”الماسة.. و .. أنا”
شعر د. أحمد تيمور
تحتاج الماسة آلاف السنوات الضوئية.
حتى تتحول من فحم لبريق
حتى ترحل فى الكون إلى بؤرته
وتعود كما الهدهد
من سبأ البدء
بنبأ الكلمات الأولي
”كن” .. فتكون هذا العالم من عدم
فالعدم عريق
والدنيا حادثة
والمخلوقات المحبوسة فى قمقمها انفلتت
من ذاك الأزل النسبي
نجوما ودخانا ورعودا ونيازك وبروق
والإنسان ضعيفا وضئيلا
يقف على إحدى ذرات الكون الرملية
مأخوذا بالمشهد
يجهد أن يجد مكانا فى الزمن
وتاريخا فى الحفريات
وقرص الشمس يتابع رحلته
فى عينيه شروقا فى إثر شروق
وأنا فوق المسرح وحدي
يرتفع ستار الخدعة عني
وأواجه تنينا أسطوريا
لا يقنع منى بأقل من العصب المحروق
أمنحه ما يطلب
يأخذنى الليل إلى قمته الأبنوسية
فأرى كل صوارى سفن الليل عواميد رماد
وجميع قلوع السفن خروق
يأخذنى الليل إلى قصص الليل
فأدرك أن الرحلات الليلية تجديف فى حق القمر الغائب
والإبحار الليلى وراء حدود الغسق مروق
أدرك أن السارى فى الليل
غثاء فوق فم السيل الأسود
والسابح فى ماء الأبنوس غريق
أدرك أن الغائص فى أعماق الظلمة
لابد وأن يطفو من شط الليل الآخر
فجرا مكتمل السمة
إشارته وعد بالبعث
وخطوته عبر التيه
لمن يأتى من بعد .. طريق
يا ماسة
إنى ملفوح بهجير الصحراء
فغطـينى بالفيء الأخضر فى أهدابك
ظمآن .. فبلى من شفتيك الريق
فعلى قدمي
عبرت فلاة من بعد فلاة
حتى آتيك
فقد سرقوا رحلى من فوق النوق
وسرقوا من تحتى النوق
اتسع العالم من حولي
لكن ضلوعى مازالت تلتف علي
لتمنع رئتى أن تصبح فى سعة العالم إنى يا ماسة مخنوق
قالت لى :
إنك فوق المسرح وحدك
اعترف الآن
أو احترف الكذب إلى الأبد
فلن تنجو إلا بدخولك فى ذاتك
وخروجك من ذاتك
ذاتا أخري
اللعبة ليست إزجاء للوقت
وليست إرجاء للموت
فخذ موقعك على الخشبة
واجهر فى البوق
الآن ستار المسرح مرفوع
والوحش الأسطورى أمامك
إن شاء مخالب تتنازعك
وإن شئت أكفا للتصفيق
اعترف الآن على نفسك
تصبح نفسك
لاتسأل ربك أن يعفيك من التجربة
وأن يعبر عن ثغرك هذى الكأس
فإن معاقرها من خدر الحال يفيق
وتعود الذاكرة به للمرحلة العشبية
يوقن لحظتها
أن ليس سوى البرقوق
ثمارا تطرحها أشجار البرقوق
إعترف الآن
بأنك موسى أو فرعون
يهوذا الأسخريوطى أو ابن السيدة العذراء
أبو لؤلؤة أو عمر الفاروق
إعترف الآن
أو احترف الإنصات إلى صوت ملقـــنك
فإن التلقين زفير
فى حنجرة الرجل الأجوف وشهيق
اعترف الآن
أو اقترف الإثم الجمعى :
نفاق الوالي
ومداهنة الدهماء .. اعترف الآن
فإنك ماعدت تطيق
ريشك هذا المخفى عن الريح
خناجر تنغرز بداخلك وتطعن أعضاءك
أخرج ريشك
إذ ذاك
ستبرأ من فرط أذاك
وتبدأ فى التحليق
حدق فى أنا أنثى النسر
على رأسى تاج البرق
وفى أذنى قرط الرعد
وفى جيدى عقد الشهب
وفى خاتم بنصرى الأيسر
من شمس المغرب فص عقيق
حدق فى ريشي
تصبح نسرا
وستدرك حين تطير جـواري
أنك كنت قعيدا كالبط
تربى لحمك للذبح
وحولك من بين الأكلة
أم وأب وابن وشقيق
لن يرحم لحمك أحد فى الكون
حبيبتك المخلصة الجلد الخالية القلب
وصاحبك المنتظر تحولها
والجار الجالس فى شرفته
ليس يكف عن التحديق
لن يرحم لحمك أحد فى الكون
لأنك لم ترحم لحم سواك
فكلكمو شركاء ثلاثية عاشقة يتبعها عاشقها
وتخب وراء عشيق
حتى يوسف
أوشك أن يضعف
لولا برهان الله
فمن أين لكل زليخه بالصديق
كل قميص يلبسه رجل
من بعدك يا يوسف
من قبل – حتى الياقة – مشقوق
لن يرحم لحمك أحد
من فعل الشوكة والسكين
فهل عندكمو للعشق المسكين
سوى لحم ودم
وعروق تنتفخ نداء لعروق
أخرج من لحمك يارجل لكى لاتذبح
أخرج من جلدك حتى لا تسلخ
أخرج من كتلتك لكى لاتلقى من أعلي
أخرج من أطرافك حتى لا تصلب
أخرج من أحشائك
حتى لايقتحم عليك سكينتك الجوانية .. خازوق
أخرج من عنقك حتى لاتتدلى منه
فإنك لو أبقيت على عنقك
صدقنى .. مشنوق
أخرج من دمك ودعه لهم
دعه لهم
هم مصاصو الدم
هل تقبل أن تصبح بين أياديهم وشفاههمو إبريق
رومان همو
فلسفة القوة مذهبهم فى الأرض
فهل أنت بقوة فلسفتك تنتسب إلى الإغريق
لله فريق
ولقيصر بين الناس فريق
كن من هذا
أو من هذاك
فإن وجودك فى المنطقة الوسطي
شرك عند الله
وعند القصر مؤامرة ضد العرش
وفى عرف الأخلاق فسوق
كن شيئيتك
ولا تكن الأشياء جميعا
هذا ضد قوانين السوق
كن شخصك انت
ولا تكن الشخصيات الأخري
ما عاد الكذب بروح مثلك يارجل خليق
إخلع عن رأسك طاقية الاخفاء
وعن كتفيك فراء الدب
وعن قدميك حذاء إمام الزاوية المسروق
مطلوب وحدك فوق المسرح
وعلى وجه السرعة
للتحقيق
أفرغ فوق الطاولة الخشبية جيبك
أفرغ قداحتك من الغاز المضحك
أفرغ غدارتك وإن كانت كل الطلقات ‘فشنك’
أفرغ حافظتك من أوراق الرق
وكل البشر أمام المال رقيق
فالمرأة جارية خلف الرجل الجارى خلف الدينار
نظام مثل نظام الأقمار الدوارة حول كواكبها الدوارة حول الشمس
نظام عام محكومة ودقيق
من يقدر يجذب
ليس على القدرة أن تعتذر
ولا للضعفاء حقوق
من يملك قدر الآخر يكذب
لكنك أصبحت وحيدا فوق المسرح
وعلى المسرح ليس هناك صديق
الدنيا الآن
تبادلك عقوقا بعقوق
وجميع الناس تطل عليك
فكل الجدران حواليك شقوق
إعترف الآن
بأنك تتشهى كل نساء الأرض
وأنك تبكى فى الليل من الغيرة من كل رجال الأرض
إعترف الآن
بأنك حسى وحشى سادى مادى ماسوشى فاشى وأنانى ومراء وضعيف الإيمان وزنديق
إعترف الآن
بأنك ممتحن فى عقلك .. ممسوس فى روحك
مقفول قلبك فى صدر مقفول
مثل الصندوق المقفول على صندوق
إعترف الآن بأنك أحد الناس
لكل الناس كما لك أسنان وأصابع
أضلاع وجباه
أحداق وشفاه
آذان وحلوق
لكنك تطلب عرش الأرض
فليس عليها مثلك – من وجهة نظرك – مخلوق
إعترف الآن بأنك تشبههم
حين تسير بباب الخلق
وحين تميل على مقهى فى باب اللوق
واعترف الآن بأنك حين تموت ستشبه موتاهم
ليس هناك أمام الموت فروق
إعترف الآن بأنك منهم
لكنك تختلف قليلا فى هذى اللحظة عنهم
فهمو ليس لديهم فرصة أن يقفوا فوق المسرح كى يعترفوا
إعترف الآن أو أصمت للأبد
اخرج من جمعة آلامك عند صلاة الفجر لسبت النور
اخرج من تابوت العهد
إلى أحد قيامتك من الجسد المقبور
أخرج لثلاثاء تمردك كما العطسة
من ذاك الإثنين المحشور
برزنامة أيام الأسبوع كحق نشوق
إعترف الآن
فكلك لخلاصك يارجل مشوق
أعترف الآن
أنا أعترف الآن أمامك ياماسة
ما عاد أمامى إلا أن أعترف
أنا فى ضيق منك .. ومنى فى ضيق
أجهدنى ضوؤك .. عراني
وأنا شبح .. لا لحم ولا دم لي
شبح من كلمات
شبح من حبر أسود فوق الورق أريق
أهرقنى رجل يشبهنى .. ومضي
يا ماسة ضوؤك يوجعني
يرجعنى .. رجلا لحما ودما
وأنا محتاج آلاف السنوات الضوئية
حتى أصبح فحما
لا أطلب يا ماسة منك الآن سوي
عود ثقاب ……………
وحريق.