الطوطم
خالد عبد الرؤوف
لم يعرف لوجوده تاريخا ولا ساعة. وجدوه ملقى بين الأشجار والصخور منذ رأت عيونهم نور الدنيا. تطوعت جماعة ثلاثية الأطراف والعيون بتولى أمر رعايته وتطهيره، أزاحوا الصخور والأحجار التى غطت أجزائه ، وحطموا الأشجار الملتفة حوله، وأزالوا أكوام التراب العالق بجسده، أعادوا تثبيته وتنصيبه فوق ربوة تسر الناظرين، أوقدوا حوله النيران، توهج وجهه المعتم ولمعت عيناه وسرى الدف فى أوصاله، أفرجت السماء عن دموع حبيسة، وتشربت الأرض البور وتحركت بأحشائها بذورا نثرها الأجداد يوما، توارى بين الأشجار الناشئة، اختفى عن الأعين، نسوه…. حينما غضبت السماء وتحطمت الأشجار وقذفت شقوق الأرض بآلامها تذكروه… ألهذا فتشوا عنه؟
…. لا يزال هناك منتصبا. كان منتظرا. بعد أن خمدت نيرانه.. والتهمت الزواحف عينيه وساقيه ويده اليمني. لم يبكوا عليه كثيرا، داروا عجزه عن أعين المتطفلين والأصحاء… ووهبوه من أنفسهم نواقصه المفقودة، جمعوا أشجارهم المتحطبة، أوقدوها أسفله ثانية، وسجدوا تحت قدميه..
تلونت وجوههم بالرماد وتوارت النيران وخمدت، لملموا ما تبقى من أشجارهم وأعادوا إشعالها وسجدوا.. التهمت النيران ما تبقى من حطبهم وخمدت، عبرت سحابة مبتعدة، أزاحوا أكوام الرماد وتجادلوا، ألقوا صغيرهم، كان يبتسم، تجددت النيران، صرخ، تراقصت على صراخه ألسنة اللهب، استغاث، لعن، همس كبيرهم ضاحكا:
- إن عدد من دخل الدنيا قد تجاوز الحد.