الافتتاحية
أما ما كان من أمر هذه المجلة، بعد أن توقفت، أى كادت، فإنها تمادت فى الاستقلال، فبعد أن حاولنا الاستقلال فى التوزيع. فشلنا والحمد لله، ثم هانحن نحاول أن نعلن استقلالنا – بكل آسف – عن الحاج سيد عطوة، فنحرم أنفسنا من حكمته وروعة بطء إيقاعه، فرحنا تغامر باقتناء ما يؤكد هذا الاستقلال، فقلبناها مطعبة، بالكمبيوتر ومتعلقاته من برامج، طابعه، وما إلى ذلك. وإذا بالمسألة ليست مجرد اقتناء آلة تسهل العمل، وتضمن الإتقان، ولكننا عايشنا خبرة قديمة جديدة: إن اختراع آلة، فاستعمالها، إنما يغير التفكير ذاته، وهذا ما كان من خبرتنا من واقع جدلنا المتواضع من هذه التقنيات الأأحدث فى إخراج هذا العدد.
1- نجيب محفوظ: المعنى والجائزة:
وفجأة، وقبل صدور هذا العدد مباشرة، نفاجأ – بلا مفأجاة – بحصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل، فنشعر أن هذا أولى الأمور بالنظر والتقديم:
ومع حرصنا الشديد ألا تكون زفة، وألا تعطى للجائزة قيمة أكثر مما تحتمل – وهى أصلا موضع شبهة – فإننا نشعر أن من حقنا، وحق عمنا نجيب الرائع المصرى الطيب، أن نشارك ونقول.
فنقول:
1- إن فوز نجيب محفوظ بالجائزة، هو قدرلا طيب، رغم أنه ليس أمرا موضوعيا صرفا، فنجيبنا من ناحية أكبر من الجائزة (هذه بالذات)، ومن ناحية أخرى هو قد فرض نفسه – لنا – حتى فتحها علينا، آفاقا ما كان يمكن أن تفتح بغير هذا.
2- إن الأسباب التى قيلت فى تبرير حصوله على الجائزة، ليست هى هى الأسباب التى نفرح لها، ونفرح بها، ليس لأن قيمة الحرافيش مثلا – قمة نضجه – لم تصل إليهم، ولكن لشكنا فى قصورهم عن الوصول إلى عمق حقيقة ما هو فعلا. فربما كان عمنا نجيب أهل للجائزة، بلارغم مما ذكروه وليس بسببه.
3- إن القيمة التى يمثلها نجيب محفوظ – إبداعيا وإنسانيا ومصريا وعربيا – هى التى تؤكد لنا طبيعة هذا السعب، فنجيب محفوظ هو “معنى” لم ننتبه له بالقدر الكافى، فلعل هذه الجائزة توقظ فينا ما يدل عليه هذا التاريخ وهذا العطاء.
4- إننا نرجح أن موقف نجيب محفوظ الأمين مع نفسه – سياسيا وحضاريا ومصريا – كان له (بعد أن ترجموه إلى ما أرادوا) بعض اسباب نيله الجائزة، ولابد أن ننتبه لذلك حتى لا نفرط فى حسن الظن بمن أعطى الجائزة، لكننا نسعد بهذه الخدعة، إن كانوا قد وقعوا فيها، لأن معنى ذلك أن تكون هذه الجائزة حق، أريد به باطل، أى أنهم أرادوا ويريدون، أن يلمزونا بأنهم راضون عن مواقفة الأخرى، وأن من يريد أن يحظى بالقبول فعليه أن يكون – سياسيا – مع ما كان محفوظ معه، وهذا كله باطل لا يقلل من الحق الذى حصلنا عليه، بالرغم من احتمال كل هذا. فعمنا قال ما يعتقد فى السياسة والأدب، لأنه يعتقده، ولو خطر ببالهم ان يشوهوا ذلك بما منحوه إياه، فهم ابله من أن يعرفوه، او يعرفونا.
5- إن ما تعنيه الإشارة إلى رواية أولاد حارتنا هو أمر خطير وجيد فى نفس الوقت، فى زحمة الهيجة الارتدادية الحالية، علما بأن هذه الروايد (على حد علمنا) ما زالت مصادرة فى مصر حتى تاريخه (فهل نفهم لنفيق؟).
6- إن ما يمثله نجيب محفوظ من قيم: السماح، وطول النفس، والوحدة مع رحابة الاستجابة غير المشروطة، وتجنب المعارك الجانبية، والشجاعة الذاتية، والمشاركة اليومية، كلها تحتاج إلى مجلدات نأمل أن نسهم فى بعض الإشارة إليها حين نقوم ببعض ما ينبغى، ذلك أنه استطاع أن يحتفظ بقدرته على المواكبة، حتى ظنواه توفيقيا مسالما، مع أنه وجه عدوانه فى غبداعه مثل المفاعل الذرى المحسوب، ثم إنه استطاع أن يترك أعماله تشوه أحيانا، وتمسخ أحيانا، واثقا أنها قيمة قبل وبعد استغلالها بغير أهلها، وكذا كانت ومازالت لديه القدرة على ان يجالس من ليس هم، وأن يرد على من لا رد لكلامه، وأن يستجيب لكل صحفى، وينصت لكل عابر، ويشارك فى كل برنامج، دون ابتذال أو تعال، واستطاع، واستطاع واستطاع…
فما معنى كل هذا وكيف؟
سوف نعود للإجابة ردا لجميلك، ونهلا من فيضك يا عمنا الكريم.
7- وأخيرا فإن لنجيب فضلا فى استمرار هذه المجلة بالذات، فحين صدر أول عدد أرسلنا لعد من المفكرين والثقات نسأله، هل نكمل؟ وهل الحقل الثقافى يحتاجنا فعلا؟ وهل، وهل..؟ ولم يرد علينا سواه، قال: على بركة الله، فقلنا نعم، ونحن نفخر أننا قدمنا له قراءتين: ليالى ألف ليلة، ورأيت فيما يرى النائم، ثم ونحن نعيش معه الحرافيش لحظة لحظة، جيلا جيلا (ولاف أولاد حارتنا والثلاثية) لكننا توقفنا حين قررنا أن نقابلها بمائة عام من العزلة، فتأخرنا……،
ووعدا ستعود.
فعلا، شكرا يا عمنا، وتهنئتنا لك، هى ان نتعلم منك كيف فعلتها، حتى نكون جديرين بك، وأن نعرف كيف ننتزعها، لا الجائزة، وإنما ما هو قبلها، وما هو بعدها، ننتزع حق الحياة الذى أحد مظاهره أن نفرض أنفسنا عليهم، صدقوا أم خبثوا، ثم نمنحهم جوائز أننا قبلنا جوائزهم، وشكرا لأنك انتزعتها، وشكرا لأنك قبلتها…،
الحمد لله.
2- الكارثة: من توظيف الأموال إلى توظيف الأفكار
ليس إلى هذا الحد!!.
ذلك أننا وجدنا أنفسنا وقد بقى على سنة ألفين أحد عشر عاما وبضعة شهور (أى والله العظيم ثلاثا أحد عشر عاما وبضعة شهور) وجدنا أنفستا نعيش قضايا هزلية، ونتصور أننا نتناقش، ونتحاور، ونحن لا نفعل إلا أن نكرر ونبرر.
المسألة الدينية كما تبدو الآن هى من دوافع استمرار هذه المجلة بشكل أو بآخر، فالمحنة شاملة، وشرف الوجود يحتم شرف المشاركة، ذلك أن الفتنة إذا حلت، فلن تستثنى أحدا، وفى هذه الافتتاحية لا نستطيع أن نلم بأبعاد هذا الامتحان الصعب الذى ينذرنا جميعا بتدهور لا عاصم منه إلا يقظة تطزرية على كل المستويات، تنقذ أول ما تنقذ اختزال الأديان العظيمة إلى مخابئ للوعى، ومدافن للفكر، وسوف نكتفى فى هذه الافتتاحية بالتنبيه إلى المواضيع الواجب فتحها، والمزالق الواجب الانتباه إليها، داعين القراء وأهل الرأى من الأحياء الشرفاء للإسهام إلى أبعد مدى، فتكتفى بأن نعلن من هذا الموقع المتواضع شكوكنا ومحاذيرنا على الوجه التالى:
1- إن القضية يتم تناولها من مدخل خاطئ أصلا، هو مدخل الحلال والحرام، بالمفهوم الحرفى المغلق، فالمسألة قبل ذلك بكثير ،إذ هى مسألة: حركة أم سكون، تقدم أو تدهور (والحلال بين والحرام بين!!)
2- إننا حين نقول تدهور أم تقدم، فإنه يتبادر للذهن لأول وهلة أننا نقابل بين نموذج غربى ونموذج قبلى، فى حين أن كلا منهما قد تدهور حقيقة وفعلا، حتى لو أخذ الأول اسم المدنية، وأخذ الأخير اسم الدين. وإنما نعنى بلاتقدم: بالكدح المتجدد إلى وجه الله على طريق النمو المستمر والإبداع المتصل، نحو الأعمق وعيا، والأرحب وجودا، وذلك بكل سبيل وكل لغة وكل دين، كما نعنى باتأخر أو التدهور: السكون، والتكرار، والتأجيل،و الغيبوبة.
3- إن المصيبة تمكن فى تنمية التبعية بكل صورها، فكما ا،ى أعطى اموالى لمن يوظفها فأخاطر بالأصول شكا فى قدرتى، واعتمادا على الأطول ذقنا والأعلى صوتا، والاوسع مساحة إعلان،و البركة فى سيادته، كذلك فإنى أسلم فكرى لمن يفكر بالنيابة عنى، سواء فكر عنى بالنيابة منذ ألف سنة، أو فكر بالنيابة حالا فى فتوى جاهزة، أو جنزير جالد، يستوى الأمر، وهكذا أصبح الدين أشبه بشركات توظيف الوعى، أو توظيف الأفكار مقابل وعود، وتأجيل وترهيب وترغيب،… الخ: نفس الحكاية.
4- إن الذين يتصدون لهذا الفكر المجمد (ولا أقول الدينى) يتصدون له من موقع فردى تماما، وهذا هو الخطر بعينه، فسرعان ما ستذهب بهم طلقات القناصة (الإهمال، أو النسيان، أو الموت الطبيعى، أو الموت بفعل فاعل، وكلها نهايات متساوية وإن اختلفت المدد) اما أين توجد الحركة الحركة الجماعية الفكرية الواعية التى لا تبدأ بما هو حلال وإنما بما هو حق، حيث لا فرق بين الحق والحلال، ولا تتمحك فيما هو حرام، وإنما تدفع إلى ما هو حركة، فهذا ما لم يبد على الساحة بعد.
5- إن الإسلاميين اليساريين، ولاإسلاميين العصريين ينتهجون نهجا غريبا حين يمضون فى نفس يساريتهم وعصريتهم، برموز وألفاظ إسلامية لا أكثر ولا أقل. فيشوهون الجانيين معا، لا أكثر ولا أقل.
6- إن استنهاض الفنانين ضد الوصاية والتحريم الجديدين هو أمر لا طائل وراءه إن لم يأت بعكس المراد منه، فنقطة البدياة ينبغى أن تكون مختلفة وقوية وحاسمة وشاملة.
7- إن محاور الحوار لا تدل على جديته أو جدواه، وأكاد أتصور الحوار الجارى على مستويين. لكل مستوى طبقاته وتفريعاته، فأجد فى المستوى المعلن ما يلى:
علمانى x إسلامى
إسلامى متطرف x إسلامى تقليدى
إسلامى متنور (عصرى) x إسلامى منغلق
إسلامى حكومى x إسلامى معارض
مسلم عادى x مسلم سياسى
وبتتبعى لكل هذه الحوارات، وجدتها لا تعنى شيئا ذا بال، وتصورت أن الأهم هى الحوارات السرية التى تختفى وراء هذه المظاهر المضحكة ذات الحجج الطفلية، فجاءنى أن بعض المحاور السرية لابد ان تكون:
المتدينون x الملحدون
المتدينون (الممارسون) x المؤمنون (المتصوفون)
المتعصبون (فى ناحية) x المتعصبون (فى الناحية الأخرى)
المتوجسون (من الغرب) x المبشرون
المنتفعون (التوظيفيون) x الغافلون (المودعون)
وأنا أتصور أنه لا حل لما نحن فيه، إلا إذا كشف الحوار السرى (مجموعة المحاور الأخيرة) عن وجهه فأصبح علينا، وإلا أذا اتيحت الفرصة لكل الأصوات (أكرر كل الأصوات) أن تدلى بدلوها، لا كلاما ومناقشات وإقناعا، وإنما فعلا وإنتاجا وإبداعا ومواجهة.
وهذه هى قضية وجودنا التى لا تحتمل التأجيل،
والدعوة عامة
ولعلنا نستطيع أن نعود إلى التفصيل فى إعداد قادمة،
قبل الطوفان
3- هذا العدد:
رغم هذه القفزة التحريرية وما واكبها، فإننا راعينا الالتزام بالخطوط العريضة للمجلة، فخرجت هى هى، بأبوابها الأربعة:
ورغم تضاؤل الباب الثانى نسبيا، إلا أننا لا نخشى على الأدب من هذه الإغارة، فالقارئ لا بد وأن يلاحظ، كما لاحظنا، أننا نحاول أن يكون الفصل بين الأبواب وهميا فعلا، حيث تصب جميعها فى هدف متداخل إذ تدور حول محور واحد، فالفصل الأخير – مثلا – قد حوى عددا مناسبا للصفحات كان يمكن أن تنشر تحت فصل” مثل موال” حيث ظهر فى فصل حالات وأحوال كيف يمكن أن نستعمل الأمثال العامية كقياس طيب لبعض أبعاد المرض النفسى، كما لعله يلاحظ كيف اعتمدت الموسوعة النفسية فى تناولها لما هو “ذنب” والشعور به (الشعور بالذنب)، كيف اعتمدت على مقتطفات أدبية متنةعة لإظهار أبعاد ما أرادت تقديمه بالنسبة لمستويات الشعور بالذنب: المستوى الوجودى، ثم المستوى الأخلاقى، وربما كان فى ذلك فائدة خاصة، فنحن حريصون أشد الحرص منذ بدء ظهور هذه المجلة على أن نعلن المرة تلو المرة أننا إنما نستعمل مداخل الأدب، وتحريك الفكر عامة لمحاولة فهم الظاهرة النفسية، مما نسميه مرة علم بالنفس، ومرة رؤية نفسية إلى آخر محاولاتنا التى لم تنقطع أبدا، فإذا جاء هذا العدد فطرح هذا المدخل من واقع اختلاط المادة المقدمة هكذا، فظهر النقد الأدبى ضمن الموسوعة النفسية، وظهر المثل العامى ضمن عرض حالة مرضية، فلعلنا بذلك نكون أوضح فأوضح بالنسبة لتكامل مداخل فهم النفس التى نحاول التأكيد عليها باستمرار.
ويجرنا هذا إلى التنبيه على أننا لا ننشر فى باب الأدب والشعر ما يصلنا من أعمال أدبية بحسب جودتها المطلقة، لكن يبدو أننا ننشر ما نتكامل به، فى نفس الاتجاه، العلم بالنفس، وهذا لا يعنى أننا ننشر قصصا نفسية، أو شعرا نفسيا، بل لعل العكس هو الصحيح، فنحن نرفض عادة، ونتحفظ غالبا على الأعمال الأدبية المباشرة التى يذكر فيها المرض النفسى أو الطب النفسى.
ثم نمر سريعا على أبواب المجلة:
ففى الباب الأول يواصل الزميل الدكنور عصام اللباد ترجمته لليفى شترواس حول الأسطورة، ونضيف تعليقات دالة نأمل أن تتطور وتضطرد.
ثم نلتقى بقلم شاب فى الباب الأول وهو يقدم لنا – أو هو يذكرنا – بما يسمى الطب النفسى الوجودى من مدخل نعريفنا أكثر فأكثر بفكر كيركجارد، وهو الزميل د. إيهاب الخراط، فنرحب به، ونأمل فيه، ونتساءل بعد مقالته أسئلة ونقدم إثارات، فيعدنا باستمرار الإيضاح والحوار فى اعداد قادمة به وسهلا، ولنطمئن أن الشباب مازالوا شبابا رغم كل شئ.
ثم نقدم موقفنا من حديث مع شيلدراك ظهر فى عدد مايو 1988 فى مجلة “الصفر ” العربية، تناول فيه بعض جوانب البيولوجيا والذاكرة من مدخل واسع ورائع بما يتناسب حقيقة وفعلا مع ما هو “حياة” بالمعنى الأشمل، كما تجاوزو فيه مفهوم البيولوجيا قاصرة على حدود الجسد الحيوى إلى تناول الأشكال المورفولوجية كحقيقة كونية (فيزيائية وليست ميتافزيائية) فنأمل من هذا المقتطف فالموقف أن تتسع آفافنا وتمتد معارفنا حتى نستطيع أن نخرج بأى درجة من سجن المنهج التجزيئى الكمى البحت، ومن وصاية الأكاديميين المنغلقين على حد سواء.
وفى هذا الباب ايضا نقدم – بعد طول تلكؤ – ما سبق أن وعدنا به من تقديم موجز للندوات الشهرية التى تقووم بها الجمعية (التى تصدر هذه المجلة) فيوجز لنا مقدموا الندوة ما دار فى ندوة شهر مارس عن كتاب بشلار”حدس اللحظة”، حيث شارك فى تقديم الندوة الدكتور رفعت محفوظ والدكتور أسامة عرفة اللذين، ومحمد يحيى الرخاوى، ونعترف أن التقديم كان موجزا أكثر من اللازم، لكن لعل القارئ يجده مركزاً وشاملا النقط الرئيسية من وجهات نظر متعددة، ثم يأتى التعقيب على الندوة بعد إشارة عابرة لبعض ملامح نقاش دار فيها، فيقدم لنا مفهوما يحاول التوفيق بين برجسون وروبنال من وحى اجتهاد بشلار ومتجاوزا إياه مما يحتاج من القارئ اجتهادا طيباً لعله يحثه على بدء حوار ننتظره منه دائما.
ويلحقنا الدكتور سيد حفظى بمقال من وحى نفس كتاب الندوة ومناقشاتها ليقدم لنا بعد الزمن فى نشاط الحلم خاصة.
وفى نفس الباب الأول نواصل الحضور على مائدة مولانا النفرى تكملة لقراءتنا فى موقف مالاينقال، لعل وعسى….
ولا نزيد فى الإشارة إلى طبيعة الباب الثانى إلا بإعلان تراجعنا الواضح عن تحفظنا على نشر الشعر بالعامية، ولاشك أن الفضل يرجع فى ذلك إلى قوة حضور هذه الحركة الرائعة فى الوعى الثائر الشاب المسئول، ولابد أن نعترف بالفضل تحديدا إلى موقف ومنطق حلمى سالم بوجه خاص، جنبا إلى جنب مع إصرار أحمد زرزور ومثابرته، ونحن إذ نفخر بهذا الحوار، ونفرح بهزيمتنا أمام الحق والتقدم، نعلن ترحيبنا – على الأقل فى باب ما هو شعر (كبداية) بهذه المادة التى هى – بعد طول عناد، لغة كأى لغة، هى لسان الأم حقيقة.
أما بقية هذا الباب فهى بين يدى القارئ بما لا نسمح بتقديم لها أكثر من ذلك، لكننا مازلنا ننتظر اسهاما أكثر من القراء، بما فى ذلك الدعوة إلى ما أسميناه “كتابة طليقة” (حيث مازال يوسف عزب يواصلها) والتى هى بالضرورة ليست شعرا.
ويأتى الباب الثالث متعدد التوجه لنطمئن أن الحوار مازال مستمرا.
وبعد عزوفنا عن عمليات القطع واللصق بما كنا نسميه حوارا، وذلك لما لحق المحاور الضيف من ظلم وتشويه، نواصل نشر الرسائل، وإن كان بشرا ناقصا حتما، ونجدنا فى هذا البريد نواجه زملاء شبان يثيرون قضايا علمية وتخصصيصة فى حين أننا نطمع أكثر فأكثر فى حوار حول المسائل العامة، التى يكون التخصص مدخلا إليها، لكن أهلا دون شروط.
ثم نظرح – بمناسبة الاستفتاء الخاص بمسيرة المجلة – عينة من الاعتراضات والنقد مما وصلنا لعلها تمثل الاتجاه الغالب، فجأة – فى هذا الباب أيضا – يعود إلينا بعض أصدقاء المرحلة الباكرة لصدور المجلة، فنفرح قائلين: بشرى خير لم ينسوا بقدر ما أننا لم ننس.
أما الباب الرابع، فنحن مازلنا نأمل أن يكون هو ما يميز هذه المجلة فى ثوبها الجدي، شريطة ألا ننزلق إلى سجن التخصص المغلقو ألا نسهو فنكرر أخبار الأكاديميين المحدودة، ونحن إذ نعتذر عن صعوبة الحالة (باب حالات وأحوال) هذه المرة، نرجو من القارئ أن يجتهد فى إعادة القراءة وخاصة فى الجزء الخاص بما أثاره اختيار الكلمات واختبار الأمثال معا، وقد رأينا فى آخر لحظة أن ضيف ملحقا لهذا الباب ما اسميناه “نصوص نم شكاواهم” وهو مختصر موجز لنص شكاوى بعض المرضى بما لم يألفه الطبيب مما قد يحتاج إلى تنبيه أو وقفة أو ترجمة فلعله كذلك.
كما نأمل أن يجد الزميل الطبيب – الأصغر خاصة – فى فائدة نشر المقتطفات العلمية باللغة االنجليزية، ما يصالحنا عليه، بقدر ما نأمل أن يتصالح هو مع لغته، ويشاركنا ويشارك القارئ العادى فى مواكبة الأحداث فالأحدث بقراءة ناقدة مسئولة، وليس بتسليم سلبى كما اعتدنا أن نتلقى المكتوب بالحروف اللاتينية المطبوعة المغيرة.