ذهــابا وجـيـئة
حــوارات ورســائــل
د. عاطف عبد السلام – أحمد عبد السلام بسيونى
محمد شقرة – هشام أحمد أحمد وآخرون
استــهــلال:
بعدما أشرنا فى الافتتاحية إلى ما وردنا من رسائل مشكورة سوف نكتفى هنا باستكمال بعض ما فاتنا الاشارة إليه هناك، معتذرين لبقية القراء الأفاضل الذين اكرمونا بالرد، ولم نجد إلزاما بذكر أسمائهم، باعتبار أن الحوار ممثل لكل من” يحضر” مشاركا – والفضل فى صدور هذا العدد(العددين)، هو لهذه الرسائل غير المنشورة، فالمنشورة.
الرسالة الأولى: د. عاطف عبد السلام ( تكمله):
“….. إنك تقع فى خطيئة نفسية وعقلية، ألا وهى عدم التقدير الموضوعى للآخرين(هل من الضروى أن يهتم الآخرون بك؟) أنا أرى أنه لا ضرورة لذلك،لأنه لا ضرورة أصلا فى أى شئ، فكل شئ ابتداَء اختيار، إنه حتى وجودك نفسه ليس ضرورة، لذلك فإننى ارى أنك قد اخترت موقفك وهو المواجهة، وكذلك اختار الآخرون موقفهم وهو اللامبالاة، أو ماتشاء من أسماء، ولهم كل الحق فى أن يختاروا فلا لوم، ولا عتاب ، وكلٌ مسئول عما اختار من فعل، وأما نتائج هذا الاختيار فليست فى قبضة أحد، لأنها هى الأخرى سوف تستدعى مواقف اختيار وهكذا فى سلسلة لا تنتهى ، لأنك إنما تمارس الحياة لا تدبرها.
أما بشأن كتابك المتن( دراسة فى علم السيكوباثولوجى) فهو بحق أكثر عمقا وإحاطة بالأعماق الغائرة فى نفس الإنسانية من كل ما كتبه غيرك لكنه لا يخلو من هنات فى التفسير، أقول ذلك وقد مررت بتجربة وسجلتها فى حينها، وجعلنى ذلك أفهم وأعى كتابك، وجعلنى كذلك أدرك هناتك، وربما كان أكبرها فى نظرى هو بعض تساؤلاتك الحائرة عن مصير الإنسان النهائى بعد استبصارك الهائل والذى أحسسته من الكتاب، فكأنك ابصرت ولم تع المعنى، وعموما إن أردت مزيداَ من الفائدة، فاطلب ذلك، ولك ما تريد .
عزيزى: لقد كتبت لك الآن لأننى أحسست أنك تضعف، وهو ليس عيبا ولا خطيئة ولا حراما أن تضعف، ولكن العيب والخطيئة والحرام هو أن أراك أنا فى هذا الموقف فلا أقول لك كلمتى، وذلك هو اختيارى، والذى هو ليس ضروريا لى ولا ملزما لك، إنما هو شئ أعمق من ذلك بكثير، إنه حريتنا يا سيدى ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
****
فنقول، أنار الله بصيرتك يا أخى الأصغر، ولا حرمنا شجاعتك وعماك، وأملك، وحافظ على دفعك، وأرشد خطوك وأنت تواصل فتصدم، فتدمى، فتواصل إن استطعت، ثم نٌفصل بعض ذلك فيما يلى:
1- أما أنى لا أقدر الآخرين موضوعيا، فهذا اتهام لا أدفعه، وإن كنت أشك فى إطلاقه هكذا جزافا ، فاعلم – يا سيدى – أن مجرد هذا الاحتمال إنما يضعنى فى وحدة لا أحتملها، ولا استطيع دفع ثمنها، فادع لى ربك ألا أكون بهذا الغباء، يرحمنا الله وإياكم .
2- أما أن اختيارى و المواجهة، واختيارهم هو اللامبالاة( كما ذهبت أنت دونى)، وأنه ليس فى هذا لوم أو عتاب…. وكل مسئول… الخ فإنك تذكرنى – فقهك – بهذه الخدعة الغربية المادية الصناعية الفيديية( من الفيديو) المسماة” الحرية”؛( وهو نفس الشعار الذى أنهيت به خطابك) فهذه الحرية يا سيدى هى ملعب الأطفال الذى يطلقنا فيه أصحاب القوة( المال والحكم) لنتمتع بالجرى والقفز والصياح وإنهاك القوى فى حدود أسوار الملعب، ما دمنا قد تنازلنا عن الغيظ، واللوم والعتاب ، والاقتحام، والتجاوز، نترك اللامبالى لا يبالى، ونختار نحن المواجهة فنواجه أنفسنا – نرجسيا – بامعان النظر فى مياه غدير صناعى داخل أسوار الملعب، لتقول اختيارى، فأقول اختيارك، يا صلاة النبى؟و” نمارس الحياة لا ندبرها” لأن لها من يدبرها، ليس ربنا الذى خلقها، بل ربنا الذى يسيرها الآن، إلى أين؟ هذا هو اختيارهم، ولا ملام(هكذا تقول!!!)، أليس من حقى أن أحسدك على عماك( انظر بداية الخطاب) وأعتبره من جوهر حريتك، فتعذرنى على اتهامك بالعمى، فأعذرك على عذرك لى….. الخ كل سنة وأنت طيب( اليوم31/1/88، اى والله) .
3- ثم ماالذى جعلك تعرج إلى كتابى الوحيد( السيكوباثولوجى)؟ وهو وحيد ليس لأنه لم يصدر غيره، ولكن لأنى ألمحه على مكتبى وهو يشكو برد الوحدة وذل الهجر، حيث أتصور انه لم يقرأه متخصص بحق، ولم يعلق عليه عالم، ولم يعرف عنه طالب(لأنى نادرا ما أشير إليه رغم أنى أستاذ بالجامعة) – ولولا أنك مررت بتجربتك التى أشرت إليها لما عرجت أنت أيضا إليه، ودعنى أعابثك تساؤلاتى عن( المصير)، فموقفى المتسائل خير عندى من الاطمئنان إلى معنى تشير إليه بهذا اليقين، من حقى أن أبصر ولا أتعجل الوصول إلى معنى أنت تعرفه فيريحك إلى هذه الدرجة، أما أن أواصل طلب الفائدة، فإنى لكذلك، شريطة أن تكون فائدة من النوع الذى يفتح آفاق التساؤل، لا من التى تستسهل سكون اليقين الجاهز.
4- ثم اشكرك على سماحك لى بالضعف، وعلى كلمتك لى بهذا الشأن، مع التجاوز عن حكاية اختيارك واختيارى ، ودون التنازل عن الإلزام والإلتزام… الخ، ذلك لأنى ألزمك بمواصلة المراجعة، والتزم منك باحترام كلمتك، وأعرف نسبية الاختيار وتعدد مستوياته، واشك فى طول نفسك، وعلاقتك بألملك، ومساحة مسئوليتك، وبقاء آثار رؤيتك، أشك فى كل ذلك بعيدا عن كلماتك، ولكن من واقع ما ذكرتنى به من أفواج الشباب الذين قالوا لى حينذاك وحتى الآن، مثلما قلت لى الآن، ثم مضوا ويمضون إلى الزبيب على الجباه،” سد الحنك” فى الأفواه، ورقص ألأقلام الفارغة على البياض، ونبض الوعى نحو بؤرة الدوامة ….. ودمتم، لا جعلك الله أحدهم، فلم يعد سنى يحتمل بيع ” السميط الفكرى” فى قطار الشباب السريع، لا كتشف أنه ” القطار” متجه إلى “المخزن” دائما إلى المخزن…. لا قدر اللة . والسلام .
الرسالة الثانية: أحمد عبد السلام بسيونى:
الخط هو، واللهجة هى اللهجة، واليقظة هى اليقظة، وكل الاختلاف هو فى الاسم الأول( عاطف: الرسالة الأولى، وأحمد: الرسالة الثانية) فهل هما توأمان؟ أم أنهما واحد ؟( رغم أن أحمد ذكر أنه أمين مكتبة….. الخ) ولكن ماذا يفيد الشك ومحاولة إظهار الحذق؟ ليكونا اثنين أو واحدا، ولنشكر أحمد(بما هو) على رقته( أكثر من اخيه!!) إذ يقول: (… ورغم ياس يراودنى أحيانا كثبرة نحو إمكانية عمل شئ نرى ثماره فى حياتنا، إلا أننى اجدنى غير مستسيغ للتوقف، او بالأحرى غير قادر على الموت، و أقول الحق إنه كلما شعرت بعدم القدرة على شئ ، أنت مجلتكم فألهبت ظهرى وساندته، فأجدنى أقول لست وحدى ولا مفر من المحاولة).
ونقول:
وبالتالى يا عم أحمد ، لسنا وحدنا، ولا مفر …….. الخ .
ثم نعتذر لك عن عدم نشر بحثك أو مقالك عن الهوية المصرية: الوعى البائس والبحث العلمى، ولولا أنك اشترطت ألايتم تدخل من جانب التحرير فى المادة المنشورة، لكان بمقالك ما يمكن أن نقتطفه فى حوار قد يثرى القارئ فعلاَ، لكن لك ما اردت، وعلينا أن نبين لك راينا وبعض اسباب عدم النشر:
(أ) رغم أن موقفك النقدى من مسألة البحث العلمى التقليدى فى الهوية المصرية هو موقف إيجابى حقيقة وفعلا، إلا ان البديل الذى طرحته هو أقرب إلى الاستبصار منه إلى الاقتراب الفينومينولوجى، (وهو يديل لا ينفع).
(ب) إن طرحك لغياب” الغاية” و” القضية” فى وجودنا ــ رغم دقته وصدقه ــ فقد بدا لى وكأنك تطرح حلا عقلانيا، وليس توجها كيانيا .
(جـ) إن اعتراضك على فلسفة ” ضرورة التكيف” هو اعتراض فى محله، ولكنه معاد معاد .
(د) شعرت أن ثمة جرعة خطاتبية تغلف معظم بحثك، فلا أنت ” حضرت” فيه شخصيا، ولا انت تلفت حولك بالقدر الكافى( انظر” مثل وموال” مثلا فى هذا العدد وغيره) .
(هـ) إن إشارتك فى النهاية إلى ان التفسيرات السطحية المطروحة، يترتب عليها”…ألا تكون ذاتنا واعية. ولا وعينا فاعلا” هى نقطة البداية التى ننتظر منك أن تنطلق منها لتقول لنا عمليا وفعلا: ” كيف السبيل” ؟
هذا شكرنا لك , والسلام
الرسالة الثالثة والرابعة: من محمد معوض شقرة ( ليسانس آداب):
ياأخانا محمد شقرة. وصلتنا رسالتك . فماذا ؟
- أما عم الأولى، وفيها حديث عن “سيكولوجيا القناع” وموقف المجتمع منه، فهى صرخة بريئة ، انتهت إلى إعلان أن المجتمع مريض بالفصام( الذى أسميته خطأ double personality)، فالفصام تفسخ أكثر منه ازدواجا،(وأنت قد اشرت بعد ذلك إلى ما يفيد معرفتك الفرق) نقول إن هذه الصرخة هى اختزال شاب لمواقف تم الانتهاء من إعلانها عل الملأ (من لانج، وكوير، وزاس والتوحيدى والحلاج … وبيرانديللو..الخ) فأين الجديد ؟
- أما رسالتك الثانية ، فقد كانت أكثر جسارة، وأعمق ابداعا وبعد أن نعتذر عن نشرها كاملة لأسباب لا ينبغى أن تخفى عليك نقول:
1- تقول: إن الفصام هو أقوى وأخطر الأمراض النفسية( ونقول: هو كذلك ).
2- تقول: إنه( الفصام) رئيس الأمراض النفسية وحاكمها (ونقول: ليس تماما، لكنه وراءها، ومتربص بها، ومهدد بالحلول محلها إذا فشلت، أو لم تحل الصحة محلها).
3- تقول: لو نظرنا إلى أعراض كل مرض نفسى فسوف نجده فى مرض الفصام (ونقول: برجاء قراءة” حالات وأحوال” هذا العدد تأتنس بأفكار موازية).
4- تقول: الفصام هو القالب النهائى لنهاية تفسخ الإنسان، وربما هو البداية الحقيقية للعبقرية الكبرى.
(ونقول: صدقت فى الجملة الأولى، واجتهدت فى الثانية، ولعلك تقبل تحويرنا إلى:(…. وبدايته يمكن تحويلها إلى بداية حقيقية للعبقرية الكبرى، أما أن يكون هوهو بكل هذا التفسخ بداية العبقرية الكبرى – فهذا – رغم احتمال حدوثه فى ندرة نادرة ـ ليس هو الحال كما ترى .
5- تقول: لو أعطينا للفصام صفة الشخصية فسوف تتصف هذه الشخصية بالخداع والمكر والخبث والعبقرية الشديدة والغباء الشديد.
( ونقول: نعم: شرط ان تكون هذه الشخصية بمثابة” نيجاتيف” للوجود لأن الفصام ناتج سلبى لا نسحاب أقصى، ورغم اقتناعنا بفكرة تعدد الذوات، فالفصام هو” لاذات” أكثر منه” ذات” رغم أن الشيزيدية Schizoidism هى ذات مصقولة وعميقة وخطيرة، والتفرقة تحتاج إلى تفصيل ليس هذا مكانه ).
6- تقول( على لسان الفصام): “… لكن علاجى هو اقترابكم من الدين، فعندما تستخدمونه أصبح لا شئ امامه، فهو( الدين) الوحيد الذى بستطيع أن يدمرنى مرة واحدة برغم أن صفتى هى التدمير والتفسخ”.
(ونقول:عندك يا سيدى، فما هكذا يجدر بك هذا الاستسهال المتعجل، ونهيب ان تفرق بين الاختباء فى الدين، وبين الكدح إلى هارمونية الإيمان، ولعلك تمعن النظر فى اغلب المعروض على وعينا حاليا فتدرك ان ما يوزع الآن هو حبوب الطمانينة الدينية، وتعتيم الوعى بالتكرار المفرغ، ولعلك لا تقصد الاشارة إلى هذه المسكنات السطحية، فإن الواقى من الفصام بالذات هو الإيمان بمعنى حدة الوعى الكادح إلى التكامل الأعلى فى الفوق/ البعد/ الغيب، وهذا هو أرقى مراتب الوجود البشرى، فلعلك تشير إليه ، فنتقارب لنتعاون… أو دعنا نختلف لنتباين ….. وفى كل خير ) .
واخيرا فنحن نشكرك على المغامرة الإبداعية، لكننا نرجو لك ولنا مزيدا من القراءة، ومزيدا من الاختراق، وجرعة أقل من الخطابة ، وجرعة أقل فأقل من الهروب الاستسهالى، والتسليم الذهولى .
الرسالة الخامسة والسادسة: من هشام أحمد أحمد:
أشرنا إلى خطابك يا هشام فى الافتتاحية ثم نواصل الحديث هنا بما يناسب المقام:
- رسالتك عن محاولة تفسير حدوتة” الغول الأستاذ” تعليقا على قراءتنا لأربع حواديت مصرية فى العدد(30) أخذت مستوى واحدا كنا أشرنا إليه، لكنك أصررت عليه وهو أن الغول هو التعليم بلا زيادة ولا نقصان ، فلم نر إضافة ولكن اختزالا، فاعذرنا على عدم النشر .
- أما بقية رسالتك فيما يتعلق بتطورك الشخصى كشاب مصرى فسوف نعتبرها رسالة العدد لما قد تفيده لمن يمر بمثل ظروفك .
رسالة العدد:
(تحايلات شاب مصرى على الوحدة والظروف)
” …… ثم اتجهت وانغمرت فى بحر يسحب التفكير كلية وهو الشطرنج لقد كان أفيونتى التى لا أفيق منها أبدا ولمدة خمس أعوام( اعدادى + ثانوى) من اللعب المتواصل والدراسة، ولم أصل إلى شئ منه إلا عندما رأيت نفسى تائها وسط المجتمع( مرحلة الكلية) فوجدت الشباب التافه يستحوذ على البنات، ويشل تفكيرهم بحديث عن الفيديو ورحلة سيارته من المنزل إلى الكلية، وبنطلون جينز، ونظارة ريبان،فبذلت جهدى فى تلك الفترة أن أصبح تافها، ولكن كيف؟ لم استطع اطلاقا، فلسانى ملجم والأحاديث التى يتكلمون فيها أعرفها وأعلمها وعشتها لكنها ليست منى” .
ثم يقول ما معناه(1): “….. فرحت استحوذ على البنات بداخلى بأن أضع الواحدة منهن – أو أكثر – على رقعة الشطرنج فاحركها وأقدمها وأؤخرها كما أشاء، وإن كنت مازلت وسطهن: الولد المؤدب الرزين الهادئ الذكى، واكتفيت بذلك وأرضانى حتى تخرجت، فزاد الفراغ فى انتظار ما لا يأتى، القوى العاملة وماشابه، ودخلت الجيش، وكانت فترة عصيبة عايشت فيها ماتصورته منتهى الإهانة ودوس الكرامة واهتزاز القيم، صحيح أن هذا لم يصبنى شخصيا، فقد كنت هناك أيضا الشاب المهذب المتكيف التمام، لكن كان كلما وقع شئ من هذا على احد زملائى زدت انكماشا لأفيق منه وكأن الذى حدث كله، قد حدث لى شخصيا” .
ثم عاد يقول بالنص(2): ” ….. فكيف بالله عليك تجبرنى بعد أن تهدر كرامتك أن تزود عن كرامة الوطن؟، فهل إذا تعلمت مبدأ من المبادئ، حتى إذا كان هذا المبدا يتعلق بعين من عينيك، هل ستخرج عنه؟ أبدا أبدا( تعلمت أن السرقة حلال، وأسرق ما سرق منك ولا تخبر احدا أنك سرقت، وأى شئ حلال وحرام فى نفس الوقت ” .
أريد أن أخبرك شيئا أيضا: إن هؤلاء الضباط يقفون بجانبى وأنا أصلى الجمعة، فكان لابد أن آخذ منهم القدوة فخرجت ألعن(سلسفيل) أبو اللى عمل مصر والوطنية
أرجو ألا أكون قد اطلت عليك، ولكننى أقرأ مقالاتك الأكثر من خمسين صفحة فأرجو أن تتحمل معى هذه الصفحات القليلة .
وماذا بعد أن خرجت من الجيش؟ هل أعطتنى الدولة حقى كما أعطيتها حقها، الآن انا أبى متوفى، وأنا أكبر إخوتى، وخالى يصرف علينا ولا أجد عملا إطلاقا، وتائه، وضائع.
أقرأ فأزداد قوة، فتقهر قوتى بكارت يدخل لصاحب العمل( المشرف على المقابلة الشخصية) من أحد المتقدمين لنفس الوظيفة: خاص او عام “.
****
فنرد بألم كله حيرة وعجز لنقول:
يا هشام، أنت تجاوزت مراحل النصح فما عاد يغنى معك أن نخطب ونحمس، فما فائدة الرد أصلا؟ أهى المشاركة بالكلمات؟ وما فائدة الكلمات؟ لكننا أخذنا على أنفسنا عهدا منذ العدد الماضى أن نقول، ولا نيأس، ونواجه هذه المشاكل العادية والمكررة، لعلها هى ومواجهتها بأبسط المواقف، هى سر التطور دون غيرها، من يدرى؟ ثم لعل فى ردنا عليك بعد ما كان ما يوقف تكرار ما كان، او يصبر زميلا لك فى بداية رحتله مع الوحدة والسحق، ينبهه إلى تحوير ما ، أو حيطة ما، فيحافظ فيه على أمل ما، أورمق ما، لعل، لكل ذلك نقول:
1- أما عن الهرب فى الشطرنج فقد عريته أنت قبل ان ننبهك إليه، والهرب فى مثل ذلك مشروع وطيب، شريطة أن نسميه هربا لا حلا، وأن نتصبر به حتى نقدر ان نواجه دفع الحياة بما ينبغى، وكثير من نشاطات حياتنا يا هشام ، هى هرب فى شطرنج ما، تعال معى نراجع بعضا من ذلك: انظر لحياتنا العلمية والتعليمية، فسوف تجد أغلبها إما استمناء عقلى( شطرنج)، وإما تحصيل حاصل(حل لغز لا جدوى من حله)، كثير من ألأبحاث العلمية يا هشام توضع ويجرى، وتنتهى، من أجل خاطر عيون المنهج، شطرنج والله العظيم، على أن هناك أبحاثا تنتمى إلى ألعاب أخرى، مثل لعبة الشايب، أو الثلاث ورقات، بل إن حياتنا الثقافية يمكن أن ينتمى جزء كبير منها إلى مثل ذلك، وكما قلت منذ قليل: إننى لست ضد بعض الهرب والتشكيل المنظم لذاته، لكن ان تنتهى حياتنا كلها، تعليمنا، وكتاباتنا، ونشاطنا الثقافى، واجتماعاتنا تنتهى غلى مباريات رمزية تضيع الوقت وتوهمنا بما شبه الفعل المتمدن والمتقدم، فنظن أننا أذكياء مثل الأذكياء ثم” كش…. مات” فلا وألف”لا” أنت لعبتها وفقستها، وعلينا أن نحذو حذوك، لكن عندك، ألا يمكن أن تكون هذه المجلة بكل تاريخها وصعوبتها ودورانها وعزلتها، ألا يمكن أن تكون لوحة شطرنج لا أكثر ولاأقل؟، لقد قلت فى العدد السابق ان صدور هذه المجلة يمكن أن يكون لكاتبها أكثر منه لقارئها، وانه لولاها لما كتبت ما كتبت، مما يصل إلى ما يفوق عن عشرة كتب، إلا انى الآن وأنا أرد عليك انتبهت إلى احتمال أن تكون هذه المجلة بوضعها الشطرنجى قد أضاعت على فرصة أن اطرق باب الآخرين، فيقرؤنى عدد أكبر، ويحاورنى عدد أكبر، ولكن المرعب – مثل حالتك مع البنات – أن يرفضنى عدد أكبر، ويبدو أنى مثلك يا هشام: من ناحية: بذلت جهدى أن أكون تافها فما استطعت، ومن ناحية أخرى: رحت استحوذ على “بنات أفكارى” فى داخلى ألاعبهن شطرنجا على رقعة هذه المجلة، ومع ذلك فإنى أتصور ان هذا الصدق العارى حقيقة أبقى، فدعنا لا نرضى بالتحوصل، ولا نكف عن العجز عن التفاهة، ولا يهمك( إن أمكن) .
2- ولكن دعنا نرجع إلى حكايتك مع البنات من طريق واقعى ومباشر، فإنت تمارس لعبة الخيال البديل عن احتمالات إحباطات الواقع، وحتى وانت تستحوذ على فتياتك فى داخلك على لوحة الشطرنج تظل الولد المؤدب الرزين الهادئ ، فدعنى أقول لك ولم لا؟، لا احسب انه يضيرك أو ينقص من قدرك أن تظل هذا الفتى الذى يريد علاقة حقيقية، والذى لا يستطيع أن يكذب على نفسه، أو على فتاته ليحصل على الرضا المتبادل والوهم العابر، فالذى تحسدهم على كفاءة حذقهم فى اغراء هذه أو جذب تلك، انا اراهم بعد سنين عددا، وقد انطفأ بريقهم فلم يبق سوى خمود منطفئ، وحلول انسحابية تبريرية مضحكة، فاختيارك، أو قل ما فرض عليك من وحدة مؤقتة فى شبابك حتى اخترت هذا البديل الخيالى، ليس خسارة دائمة، ولا هو نقص خاص، ولكنه بديل بين البدائل المطروحة على شبابنا حتى يتخطوا هذا المأزق الصعب بين الاحتياج المٌلح والصدق الملزم، وحين تتطور بهدوء وصبر، فقد تلتقى بمن يحترم شرف وحدتك بوحدة مقابلة، ثم بلقاء وحدتين محسوبة، ثم تكسر الوحدة لحسابكما وليس باتفاقات التلاشى وأوهام الغرام .
3- أما عن خبرتك الجيشية، وبطالتك المشلة، ثم ثورتك السلبية كلها على مصر والوطن ونفسك… الخ، فقد أجد لها ما يبررها من حيث المبدأ، ولكننى لا أوافقك على التمادى فيها إلى هذا الحد، فأنت وانا الخاسران قبل أى أحد آخر، ولو يسمع المسئولون على أعلى المستويات صوت شاب واحد مثلك، دون أن يعتبروا حديثك من الأسرار العسكرية، إذن لصار الحال غير الحال، إن الخدمة العسكرية من مفهوم تربوى وحضارى، هى فرصة استعادة نضارة الطفولة الواعية لكل المصريين فى أحرج فترات اختيارهم، وهى ولادة جديدة ، أهم من الولادة الأولى وولادة المراهقة، ومن فرط إحساسى بها، وتقديرى لدورها كنت قد تقدمت رسميا باقتراح محدد لتوظيفها فى تأكيد الانتماء وتحويل المسار إلى ما هو حضارى، وكنت قد اقترحت أن تجند المرأة، والمرضى، والمعوقين، ولكن كل فى ما يتفق والهدف من تجنيده، وكنت أعتبر أن خير علاج لكثير من الأمراض النفسية هو خدمة عسكرية تربوية موجهة، وكنت أتصور كيف يمكن أن ترسى قيم العدل والموضوعية من خلال هذه الخدمة، وكنت………. وكنت….. وكنت… وكان ذلك كله قد نبع من اختلاطى بالشباب أثناء هذه الخدمة (بعد حرب 73 وقبل حرب67) حتى رجحت أن آثار هذه الفترة السلبية هى من أخطر ما يمكن أن يفقدنا فرصتنا فى أى منافسة حضارية، أو حتى استمرارية معيشية، وتصورت أن أوجب الواجب: هو بحث شجاع يدرس بدقة موضوعية أثر فترة الخدمة العسكرية على كذا وكيت…… الخ – ولم يرد أحد كالعادة، ولم أكرر كالعادة، لكننى أسمعك الآن وأنا مغيظ محبط، فاتذكر أن الذى نصرنا فى حرب أكتوبر هو أولا وقبل كل شئ طبيعة الخدمة التى تمت حينذاك، إذ لم يسرح أحد ممن جندوا فى تلك الفترة، وخاصة من المؤهلين عاليا ومتوسطا وظلوا يشربون الغيظ ويشحذون الانتماء فى الخنادق حقيقة وفعلا حتى انتصرنا، ولن ننتصر فى معركتننا الحضارية الحالية إلا بخدمة عسكرية موازية، أعذرنى يا هشام أنا لا أبيع الوهم ولكنى أقول ما اصدر هذه المجلة من اجله.
4- أما عن بطالتك المقررة، فى انتظار عطف ورضا القوى العاملة السامى، فهذا هو التخريب المنظم، ولو دفعت إسرائيل مليارات الجنيهات الاسترلينى(فالدولار الآن ليس مشرفا!!) لتحقيق هذا التخريب الذى يفعله ترك شاب فى مثل سنك ينتظر ما لا يكون وحين يأتى ما كان فى انتظاره، إذا أتى ، يجده ليس هو، كما يجد نفسه ـ إن وجدها أصلا ـ بلا معالم ولا معلومات، نعم هو تخريب بكل معنى الكلمة، وهو ليس مجرد بطالة، لأن البطالة بلا انتظار هى تحد مر، يثير الحمية، ويوجه الأجيال القادمة إلى مواقع العمل المنتج، أما هذه الركنة الخطيرة فهى استنزاف للكرامة، وسحق للوجود ثم بعد ذلك نقول: إدمان، وجماعات دينية؟ يا عم رووووح، وعندى أن إصلاح حال التجيند من عقوبة وإذلال وظلم وبعض حسن النية، إلى كتائب حضارية علاجية انتاجية تأهيلية، هو مرتبط أشد الارتباط بالانتصار على هذا التخريب المنظم( ببركة توجيهات إسرائيلية خفية على المستوى العالمى) والله أعلم.
لك – لنا – الله يا هشام ، والسلام (ملحوظة: الله داخلنا أيضا ونحن، أنا وأنت، مسئولون طول الوقت عن كل شئ، أم ماذا؟).
الرسالة الرابعة: من الصديق: محسن صلاح الدين محسن محمد
فنرد عليه قائلين: شكرا، ونرجو لك ومنك أن تواصل، ولا تكف عن المراجعة، دون توقف.
الرسالة الأخيرة:
من قارئة تقرأنا لأول مرة، هى” شيرين أبو زيد راجح”
فنرد قائلين:
لم نكن نأمل فى أحسن مما قلت، ونقتطف نهاية ردك على استفتاء العدد الماضى من أنك” وجدت فى هذه المجلة ما بداخل نفسى، والذى ابحث عنه خارجها، وقلما أجده” ألا شكرا، والحمد لله.
وعليك السلام .
****
1- لسبب لا أعلمه فقدت صفحة مسودة أثناء التبييض، ولم أعثر على الخطاب الأصلى، وكان لابد للمجلة أن تصدر فكتبت هذه الفقرة من الذاكرة والرد فى المسودة
2- بدءا من هنا الكلام حرفى.