من شكـاواهم
نصـوص
مقدمة:
كيف يشكو مرضانا؟
للأسف، ما زلنا نتعلّم الطب النفسى بالإنجليزيّة، ومرضانا يمرضون بالعربيّة، بل إنهم يمرضون بالعاميّة، كلُّ بعامّيته، بلسان أمّه، والطبيب لا يتعلّم بالإنجليزيّة فقط، وإنّما هو فى النهاية يفكّر بالإنجليزية، وبالتالى فهو يختزل مريضه إلى ما قرأه فى كتاب، أو ما أسماه من عرض، ومن هنا حّرصنا فى تقديم الحالات فىهذه المجلة، فى باب حالات وأحوال أن نركّز على نص شكوى المريض إلا أن الباب شديد القراءة، متعدد الوظيفة فقلنا نقدم هذه النصوص جنبا إلى جنب مع ذاك العْرض المطوّل فى باب حالات وأحوال، لنبيّن فيه بعض انواع الشكاوى، وكيف يعبّر عنها مرضانا.
ونبدأ اليوم بكلام صديق صعيدى من مركز فرشوط( مع الاحتفاظ باسم القرية واستعمال اسم آخر بدلا من الذى ورد فى نص شكواه)
يقول مريضنا هذا:
– إدْماغى عــمْ تُهْدُرْ زىّ الحــِلــهُّّ الفايـْرهْ
– وهلاويس فى المخ وحسْبيِن(1)
– أَلُولِى(2) واحـــُوم حوالين نفسى
– واجعُد أبكى بْكِىّ (3)
– يجينى بكّـــْو(3)، أتزنج مْع خفَّة الجلب (4)
إودانى اتْصفّر
جسمى من بَّره بارد، ومن جوه امْلهلب نار(5)
جسمى ينُــْطر عــَرَج تخين (6)
فى الطراوة جسمى يبجى خادعِ شْويةِ
وفى الحرارة بييجى زايد
ساعات ييجى فيه نفاخ فى البطن، وفى الصدر حاسُّه زى الوارم
ونعسَ فى الليل، ما بنْعسشى خالص.(7)
. الأعصاب ما فيش.(8)
ليّه سنتين مش عْم باشتغل.، عايز حاجة تنعّسنى، وحاجة تجوِّى جسمى(9)
ولن نستطرد فى التفصيل إذْ سنكتفى هذه المرّة بهذه الهوامش لحين إشعار آخر من القراء، الأطباء خاصة، فنقول:
- حسْبين يقصد حسابات،أو ما يطلق عليه مدنيّا انشغال أو أفكار أو حتى قلق فكرة وحين استُوضح قال: ” يعنى زى: دى وجعانى ومش حاروج، ياربّى ميِتا أروج، أروج ماروجشى، حسْبين كْدِهْ).
- ألولى: تقال أحيانا بلهجات أخرى : ألالىِ، وأحيانا أهاتى، ويقصد أولْول أو أصبح، والمعنى ليس الصياح العادى وإنما التوجع بصوت مرتفع، أو حتّى شعوره بذلك دون أن يفعله.
- بّكىْ: وبَكْو، لهجتان فى بكاء، والمعنى واضح لكن أردنا الإشارة إلى تعدد التعبير للفظ الواحد.
- خفّة الجلب: تعنى سهولة الاستثارة، وسرعة الانفعال.
- هذا التناقض بين برودة الخارج، وغليان الداخل مرتبط بأول الشكوى (زىّ الحلّة الفايرة)،وهو تعبير شائع يدل على شدة الحدةّ يُجَسْدَنُ عادة مع يقين بأنها أعراض جسمية فعلا.
- شكوى المرضى من عرقهم، شائعة فى الأمراض النفسيّة حتى أن الأبحاث التى تظهر مادّة بذاتها فى عرق الفصامين ربطت بين هذا وذاك، إلا أن المسألة لها دلالة أكبر، وتعبير تخين يشير إلى عدّة دلالات. (وقد التفت إلى مرافقه هنا – وغير هنا – متسائلا: ولاّ إيه يا عبد الغنى أفندى؟ علما بأن عبد الغنى افندى يقيم فى القاهرة ولا يعرف عنه شيْا أصلا، لكن هذه من علامات هذا النوع من العلاقات التى تعتبر كل من يقيم فى المدينة أدرى بكل شئ حتى، بطبيعة الأعراض، أو كأنه يستنقذ بعبد الغنى أفندى ليترحم لنا لهجته الخاصّة).
- كلمتا نَعَسْ ونُعَاس شائعتان فى هذه البيئة، مما ينبغى الانتباه إليه لأنّ كثيرا من الأطباء يسألون المرضى عن النوم، فى حين أن كلمة النوم كثيرا ما تشير إلى الممارسة الجنسية،” بنام مع الحريم” مع الجماعة، أما لفظ النعس، ولفظ الرقاد، فهى قد تشير إلى ما نعرفه نحن مدينا(عربيا فصحيا) بالنوم
- كثيرا ما يشير المرضى إلى الضعف الجنسى بمثل هذا التعبير، لكن مريضنا هنا نفى ذلك حين استوضحناه قائلا: لأ، من ناحية الحريم فيه، وكلمة “فيه” هذه تعنى موجود، وهى تستعمل فى مناطق بالسعوديّة واليمن بنفس المعنى.
(راجع أيضا حالات وأحوال (هذا العدد) حيث لم تتأثر الناحية الجنسيّة بالإكتئاب بل زادت)
مطلب المرضى من هذا النوع عادة، وبصفة عامّة يطلبون التهدئة والنوم، وفى نفس الوقت التقوية والتنشيط وكثيرا ما يعّبرون عن ذلك فى مجتمعنا بطلب فيتامينات، بمجرّد ان يشعروا بالفتور الناتج عن العلاج، وأحيانا من البداية.
[1] – قد يكون مناسبا أن ندعو زملاءنا الأطباء فى كل مواقع مصر، وربّما فىالبلاد العربية أن يوافونا بمختلف اللهجــات التى يسمعونها من مرضـــاهم، سواء مع تعلــيق (أو ترجمة)أو بدون تعليق، وسوف نحاول أن نقوم باللازم اجتهادا متواضعا للتعرّف علىأنفسنا بحق