مقتطف وموقف
[الماركسية والخصوصية “وما بعد الحدث”]
المقتطف
…. وأصبح انتشار الماركسية فى الصين جزءا من الثقافة الصينية الحديثة، إنها عملية “تصيين” الماركسية، ومعنى تصيين الماركسية فى الاستخدام الرسمى هو عملية تحقيق الدمج المتبادل بين النظرية الماركسية والممارسة المحدودة للثورة الصينية والبناء.
ويعد ذلك بمنزلة عملية قيام الصينيين (وخاصة الشيوعيين ) بإغناء الماركسية وتطويرها من خلال الممارسة”
ص 65 الصينيون المعاصرون: تأليف: ووبن، الجزء الأول عالم المعرفة يونيو 1996 العدد 210
الموقف:
هذا كلام قديم معاد، ومع ذلك فإن موقفنا منه ينبغى ألا يهمد أو يفتر، بل هو يحتاج إلى أن يتجدد ويراجع، ذلك أنه بعد انهيار الاتحاد السوفيتى وأوروبا الشرقية، أصبحنا معرضين للتنازل عن “الحلم بالعدل“.
ثم إننا كدنا نستسلم للانتصار الواضح للجانب الآخر، ثم إننا، سواء فى مواجهة الماركسية، أو الإنتصار الرأسمالى (نهاية التاريخ ؟!!!) لا نحاول التعرف على ما يميزنا فعلا، إذ لانفعل إلا أن نتبع هذا أو ننبهر بذاك أو نقلـدهما معا.
وكل ما نود أن نؤكده فى موقفنا من هذا المقتطف هو تعبير” قيام الصينيين بإغناء الماركسية وتطويرها من خلال الممارسة”، أو ما أسماه الكتاب نفس عملية “تصيين الماركسية””، وعلينا أن نتساءل:
(1) أين هذا من الدعاوى القديمة التى حاولت أن تؤكد أن الإسلام هو دين الاشتراكية (العدالة الاجتماعية فى الإسلام، سيد قطب – مثلا).
(2) أين تعبير “تصيين الماركسية” من التعبيرات التى نستعملها أحيانا مثل “أسلمة العلوم” أو “أسلمة المعرفة”؟ بلصق لافتات قديمة على أفكار ومعارف مستوردة؟
(3) أين هذا من موقفنا من مواصلة البحث عن تسوية فاترة تلتقط من الماركسية (أو غيرها) جملة مفيدة، أو مبدأ براقا، يبدو دعوة للعدل أو المساواة، ثم نسارع بالبحث فى قاموس أصولياتنا، لنجد أننا “هيه: أنظر، نحن سبقناهم إلى هذا” (هذا بالضبط لا أكثر ولا أقل) ، الخطأ نفس نقع فيه، حين نحاول ترجمة لغتهم العصرية، إلى لغة قديمة، وهو هو ونحن نلصق شعارات لغتنا القديمة على المستورد من أفكارهم الحديثة; مثلا المرابحة بدلا من الفائدة فى البنوك المسماة إسلامية، كل ذلك ليس إلا خداعا للنفس كما لو كنا نجـمع قطع سيارات الفيات المستوردة ونسميها “نصر” صنع مصر !!.
إن الموقف الذى نريد أن نقفه من هذا المقتطف ليس مجرد تذكرة بأن الصين مازالت اشتراكية، أو أنها ماضية تتعملق فى صناعتها وتلوى ذراع أمريكا، المرة تلو المرة لتجعلها “الدولة الأولى بالرعاية” وتبيع كمبيوتر عملاقا إلى باكستان تخشى أمريكا أن يستعمل فى صناعة القنبلة الذرية، ليس كل ذلك هدف موقفنا من هذا المقتطف، ولا هو تذكرة بدعوة د. أنور عبد الملك، كل ثانى ثلاثاء فى الأهرام للتنبيه إلى العلاقة القيميـة والإنتاجية بين الكونفوشيوسية والإسلام، ليس هذا هو الغرض المحدد من موقفنا من هذا المقتطف، لكن الغرض الذى نحدده فى هذا الموقف يمكن إيجازه فيما يلي:
1- إن الاختلاف قائم بين جذورنا وجذور أى عقيدة أو مبدأ يأتى من عندهم (ماركسيا كان أو ماركونيا – نسبة إلى ماركوني!!).
2- إن المطلوب ليس تعميق الاختلاف ولا تجاوزه، ولكن المطلوب هو “إثراء” الجانبين منه.
3- إن البحث فى “النصوص” الموجودة فى الكتب القديمة نلصقها على الأفكار الحديثة (سواء تم ذلك تحت عنوان التفسير العلمى للقرآن أو اشتراكية الإسلام)، هو مسخ للحديث ووقوف عند قشوره، وامتهان للقديم والاستهانة بدوره فى حينه.
4- إن المطلوب هو إيقاظ الوعى الإبداعى لأى أمة من الأمم، وتعميق جذوره لنجمع به ومعه تاريخنا إذ يحضر وعيا حيا حاضرا هنا والآن، كما هو، وهذا الوعى الغائص فى التاريخ، المتفتح بالحيوية، نتلقى به المستورد، سواء كان عقيدة، أو فكرة، أو مذهبا، أو منتجا، فنضيف إليه ما هو نحن مختلفون متفتحون معا، ولا نكتفى بأن نلصق عليه ما نتصوره، المطلوب هو أن نتفاعل به مع غيره فينتج من ذلك ما هو نحن به وبغيره، فنصدره، فيحدث لهم مثلما فعلنا.
هل يا ترى هذا هو ما نفهمه من “حوار الحضارات” أم أننا نكتفى بهذه المناظرة السخيفة التى انتشرت عدة سنوات بين الشيخ أحمد ديدات الباكستانى مع قس لست أدرى اسمه من جنوب أفريقيا أو مما لا أدري، أو هل يا ترى سوف نكتفى بأن نفهم إسلام جارودي، كما نشاء، ونصفق له ونعزمه على “الكبسة” والفتة والندوات المرسومة ونقول يعيش حوار الحضارات، وحقيقة الأمر ليس أقل كفرا من الحلاج، وابن سينا، والسهرودي، وا بن رشد!!!؟ هل نسينا أننا كفرناهم الواحد تلو الآخر ، فلماذا نحتضن بـ ” جارودي” وهو أكفر منهم
- وهل يا ترى نحن قادرون أن نستلهم وعينا الممتزج بنصوصنا، أم سوف نواصل الرضا بقراءتها فى الكتب الصفراء، أو التخلى عنها، والخجل منها، ثم لصق المستورد جاهز و كأنه ضدها تحت عنوان “التنوير الأكثر لمعانا”؟.