مقتطف وموقف
عن نبوة خالد بن سنان
وأرسطو والعلاج بالقرآن
محمد جاد الرب
تقديم :
محمد جاد الرب: أول من فتح باب حوار فى هذه المجلة بعد العدد الأول من صدورها، وكنا قد اعتدنا أن نرد عليه فى شكل “حوار” كم ظلمناه فيه (كغيره) ، إذ إن الرد الأخير كان دائما من “نصيبنا” نحن.
وقد بلغنا أنه يعانى أزمة صحية فى الكليتين منذ زمن طويل، شفاه الله وعافاه، ولم نكن نتصور أننا مازلنا نسكن فى هذا المكان المميز من وعيه، وما إن صدرنا حتى وصلنا منه بخطه المميز، وحسـه الفريد ما لم نكن نتوقعه، وإن كنا نتمناه.
وهو يكتب كثيرا، ويكتب كبيرا، ويكتب دائما، وهو لا ييأس ، ولا يهمد، ولا يتراجع، يعشق بركة السبع – مصر – الناس – التاريخ
وهو لا يكف عن الاقتحام بالاقتراحات متصورا أن كتابا، أو دوارا، أو تجمعا ، أو صيحة ، أو هيجة فكرية سوف تحرك الدوائر فى الماء الآسن، ونحن عادة نعيب عليه ذلك غير واعين تماما أننا قد نكون – بإصدارنا هذه المجلة – لا نفعل إلا مثله تماما، وقد رأينا أن نعيد صياغة خطاباته هذه المرة فى باب مقتطف وموقف، فنتركه يقتطف ويرد ويقترح ويأمل، راجين أن يقبل عذرنا لما تناوله مقص التحرير من قص ولصق، وإن كان قد سمح لنا بذلك متفضلا منذ البداية، وإن عاد فنبهنا الآن ألا نفعل.. تراجعنا. وله الشكر أولا وأخيرا.
(وقد نضيف يا محمد – بالإذن- بعض فقرات بين قوسين مستقيمين نعتبرها من مسؤولية التحرير، ولست ملزما بها، وهذا لزوم ما تعرف . عذرا مرة أخرى وشكرا).
أهلا جاد
المقتطف الأول: من جريدة مصرية معارضة (لم يذكر اسمها على غير عادتنا)
التاريخ: شهر رمضان قبل الماضي
المانشيت المقتطف:
* خالد بن سنان ليس نبيـا:
الموقف:
اندهشت فعلا لأن المفروض أن الجريدة هى إحدى صحف المعارضة المصرية التى نتوسم فيها الدفاع عن حقوقنا فى المأكل والمسكن وحق التعبير عن الرأي.. إلخ .. أما أن يتحول خالد بن سنان إلى هدف تصوب الجريدة إلى صدره طلقاتها فقد أزعجنى شخصيا هذا المنحي… ربما لأننى كنت قد قرأت منذ أكثر من ربع قرن فى كتاب: شرح القشيرى على فصوص الحكم لابن عربي: ما يؤكد نبوة خالد بن سنان على لسان محمد بن عبد الله نبى الإسلام.. إذ يؤكد القشيرى أن أول من قال (الله الصمد) كان خالد ابن سنان نبى العدنيين قبل بعثة محمد بعشرين عاما، وأن محمدا رسولنا الكريم كان قد سمـى ابنته فاطمة على اسم فاطمة بنت خالد… وأن فاطمة بنت خالد حينما علمت بإعلان بعثة محمد زارته للتهنئة ففرش لها رداءه مرحبا قائلا:
- أهلا يا ابنة نبى أضاعه قومه.
فلماذا ولمصلحة من تعلن جريدة سياسية معارضة مصرية هذا المانشيت!
(خالد ابن سنان ليس نبيـا)
لقد انطلقت إلى محام صديق برجاء إقامة دعوى سياسية ضد الجريدة فكان سؤال المحامي:
- هل وقع عليك أنت شخصيا أى ضرر من هذا المانشيت؟ مثلا…. هل خالد بن سنان هذا أحد أجدادك الذى ضاعت له حقوقه، تحاول استردادها؟
ثم أضاف: يا أخا العرب إن مثل هذه القضية التى تحاول إثارة الاهتمام حولها قد تتسبب فى مضاعفة الدعم الذى تدفعه الجهات الأجنبية للجريدة باعتبارها تناضل خلال قضية وهمية تهم إحدى العصابات التى تتحرك خلال هذا العالم،
وهكذا وجدتنى أتراجع مهزوما أنا وخالد ابن سنان نبى العدنيين.
إننى مندهش لأنهم دائما يحاولون تصوير محمد بن عبد الله فى شخصية يبدأ معها التاريخ وينتهى بها.
من بين ما يزعجنى فى هذا الأسلوب إصرارهم على أن الرسول الكريم كان أميـا، هذا برغم أن جماعة (الإسلام العالمي) نشرت عن الرسول حديثا دار بينه وبين عمرو بن العاص، وهو يحاوره بعد عودة عمرو من الإسكندرية إذ سأل الرسول:
- وماذا شاهدت فى الإسكندرية يا عمرو؟
فكان الجواب:
- شاهدنا قوما يعبدون رجلا اسمه أرسطاطاليس.
فكان جواب الرسول (أو كما قال) على الصورة التالية:
- تأدب يا عمرو فلقد كان أرسطاطاليس نبى اليونان ولكن أضاعه قومه.
* فهل يـعقل اعتبار محمد أميـا؟! أم أنها صفة النبى (عاموس) فى التوراة، إذ كان راعيا للغنم مجرد راع وهبط عليه الوحى السماوي.
* إننى أتساءل ببساطة:
تسطيح شخصية محمد بن عبد الله لمصلحة من؟
وتنزيهه عن كل الأنبياء من قبله أو بعده لمصلحة من؟
* على العموم أنا وخالد بن سنان، بل وأخناتون أيضا، تنازلنا عن رفع القضية حتى لا يدر الحماس الأرباح على العملاء.. هل هناك تعقيب؟
المقتطف الثاني:
كتبت إحدى مجلات “دار الهلال” عن العلاج بالقرآن، وكانت تتابع حالة من هذه الحالات التى ظهرت فى “بركة السبع”.
(هنا أيضا لم يحدد محمد جاد العدد والتاريخ واسم المجلة).
الموقف:
… بالصدفة كان الطبيب القرآنى صديقا لى يمكننى بكل بساطة التأكيد بأنه لم يحفظ من القرآن أكثر من سورة الصمد..
- وكان قد ظهر فى “الفرعونية” إحدى قرى المنوفية نصـاب ادعى العلاج الروحانى بالقرآن وكانت حالته لا تزيد ثقافة عن ابن بركة السبع.. العجيب فى الأمر أن آلاف الناس تقاطرت هنا وهناك…تحلم بالعلاج مرضى الفشل الكلوى والكبد والسرطان وغيرها وغيرها… كانوا يتزاحمون بالعشرات حول منزل السنوسى بالفرعونية منوفية ليل نهار.. ولما سألنا عن موقف الأمن الذى يمنع التجمهر لماذا لا يمنع هذا التجمهر، عرفنا أن ضباط الأمن الكبار كانوا يحملون أمهاتهم وزوجاتهم للعلاج بالقرآن..، فى الفرعونية وفى بركة السبع..، وأحد وكلاء أو رؤساء النيابة كان أحد رواد العلاج بالقرآن فى بركة السبع مصطحبا إحدى قريباته..، هى إذن حالة من حالات العلاج الشعبى الذى يتحلق حول سيدنا الحسين أو السيدة زينب..، وهذا يذكرنا بـــ “قنديل أم هاشم” (يحيى حقي).. نحن إذن لا يمكن أن نرفض الظاهرة ولا يمكن قبولها على علاتها لأن الجمهور المصرى مريض فعلا، أما النصـاب الذى جلس وسط الشارع للعلاج بالقرآن فهو القضية صعبة التحديد..
- أنا هنا لا أتهم كل من يتفاءل بأدب القرآن الكريم للعلاج النفسي.. أنا فقط أحاول إثارة [الموضوع] فى مصر أو خارجها حول العلاج بالقرآن… [لابد من دراسة] الظاهرة وتقويمها، مع العلم بأننى حينما أذكر صفحة (خالد بن سنان) فى مفتتح هذا الحوار أرجو فى الوقت نفسه أن يدرك القاريء العربى أن القرآن الكريم بستان أو مشتل الحضارات السابقة فى آسيا وأفريقيا…
من كل الحضارات أخذ الإسلام [ مما يشير إلى توليد الحضارات بعضها من بعض بوحى الله وجهد الإنسان] بهدف تنوير البشر والقضاء على التعصب والقضاء على العنصرية..
ولهذا، فإننى أنتهز الفرصة كى أقول لكل دعاة التعصب: أنتم تخنقون الروح الديمقراطى الإسلامى العربى العالمى فى الوقت نفسه الذى تدعون فيه الدفاع عن محمد العظيم الذى دافع عن خالد ابن سنان وعن أرسطاطاليس…
ولا يمكننى أن أختتم حديثى اليوم دون الإشارة إلى هذا الإعلان البارز الذى احتواه كتاب (شجرة الحضارة). تأليف: رالف لينتون الأستاذ السابق بجامعة ييل الأمريكية، والذى يؤكد من خلاله أن أخطر معجرات الحضارة فى التاريخ البشرى كله كانت معجزة بابل – ومصر الفرعونية.
[…إلخ]
إننى أحلم بتأسيس (بيت الحياة) على أن يكون له فى مصر وبابل العراقية مركزين أساسيين… على أن يكون للمركزين أفرع فى جهات العالم الأربع. ومعروف أن (بيت الحياة) قد قدم للبشرية آخناتون الثائر الأول.. فإذا كانت هذه الدعوة مقبولة لديكم فاكتبوا إلينا:
الأخ الدكتور رئيس التحرير:
- إن إلحاح الإسلاميين على جعل الشريعة الإسلامية المصدر الوحيد للتشريع يذكرنى بحكاية اليهود مع (أكبر) سلطان الهند العظيم.. إذ قال اليهود إن اللغة العبرية هى لسان الإله خالق السموات والأرض، فما كان من أكبر إلا أن أمر بوضع بعض المواليد فى شقة محدودة مع مربيات بكماوات، وبعد عشر سنوات فتح على الأطفال.. وكانت النتيجة أطفال لا يتحدثون أصلا بل يتفاهمون بالإشارة كما علمتهم المربيات.
- إننا بحاجة إلى ساقية تدفع الماء فى الحقل أو على الأقل إلى (طنبور).. هل تعرف أن الطنبور الذى يسحب المياه من الأعماق ويدفعها إلى الأرض العالية – الطنبور الجميل- اختراع أحد حكماء اليونان خلال وجوده فى مصر للتعلم والثقافة محاورا فى معابدنا؟
انتهيت مؤخرا إلى اقتراح محدد أعرضه عليك وثقتى كاملة فيك أنك لا تحتقر كلمة ولدت بعد عناء، فإذا لم تشترك فى تنفيذ الاقتراح فلسوف تعرضه على الناس بأمل الحوار من حول جدواه لعلاج الأحوال الثقافية التى نعتبر معها الإرهاب أحد مظاهر الأنيميا الروحية والثقافية العامة الطبيعية..
* الاقتراح:
# إصدار (الرمسيوم) كملحق (خلف خلاف) لمجلة الإنسان والتطور بحيث يفتح بابه فى ظهر الإنسان والتطور.
التحرير:
برغم أنه ليس حوارا، فإن لك – يا جاد – علينا حقا أن نرد ردا محدودا نرجو أن تعتبره دعابة:
ما رأيك لو قرأت المجلة من اليسار إلى اليمين على أنها ” الرمسيوم”، أظن أننا نقوم بما تحلم به فى عنت أنت خير من تدركه.
سامحنا يا جاد ولا تكف عن الأمل، والحلم
هل لم يبق لنا إلا الأمل والحلم؟
أبدا
بل والمستقبل لنا أيضا وإن طال الزمن.
(بل ولهم معنا ، ولو شاء الله لهداهم أجمعين).