المجتمع أولا ودائما لاتتوقفوا
أ. د أسامة الشربينى
فى محاولة لنبذ السلبيّة.. وممارسة الإيجابية.. ولو.. مرّة.. بين كل حين وحين أرجو أن أضع أمامكم بعض الملاحظات ردّا على الاستفتاء المنشور بمجلتكم الإنسان والتطور.
…(1) هذا الغموض والإبهام هو سمة وصفها بها كل من تطوعتّ باستفتائه أن عند المجلة مجموعة من الأفكار والخبرات والاتجاهات التى لا شك فى قيمتها، وصدقها.. لكنهم لا يستطيعون الوصول إليها. وأقول لهم: لأنكم لم تتبعوا منابع هذا الفكر، ولا تدركون أبعاده….. ولكن ماذنب الذى يشترى عدداً لأول، ولم يعايش هذا الفكر أو هذه الخبرات من البداية.
…إنه حتى فى مجال التعبير عن الخبرات الذاتية .. والكتابة الشعرية.. والأدب.. والقصة لى بعض الملاحظات:
ربما كان هناك بعض مبالغة – أو حتى ادعاء – فى معاناة هذه الخبرات بهذه الأبعاد أساسا.
أن الكاتب غالبا لا ينجح فى نقل خبرته أو انفعاله إلى قارئ المجلة، إلا إذا كان القارئ يعرف الكاتب شخصيا أو يعرف خبرته، فالإحساس بالخبرة لا يكفى وحده ليصنع الأدب، ولكن الذى يصنع الأدب هو النجاح فى نقل هذه الخبرة كاملة إلى الآخر ليحياها وينفعل بها كما أحس بها صاحبها، إذن، فلا بد أن تنقل للقارئ هذه “الرجفة” أو”القشعريرة” أو” الصحوة” لتفتح أمامه آفاقا إنسانية جديدة.
لا يكفى إطلاقا لكى يكون هناك أدب، فضلا عن أن يكون أدبا إنسانيا – إن صح التعبير – لا يكفى أن تردد كلمات مثل الإنسان … الحب .. الظلام .. الحطام… اللاشئ .. الضياع.. الأعماق .. الصرخات….100% 100%،
وسيادتكم خير من يعلم أن الكلمات فقدت معناها عندمافقدت صدقها، وعندما ابتُذلت بالتكرار، وعندما تحولت إلى ذبذبات صوتية.
(ثم ذكر د. اسامة تفاصيل عن ذلك فى السياسة، وفى العلاقات الشخصية، إلى أن قال:
وفى مجتلكم الكريمة تفقد الكلمات معناها بالغموض، وصعوبة التوصيل، وعدم القدرة على نقل المشاعر والأحاسيس المصاحبة لها….. فى باب الأدب بالذات.
إنكم تتصورون أن الانسان يمكن أن” يتطور” وعيه ووجوده انطلاقا من ذاته هو.. ووصولا مباشرا إلى المطلق، وإلى أسمى درجات الوعى، واكثر حالات الوجود إنسانية، تتصورون أن ذلك ان يتم دون العبور على قنطرة المجتمع، وانا معكم أن ذلك جائز،جائز فى بعض الخبرات الإنسانية على معايشة هذه الخبرات، ولكن لا يمكن للإنسان العادى – دع عنك المريض نفسيا – أن يحتفظ بتأثير هذه الخبرات فى ممارساته الاجتماعية فى دنيا الواقع، ولا قيمة لإحساسه ومشاعره عمليا إلا إذا تمكن من أن يحياها وسط مجتمع بحيث تصبح فعلا فى حياته اليومية،وبعبارة أخرى: لابد أن يوجد هذا المجتمع الذى يسمح لهذا الفرد أن يعيش، وهنا يا سيدى نختلف جوهريا، تقولون نبدأ بالفرد، وأقول – بعد خبراتنا الطويلة فى الطب النفسى – بل نبدأ بتحديد معنى الحياة، وصورة المجتمع، ومن نحن، ثم من أنا.
منعا للاستطراد أصل أصل إلى ما أريد أن أقوله وهو(التنبيه إلى) إغفال المجلة للبعد الاجتماعى… رغم تناولها له أحيانا، أى تعرضها للنواحى الاجتماعية التى لابد من وجودها لتواكبها عملية التطور، والتى بدونها لابد أن يكون التدهور.
إن المجلة بعد ذلك لم تحدد جمهورها، ولم تتجه إليه، فهى ليست قريبة من عذابات الرجال، وصراعات الشباب، ولا تكاد تحفل بما يموج به المجتمع، وكأنها، أو كاتبيها تعيش فى كوكبة أخرى، غير جماهير الناس المتلاطمة وأنا أسال نفسى دائما، لمن بالتحديد تكتب المجلة؟ إنها سابقة تماما لمرحلة التطور التى يعيشها المجتمع، وبعيدة تماما عن نبضه وحسّه، وتفرض عليه مالا يستطيع الآن أن يجاريه، فضلا عن أنها لا تملك فكرة واضحة عن كيف تساعده على ذلك، أو حتى كيف يساعده الآخرون على ذلك.
إن المجلة قد تكون أوسع انتشار فى مجتمع آخر، أو فى مرحلة قادمة. شكل المجلة كالكتاب…. تصعب قراءته …. وينقصها الإخراج الصحفى الذى يساعد على انتشارها.
ومع ذلك فأنا أرى ضرورة الاستمرار للأسباب الآتية:
إذا لم تستمر، فما هى النافذة التى يطل منها هذا التيار الفكرى فى الطب النفسى.. وهذه النظرة إلى الانسانية فى العلوم النفسية؟
إذا لم تستمر، ألا يقطع ذلك الصلة بين جماعة الطب النفسى التطورى (والعمل الجماعى) وبين الناس…. وبالمناسبة لماذا لا تعلن الجمعية عن مواعيد انعقادها، والموضوعات التى ستناقش؟ ولماذا لا يكون الاجتماع فى مكان سهل وزمان سهل حتى لا يكون الوصول إلى الجمعية صعبا كالوصول إلى معانى المجلة، وبالمناسبة، ولماذا لا يخصص باب لنشاط الجمعية، ولماذا لا يكون لها فروع فى المحافظات، ولماذا لا يصدر عن المجلة أعداد متخصصة بحيث يفرد لكل عدد قضية واحدة، ولماذا لا يتعدد الذين يكتبون لها؟.
– بعد ذلك أقول: استمروا مهما كانت التضحية والمعاناة والصبر، فهو واجب، وأنا واثق رغم كل شئ أنكم تعدون العدد القادم من المجلة…… ولهذا فأنا مطمئن.
الأستاذ والأخ:
أعتذر، فلم أقصد أن أطيل… ولكنها طفرة محاولة أن أكون إيجابيا، وذلك بعد عودتى من ” الداخل”.
(انتهى أغلب الخطاب).
فنرد قائلين:
عزيزى أ.د أسامة الشربينى: أستاذ ورئيس قسم الطب النفسى، جامعة الزقازيق، فرع بنها : والله زمان !!!!!!!
كنت أنوى أن أقتطف بعض خطابك، فإذا بى أثبته جميعه، إلا قليلا ، ولعل فى ذلك وحده معنى واضحا.
ليس عندى رد جديد ، فقد سبق أن تحدثنّا فى كل هذا بلا طائل، وإنما نشرت خطابك لأشكرك، ولعلنى أصدَّق أنك مازلت هناك، وما زلت أعزف عن النقاش الدائرى عن أيهما أولا: البيضة أم الفرخة، المجتمع أم الفرد؟ لا شك أنه المجتمع، الذى صنعه أفراد مثلى ومثلك.
نقدك للأدب الذى ينشر فى المجلة مقبول من حيث المبدأ، لكنه لا ينطبق على كل ما ينشر، ولم ندّع يوما أننا مجلّة أدبية، ولن نكون.
الحلول التى تقول بها، بدءا بالمجتمع، هى حلول سياسيّة، ولعله قد بلغك ما حدث أخيرا من تهديد بالويل والثبور وعظائم الأمور لمن يجرؤ من أهل الجمعيّات أمثالنا أن يتكلم فى السياسة، وإلى أن نعرف الحد الفاصل بين السياسة والإنتماء والوطنية والدعوة إلى الفعل، والعمل الجماعى لا بد أن نحذر ونحن نستمر ببركة العجز، فى ظل الستر، فهيا ونحن وراءك، أم ماذا تنتظر؟
روح يا شيخ الله لا يسيئك.
نحن لا ندافع عن الغموض، ولكننا نرفض عدم بذل الجهد مرّة ومرّات، وإلا فنحن نوافقك أن نأمل أن يأتى يوم، يراجع فيه الناس ما كتبنا، فيعلمون أننا بلّغنا وأشهدنا، ولم لا؟ ألسنا نقرأ النفرى من جديد هذه الأيام؟.
(أنظر هذا العد والعدد الماضى) فأَُينا أصعب يا سيدى نحن أم هو، ولمن قال النفرى ما قال؟ ألم يقله لنعيد قراءته الآن،هكذا؟ وغير ذا، فليأت من يقرؤنا حين يحين الحين، وبالله عليك جرّب ان تقرأ هذا العدد بالذات عدة مرّات فهو يستاهل ذلك منك أنت بالذات.
مواعيد ندوات الجمعية ثابتة مثل الساعة منذ تسع سنوات، مساء الجمعة الأول من كل شهر، فى مقر الجمعية بالمقطم، ومواضيع الندوات معروفة مسبقا ومنشورة – غالبا – فى المجلة، وإحدى ندواتها منشورة فى هذا العدد، ستقول صعبة، فأقول ليكن، ودعنى أفخر أمامك مرّة فأقول – وانا واثق من سعة صدرك -: من يريد الجميلة يدفع مهرها.
نشكرلك ثقتك فينا، وأملك فى استمرارنا.
سامحك الله وجزاك عنّا خيرا يا أسامة……، فعلا.
ملاحظاتك مقبولة وسعيكم مشكور،
وعليك السلام،
من يدرى؟
[1] – النقط تعنى أن ثمة جزءا محذوفا، فمن البديهى أننا لم ننشر كل ماجاءناـ وإن كانت المقتطفات حرفية