ما هو الإدمان؟
ودائرة التغيير وكشف حساب الأرباح والخسائر
د. إيهاب الخراط
لا يظن الكثيرون أن الإدمان مرض إلا لأنه يسبب أعراضا مؤلمة عندما لا يتعاطى المريض المادة التى يعتمد عليها، وبالتالى فبمجرد علاج هذه الأعراض المؤلمة (أعراض الانسحاب) ينتهى المرض وليس على المدمن إلا أن يتخذ قرارا بعدم التعاطى فيتوقف تلقائيا عن الإدمان ويشفى.
إلا أن الحقيقة ليست بهذه البساطة
1- فالإدمان ليس مجرد أعراض الانسحاب .
2- واتخاذ القرار بعدم التعاطى ليس بالبساطة التى يظنها الكثيرون .
3- والشفاء هو فى الواقع طريق طويل وصعب أو هو رحلة من التعافى المستمر تتطلب متابعة وإعادة تأهيل نفسى وعلاج لجذور المشكلة ويقظة مستمرة
(1) كيف تعرف إن كنت مدمنا أم لا؟
ربما تساعدك هذه القائمة من الأعراض المقصود بها أن يشخـص المدمن نفسه على فهم الأبعاد المختلفه للإدمان.
هل أنت مدمن ؟
أجب على الأسئلة التالية لتعرف إن كنت معتمدا على المواد التى تستخدمها (مدمنا) أم لا:
(1) هل تحتاج إلى زيادة كمية أو جرعة المادة التى تستخدمها لتحقق نفس التأثير؟
نعم لا
(2) أعراض الانسحاب: هل إذا توقفت عن التعاطى تشعر بتعب جسمانى أو الأعراض الجسمانية المميزة للانسحاب (مثل عدم القدرة على النوم، وضعف التركيز، آلام فى الظهر وفى الجسم كله، إسهال، تنقيط من الأنف ومن العينين.. الخ)، (أو صداع، زغللة، أو إكتئاب شديد أو تشنجات.. الخ).
نعم لا
(3) هل تستخدم أحيانا من المادة المخدرة (أو التى تؤثر على جهازك العصبى بأى صورة) كميات أكبر من التى كنت تنوى أن تستخدمها أو لمدد أطول؟
نعم لا
(4) هل توجد لديك رغبة مستمرة فى الإقلال أو التوقف عن استخدام هذه المادة، وفى مرات كثيرة تعجزعن تحقيق هذه الرغبة ؟
نعم لا
(5) هل تقضى أوقاتا طويلة فى محاولة الحصول على هذه المواد أو فى التعاطى نفسه أو فى محاولة الإفاقة والتعافى من هذا التعاطى؟
نعم لا
(6) هل قمت بالتخلى عن، أو اختصار، بعض الأنشطة الاجتماعية أو المهنية أو الدراسية أو الترفيهية بسبب التعاطي؟
نعم لا
(7) هل استمر تعاطيك للمواد المذكورة بالرغم من معرفتك أنها تسبب لك أضرارا نفسية أو جسمانية متكررة أو مستمرة أو أنها تزيد مشاكلك الجسمانية أو النفسية سوءا؟
نعم لا
التقييم:
إجابة أى 3 أسئلة من هذه الأسئلة السبعة (أو أكثر من 3) تعنى إنك معتمد إعتمادا مرضيا على المواد التى تستخدمها (مدمنا).
لا يتغير التشخيص إلا إذا اختفت هذه الأعراض والعلامات لمدة تزيد عن سنة كاملة (12 شهرا).
(2) ما هو الإدمان ؟
الإدمان مرض خطير متعلق بطريقة حياة وهو مرض مزمن وقد يؤدى إلى الموت أو إلى إعاقات خطيرة للحياة ولا يقل فى خطورته عن مرض إرتفاع ضغط الدم أو أمراض القلب أو حتى الأورام الخبيثة
وهو يشبه أى مرض مزمن، ولكنه ليس مستعصيا، وذلك فى كونه يتطلب متابعة علاجية طويلة المدى وربما تصل إلى سنوات طويلة أو حتى طول العمر والنظرة العلمية الواقعية لهذه الحقيقة تساعد المدمن وأهله على السير بانتباه ووعى فى طريق العلاج .
والسير فى طريق العلاج بمسؤولية وانتباه أهم من السعى لمعرفة سبب المرض وبالتأكيد أهم بكثير من أن نلقى باللوم على المريض أو على أهله أو على المعالجين أو على الدولة.. إلخ.
(3) كيف يتخذ المدمن قرار الإقلاع؟ وكيف ينفذه ؟
أ) مرحلة ما قبل التفكير فى التغيير
وفيها لا يفكر المدمن إطلاقا فى أن يقلع أو يتوقف أو حتى يقلل من الجرعة، بأى قدر من التفكير الجدى
وذلك إما لأنه يرى أن الخسائر التى يعانى منها نتيجة للإدمان لا تذكر بجانب المكاسب التى يجنيها من ورائه، فهو فى هذه المرحلة قد يعتقد أنه أكثر ذكاءا من كل الناس الطبيعيين وغالبا هو لا يعترف أصلا إنه مدمن، بل إنه مجرد صاحب مزاج أو صاحب كيف وأن الناس سذج وأن باقى المدمنين الذين انكشفوا أو تدهوروا أغبياء أو عاجزين، أما هو فلن ينكشف أبدا ولن يتدهور.
و أحيانا لا يفكر المدمن فى التغيير بسبب شدة يأسه أنا لا فائدة منى أو يعتقد أن الإدمان لا يشفى فلا داعى للمحاولة .
(ب) مرحلة التفكير فى التغيير
وهنا يرى المدمن أن كشف الأرباح بدأ يتوازن مع كشف الخسائر ( الأرباح مثل اللذة، النشوة، الشعور بالثقة بالنفس، الهروب من المشاكل، الإحساس بالمغامرة والمخاطرة، تضييع الوقت .إلخ والخسائر مثل فقد الصحة والمال، والسمعة و الهوايات والاهتمامات وعدم احترام النفس والاكتئاب والعصبية والقلق إلخ ).
قد يبدأ التفكير فى الإقلاع بعد حادث وفاة صديق بسبب جرعة زائدة أو حادثة أو فقدان وظيفة أو خسارة زوجة أو خطيبة ….إلخ
وفى هذه المرحلة قد يأخذ المدمن قرارات متسرعة بالإقلاع وينتكس سريعا وقد يحاول الإقلاع ويفشل، أو يحاول تحسين حياته أو صورته أو يقبل العلاج أو يطلبه بنفسه .
(ج) مرحلة القرار:
وفيها يحسم الميزان لصالح الإقلاع ويظهر المدمن عزما صادقا على التغيير، والمدمن ينجح فعلا لفترات طويلة وربما ينجح إلى الأبد فى الإقلاع، لكن عددا كبيرا ممن يصلون إلى هذه المرحلة ينتكسون فعلا مرة أخرى ، لأنهم يكونون غير مدركين لخطورة المرض أو لصعوبة العلاج أو لحجم القرارات والتغيير المطلوب منهم.
(د) مرحلة التغيير الفعلى:
يحتاج المدمن الذى وصل إلى قرار بالإقلاع أن يلزم نفسه بنظام جديد لحياته، وبصورة أو أخرى من صور العلاج، وهنا عليه أن يتعامل مع مشكلة الأصدقاء القدامى ، ومشكلات علاقته بعائلته وبعمله أو دراسته ومع وقت فراغه وأن يتعامل أيضا مع مشكلاته هو الشخصية الداخلية، وكل هذا كان غائبا عن وعيه، ولم يشعر به سنين طويلة، فهو إما فقد كثيرا من مهارات التعامل التى نتعلمها كلنا تلقائيا فى أثناء سنوات نمونا، أو ربما بسبب تورطه فى المخدرات فى سن باكرة جدا يكون قد فاته اكتساب هذه المهارات من الأصل ( مثل مهارات العمل أو الدراسة أو التعامل مع الناس .. إلخ )
( هـ) الانتكاسة:
وبسبب هذه الضغوط الخارجية أو الداخلية تكثر معاناة المدمنين المتعافين من الاكتئاب ومن القلق ومن الغضب، ويفتقدون إلى الوعى اللازم والمهارات النفسية والعملية للتعامل مع مشكلاتهم، فيسهل أمامهم الطريق الذى تعودوه لسنين طويلة أو يستسلمون لمقابلة أصدقاء الماضى وبالتالى يصعب عليهم مقاومة عروض وإغراءات المخدر وينتكسون إلى الحالة السابقة وتتكرر الدائرة.
وقد تتكرر هذه الدائرة عدة مرات قبل أن يفلت المريض من فخ الإدمان لكن وجود علاقة مع معالج أو مؤسسة علاجية ووجود اختيارات أخرى لحياة مشبعة ومتزنة بعيدا عن الإدمان وتعلم واكتساب مهارات نفسية وفكرية جديدة كل هذا يساعد على تجنب الإنتكاسة والاستمرار فى طريق التعافى .
(4) كيف نزيد من احتمالات التعافى والاستمرار فيه ؟
1 – الوعى: أن يفهم المريض نفسه ومرضه أكثر وأن تنفتح عيناه على إمكانيات العلاج وكذا أن يفهم من حوله ذلك
2- إدراك حدوده وحدودنا: فهو إن لم يتخذ هو القرار لن يمكننا أن نراقبه أو نطارده إلى الأبد . ولكن علينا أن نوضح له أيضا ما هى حدوده (الحدود فيما يتعلق بالقدرة المالية، ومدى الحرية والمسائل العاطفية. . إلخ)
3- التعرف على طريق العلاج النفسى الطويل المدى وإعادة التأهيل المتاح والمواظبة على كل ذلك
4- التصميم والمثابرة: تصميم المريض نفسه وتصميم من حوله لا على مجرد الإقلاع لكن على السير فى طريق الصحو والشفاء والنمو النفسى والداخلى المستمر التحيد الغائى (الهدف الأعلي): للوصول إلى الإتزان فى الحياة والتوافق الداخلى والخارجى واستكشافا لما هو أعمق وأخطر من تحديات النمو والتطور وتحقيق الغرض الذى خلقنا لأجله .