إستدفاء فى وهج نبوات النفرى
د. إيهاب الخراط
صلواتى دافئة فى كلامى، باردة فى كلامك فسامحنى يا مولانا
”تسمع خطابى لك من قلبك وهو منى ذلك هو البعد، تراك وأنا أقرب إليك من رؤيتك ذلك هو البعد”.
موقف القرب.
- قلت تراك ولم تقل ترى نفسك.
أنا لا أسمع خطابك إلا من قلبى، ولاأهينك بظن قصدك أن أسمعك بأذنى.
- أخاف أن أموت فرحا ورعبا معا عند سماع خطابك منك، ولذلك أسكن فى رحمتك مطمئنا، أو لعلى أسكن فى بلادتى، التى أزعق طول الوقت متمردا عليها.
وقال لى أنت معنى الكون كله
موقف أنت معنى الكون،
- لم تقل الإنسان هو معنى الكون كله، ولم تقل هو معنى الكون كله.
- أنت تعنى أنا، ولكن لو كتبتها “أنا معنى الكون كله” ضاعت أو ضـعت أنا.
- لا أتواضع ولا أخاف، حاشا، بل أجتهد أن أدرك ما أدركتنى به، فأرددها وراءك أقول لك: “أنت معنى الكون كله”.
- لم أقل المطلق ولم أقل الله ولم أقل هو بل قصدت ما قلت، وبغير ذلك تهرب أنت منى ولا أعود أراك.
وقال لى:إن لم ترنى لم تكن بي
قال لى إن رأيت غيرى لم ترنى.
موقف قد جاء وقتى.
- أن أراك لا أن أتعلم عنك، ولا أن أعزم على إرضائك.
-إن رأيتك عشت بك، بل كنت بك وجودا، بل “كنت بك”.
-امنحنى أن أنظر إليك فلا أنظر إلى غيرك، فأنت تريد أن تظهر نفسك، فيما أنا أميل إلى رؤية غيرك، ولا أطيق رؤيتك لى.
وقال لى: اجعل ذكرى وراء ظهرك وإلا رجعت إلى سواى لا حائل بينك وبينه.
موقف قد جاء وقتى.
خبرة الأمس لا تعطنى قوة اليوم.
- الطعام نازل من السماء، جديدا، كل صباح، وعلينا أن نخرج لجمعه كل يوم، فالتخزين يبدده.
- رجوعى إلى اختبارى لك بالأمس، ركونى إليه، سكونى عليه، رضائى به، حائل بينى وبينك. أرنى وجهك اليوم.
“وقال لى قد جاء وقتى وآن لى أن أكشف عن وجهى، وأظهر سبحاتي(1)، ويتصل نورى بالأفنية (2) وما وراءها، وتطـلع على العيون والقلوب، وترى عدوى يحبنى، وترى أوليائي(1) يحكمون، فأرفع لهم العروش ويرسلون النار فلا ترجع، وأعمر بيوتى الخراب وتتزين بالزينة الحق، وترى قسطى كيف ينفى ما سواه، وأجمع الناس على اليسر فلا يفترقون ولا يذلون فأستخرج كنزى وتحقق ما أحققتك به من خبرى وعدتى وقرب طلوعى، فإنى سوف أطلع وتجتمع حولى النجوم، وأجمع بين الشمس والقمر، وأدخل فى كل بيت ويسلمون على وأسلم عليهم وذلك بأن لى المشيئة وبإذنى تقوم الساعة، وأنا العزيز الرحيم”.
موقف قد جاء وقتى.
- الساعة ما الساعة، وما أدراك ما الساعة
… يوم الرب العظيم المخوف.
- وستنظره كل عين والذين طعنوه
- ورأيت عروشا فجلسوا عليها وأعطوا حكما.. فعاشوا وملكوا.. ألف سنة
- ثم أخذ المبخرة وملأ ها من نار المذبح وألقاها إلى الأرض فأحدثت أصواتا ورعودا وبروقا وزلزلة .
- ويبنون بيوتا ويسكنون فيها ويغرسون كروما ويأكلون أثمارها، لا يبنون وآخر يسكن ولا يغرسون وآخر يأكل .
- هو ذا مسكن الله مع الناس، وهو سيسكن معهم، وهم يكون له شعبا، والله نفسه يكون معهم
- طوبى للذى يقرأ والذين يسمعون أقوال النبوة ويحفظون ما هو مكتوب فيها لأن الوقت قريب .
- وقتك الآن ووقتك قريب.. لقاء الأبدية والزمان حدث ويحدث وهو على الأبواب.
“وقال إن دعوتنى فى الوقفة خرجت من الوقفة وإن وقفت فى الوقفة خرجت من الوقفة”.
موقف الوقفة.
ـ أطلبك وأبحث عنك وأنا فى حضرتك ، غباء شديد ولكنه معتاد وطبيعى تماما.
يخرجنى من حضرتك تأملى فيما أنا عليه وأنا أمامك، العقلنة تقيدنى.
”وقال لى لا ديمومية إلا لواقف ولا وقفة إلا لدائم”.
موقف الوقفة.
ما أعظم سذاجة الساعين إلى الثبات فيك بمجرد الفهم والتخطيط والتصميم، تجنبا للثبات أمامك.
- وما أكذب الذين يدعون رؤيتك ولم يذوقوا الإخلاص فى طاعتك.
- الديمومة ثبات الدنيا والآخرة ، وهما لا ينفصلان.
“أوقفنى فى الوقفة وقال لى:
إن لم تظفر بى أليس يظفر بك سواي”.
موقف الوقفة.
وقال لى الوقفة تعتق من رق الدنيا والآخرة.
موقف الوقفة.
- أتحرر أو تحررنى، أصارع لأظفر بك وأقف فلا يظفر بى سواك.
- أنتصر فأستحق لقب الأسير فى موكب أسراك وسباياك.
وقال لى الواقف لا يصلح على العلماء[1]ولا تصلح العلماء عليه.
موقف الوقفة.
- عالم فى الشرع فى اللاهوت فى صحيح الدين، وواقف فيك وحدك.
- أنتويت العلم طريقا للوقفة، والوقفة هى حضرتك، ثم تركت العلم على بابك ودخلت إليك.
وقال لى من لم يقف رأى المعلوم ولم ير العلم، فاحتجب باليقظة كما يحتجب بالغفلة.
موقف الوقفة..
- أقف ولكن لا أحتملها طويلا.
- وأتلفع باليقظة كما أتلفع بالغفلة لعلى أحتمل الوقفة.
- أنت تحب العلم وتدعونى إليه وإلى رؤيته، لا رؤية المعلومات فقط، فأقف بك فى العلم و فيما وراء العلم.
وقال لى الوقفة روح المعرفة، والمعرفة(1) روح العلم والعلم(2) روح الحياة. وقال لى كل واقف عارف وما كل عارف واقف.
موقف الوقفة.
وقال لى العالم يرى العلم ولا يرى المعرفة والعارف يرى المعرفة ولا يرانى والواقف يرانى ولا يرى سواى.
موقف الوقفة.
- نعم، بل والعالم الذى لا يرى المعرفة لا يرى العلم، والعارف الذى لا يراك لا يرى المعرفة.
وقال لى الوقفة علمى الذى يجير(3)،ولا يجار عليه(4).
موقف الوقفة.
- ما ألطف هؤلاء اللاأدريين الذين يتحدثون عن بحث الإنسان عنك، أيبحث الفأر عن القطة؟
وقال لى العالم يخبر عن الأمر والنهى وفيهما علمه، والعارف يخبر عن حقى وفيه معرفته. والواقف يخبر عنى وفى وقفته.
موقف الوقفة.
نعم يا مولانا، والعالم الذى يخبر عن الأمر والنهى ليس بعالم، والعارف الذى لا يخبر عنك ليس بعارف.
وقال لى أنا أقرب إلى كل شيء من نفسه والواقف أقرب إلى من كل شيء.
وقال لى إن خرج العالم من رؤية بعدى احترق
وإن خرج العارف من رؤية قربى احترق
وإن خرج الواقف من رؤيتى احترق.
موقف الوقفة.
- لعلى أتقى الحريق بأن أطمع فى العلم والمعرفة والوقفة معا.
وكيف لى أن أخلص من هذا الجبن؟
فلن يهرب من النار إلا الواقف ولن يذوق النار إلا ذات الواقف، النار التى يذوقها الآن هينة لأنها الزمان.
وقال لى العلم حجابى والمعرفة خطابى والوقفة حضرتى.
موقف الوقفة.
وقال لى أخبارى للعارفين ووجهى للواقفين
موقف الوقفة.
إعلاناتك فوق عنايتك وعنايتك فوق أوامرك ونواهيك ووجهك فوق إعلاناتك.
أوقفنى فى الأدب وقال لى طلبك منى وأنت لا ترانى عبادة، وطلبك منى وأنت ترانى استهزاء.
موقف الأدب.
- الإيمان أدب الطلب وأنا لا أراك.
- لكن لما أراك لا أطلب منك، بل أقول معك للشيء كن فيكون.
- لأنك لما تسمح لى برؤيتك تشاركنى سلطانك ولو رفضت مشاركتك ما تعرض على أهينك، هذا هو الأدب.
وقال لى إن أردت أن تثبت فقف بين يدى فى مقامك ولا تسألنى عن المخرج.
موقف الأعمال.
- من يظن أنه يعمل صالحا يرضيك وهو لا يعرف الوقوف بين يديك لا يعرف الصالح الذى يرضيك.
- ومن يظن أنه يعرف الوقوف بين يديك ويعتقد أنه يحلو له فلا يريد منه مخرجا، لا يعرف الوقوف بين يديك.
وقال لى انظر إلى صفة(1) ما كان من أعمالك كيف تمشى معك … تدافع عنك كما كنت تدافع عنها وتنظر أنت إليها كما تنظر إلى المتكفل بنصرك وإلى الباذل نفسه من دونك …، حتى إذا جئتما إلى البيت المنتظر فيه ما ينتظر، وماذا ينتظر، ودعتك وداع العائد إليك .. ودخلت إلى وحدك لا عملك معك وإن كان حسنا لأنك لا تراه أهلا لنظرى ولا الملائكة معك وإن كانوا أوليائك لأنك لا تتخذ وليا غيرى.
موقف الأعمال.
- السماء غير طاهرة أمامك وللملائكة تـنسب حماقة، وكثوب أكلته العثة كل أعمال الاستقامة أمامك.
- أى أعمال صالحة تصلح أن تدافع عنى أمامك، عريان أنا مجرد من كل ادعاء.
- إنما أنت وحدك، لا أعمالى ولا الملائكة، ولـى ونصيرى وحدك الباذل نفسك من دونى.
وقال لى إن أردت أن تثبت بين يدى فى عملك فقف بين يدى لا طالبا منى ولا هاربا إلى، إنك إن طلبت منى فمنعتك رجعت إلى الطلب لا إلى أو رجعت إلى اليأس لا إلى الطلب.
وإنك إن طلبت منى فأعطيتك رجعت عنى إلى مطلبك، وإن هربت إلى فأجرتك رجعت عنى إلى الأمن من مهربك من خوفك.
وأنا أريد أن أرفع الحجاب بينى وبينك.
فقف بين يدى لأنى ربك ولا تقف بين يدى لأنك عبدى.
وقال لى إن وقفت بين يدى لأنك عبدى ملت ميل العبيد،
وإن وقفت بين يدى لأنى ربك جاء حكمي(1) القيوم وحال بين نفسك وبينك.
موقف الأعمال.
- نطلب منك فتعطينا ونهرب إليك فتجيرنا ثم لا نثبت فى أعمالنا أمامك.
- وفقط لما أعرف الوقوف بين يديك أعرف الثبات فى عملى أمامك.
- ما أغبى الذين سيفرضون علينا ما يظنونه حكمك القيوم، فحكمك القيوم لا يفرض إلا فى القلب، وهناك لا يفرضه إلا الوقوف بين يديك، ولا يقف بين يديك إلا من وقف لأنك ربه، لا لأنه عبدك.
فكم تكون المسافة بين حكمك القيوم وبين قلوب من تفرض عليهم باسمك أحكاما. ليس هذا ميل العبيد بل هو الضلال المبين.
أكتب من أنت لتعرف من أنت، فإن لم تعرف من أنت فما أنت من أهل معرفتى.
موقف الأمر0
- ولا يعرف نفسه إلا من كان من أهل معرفتك.
- ليس طريق معرفتك أن أعرف نفسى، بل الطريق هو معرفتك، وحينئذ سأعرف ضمن ما أعرف نفسى . وأكتبها كما أمرت أنت.
وحين أتعرف إليك(1) ولو مرة فى عمرك، إيذانا لك بولايتي(2) تنفى كل شيء بما أشهرتك فأكون المستولى عليك وتكون أنت بينى وبين كل شيء، فتلينى،(2) لا كل شيء ويليك كل شيء لا يلينى. فهذه صفة أوليائى، فاعلم إنك ولى.
موقف الأمر.
-لا ينطق بهذا إلا من عرفك وبدونك لا يعرفك أحد.
- مرة واحدة فى العمر كافية لأن تستولى أنت على وتصادق كل الأشياء من خلالى.
وقال لى اطلع على فى العلم فإن لم تر المعرفة فاحذره واطلع فى المعرفة فإن لم تر العلم فاحذرها.
موقف الأمر.
- العالم الذى لا يعرفك لا يعرف العلم.
- والعارف الذى لا يعرف العلم سيتوه عنك فيما يظن أنه معرفتك.
وقال لى ياعارف أرى عندك قوتى ولا أرى عندك نصرتى أفتتخذ إلها غيرى.
وقال لى يا عارف أرى عندك حكمتى ولاأرى عندك خشيتى، أفهزئت بى
وقال لى يا عارف أرى عندك دلالتى ولا أراك فى محجتي(1) .
موقف المطلع.
- بددت قوتك على مذابح ألهة غيرك، ووضعت بحكمتك مهابتى على الناس، لا مهابتك فى قلبى.
- فأغصب نفسى الآن على محجتك، عارفا أن نصرتك وخشيتك لن تتأخرا علـى.
وقال لى الذى يفهم عنى يريد بعبادته وجهي
والذى يفهم عن حقى يعبدنى من أجل خوفي
والذى يفهم عن نعمتى يعبدنى رغبة فيما عندي
وقال من عبدنى وهو يريد وجهى دام،
ومن عبدنى من أجل خوفى فتر،
ومن عبدنى من أجل رغبته انقطع.
موقف المطلع
العلم هو أن أفهم عنك، لعلى أريد بعبادتى وجهك. حقك ونعمتك درجة إلى وجهك أو درجة إلى رغبتى وخوفى، فأصعد إليك بل تنزل أنت إلى فى رغبتى وخوفى. أعبدك من أجل وجهك بجوار خوفى ورغما عن رغبتى يحفظنى وجهك فى الديمومة والديمومة تحفظنى على الثلاثة نعمتك وحقك ووجهك.
وقال لى أنا وليك فثبت
وقال لى أنا معرفتك فنطقت
وقال لى أنا طالبك، فخرجت.
موقف الموت.
- وموظف بالدرجة الثالثة أثناء تأدية عمله، فى مجمع المصالح الحكومية بميدان التحرير، بعد التوقيع فى دفتر الحضور والانصراف. قال له اتبعنى فقام وتبعه.
وقال لى إذا بدت آيات العظمة رأى العارف معرفته نكرة وأبصر المحسن حسنته سيئة.
موقف العزة.
- أدخل إليك وحدك لا عملى معى وإن كان حسنا لأنى لا أراه أهلا لنظرك.
- وأدخل إليك وحدى لا معرفتى معى لأنى لا أراها أهلا لما أنظره الآن من عزتك.
- وعملى وإن كان منك ومعرفتى وإن كانت منك لا يشفعان فى أمامك بل لا يدخلان معى أمام عزتك. لا يبقى إلا أنا وأنت، فإن لم تكن أنت معرفتى لا تبقى لى معرفة وإن لم تكن أنت حسنتى فقد هلكت.
أوقفنى فى التقرير وقال لى تريدنى أو تريد الوقفة أو تريد هيئة الوقفة فإن أردتنى كنت فى الوقفة لا فى إرادة الوقفة وإن أردت الوقفة كنت فى إرادتك لا فى الوقفة وإن أردت هيئة الوقفة عبدت نفسك وفاتتك الوقفة.
موقف التقرير.
لما يبهرنى محضرك فاطلبه لا أطلبك، أفقدك وأفقد بهاء حضرتك.
ولما تبهرنى هيئتى فى عيون الناس أو فى عينى وأنا أمامك، أطلب نفسى وهيئتها فافقدك وأفقدها.
- المزالق على الجانبين والطريق ضيق والصراط مستقيم.
وقال لى إذا دعوتك فلا تنتظر باتباعى طرح الحجاب فلن تحصر عده(1) ولن تستطيع أبدا طرحه.
موقف التقرير.
فى هذه الحياة لابد من المقامرة أو الرهان لأننا لا نعرف أبدا على وجه اليقين من نحن.
علمنى حبـك عبارة سهلة وبسيطة وعفية شرط المحبة الجسارة، شرع القلوب الوفية.
- رفع الحجاب يطمئننى للدعوة، ولكنه لا يـرفع إلا بعد أن أكسر بالمقامرة والجسارة خوفى.
وقال لى إذا رأيتنى وأقبلت على دنيا فمن غضبى، وإن أقبلت على الآخرة فمن حجابى، وإن أقبلت على العلوم فمن حبسى، وإن أقبلت على المعارف فمن عتبي(1) .
وقال لى إن سكنت على عتبى أخرجتك إلى حبسى، إن وصفى الحياء فأستحى أن يكون معاتبى بحضرتى، فإن سكنت على حبسى أخرجتك إلى حجابى وإن سكنت على حجابى أخرجتك إلى غضبى. موقف التقرير.
- اللهم ارفع غضبك ومقتك عنا.
- احفظنا بين غضبك وحجابك من سكون الدنيا،
وبين حجابك وحبسك من سكون الآخرة،
وبين حبسك وعتابك من سكون الخبرة الروحية.
وبين عتابك وحضرتك من السكون إلى عتابك وليحفظنا وجهك من كل سكون.