فتأتى إلينا فى المجلس وهى تحمل بين طياتها. . إلخ”، مع ذلك لم يحل هذا دون التمادى فى الانتقاص والتهوين
ثالثا: إن هذا التجريح لا يطول المتقدم فقط، وإنما يتجاوزه إلى الهيئة المرشحة، وهى هيئات ذات جلال حقيقى لا جدال حوله، وبالتالى لا يصح أن توصف بأنها خضعت لضغط أو إلحاح أو واسطة، حتى لو حدث ذلك،
ثم انظر بعد ذلك لوصف المتقدم (بل المرشح) بأنه شخصية “… تحمل بين طياتها شخصية مستجدية غير قديرة أو جديرة أصلا بأى تقدير لا من الدولة، ولا من الجامعة… إلخ”
المقتطف 2 / 4
”… فالمتقدم للجائزة التقديرية ينبغى أن يكون مقدرا من الناس ومن نفسه ومن إخوانه، وكون مدرسة فكرية، قبل أن يكون مرشحا من هيئة صغيرة أو كبيرة من خلال الاستجداء والضغط فى الكواليس…”
الموقف:
ألا يفهم القاريء من هذاـ ناهيك عن الآمل فى الترشيح أو فى الفوز ـ بأن هذه شروط ينبغى – أو يستحسن أن يضعها فى الإعتبار، كل من يخطر بباله أن يتقدم، أو أن يرشح، وبالتالى ألا يحق له أن يطلب توضيحا من الكاتب بصفته أحد المحكمين أن يوضح شروطه “الخاصة”، لا سيما أنه يتحدث، بلهجة: “ينبغى”.
وموقفنا تجاه هذا المقطع هو كالتالي:
أولا: من أبسط المعلومات التى أشار إليها الكاتب نفسه فى مقاله هو أنه لا يحق لأحد أن يتقدم “للجائزة الأكبر” التى أشار إليها، وإنما هو “يرشح” لها من جهة محترمة، فلماذا استعمل لفظ “المتقدم”؟
ثانيا: إن جهات التقدير التى حددها سيادته، و هى أن يكون مقدرا: من الناس، ومن نفسه، ومن إخوانه تحتاج إلى تحديد “إجرائي” أكثر تفصيلا ما دامت هذه هى شروط سيادته التى يعلنها للناس، حتى يأخذوا بالهم” وهم يتقدمون، بمعنى أن كاتب المقال:
(أ) لم يحدد سيادته أى ناس؟ عامة الناس؟ أم ناس المجتمع العلمى الثقافى الذى ربما يمثله الكاتب؟ أم ناس الجهة التى رشحت المرشح؟
(ب) لم يحدد سيادته كيف يكون من شروط التقدم التى ترضيه أن يكون المرشح مقدرا “من نفسه”، وفى رأينا أن هذا الشرط هو أصعب من تقدير الناس والدولة، وهو يتراوح بين واحد يصل به تقدير نفسه إلى درجة “الغرور” دون موضوعية، وآخر-على الرغم من احتمال عبقريته- يكاد لايعرف قيمة إنجازه مهما بلغ، و السير عامة، والسير الذاتية خاصة، عبر التاريخ، تحكى لنا فى ذلك مجلدات ومجلدات، وأظن أنها لا تغيب عن سيادته من أن كثيرا من عباقرة التاريخ لم يكن يعرف القيمة الحقيقية لإنجازه.
(حـ) أما أن يكون مقدرا من إخوانه فهذا أيضا شرط يحتاج إلى تعريف إجرائى يحدد لنا ماذا يعنى الكاتب بـ “إخوانه” هل هم إخوانه فى المصلحة، أم إخوانه فى الثقافة، أم إخوان فى الله؟ أم إخوانه فى ثـلـة خاصة….. الخ
المقتطف 2 / 5
(ينهى كاتب المقال كلامه بـ:)
وتحية خاصة للصديق د. إسماعيل صبرى عبد الله، عندما قدم استقالته من المجلس منذ نحو ست سنوات، فقد أتى موقفه هذا نتائجة الطيبة، فما أحلى الشفافية والعلانية من خلال الديمقراطية، وقديما قال الجدود “كله على ميه بيضه”.
الموقف:
أولا: لم يبين المقال أسباب استقالة د. اسماعيل صبرى عبد الله ولم يشر الى دور الديمقراطية والشفافية فى النتائج الطيبة التى لم يحددها الكاتب. وكل هذا يوصل للقارئ تلميحا لا يفيده فى شيء
ثانيا: إن تعبير “على مية بيضا” لم يقله الأجداد بل إنه تعبير محدث، حكايته ـ فى حدود اجتهادنا المتواضع ـ أنه لما فسدت أخلاقنا مؤخرا (وليست أخلاق أجدادنا) راح صبيان المقاهى البلدى (يإيعاز من أصحابها غالبا) يغلون “تفل الشاي”المرة تلو الأخرى ويقدمونه للزبائن (الفقراء عادة) بأسعار أقل، فلما انتبه الزبائن القادرون إلى ذلك راحوا يطلبون الشاى “على ميه بيضاء” (وزيادة فى التأكد كانوا يطلبون الشاى كشري” على ميه بيضا يقلبونه بأنفسهم!!) فهى عادة جديدة، وتعبير جديد، سرى بين الناس فى مواجهة “غش حادث”، فصار مثلا يضرب للبدايات البكر التى لم يبعث بها عابث ولم تلحقها صنعة من قبل،، فهو قول حادث لم يقله الأجداد، وإنما خلقه الأحفاد بذكاء مصرى دال نتيجة لفضفصة أخلاقية مكتسبه مؤخرا !!
الموقف الختامى:
أولا: إن جوائز الدولة هى من أكرم ما ينبغى احترامه ظاهرا و باطنا، حتى لو لم يوفق المحكمين فى الاختيار المناسب فى بعض السنين لسبب أو لآخر، فلا ينبغى أن تشوه طريقة الاختيار من حيث المبدأ، ولا ينبغى أن يجرح أى من المتقدمين، نالوها، أو حجبت عنهم، وخاصة إذا جاء التجريح من أحد المحكمين.
ثانيا: إن الجهات التى ترشح لهذه الجوائز هى جهات محترمة، لها قيمتها التاريخية، والثقافية والأدبية، والعلمية، ولا ينبغى أن يستخف بها فتصبح موضع خداع وضعف وواسطة واستجداء.
ثالثا: إن مجرد الترشيخ لهذه الجوائز من هذه الجهات هو تقدير فى ذاته، ولا ينبغى أن يتناول بهذا الاستخفاف، نجح المرشح فى نيل الجائزة أم لم ينجح.
رابعا: إن أية جائزة لها ظروفها الخاصة،وموقعها التاريخى، وجدواها كما أن لها بعض نقاط الضعف التى لايمكن تلافيها، وهى تعلن: تناسب ثقافة وموقع وإبداع بعض المحكمين الثقاة فى لحظة تاريخية بذاتها وتناسب ذلك مع نوع عطاء وإنتاج وقيمة من ينالها.
خامسا: وبالتالي: فقد تكون اللحظة التاريخية غير مناسبة، فلا ينال الجائزة من يستحق تقديرا أكبر من الوعى التاريخى للحكام.
وعلى هذا الافتراض، نرى أن من المفيد أن ننتبه إلى جوائز أخرى متعددة، ورائعة، تقع خارج جوائز الدولة، ولا تحل محلها، ولا تلغيها، ولا تقلل من شأنها ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر:
(أ) ثمة “جائزة التاريخ” التى قد تأتى بعد عقود أو بعد قرون، حين يصل وعى التاريخ إلى مستوى الإنجاز الذى سبقه. وبالتالى فإن هذا الإنجاز قد ظهر فى لحظة تاريخية لم تناسبه، لا أكثر ولا أقل
(ب) ثمة “جائزة النقاد” فى كل مجال (والنقد لايقتصر على المجال الأدبي) ونعنى بها الجائزة الجارية فى الوعى النقدى وليس بالضرورة الجائزة التى توزع فى احتفال محترم أو مهرجان رسمى.
(حـ) ثمة “جائزة الله “سبحانه وتعالى، وهذا أمر ليس هينا، ولا ثانويا، يعرفه أهله، وبعض ملامحه سرت فى الوعى الشعبى، والآخر سرى بين من يعرفون ما تعنى الكلمات، وهى جائزة لا تقتصر على مسألة الجنة والنار على كل حال، والأمر يحتاج لتفصيل آخر.
(د) وثمة “جائزة الذات ” (وهى غيرالغرور، والنرجسية) وقد تقاس يتواصل تصعيد الإبداع والترقى باستمرار دون ارتباط بتقدير “خارجي”. ميسر أو معطل (!!!)
وكل هذا يحتاج إلى تفصيل لاحق يخرج عن نطاق هذا الموقف المحدد.
خاتمة:
لا نتصورأن واحدا يحسن قراءة مثل هذا المقال، مهما كان قدر حسن النية الذى يغلفه، يمكن أن يفخر بجائزة تعـطى من محكم له هذا الموقف، وبالتالى يمكن أن نعتبر أن كلمات المقال لا تحدد موقف كاتبه نهائيا وأن نتصور أن التعبير قد خانه، لا أكثر ولا أقل، ذلك لأننا لو صدقنا ما يعنيه كل ما جاء فيه، لوصلت إلينا رسالة تكاد تحدد الجوائز التى تكلم عنها المقال بأنها جوائز “قطاع خاص”، يضع مواصفة لمؤسسته الفكرية الذاتية، ويطلب متقدمين تتوفر فيهم شروطه، وهذا حقه لو كان الأمر كذلك، كل المطلوب، لو صح هذا، وهو غير صحيح، أن تسمى مثل هذه الجوائز باسم كاتب المقال، لا باسم الدولة، ولا المجلس الأعلى للثقافة.!!!
[1] – أثناء كتابة هذه السطور بلغتنا أنباء فقد طائرة جون كنيدى الإبن، ثم إعلان وفاته ووفاة زوجته وأختها، وتردد فى إذاعات العالم الحديث عن لعنة كنيدي’ لكن يبدو أن المسألة أعقد من ذلك بكثير ،وربما كان لها علاقة بمدى حاجة من وصل ‘إلى كل شيء’أن يقدم على مغامرة ما تـحـرك ‘أى شيء’، حتى بالموت، ليفيق ولو على الجانب الآخر، ونحن لا نحب أن نردد كالبلهاء كلاما، عن أن هذا هو بمثابة انتقام من الله سبحانه، فهذا تشف وتسطيح لا جدوى منهما، بل هو أمر مخجل، لأننا نأسف أبلغ الأسف على هذا الحادث، ونحن نترحم على شباب هؤلاء الضحايا، مهما كانوا مثلا أعلى زائفا لمن يتعجل الخلاص بأى وسيلة: شعوريا أو لا شعوريا
[2] - تذهب كثيرات من القادرات المصريات (وربما العربيات، لست أدري) اللاتى على وشك الوضع ليضعن حملهن فى الولايات المتحدة الأمريكية ليكتسب أولادهن وبناتهن الجنسية الأمريكية بالولادة (بعد نظر!!).