حــوار
شجاعة خطرة .. أم عمق مسطح؟
يحيى الرخاوى x صلاح الدين محسن
صلاح الدين: طالعتنا إحدى المجلات الإسلامية(1)بإعلان إنعقاد مؤتمر الفقه الإسلامى .. وبأنه فى مقدمة المواضيع التى سيناقشها موضوع .. الإسلام دين لكل زمان ولكل مكان .. وها نحن نعكس نظرتنا .. فى هذا الكتيب، علنا نبين علاقة الاسلام بالزمان والمكان.
الرخاوى: أهلا يا سيدى المفكر الجريء، وأستسمحك إبتداء أن أحاور بعض ما جاء فى الكتيب الذى أهديتنى إياه باسم “الزمان والمكان”(2) والذى صدرته بإهداء للمفكرالفرنسى روجيه جارودى (لست أدرى لماذا)، والذى نقدت فيه بكل شجاعة بعض بديهيات يفخر بها المسلمون ويكررونها بشكل يدعو للألم والشفقة معا، ومع ذلك فإنى أختلف معك إختلافا شديدا، فهل يا ترى تتحمل الإختلاف(3)
صلاح الدين: رأينا ضرورة إعادة إلقاء نظرة متأنية نحو الأركان الخمس لعقيدتنا الإسلامية و ..
الرخاوى: شكرا، ولكنى أحذرك أن تخلط بين ما بنى الاسلام عليه، وبين الإسلام ذاته، فالأركان الخمس لعقيدتنا ليست هى الإسلام، وإنما هى دعائم الإسلام، أو ما يبنى عليه الإسلام، أما الإسلام، فهو الفطرة، هو الدين الذى هو عند الله، أى دين لم يتشوه بفعل فاعل، أى دين ظل يرعى الفطرة ويفجرها فى تناغمها مع فطرة الكون الأكبر، فما قولك فى الركن الأول.
صلاح الدين: الشهادة هى إقرار، وإعتراف يقدم فى البداية من قبل الراغب فى الإسلام لزوم قبول إسلامه وإعتناقه للدين.
الرخاوى: لا أظن أن هذا صواب تماما يا سيدى، فنحن لسنا فى محكمة تحتاج إلى إقرار، وقبول، ولزوم .. وإنما أنا أقرأ الشهادة بمعنى الرؤية، والبصيرة، والحدس النقى، وكونها تبدأ بنطق اللسان، فهذا ما يعرفه الناس ليتعارفوا عليه، أما أن تشهد وتشاهد فتتيقن وتكابد، فهذا هو إهتداؤك إلى الفطرة، إلى الإسلام، والشهادة بهذا المعنى بديهية : تجب ما قبلها فتحدد كل ما بعدها إذا ماذا بعد أن تشهد ألا أن تفعل، إن كنت أمينا مع رؤيتك / شهادتك.
صلاح الدين: (نعم) أهمية هذا الركن هى قصوى للغاية .. لذا فإن عقاب عدم الإقرار به رهيب جدا جدا .. إذ يجوز غفران كل الذنوب عدا ذنبا واحدا هو: الشرك بالله.
الرخاوى: نعم، ولكن لا ننسى أنه: من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر فالشرك مسموح به لمن شاء، أم أنك تصدق ما يزعم المفسرون، ولا تصدق الكلام الإلهى الأول، والكلام المباشر؟
صلاح الدين: لكن الإنسان فى واقع الأمر عقله محدود: …(4) ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون (سورة يوسف 21، 40) ومن هنا نجد بأن أكثر الناس وبحكم كونهم لا يعقلون، ولا يعلمون، يعتقدون فى وجود شركاء لله أو أبناء أو بنات … ولكن رغم أن هذه النتيجة حتمية بحكم طبيعة عقول الناس التى سبق الإشارة إليها .. إلا أن الله يغفر جميع الذنوب .. عدا الشرك به.
الرخاوى: يا أخى بالله عليك ماذا تحاول أن تقول، تريد أن تقول أن الله الذى خلقنا جهلة ضعاف العقول، يهددنا (أو يهدد أكثرنا) بالويل والثبور إذا تصرفنا فى حدود جهلنا – لكن يا سيدى ما للمشرك ولكلام الله حتى تـدخلنا فى هذه المغالطة الفظيعة، فالمشرك لا يهتم أصلا إن كان الله يغفر الشرك أو لا يغفر، فعنده آلهة أخرى أو ليس عنده إله أصلا، فما لك به؟ وأحسبك تعرف جيدا، أن هذا الوعيد الشديد، هو للمؤمن الذى يحترم من يتوعده فيخاف منه، وللعاقل الذى قد يقرأ فيه توجيها إلى جنة التلاؤم مع الفطرة بدلا من الوقوع فى نار النشاز والغرور والإغتراب والوحدة والضياع، أم ماذا تريد أن تقول؟
صلاح الدين: يمكن القول بأنه لو أن واحدا من عتاة المشركين قد إطلع مجرد إطلاع – على هذه النار (التى وقودها الناس والحجارة)(5)، لكان هذا كفيلا بأن يجعله يؤمن بأى شيء يراد منه الإيمان به، ويقتنع بكل ما لا يمكن أن يقتنع به عقل.
الرخاوى: أبدا، فالمشرك يا سيدى لا يخاف كلام من لا يؤمن به، لا يخاف كلام ربنا نحن، والاقتناع يا سيدى لا يأتى من التخويف بالنار، وانما الإقتناع يأتى من ضبط محور البوصلة حتى تتحرك بحرية، فاذا قلعت فإنها لابد أن تتجه إلى حيث ينبغى أن تتجه إليه، إلى التناغم مع الكون الأعظم، إلى هارمونية الوجود، إلى الله، وما أخافك من تهديد ووعيد إنما يستقبله مثلى باعتباره ‘تزييت’ لبوصلة العقل البشرى والوجد البشرى، صدق أو لا تصدق.
صلاح الدين: إن جولة واحد حول جهنم كفيلة بإعادة المشرك إلى رشده، أو تسهيل تشكيله وتطويعه حسب المنشود، وقادرة على أن تجعله يـسلم تسليما تاما أو يسلم إسلاما كاملا .. أليس هذا هو المطلوب؟
الرخاوى: لا يا أخى: ليس هذا هو المطلوب، فلو أن المسألة كانت تشكيل هياكل مـطـوعة كما تخاف أن يشكلوك ويشكلونى، أو كما نرفض أن يفعلوا، أو أن الأمر كذلك لما كان اسلام، ولما كانت حضارة، وأنت لا تعرف ما نعانيه فى مهنتنا – مثلا – لنشكل فردا واحدا على طريق ما ينفعه أو ما نتصور أنه ينفعه، وحتى إذا تشكل نتيجة لقهرنا له أو تحت تأثير كيمياء، مشكلة، فهو يخرج كالآلة العمياء حتى لو إختفت أعراضه، وما كان يمكن أن يعيش هذا الإسلام لأى فترة كانت لو أن الموضوع هو موضوع تشكيل من الظاهر وليس تفجيرا للفطرة، ثم إن مسألة الشرك هذه تبدو لى عندك مختلطة بمفاهيم أخرى متداخلة.
صلاح الدين: لعل مجرد الإعتقاد فى وجود آلهة كثيرة تشترك فى حكم الكون وفى تدبير شئونه مثل البقرة أو الماعز أو الأحجار أو بوذا أو كونفوشيوس قد يؤدى إلى تنازع كل هذه الآلهة أو تآمر بعضها على البعض، وقد يتمكن أحدها من تغيير نظام الحكم الكونى الفردى، مما يؤدى إلى سيادة الفكر البقرى أو العنزى أو الحجرى ..، أو ينقسم الكون بين الآلهة إلى مقاطعات مستقلة تدار بمعزل عن بعضها البعض.
الرخاوى: اذن فأنت تسمى أنه ‘لا إله إلا الله’ بالحكم الكونى الفردى، هذه شجاعة حقيقية أشهد لك بها، لكن المسألة يا سيدى، لو تعمقت النظر بعد التخفيف من إرهاصات مخاوفك، ولو نسيت أن الإسلام ليس هو ما يقولون ويفسرون، وإنما هو ما نزل لينمى الفطرة ويفجر الإبداع لتتصاعد المستويات إلى التوحد فيما هو واحد، اذا فعلت هذا وذاك لعلمت أن التوحيد ليس لصالح حاكم فردى مطلق، وإنما التوحيد هو توجيه التعددات إلى محورها الطبيعى، فى اختلاف حى، وجدل خلاق، وأن ‘لا إله إلا الله’ لا تعنى تعيين حاكم بأمره يتلذذ من انفراده بالحكم، يا سيدى، وانما هى توجيه لفطرتنا لتتخلص من أصنامها المتعددة، ولكى تقبل إختلافاتها المتعددة، والفكر البقرى والفكر العنزى ليس بعيدا عن هارمونية الخلق، أما إن كنت تستعمل هذه الألفاظ سخرية وإمتهانا فلا يصح أن تقرنها بفكر كونفوشيوس أو بوذا، فعندى أنهما كانا موحدين بالله غاية التوحيد فانظر مليا .. وأطمئن لهاتف قلبك قبل أن تهجم على تسطيح ما سطحوا بنفس أسلوبهم ولا أطيل فى هذه النقطة ولا أستشهد بمقتطفات أخرى، فحججك وسخريتك – بعدها كلها تسير فى هذا الاتجاه، فماذا عن الجزء الثانى من هذا الركن ‘وأن محمدا رسول الله’؟
صلاح الدين: لأن لكل رسول، أو مندوب، أو ممثل لجهة أو لقوى يجب أن يكون لديه ما يثبت به صحة وفوده من قبل تلك الجهة أو القوى يسمى بتحقيق شخصية بالنسبة للمسائل الدنيوية ويسمى بالنسبة للرسل والأنبياء ‘آية’، ولأن لكل نبى سبق النبى محمد (صلعم) آية تدل على نبوته مثل عصا موسى .. لذا فقد كان لنبى الإسلام أيضا آية .. أى دليل على أن جاء من عند الله وهذا الدليل هو القرآن.
الرخاوى: رغم بدايتك التهكمية، فهذا صحيح تقريبا، فماذا بعد.
صلاح الدين: .. وبالتحديد القدرة الضخمة على إستخدام لغة قومه (العرب) وإستخدامها بشكل إعجازى مبهر، واللغة العربية من اللغات الجميلة جدا، والصعبة جدا جدا.
الرخاوى: إذن ماذا؟
صلاح الدين: لا شك فى إن الإنجليزى أو الصينى أو الفرنسى أو غيرهم عندما يدعى لإعتناق الإسلام أو غيره من الأديان، يلزمه الإطلاع والتدقيق فى آية الرسول، الذى يدعى لإعتناق دعوته.
الرخاوى: صحيح.
صلاح الدين: لذلك يجب على الإنجليزى أو الصينى أو النيجيرى أن يتعلم اللغة العربية ويجيدها إجادة تامة (قواعد ونحوا وصرفا) حتى يمتلك ناصيتها تماما، بل ويلم بها إلمام كإلمام سيبويه، الدؤلى، البوصيرى، أو الخليل بن أحمد أو أبى العلاء، أو طه حسين، ثم يطلع كذلك على كافة عيون الشعر والبلاغة القديمة لفطاحل وفحول الشعراء العرب بتمعن وتدقيق الباحث حتى يرى بلاغة شعراء العرب قبل الإسلام، ويقارنها ببلاغة القرآن، وحينها، يمكنه التأكد من صدق الآية التى جاء بها الرسول والإطمئنان إلى صحة دليل النبوة، ليؤدى الشهادة عن قناعة تامة.
الرخاوى: لابد وأنك – سيدى – تهتم إهتماما خاصا بظاهر اللفظ وخطب الجمعة المحفوظة المعادة، فتمتشق منطقك الذى يشبهه منطقهم وتذهب تحارب معركة وهمية، أعذرك كل العذر فى دخولها بل وأكاد أشاركك بعضها، ولا أعذرك أى عذر فى أن تستدرج هكذا إلى قشورها دون أن تلم ببقية أبعادها، فأى قراءة حقيقية للتاريخ، ولو بعين عدو متحيز، سوف تفاجئك فورا أن الإسلام إنتشر فى بلاد لم يكن كل ناسها سيبويه ولا المعرى، فهل يا ترى كان كل هؤلا من المعتوهين وضعاف العقول، الذين يتبعون ما لا يعرفون؟ أم أن المسألة كما حاولت أن تلمز كانت بالسيف فحسب؟ وكما أنك لا تقرأ التاريخ، أحسب – والله أعلم – أنك لا تقرأ القرآن، ولا أعنى بقراءة القرآن الدخول فيما بالغت فيه من شروط، لأن هذا غير مطلوب وغير وارد، كما لا أعنى قراءته للتبرك أو للإختباء والهرب، وإنما أعنى مجرد أن أن تقف عند آية واحدة، فتسمعها – مباشرة – ماذا تقول لك، فلو أنك – سيدى – قرأت التاريخ بهدوء، وقرأت القرآن بصفاء، لما احتجت إلى كل هذه الحجج حتى لو لم تسلم، أو لم تكن مسلما، ولا عربيا، ولا سيبويه، ولا يحزنون.
صلاح الدين: لكن القدرة على إستيعاب اللغات هى مقدرة خاصة تختلف فيها كل عقلية عن غيرها .. فهناك أناس يمتلكون عقليات لغوية بمقدورها ..
الرخاوى: (مقاطعا) يا سيدى، يا سيدى، اللغة بكل ما تقول هى باب واحد للوجود البشرى، وهى مفتاح جيد لهذا الوجود أحيانا، وأحيانا تكون قفلا محكما تمنع الوجود من أن ينساب طلقا فى مجراه التطورى الطبيعى، ولغة القرآن ليست هى الإسلام، وحتى القرآن نفسه هو باب الإسلام، وليس أيضا هو الإسلام، وحين قيل أن القرآن هو آية محمد، لم يكن معنى ذلك أنه لكى تؤمن بأن محمدا هو رسول الله لابد أن تبدأ بالقرآن ولغته قواعدا ونحوا وصرفا، هل هذا كلام؟ ان المعنى المقصود – وهذا اجتهاد شخصى – هو أن القرآن بما هو، وما حمل، وما شمل، وما أوحى، وما وجه وما يوجه، هو المفتاح الأسهل لإختراق طبقات الإغتراب التى تكثفت على الوجود البشرى قبله، ثم تكثفت – للأسف – بعد ذلك على الوجود البشرى من خلال سوء فهمه وسوء تأويله، وهذا المفتاح (القرآن) ليس أحجية لغوية، ولكنه خطاب مخترق وحين يوصف الرسول بأنه ‘كان خلقه القرآن’ لا يحتاج الأمر إلى سيبويه والخليل، لأن القرآن اذا مشى سلوكا ظاهرا على الأرض، فهو الفطرة النقية، وحين فتح المسلمون الصين والهند ودخل الإسلام إفريقيا لم يدخل من مدرسة الألسن وكلية اللغة العربية، ولكن دخلها من المباشرة والبساطة ومخاطبة الفطرة، ومحمد رسول الله ليس بدليل أن القرآن كلام بليغ، ولكن بدليل أنه إخترق – بكلام أوحى إليه – فسار به خلقا على أرض الواقع – إخترق به وعى الناس البسطاء حتى تعرفوا على فطرتهم، فتناغموا مع خالقهم، وشهدوا آياته فى أنفسهم، وأن من هداهم إلى ‘هذا’ لابد وأنه يعرف الطريق إليه، فكان ما كان دون نحو أو صرف أو بلاغة، ومع ذلك فأنت تصر على إختزال الإسلام / الفطرة الى مسألة لغوية حتى تقول:
صلاح الدين: يمكننا القول بأن تعلم اللغة لإمتلاك ناصيتها بالنسبة لهؤلاء وأمثالهم (منعدمو القدرات اللغوية) عربا كانوا أم عجما .. هى قضية تحتاج منهم إلى أن ينفقوا أعمارهم فيها بدون جدوي.
الرخاوى: يا سيدى، يا سيدى، لقد إنتشر الإسلام لأنه تجاوز الوسائل إلى الأصول، ولأنه بسيط، ولأنه مباشر فمسجده هى أرض الله الواسعة، ووسيلته هى ‘آمنت بالله، ثم استقم’ فلا كهانة ولا وصاية، هل تعلم أن المسيحى (فى أغلب الأحوال تقليدنا) لا يمكن أن يكون مسيحيا إلا إذا ‘مده’ آخر بطقوس، لو فاتته ولو بمحض الصدفة، لهلك كافرا لا محالة؟ هل تعلم أنه يكاد يستحيل أن يدخل أحد إلى اليهودية الآن أصلا؟ أما الإسلام فهو ‘أمنت بالله، ثم استقم’ بلا نحو – والله العظيم – ولا صرف، وأنا أعذرك حين تتصدى لفذلكة المفسرين الذين إبتعدوا بالإسلام عن الفطرة، والذين أقاموا السدود واحكموا القيود، لكنى أحترم عقلك لدرجة أن أتمنى لك أن تحاور الإسلام نفسه، لا الأوصياء عليه. سامحهم الله أو جزاهم بما فعلوا، وإننى أكاد أضيف إلى معنى الحديث القائل ‘يولد الانسان على الفطرة وأهله يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه’ أكاد أضيف ‘أو يمسلمانه’، فالأمر يا سيدى هو أن تكون فطريا فأنت مسلم أو أن تكون كهنوتيا كما تخاف أن تكونه، فأنت ‘متمسلم’ فلو أن الإسلام كان به أدنى تعقيد لغوى أو إحتجاج إلى أية بلاغية كما تزعم لما دخل قلوب البسطاء والأميين والضعفاء وقبائل تركب الأفيال وتتكلم بلغة لا تعرفها أنت ولا نحن ولا سيدنا محمد، سامح الله، من شوهنا بحجج مضحكة، وغفر لك حسن نيتك، وجزاك ثواب جسارتك، لتصل إلى فطرتك فلا تحتاج لهذا المنطق الساذج. ثم إن الإسلام كما تعلم قد أرسى طقوسا وعبادات هى أبواب جيدة أيضا إلى الفطرة دون نحو أو صرف، وأرى أن لك فيها رأيا، فماذا عن الصلاة.
صلاح الدين: هى الركن الثانى من أركان العقيدة الإسلامية، وهى عماد الدين الإسلامى، من أقامها أقام الدين، ومن هدمها هدمه.
الرخاوى: هى كذلك، ثم ماذا؟
صلاح الدين: الصلاة كما يقول علماء الفقه والتفسير هى صلة بين العبد وربه تجدد ورعه وتقواه وتحصن إيمانه.
الرخاوى: إلى هنا والكلام يشبه الجد، فماذا يا ترى بعد ذلك، علما بأن الصلاة ليست ركنا فقط، وإنما هى عمود محورى مما بنى الإسلام عليه.
صلاح الدين: ويقولون بأن لها فوائد كثيرة.
الرخاوى: هنا يقع الكلام، فبعدما ذكرت من وضعها كصلة بين العبد وربه، أحذرك من التفسير النفعى للعبادات، وقد نرجع نتحاور فى ذلك بعد قليل، ثم إنك قلت ‘يقولون’ ولم تقل لنا من ذا الذى يقول، علما بأن شرف العقل الناقد هو أن يحذر دائما أبدا أن يخلط بين أصل الأشياء، وما يقال عنها، ومع ذلك فلنسمع منك ببصيرتك الأحد، ماذا يقولون، وماذا تقول.
صلاح الدين: النظافة واجب حياتى هام عرفته كل الأمم المتحضرة قبل الاسلام وبعده … (و) لا يمكننا أن نجد من بين أهلها من يتبول بالشارع أو يتبرز بالترع أو القنوات كما يحدث من سكان الدول الاسلامية المتخلفة (أى جميعها) التى يتوضأ معظم أهلها بماء الترع أو الأنهار التى يتبولون ويتبرزون حولها ويلقون فيها بفضلاتهم ومخلفاتهم … ولقد كان المصريون (القدماء) يتمسكون بالنظافة (تمسكا) شديدا، كانوا يغتسلون بالماء البارد أربع مرات كل يوم ..
الرخاوى: لم أفهم ماذا تريد أن تقول؟ هل تفهمنا يا أخى أن المسلمين قذرون، أو أنهم أقذر شعوب العالم حاضرا وتاريخا؟ ليكن، فما ذنب الإسلام فى ذلك؟ هل معنى ذلك أن الإسلام يدعوا للقذارة؟ أم تقصد إن الوضوء لم يحقق هدفه وهو النظافة؟ فاعلم يا سيدى إنى ضد إختزال العبادات إلى ‘فوائدها’ الظاهرة، فهذا عبث لا طائل وراءه، وهو قياس لأصل الأشياء بمقياس لا يصلح إلا لفروع فروعها، إن صلح أصلا، وأنا كذلك ضد ما زعمته من أن الصلاة من فوائدها النظافة بدءا بالوضوء، وثانيا فإن الإسلام إذ أكد بوضوح أن النظافة من الإيمان لم يربط بين ذلك وبين الوضوء خاصة، ولكنه موقف عام شامل، وثالثا: إذا كان المسلمون لا يتبعون تعاليم الإسلام، فهذا ليس عيب الإسلام وإنما عيب المسلمين، لأنهم بعدوا عن تعاليم الإسلام من ناحية، ولأنهم تخلفوا من ناحية أخرى، التخلف هنا – لا الإسلام هو المسئول عن القذارة وعن أشياء كثيرة أصابت المسلمين بالرغم من إسلامهم لا بسبب إسلامهم.
صلاح الدين: إن العامل الذى يقف خلف نظافة الشعوب هو حضارى بشكل عام وليس دينيا بشكل خاص.
الرخاوى: طبعا، ولكن نتائجك تكاد تكون غير مرتبطة بمقدماتك، وأنت تفرق بحدة بين الحضارة والدين وفى حين أن الأديان حين نزلت كانت تمثل قفزة ثورية حضارية أثرت فى سلوك الشعوب وبمواقفها بما لم تفعله أى مقولة أيديولوجية أخرى ،لأنها (الأديان) خاطبت كلية الوجود البشرى ولم تخاطب قشرة عقل غرور الإنسان فحسب، وإذا كان الإسلام – من موقف حضارى (حسب ما تريد أن تقول) قد أكد على النظافة … فقد تحقق ذلك يوم حقق الحضارة، وحين أنهارت حضارته وتخلف أتباعه ظهر ما أزعجك .
لكنى أرجع من الأول لأخالفك فى أن الوضوء هو للنظافة، وأنا لا أحب تفسير أى عبادة لكنى أقول لك شعورى تجاه العبادات عامة، وبعدها أجتهد فى أن أعلن الرسالة التى تصلنى من كل عبادة لعلها تصل الى غيرى مثلما وصلت الى، أو يصل غيرها أفضل منها، لكنى لا أدعى أنى أقدم ‘الفائدة العلمية’ أو ‘التفسير الحديث’ لعبادة ما، إذ أنى لا أعلم لا الفائدة ولا التفسير، ولا أحد بعلمها بسبب هذا القصور الذى أشرت إليه فى عقول البشر، لكن لعل الإجتهاد الشخصى يبعدك عن هذا الحساب العسير الذى أضطررت إليه، فأنى أعتقد أن الوضوء فالصلاة (فغيرها مما سيأتي) هو إجراء متكرر، ينتزع الأنسان من غروره وإغترابه، وبشكل منتظم، ليذكره بأصله الطبيعى، ‘وجعلنا من الماء كل شيء حي’ وهذه الرسالة تستشعرها إذا كان لك قدرة على أن تترك جسدك جميعه فى حضن موجة حانية، يحاورها، فى جو طيب، وأحسب إن العودة الى ‘الماء’ بهذا التواتر لا يفيد النظافة بالمعنى المسطح وإنما يفيد هذه التذكرة، فمن شاء ذكره، وخاصة وأن من بين سنن الوضوء:أن تمسح بالماء مسام بعض أجزاء جسدك، وأن تخلل بين أصابعك، وكل هذا: بهدوء وأنسياب، يذكرنى ولعله يذكر غيرى بأصلى، ويفصلنى أحيانا عن أغترابى ولهفتى وجشعى، ومن أبشع ما غيب عنى معنى ‘الماء’ – ان صح – هو ما فعلوه به حين شوهوه بوضعه فى زجاجات من البلاستيك القبيح، فأحسست، ربما خطأ أنه لم يعد هو الماء ‘الطبيعي’ الذى يربطنى بالطبيعة، حتى أنى شككت أنها تجارة مستوردة – وخاصة فى ظروف بلادنا – وليس زيادة فى الحرص على نظافة ما . ولا أحب أن أستشهد بما يسمى فى العلاج الجشطالتى عندنا :تدريبات تنمية الوعى بالأحاسيس sensory awareness exercises حيث تجرى تدريبات لإيقاظ الحواس بعد أن نومتها الرتابة والملل، وبيقظة الحواس تسهل علاقاتك ببعض رسائل الطبيعة الفجة وقد بلغنى من الوضوء (وخاصة إذا أتبعت السنة : ثلاث مرات) بعض هذا، ولكنى لا أزعم أن الوضوء أنما شرع لهذا . وخلاصة القول أن الانسان يكون نظيفا بالوضوء وبغيره، وأن الوضوء ليس هدفه النظافة وإنما قد يكون – وقد لا يكون – تذكرة لها أو إسهاما فيها – بل أنى أعلن معك أن ‘أقذر’ مكان بالمسجد الحديث المتخلف هو ‘الميضة’ التى تنبعث منها روائح تدل عليها، هذا ليس من الإسلام، ولا هو سببه الإسلام !!
صلاح الدين: (لقد) يسرت الشريعة .. فى حالة عدم توفر الماء … بأن شرعت عملية التيمم .. أى ضرب الكفين على التراب أو الرمل والمرور بهما على الوجه واليدين والرجلين الخ .. ويتضح من هذه العملية بأنها عملية طقسية بحتة يقصد بها الحفاظ على روتينية أو مظهرية فرض الوضوء، لأنها بالتأكيد لا تؤدى الغرض الذى هو النظافة بل قد تؤدى العكس، … والمفسرون والمفكرون الدينيون المهتمون بالكتابة الدؤوبة عن العلاقة بين العلم والإيمان، تلك الكتابات التى تهدف إلى القول بأن العلم والإيمان متفقان، ويعزز كل منهما الآخر .. لا نظن بأن أحدهم قد تناول الحديث عن رأى العلم فى التيمم .
الرخاوى: أوافقك -إبتداء على ‘رد’ هذه البدعة المضحكة، رغم أنها تجارة رابحة، فقد جمعوا فيها بين قشور العلم، وأوهام ‘فوائد’ الإيمان العصرية الدنيوية، ولم يقع فى هذا المحظور مفكرون دينيون بل علماء سطحيون أيضا، وأصلا، وأصبحت النظريات العلمية التى يعرضونها مزحة تافهة، وأصبحت المفاهيم الإيمانية صفقات صحية ونظافية ونظامية(6)وكان جديرا بمفكر مثلك، ألا يفعل مثلهم فيحتج على ما يقولون بمقولات مستندة الى علم هش ومنطق خطى مسطح، فهذا يؤدى حتما الى أن ترفض الإسلام بدلا من أن ترفض تفسيراتهم، وأنا شخصيا فرح بيقظتك وموقفك، مرحب بشجاعتك هذه وما هو وراءها، ولكنى آمل أن تمضى أكثر داخل أمانة عقلك، وقد ترى أكثر مما يقولون ويؤكدون -فمثلا لو أنك رفضت أصلا منطق أن الوضوء للنظافة أساسا أو تماما، لفهمت معنى التيمم، والذى آفهمنى الرسالة التى تضمنها الوضوء وهو ‘العلاقة بالماء’ وهو التيمم، لأنى استبعدت أن تكون المسألة مسألة نظافة، ما دام التراب يقوم مقام الماء، فما الذى يجمع التراب بالماء، أليس هو الطين ؟ أليست هى الأرض، أليس هو الأصل، أصل الحياة، وأصل الوجود ، من ‘سلالة من طين’ ولا أحسب أن الرمل مطلوب للوضوء، ولكنه’الصعيد الطيب’ ولو أكملت الاستهداء بحدسك لعرفت أن الرمل لا يصح أصلا، حتى بلمسه الخشن وحباته المتباعدة، أما الصعيد الطيب الناعم، فعلاقته بالماء أصل ما بعده أصل . مرة أخرى ليس هذا تفسير، ولكنه رسائل وصلتنى وأنا أتقبل العبادات وأمارسها كأنها أنزلت لى شخصيا، على شخصيا، دون وسيط، فقهنا الله وأياكم الى فطرتنا المبدعة، حتى لو أخطأنا تلقى الرسائل تتضمن ما لا نفهم.
صلاح الدين: لكننا لا نستبعد فتوى بعضهم – إذا طلبت منهم الفتوى -بأن العلم سوف يكتشف فى القريب …سنة 2000 أو 3000 على اقصى تقدير عن فوائد كبرى للتيمم .. كشفاء بعض الأمراض الجلدية عند الرجال، ونعومة البشرة وجمالها عند النساء .
الرخاوى: ولماذا سنة 2000؟ أنا أدلك الآن على أسم’ كريم ‘ يستعمل للبشرة بعد عمليات تدليك حب الشباب عند النساء خاصة وهو أسمه Babors stoff peeling أو fytocura peeling وملمسه حتى باليد المجردة رملى، ومن مكوناته الرمل الناعم، وأنا أعتقد – مثلك وأكثر – أن هذه التفسيرات أضرت بالدين و بالعلم، بل أنها استهانت بعقول البشر استهانة قد لا يغفر الله لمرتكبها رغم ترجيحى حسن نية الغالبية والعياذ بالله، وأنى أرى أن حجهم قد تبلغ أحيانا من السطحية ما لا يحتاج الى رد علمى حيث يرفضها المنطق البسيط، مثل قولهم أن صلاة القيام فى رمضان تساعد على هضم وجبة الافطارالثقيلة !!! ولاحول ولاقوة إلا بالحق.
صلاح الدين: يرى المفسرون آيضا أن هناك فوائد رياضية للصلاة لما يؤديه الفرد خلالها من حركات قيام وسجود وركوع .. وهى حركات يطلب من الفرد طوال أدائها الخشوع التام والانكسار والانزواء حيث أنه يمارس دور عبد ينحنى أمام سيده (الخالق) ليؤدى له واجبات التقديس مما لا يتسنى معها دفع كمية كافية من الدم لتغذية أعضاء الجسم وتنشيطها، وتقوية عضلاته أو نخلق أبدان وأجسام كتلك التى تخلقها الرياضة الحديثة كرفع الأثقال وبناء الاجسام الجبارة التى يمكن أن تشيدها،أو الجمباز .. أو كمال الأجسام ..واللياقة الفذة التى تمنحها للأبدان.
الرخاوى: مرة أخرى – ولاأحسب أنها أخيرة – تبنى هجومك على ما يقولون، لا على ‘ما هو’أوما استشعرته أنت – ان كنت قد حاولت أصلا، وثمة تحفظ مبدئى على حكاية الأنكسار والانزواء (ليس الخشوع فهو أمرمختلف) فعلاقة العبد بربه (لابسيده) ليس فيها هذا الأنكسار، والعبودية للخالق ليس أنزواء، ولن أطيل عليك فيما خدعنا فيه الغرب والشرق المادى حين وزع على البشر ‘بنبوني’ المساواة، وأول خطوة عابثة كانت الزعم الذى يساوى بين المخلوق وخالقه، فالعلاقة الحقيقية بين العبد وربه (أكرر:العبد بكل ما يحمله اختيار العبودية من حريةالإبداع) هى علاقة حوار ولم يستطع أن يؤكدها إلا مبدعو الخبرات الصوفية، فثمة ‘أدعونى أستجب لكم ’وثمة’ رضى الله عنهم فرضوا عنه’ (لاحظ: رضوا عنه) وثمة أن عبادى من هو أشعث أغبر، لو أقسم على الله لأبره، ثم نقطة ثانية: ان ما زعمت من انكسار وانزواء لا يعوق الدم من الإندفاع لتغذية أعضاء الجسم وتنشيطها، فمنطقك مثل منطق الذى قال أن الصلاة هى رياضة، وهى ليست كذلك لأن إيقاعها لا يزيد دورة الدم ولا تمثل العضلات، ولاحول ولاقوة الا بالحق العدل العليم!! – والصلاة الإسلامية – يا سيدى – لقد بعثت لى رسالة أخرى غير ما يقولون، وغير ما ترفض، وهى عندى تذكرة بأن ثمة نشاط آخر، ومستوى آخر من الوعى ووجودا آخر فى تركيب البشر، ولغة أخرى غير لغة التنافس وتربية العضلات، وأحاجى التفكير وشطارة التجارة ولهاث التفوق – مستوى آخر من الوعى لابد وأن نسمح له بالتواجد بشكل متكرر، ودورى: إذ يواكب علامات فى دورة الشمس الظاهرية، أى فى دورة الأرض اليومية، ومن خلال هذا التواكب قد تتأكد دورية الوجود البشرى وتتعدد مستوياته، ثم يكون المحتوى والفائدة الظاهرة ما يكونان، وحين نسى الإنسان الغربى هذا التبادل الدقيق بين مستويات الوعى نمى مستوى عقلانى صرف على حساب آخر، وكان ما كان مما لا أدخل فى تفاصيله الآن، والصلاة الإسلامية بهذه الصورة منفصلة تماما عن أن تكون طقوسا شعائرية قبل وبعد النشاطات اليومية، وهى بذلك تفترق عن كثير من الأديان التى تجعل الصلاة اليومية دعاء مرتبط بنفس نوع الوعى السائد للمكاسب الظاهرة – قبل الاكل، قبل النوم …الخ.
صلاح الدين: فى عصر الطائرات والغواصات والقطارات والسيارات أزداد عدد الناس بشكل أكبر بكثير مما كان عليه الحال من 1400 سنة، ولكى تكفى ملايين – بل ومئات الملايين ببعض الدول – أحتياجاتها من الملبس والمأكل والمشرب .. فلا مفر من أن تكون هناك مصانع ومصانع تعمل ليلا ونهارا أو على الأقل ثلثى اليوم، وبدون عطلات أسبوعية، وأصبح عمل كل إنسان أو الغالبية العظمى مربوطا بآخرين وليس ملكا له يستريح وقتما يشاء، ويعمل وقتما يشاء، بل هناك ساعات محدودة للعمل…. لقد كان الأولون أسعد حظا (فى عصر الرعي) من حيث القدرة على أداء الصلاة فى آوقاتها بالتمام … ترى لو خصص أحد المصانع الكبيرة التى قد يضم أحدها 50 ألف عامل أو أكثر وقتا للصلاة كلما حان وقتها، كم ستكون التكلفة؟ وعلى حساب من سيحتسب هذا الوقت الضائع، هل على نفقة العامل أم على نفقة المصنع.
الرخاوى: بصراحة، ومع أستمرار أصرارى على نشر آرائك والحوار معها، أشعر بخجل من موقفى لسببين: الأول أنى لا أحب أن أقف موقف المدافع على طول الخط هكذا، حرصى على نشر آرائك أهم من حرصى على هذا الموقف الدفاعى الذى لم أعتده، والثانى: أن منطقك – وأنى آسف – يبلغ فى أحيان كثيرة درجة من التهافت بحيث لا يحتاج ردا أصلا وأنى أتصور أن نشر منطقك ‘هكذا’ هو أهم ما يرد به على المنطق المقابل والمساوى له فى التهافت والسطحية، وكأنى بموقفك يترجمه القول ‘إيش رماك على المنطق المسطح قال ما هو أسطح منه’ وعلى الذين يروجون للدين بهذا التسطيح المضحك والاختزال المعيب أن يعرفوا أنه لو أتيحت للفريق الآخر الحرية دون أن يكفروا أو يعدموا فسوف يسمعون – بنفس المنطق المسطح – ما لا يسرهم ولا ينفعهم، والخاسر فى كل الأحوال من الدفاع المسطح والهجوم المسطح هو ديننا الحنيف نفسه، بل أننا نحن الخاسرون فالدين لا يخسر أحد بل نحن الذين نخسر ديننا حين نعيش منه ما ليس هو، فالذى يقول أن الصلاة رياضة بدنية تقوى القلب والدورة الدموية، لا بد أن يتحمل من يرد عليه بقوله أن الصلاة حركات غبية توجع الركب … وتلهب الجلد، وهكذا.
ثم أرجع إلى هذه الفقرة فأرد عليك – مدافعا بكل أسف – قائلا: (1) أن تنظيم العمل يسمح بالصلاة وغير الصلاة، وأن ما يعرف بفترة الأستراحة للقهوة offee break معروف فى كثير من النظم الحضارية، فما بالك إذا قطع الصلاة، (2) ثم أننا لا نعمل (كمسلمين متخلفين!!) فى اليوم الواحد أكثر من دقائق معدودة من ساعات العمل الرسمية (ثمانى ساعات خيالية) وأن مبدأ ‘من أخذ الأجرة حاسبه الله على العمل’ (وهو الدين الإسلامى الصحيح) قد أختفى تماما (3) أن قطع العمل الإنتاجى الأعمى بما يذكرنا بالمستوى الآخر من الوجود، هو مفيد لتكامل الإنسان حتى لا يصبح هو والآلة سواء (تذكر ولو فيلم شارلى شابلن يا أخى) – هذا كله إذا صح ما تقول، وهو غير صحيح عمليا وأصلا من وجهة نظرى، وقد دفعك منطقك هذا إلى تصور شديد المبالغة أفضل أن تقدمه بألفاظك:
صلاح الدين: لو عدنا -إفتراض جدلى – للعصر الإسلامى الأول – عصر الرعى لكى نتمكن من أداء فرائض العقيدة بدقة، فإن غيرنا لن يقبل العودة معنا – من الأمم الأخري- بل سيأتى بطائرته ودبابته ومدرعاته التى تصنعها المصانع هناك لكى يستذلنا ويسرق خيراتنا.
الرخاوى: فتأمل أنك افترضت – جدلا – أن الصلاة – هكذا لا تصلح إلا للرعاة .. وأقول لك أن استعمارهم لنا، وخاصة لعقولنا لا يحتاج أن نعود للرعاة، بل يحتاج أن نظل مسلمين هكذا لاننا هكذا نأخذ أجازة طويلة من الأبداع والتفكير الحر، فنستعمر بلا أدنى جهد حتى ونحن نصلى تمام التمام، ولكن دعنا ننتقل الى ركن أخر، فماذا أيضا، عن الزكاة مثلا؟
صلاح الدين: الشريعة فرضت الزكاة وجعلتها ركنا هاما من أركان العقيدة. نأخذ من أموال القادرين لنعطى الفقراء، والمساكين كى تزرع المحبة والسلام بين الغنى والفقر.
الرخاوى: وبعــــد؟
صلاح الدين: والزكاة هى ما نسميه فى عصرنا هذا بالضرائب.
الرخاوى: ليس تماما، وإن كان ثمة رأى فقهى يقول أنه لا يجتمع خرج وزكاة، فماذا؟
صلاح الدين: فى الدول الحديثة التى تكون أدوات ومصادر الإنتاج ملكا للدولة فإن المعوقين بطبيعتهم أو غير القادرين على العمل لعجزهم أو لمرضهم لا يشعرون بذل أو إنكسار عند تقاضيهم راتبا من الدولة لأن ما يأخذوه هو حزء من عائد أرباح مصادر الإنتاج، والثروة الوطنية هى ملك عام ويمتلكون فيها حقا بوصفهم من مواطنى الدولة، وذلك بعكس من يتعاطون الزكاة أو الصدقة التى يتفضل بها الأخرون عليهم والتى قد تقرن بالمن أو بالأذى العاجل أو الآجل، أو على الأقل يدفع متعاطوها ثمنا لأصحابها أو العاملين عليها دعوات وابتهالات وتبجيلات.
الرخاوى: ماذا أقول بالله عليك، ولكن ليكن الإحترام واجبا فأرد على كل ما أضطررت الى الذهاب إليه فأولا: أن الزكاة حق معلوم وليست تفضلا، والإسلام هو الذى أرسى هذه القضية بصريح قرآنه وثانيا:أن الدولة قد تذل مواطنيها أضعاف ما يمكن أن يذل القادر المسلم الحقيقى من يتفضل عليه بتطهير أمواله بقبول زكاته أو صدقته “خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم“ وثالثا: أن المسلم الحق لا يتبع صدقاته بالمن والأذى ورابعا أن المسلم لا يعطى إلا ما يرضاه على نفسه، فهو لا يعطى فضلاته وإنما يعطى من صلب ما عنده وما يرضاه لنفسه فإذا شعر بأى غضاضة بشأن نوعية ما يعطى بحيث لايقبله لنفسه فعطاؤه مشكوك فيه أو مرفوض‘ولستم بآخذيه الا أن تغمضوا فيه’ وأخيرا: فإن تلقى الدعوات هو رد الفضل لصاحبه، فمادام الله قد أجرى على يد القادر ما أجرى، فالله هو الأولى بالشكر، وبالتالى هو الذى يرد بالثواب أن شاء لمن أخلص العطاء – أما حكاية التبجيلات فهى غير واردة ‘شرعا’. هذا هو أصل الإسلام فإن كان قد إنحرف إلى غير أصله، وإن كانت الزكاة الآن تعتبر رشوة للخالق حتى يتضاعف الكسب من أى مصدر، أو أن كانت الزكاة (2.5%) تبرر لمانحها التهرب من الضرائب (أحيانا 60%) وإذا كانت الزكاة هى نوع من التخدير لاماتةالضمير والتمادى فى الاستغلال، فكل ذلك ليس من الإسلام وإنما من المسلمين، والزكاة هى الحد الأدنى لحق الناس على الناس .ثم يأتى بعد ذلك أى نظام يزيد فيها حتى يأخذ مال الله جميعه الى من يحتاجه متى خان حامل الأمانة مسئولياتها.والمسألة قبل ذلك وبعد ذلك لا تحتاج لكل هذه الحجج المعادة، فحتى لو صح قولك، فأنها تفضل بين ظاهر نظم وبعضها فى حين أنى لا أريد أن أذكرك بما بدأنا به. وهو إن الإسلام ليس هو الصدقة أو الزكاة أو الصلاة ولكنى أرد على منطقك فحسب لعلنا نصل بعد ذلك الى ‘جوهر المسألة’ فماذا عن الصوم .
صلاح الدين: هو الركن الرابع من أركان الإسلام … وللصوم كما يقول علماء الفقه والتفسير فوائد جمة للإنسان
الرخاوى: رجعنا الى التعميم والتفسيرات ‘النفعية’
صلاح الدين: فضلا عن أنه شرع من أجل أن يشعر الغنى بالألم والفقر فيعطف عليه بعد أن يعرف معنى الجوع والعطش.
الرخاوى: من قال انه شرع ‘لهذا’ قد يكون فيه هذا، ولكن أن نقول أنه شرع لهذا بهذه اللهجة الحاسمة فهذا غير وارد، لأن كل الشرائع شرعت لأنها شرعت، ثم نبحث عن السبب فنجده أولا نجده، لكنها شرعت، وباعتبار أن الصفقة الإيمانية هى صفقة على بعضها package bargian طالما اعتقدنا أنها من مصدر متوازن، وأنها مفاتيح للفطرة (قبل أن يشوهها حاملوا الأختام الكهنوتية) فنحن نجرب كل مفتاح : لعل وعسى، والصوم أحد مفاتيح الفطرةلا أكثر ولا أقل.
صلاح الدين: وهو أيضا صحة .. إذ أن فيه راحة للمعدة، والمعدة بيت الداء، وهذه فائدة طيبة للصوم كما نسمع من الواعظ ونقرأبالكتب الدينية، وعندما يأتى شهر الصوم من كل عام ترتبك كافة الأعمال الخاصة الحكومية والعامة على حد سواء وتعدل مواعيد العمل فى مختلف الدول الإسلامية ونظمه أيضا، وتخفض ساعات العمل، ويسود التراخى …. كما تزداد المشاجرات لاسيما بين الأزواج والزوجات – وتشيع الحدة والجفاف فى التعامل بين الناس… ويضطر الكثيرون من أصحاب المحلات والمطاعم والمقاهى والمشارب خاصة الى تبديل أعمالهم بأخرى تتناسب وتلك الظروف (!!!) ((7))
الرخاوى: إذن ماذا؟ فلا داعى للصوم .. ودمتم ؟ ليكن هذا منطقك وأنا أقبله، ولو فى يدى حق الدفاع عنك لدافعت حتى لو قلت أكثر من هذا، فلن يقوى الإسلام إلا بمثلك من الشجعان الصرحاء، ما أن أحكم عليك بالقتل لمجرد الإختلاف، فهذا – وليعذرنى البعض إن وجد هذا هو الذى يضعف الإسلام ويجعله كيانا هشا لا يحتمل الإختلاف ولا المراجعة، ومع ذلك، فهل ذنب رمضان أنه أنتهى كله أو بعضه الى ما تقول، وهل كل ما عددت من سلبيات، وأغلبها صحيح عدا الجملة الأخيرة، هو بسبب ما جاء فى الأمر بالصوم أم أنه بسبب الإبتعاد عن حقيقة ما جاء فى الإسلام بالنسبة للصوم؟ مرة أخرى أنت تحاسب الإسلام بما آل إليه فى عرف أناس يقولون بأنهم’ هم المسلمون’ !! وهذا أبعد ما يكون عن منطق العدل، وقد كتبت شخصيا فى أكثر من مجال إعلامى أرفض هذه الدعاية الطبية للصوم :بإدعاء أنه ينقص الضغط، ويشفى الصداع ويخفف من حدة المغص، ويقوى النظر، ويعالج مرض البول السكرى والسمنة …وأشياء غريبة يندفع بها الأطباء والوعاظ بلا تردد ولا مراجعة، وكأننا نرشو الناس بفوائد صحية حتى يصوموا، وكأن الصوم ليس عبادة بغض النظر عن كل هذه الدعاية والرشاوى، أما ما بلغنى يا سيدى من الصوم كمفتاح أيضا للفطرة، فهو ذكى ويذكرنى بأن النمط السائد، حتى فى عادة الطعام والشراب وتوقيتها ليس حتما مقدسا، وأنى أستطيع أن أكسر حتى نمط الغرائز الأساسية مثل الجوع والعطش بنمط آخر يختاره وعى المؤمن ويوافق عليه مستوى من وجودى أعلى من المستوى الغرائزى وهو مستوى الإرادة، ثم بعد ذلك على الدنيا أن تسير كما هى دون تغيير فى مواعيد عمل ولا تراخ، ولا تخمة عند المغرب، فمن فعل غير ذلك من المسلمين فلا نلوم الإسلام بالنيابة عنه، والصوم لم يعق المسام حتى عن الحرب، فما بالك بالأعمال الأقل مشقة.
صلاح الدين: أما الحروب (معارك القتال التى دارت فى هذا الشهر المعظم فنذكر منها معركة بدر سنة 624م ومعركة فتح مكة (360 هـ) (8)ومعركة تبوك (631م ) ومعركة الأندلس (711 م) ومعركة عين جالوت 1259م) ثم حرب أكتوبر 1973م) كل هذه المعارك جرت فى شهر رمضان المبارك وقتل فيها الكثيرون وجرح من جرح وأسر فيها من أسر، ويقول الرسول (صلعم) لو علمت أمتى ما فى شهر رمضان من خير وبركة لتمنت أن تكون السنة كلها رمضان …
الرخاوى: لا حول ولا قوة إلا بالحق، ألم يصلك من هذه المعارك إلا القتل والجرح والأسر؟ أتنبهنا إلى أنه لو صحت الأمنية التى أشار بها الرسول على أمته لأصبح العام كله قتل وجرح وأسر – ثم هل تريد أن أعلق على هذا؟ ولكن سوف أجرجر نفسى أحتراما لك، فأقول: أن رمضان الذى سمح بهذه المعارك هو شهر جاد أكبر ما يكون الجدية، جاد حتى الحرب، وبالتالى فالتراخى والتأجيل والشلل التى تصيبنا أثناءه ليست من الإسلام فى شيء، أما حكاية أن تكون السنة كلها رمضانا فأنا أرفضها لأنها لا تتفق مع مقولة ‘ كسر النمط اللاهث وراء الأستجابة الفورية للمستوى الغرائزى للوجود’ والحمد لله أن الحديث – على ما بدا لى – كان للتذكرة بالخير الذى فى رمضان وليس ‘باقتراح’ أن تكون السنة كلها رمضانا; لا بالمعنى الجيد ولابمعنى الإكثار من القتلى والجرحى والأسرى كما خوفتنا يا سيدى …
صلاح الدين: قال ‘الرسول (صلعم ) إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وأغلقت أبواب النار وسلسلت الشياطين ‘ عليها اللعنة تلك الشياطين الرجيمة فهى التى تزين للأنسان سوء عمله، إذ يبدو أن بعضها يتمكن من الفكاك من القيد فى شهر رمضان ويتسبب فى الحروب والجرائم فى الشهر المبارك الذى كثيرا ما قامت فيه الحروب قديما (فى صدر الإسلام) وحديثا أشهرها حرب رمضان .1973 .
الرخاوى: جاءك كلامى؟ فأنت فعلا تعتبر هذه الحروب العظيمة، حتى حرب أكتوبر 1973 (العاشر من رمضان!) تعتبرها من عمل الشياطين .. فماذا أقول لك؟ . كل ما أرجوه هو أن تنتبه إلى أنك إستدرجت الى التعميم مثلما يفعل الفريق الذى أثار حفيظتك ‘هكذا’.
صلاح الدين: فى البلدان التى لا تعتنق الإسلام (المتمدينة منها) لا يصوم أناس هناك بالطبع، ولكنهم يتبعون أساليب علمية حديثة فى تناول الطعام بالقدر المناسب وفى الأوقات المحدودة، ويختارون الأصناف التى تمد الجسم بالعناصر اللازمة بدون إرهاق المعدة أو الأضرار بالجهاز الهضمى، ويهتمون بالرياضة ومتوسط عمر الإنسان هناك 76 سنة وبعضهم يعمر حتى 140 سنة ويظل معظمهم محتفظا بنشاطه وحيويته وهو فى هذا العمر، بدون صيام.
الرخاوى: كل ما قلته صحيح، ولكن ما دخل هذا بالصيام يا سيدى ؟ وهل يمنع هذا أن تصوم – أعنى أن أصوم – وأن أتبع كل هذه الأساليب الصحية والأفضل منها؟ – هذه المقارنات فاسدة من الأصل لأنها مقارنات بين موضوعين لا علاقة لهما ببعضها، فالصيام ركن أو قائم من قوائم الإسلام وليس هو – مرة أخرى الإسلام، وهو ليس الوسيلة الصحية للرجيم وأطالة العمر فى ‘ معهد التخسيس الإسلامى !!! ‘ ولكن ماذا أقول !؟ هذا ليس ذنبك وأكاد أقسم بالله الذى لا إله غيره أنه لن يفيقهم من عبثهم بديننا إلا موقف مثل موقفك مع كل أختلافى معك، ولهذا نشرت لك، وأحترمتك، وليكن ما يكون – فمن قال أن الصيام هو للصحة، وتحسين الأحوال البدنية: فليرنا شطارته ويرد الآن، ولكن يا سيدى ‘ لا يجر منكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، واعدلوا هو أقرب للتقوى ‘ والعدل يا سيدى – مادمت بدأت فى أكرام عقلك بالتفكير المستقل الناقد هكذا، العدل يا سيدى أن نعود بالقضايا لاصولها، وأن نسير مع المقدمات إلى نتائجها، فإذا كان الإسلام قد نزل به الوحى على رسولنا لنحسن صحتنا ونطيل أعمارنا فلنحاسبه بمقياسك هذا، أما إذا كان الإسلام هو: موقف وجود، وأبداع فطرة، وتكامل توازن، وتواصل مستويات، وتجاوز للغرور البشرى الفردى، فلننظر فى ما أمر به وما نهى عنه، بادئين بالعبادات (مفاتيح الفطرة) لنرى ما تحقق من ماهية الإسلام من خلال حسن أستعمال مفاتيحه، أما أن وضعنا للأسلام صفات علمية صحية طبية أنتاجية حديثة، فحدث ولاحرج، وقل ما شئت فانك الأصح وليدفع الذين سطحوا الاسلام باستسهالهم التفسيرات المسروقة من ‘بوتيكات’العلم، ثم ليدفعوا الثمن أولا أمامك وأمام أمثالك من المجتهدين العلميين، ثم ليدفعوا الثمن أمام الحق الذى لا ينفعهم حينذاك لا حسن النية ولا فرط الدفاع السطحى عما لم يتكشف لهم أصلا من الأسلام ‘كموقف وجود’ (9)ومع ذلك فدعنا ننتقل إلى موقفك من الركن الخامس’الحج’.
صلاح الدين: هو فريضة مقصورة على من أستطاع إليها سبيلا فقط … (و) الحج شأنه شأن باقى أركان العقيدة أقامة الشرع كركن وشرعه كفريضة من الفرائض لحكمه والحكمة التى وراء هذه الفريضة تعود إلى قصة النبى أبراهيم (عليه السلام) عندما نزل هو وزوجته إلى أرض الجزيرة العربية ليستقرا فإذا بها أرض قالحة جرداء جدباء .. فدعى ربه قائلا ‘ربنا أنى أسكنت من ذريتى بوادى غير ذى زرع عند بيتك المحرم .. ربنا ليقيموا الصلاة فأجعل أفئدة من الناس تهوى اليهم وأرزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون’ (سورة ابراهيم 3) – ومن هنا شرع الحج حسبما ذكر القرآن أستجابة لدعوة أيراهيم عليه السلام كى يتمكن من البقاء والعيش هو وأسرته بتلك المنطقة الفقيرة الجدباء، فأمر الله ببناء الكعبة لتكون مزارا للناس يأتون اليهم ومعهم ما يحسنون به على أهل المنطقة فيذبحون الذبائح لإطعام الفقراء والبر منهم … ظل أبناء تلك المنطقة يعيشون على الحج … إذ كان موسم الحج بالنسبة لهم هو بمثابة موسم الحصاد، ظلوا هكذا إلى أن ظهر البترول وتفجر الذهب الأسود ….، ونظن بأن القدرات الأقتصادية لميزانية الدولة بالأراضى المقدسة : هى أهل لذلك ( أن تتولى كافة الأجراءات وتكاليف الأقامة لمن يتبرع بتكاليف حجة لبلده الفقير مثل الصومال والفلبين) .. هذا إذا رآى العلماء ضرورة للزيارة أو داعيا لها أصلا بعد الأنقلاب والتبدل الأقتصادى الذى أصاب المنطقة.
الرخاوى: ليكن لك ما تقول وأن كنت لا أخفى عليك أنى أصبر على حوارك غيظا ‘منهم’، وردا عليهم لا عليك، لأن منطقك يكاد لا يحتاج ردا لأنه ينبنى غالبا على مقدمات خاطئة تضعها أنت مستمدا ‘ أياها منهم’ ثم هات يا رد، والأصل أن نبدأ بالمنطق الأول فإذا أنهار أساسه أنهار ما ترتب عليه، فبداية ليس الحج تنظيما أقتصاديا لأعانة أسرة فقيرة رمتها ظروفها فى أرض قحلاء فى فترة سحيقة من الزمن، وإلا كان على الله تعالى أن يحل مشكلة الفقر فى كل مكان بمثل هذا الحج (وهذا ما يفعله الناس الآن لا الله – تحت أسم ما يسمى السياحة) فليس الحج سياحة استثمارية لصالح آل أبراهيم (عليه السلام كما ذكرت !!) حتى لو قامت به شركات السياحة تحت أسم الحج الفاخر، والحج السوبر .. فاخر .. الخ وليست ظروف بداية عبادة ما تاريخا هى تفسير تشريعها، وليست ما آلت إليه هذه العبادة هو ما أخذ على جوهرها، وان كان منطقى أن تكون العبادات (الإسلامية خاصة ) هى مفاتيح للفطرة بمعنى أنها ليست لمنفعة صحية أو أقتصادية أو ترفيهية أساسا (حتى ولو كانت رفاهية الجنة ) – أقول ‘ أساسا’ لأن أى نتاج جانبى جائز فى أى أتجاه معقول، أقول إذا كان الأمر كذلك فالحج هو الأنتقال من نمط مكانى ثابت إلى نمط مكانى آخر (دينامى، ومتحرك) بما يشمل ذلك من بهر الدهشة، وهزة التعرى، وهو أكتشاف آبعاد ‘أخري’ فى المكان، وفى سلوك الناس، أبعادا تكسر غرور فرد بذاته، أو شعب بذاته وهو مشاركةعالمية (بقدر ما يشمل الأسلام العالم) يذوب فيها الفرد فى الجموع، وهو عبادة دوائرية، تتوازن وتتناغم مع دوائر الكون الأصغر (الإنسان) ودوائر الكون الأعظم إلى منتهاه الواحد الأحد، (ويمكنك أن ترى هذا المنظر بهدوء فنى – ليس إسلاميا بالضرورة – إن شئت – من الشرفة بالدور الثانى للكعبة) – وكل هذا خليق بأن يتعتع طبقات أخرى من الوعى – لتأخذ حقها، فينكسر التعصب، فنقبل الأختلاف مع توحدنا فى الكل فيضطرد النمو الفردى والبشرى عامة، وقد أشرت فى كتابات سابقة إلى ما أسميته – قياسا مع الفارق – بالحج التكنولوجى حين يشعر بنفس المشاعر أكثر من ألف مليون إنسان يشاهدون كأس العالم حين يضع مرادونا الهدف الثانى فى مرمى الأنجليز مثلا، فهذه المشاركة العالمية إذا وصلت إلى الوعى الفردى، ربما كسرت حدة التعصب وتفتحت آفاق فطرة المشاهد وأبداعاتها المترامية، وليس معنى هذا أن تحل المشاركة التكنولوجيا العالمية الأحداث محل المشاركة العالمية الإسلامية المحدودة، كل ذلك وصلنى أيضا من الحج، ولا أحدثك عما وصلنى من تفاصيل طقوسه سواء فى كسر نمط المشى وغرور الجرى التنافسى معا بهذه الهرولة المخلخلة أو تفاصيل أدراكى لعمق التناغم الدوائرى مع النبض الحيوى فهذه تفاصيل لا مبررللأستطراد فيها حالا- ومرة أخرى أذكرك بحرصى من التمادى فى الدفاع، وأحذرك بأخذ كلامى ومشاعرى وكأنها تفسير ‘حكمة الحج’ ولكنى أقول لك الرسالة التى بلغتنى من الحج كما بلغتنى، أقول جزءا منها، ولا أفصلها عن رسالة مشابهة بلغتنى من نشاطات فطرية مشابهة ( أنظر – مثلا – فصل هذا العدد من الناس والطريق أن شئت) – لكل ذلك، فإن المسألة كما أختزلتها أنت لا تصلح إلا ردا على من صورها كذلك، وأذكرك – وأذكر نفسى بأن أبراهيم (عليه السلام) كان نبيا قبل هذه الدعوة، وأنه أسكن ذريته هناك .. ليقيمو الصلاة لا ليسترزقوا من السواح وأن دعوته كانت ‘لأفئدة الناس’ قبل أن تكون للناس جسدا متعينا، وأن الرزق كان من ‘الثمرات’ وليس من ‘الصدقات’ – فلو أنك قرأت القرآن كأنه أنزل عليك، وبموقف نقدى لما فسروه به، وحتى لما جاء فيه، فالحوار مع الله ليس ممنوعا، لو فعلت فلربما أكتشفت فى نفسك من واقع فطرتك وصدقك وأجتهادك ما يجعلك تنطلق إلى المعركة التالية فى مستويات أهم من الوجود البشرى وهو المستوى الذى أتصور أنه يتطلب منا نحن المسلمين أن نسأل هل عندنا ما نضيفه إلى البشر اليوم بلغة اليوم – أم أن المسألة كلها كلها دفاعات وقتية، تعصب متجمد وغرور تاريخى وفهم خاطئ؟
صلاح الدين: نؤمن نحن المسلمون (العرب) بأننا لا نحيا بمنأى عن كيد الأستعمار ومخططاته المتجددة والمتلونة لأجل الأبقاء على بلادنا رهن التخلف والجهل والمرض والفقر، وذلك طمعا منه فى الأستمرار فى نهب ثرواتنا وضمانها كسوق لتصريف منتجاته من ناحية … ومن ناحية أخرى خوفا من عودة قوة بلادنا، وأشتداد بأسها وصلابة عودها، الأمر الذى يخشى معه عودتها لعصر الأستعمار العربى الإسلامى كما يسميه أهل الغرب، أو عصر الغزوات والفتوحات الإسلامية كما نفضل أن نسميه نحن، وعودة العرب لإحتلال أسبانيا (الأندلس) ثم المضى نحو بقية أوروبا، وهذاهو أشد ماتخشاه الدول الغربية جميعا ..
الرخاوى: بالرغم ما أنتهى به كلامك (وهو لم ينته) من تهكم صريح ((10) فإن المسألة فيها جزء صحيح، ولكن ليس بسبب خوف من حرب ننتصر فيها، وإنما الخوف الغربى الحقيقى ولعله ليس خوفا بل أملا (فالخوف والأمل صنوان) هو أن يكون ثمة بديل إسلامى حضارى يتجاوز الفشل الحقيقى أو المزعوم الذى تمربه الحضارةالمادية (غربية شرقية) فى هذه الحقبة من التاريخ – وأنا لا أقول أن الحضارة المادية (الغربية خاصة) قد فشلت كما نحب أن نعزى أنفسنا، أو أن نخدر أنفسنا، وأنما أقول أنها قد وضعت لنفسها أهدافا محدودة، وقد حققتها حقيقة وفعلا، فهى وقد نجحت، وحين نجحت بكل مقاييسها أعلنت فشلها فعلا، إذن ففشل الحضارة الغربية ليس لأنها لم تحقق أهدافها، ولكن لأنها حققت أهدافها، والتحدى الجديد الذى ألقى عليها هو:إما أن تعيد النظر فى أهدافها فترسى أهدافا جديدة تسعى إليها بنفس وسائلها القديمة أو بغيرها، وإما أن تدور حول نفسها تحقق نفس الأهداف حتى تتضخم الأهداف وتفقد معناها إلى فراغ يخلخل كل المكاسب – وقد كان هدف الحضارة الغربية بعد قهر الكنيسة وأستبداد الطغاة أن يحقق الأنسان الفرد درجة من الحرية (فى أطار ما يسمى بحقوق الأنسان) والقوة (الأنتاج بما فى ذلك السلاح) فالرفاهية (زيادة جرعات اللذة، والراحة، والأجازة، والمعاش المبكر، والتأمينات) – فإذا حقق الأنسان الفرد هذه الأهداف فى هذه الحضارة، فإن المجتمع ككل قد حقق ما يصبو إليه، ومن موقع آخر بدت الأهداف نفسها غاية يسعى إليها المجتمع عامة ثم ترجع حصيلتها إلى الإنسان الفرد فيها بنفس المكاسب (المجتمعات الأولى هى الرأسمالية الديمقراطية والثانية هى الشيوعية الديمقراطية .. أو ما شابه).
لكن الإسلام كموقف وجود – على حد رؤيتى – يضع المسألة أبعد من ذلك وأعمق، إذ لا تحدد أهداف الوجود البشرى بالحرية (المزعومة) والقوة (القاهرة) والرفاهية (المخدرة) وأنما تحدد أهداف الوجود البشرى بالفعل الأبداعى الذى تصب كل تفاصيله فى تناغم محورى ‘أوحد’ يتجاوز الفرد لكنه لا يتخطاه، فتحقق حرية أخرى تنبع من أكثر من مستوى من الوجود البشري ’معا’ بما فى ذلك حرية العبودية (واحتملنى هذا فأنا مضطر للإيجاز) كما تتحقق قوة أخرى، (بما فى ذلك قوة التجاوز عن كل ما هو راهن ساكن(ما شاع عن الإسلام فى وقت بذاته) كما تتحقق رفاهية أخرى، هى أساسا الوعى بالتناغم بين المستويات، ومستويات الذات، ومستويات الكون، ونبضات الإبداع، ونبضات إيقاع الزمن، وهذه تسمى ‘رفاهية ‘ تجاوزا، لأنها فى واقع الأمر إيجابية الوجود المتنامى – فإذا صح ذلك، وهو صحيح عندى، فنحن لا نواجه الغرب تحديا وأستعلاء ومعايرة وتصادما، وإما نحن نكمل مسيرته مع إحتفاظنا بكل مكاسبه، نكمل مسيرته له ولنا على حد سواء، ولا تحسبن أنى أتكلم عن مسائل مثالية ليس لها ترجمة مباشرة فى الفعل اليومى على أرض الواقع، لكن ليس هنا اليوم مجال لتفصيل أى من ذلك.
وقبل أن أشكرك على هذه الفرصة الكريمة، وأحيى فيك شجاعتك رغم أختلافنا البادى، وأعتذر عما أصابك بسبب إجتزاء ما قلت، قبل أن أفعل ذلك أقول لك أن ‘الحركة الإسلامية الحديثة’ – فيما عدا بعض أرصاهات فكرية محدودة – تسير فى عكس الإتجاه الذى أشير إليه حالا، وهذا يجرنا لضرورة الحديث عن الوسائل إلى ‘الإسلام ‘ قد تختلف، لكن لأى نظام بشرى أو إلهى إطار محكم يساعد فى إيضاح نفسه، وتوصيل رسالته، والعبادات – كما أشرت – ليست هى الإسلام، لكنها الإطار الذى يتكلم بأكثر من لغة ليرى من خلالها من يؤديها طبيعته وفطرته وإمكانات نمائه، لكن ثمة طريق آخر لا أحب أن أدخل فى تفاصيله، وهو الطريق الذى سلكه رسول الله قبل الوحى ويسلكه كثير من الصوفية حتى الأن، وهو الذى يوصل ‘للشهادة’ أبتداء، للرؤية للقراءة ‘إقرأ بأسم ربك الذى خلق’ (11) – وبعد الإسلام أصبح هذا الطريق محفوفا بالمخاطرة وخاصة إذا تناقض مع العبادات أو أستغنى عنها، ولألتزاه صاحب الشهادة /الرؤية/ الذى تعرى حتى تناغم فأسلم، ولألتزامه بمسئوليته نحو كافة الناس، فهو لا يستغى عن العبادات، بل هو يستلهمها مزيدا من التواضع والمشاركة، أما العامة (الأغلبية) فهى تبدأ – عادة – بظاهر العبادات، فإن صحت وأدت واجبها – تفتحت أبواب الفطرة ((12) ومستوياتها – لكن تحذيرا واجبا ينبغى تقديمه بكل صراحة، وهو أن هذا الكلام يحتاج إلى إيضاح عصرى ومقنع يتناول مشكلة الحضارة البشرية من موقع من هو ليس مسلما، وأقول لك أن الطريق إلى الإسلام، بالنسبة لغير المسلمين ‘الآن’ ليس بأن يسلموا حالا، وشكلا، فأن من يسلم الآن، ومن يمكن أن يسلم فيما بعد هو حالة فردية، مشكوك فى دوافعها فى كثير من الأحوال، لكن الأمل قائم فى أن يسير الناس أغلب الناس فى طريق الإسلام بلغات مختلفة (أن الدين عند الله الإسلام) إذ يتعاونون فى تحقيق حضارة أخرى، نابعة من فطرة بشرية سليمة لم تشوه، لا بالإسلام كما تسطح وأختزل، ولا بما هو ضد الإسلام كما أغتر الإنسان وتوقف عند الحائط أهدافه المادية يرتطم بها، فيدمى، فيعاود الكرة دون وعى فكل ما يكشف عن فطرة الله التى فطر الناس عليها ويطلق سراحها ويهييء السبيل إلى نمائها فى أتجاهها – كدحا فملاقيه – كل ذلك هو من الإسلام.
وأخيرا فإذا كان الإسلام طرحا حضاريا بديلا مكملا، وإذا كان الإسلام موقف وجود، وإذا كان الإسلام تواصل إبداع، وإذا كان الإسلام تناغم فطرة بشرية، مع فطرة كونية، وإذا كان الإسلام جدال خلاقا ليس لأستمرار حركيته وتفجير إبداعاته حدود، فإن علينا أن ‘نقرأ’ الأركان التى بنى عليها – بإعتبارها كما قلت – بعض العوامل المساعدة إلى كل ذلك، بعض مفاتيح الفطرة فإن فعلت: فبها ونعمت، وإن لم تفعل فلنراجع أنفسنا كيف شوهناها فلم نلتقط الرسالة من داخلها، ولا نظم الإسلام بما آلت إليه بما فعلناه بها، أو فسرناه به – بل بعضها فحسب وعلى كل من يجد مفتاحا إضافيا أن يحاوله ويمضى فيما يهتدى به إليه ثم دعنى أنهى حديثى معك بتذكرتك بتلك المقولة الجديدة التى شاعت من أن الإسلام دين ودولة وما شابه، فمما لا شك فيه أن المسلم إما أن يكون مسلما، وإما أن يكون غير ذلك، فالإسلام موقف وجود، وتوجه وعى شامل، ويستحيل أن يكون موقف إزاء معنى الطعام، ووظيفة الجنس، ومفاتيح الفطرة (العبادات) نابعا من موقف الإسلام متجها إلى غايته، ثم عند تعاملى مع النظم السياسية والإدارية والإنتاجية يكون موقفى ضد ذلك لأن الإسلام – دون كثير من الأديان- ليس ديكورا لمسيرة حياة أخرى تتجه غير وجهته، وهو ليس مسكنا يعد – فقط – بما يعد، لنسكت عما هوالآن، ومن هنا جاءت مقولة أن الإسلام دين ودولة، بل هو دين ودولة وسلوك وخلق وموقف وجود شامل كامل وتوجه وعى، وهذا لا يعنى فورية تطبيق الشريعة الإسلامية كما يزعم، أو أن يتولى أمور دولة المسلمين من ينصرفون إلى تفسير كلمة أو حل مسألة مشكلة فى نص لفظى، أو إحلال نظام ربوى محل نظام ربوى أخر دون اسمه، وإنما يعنى أن تخدم الدولة هدف الإسلام بتسهيل إطلاق فطرة الأفراد، وأرساء العدل الذى تتقافز من خلال الخطوات إلى الحرية الحقيقية، وتوفير الوقت لإتاحة فرص الحوار مع مستوياتنا الأخرى، وتقديم القدوة لتجاوز القيم المفروضة علينا من خلال الإغتراب والتقليد حتى نصطدم بنفس الحائط الذى أقاموه – فهأنذا أحاول تجاوز هذه المقولة (الإسلام دين ودولة) بمقولة أشمل تقول: أن الإسلام موقف وجود، وتوجه وعى وتناغم سلوك – فى كل مجال – مع هذا وذاك، أقول فى كل مجال حتى مجال المعاصى، فالمسلم الحقيقى يعصى الله، إسلاميا إن صح التعبير، وحين كان شيخنا الرئيس إبن سينا يشرب الخمر – مثلا – حتى مع تلاميذه كان يعرف أنه يعصى الله، وليس أنه فقط ‘يضرب بصحته، فالعاصى المسلم يخاطب ربه إذ يعصاه، رب الإسلام ولا يخاطب غيره، والقاريء المسلم والعالم والطالب المسلم .. الخ يقرأ ما يقرأ، يعرف ما يعرف ويطيع ويعصى فى أطارإسلامه بنفس التوجه لنفس الهدف، وأبن سينا نفسه هو الذى كان إذا كان أستغلقت عليه مسألة معرفية، ثم بعد محاولات جاهدة مخلصة أهتدى إلى فهمها، ذهب يصلى حمدا لله، حمدا لله على ماذا؟ على أنه عرف ما كان قد أستغلق عليه، فهو ‘يعصي’ من موقع مسلم، و’يعرف’ من موقع مسلم سواء بسواء.
نعم، أطلت عليك وربما خرجت خارج موضوع الحوار، لكن لتعتبرهذه الخطوط العامة مجالا لحوار جديد، أرجو أن يلهمنا الله أن نسعى به إليه – إلينا – ولعل لك عندى أخيرا تفسيرا لهذه الإندفاعات فى آخر الحوار، وستجده فى الفصل الأخير من ‘الناس والطريق’ المنشور فى نفس العدد، فأنا أحاورك، وأنا ‘هناك’ حيث يهيج بى إسلامى/ فطرتى بمجرد أن أتعرى – مسافرا – بينهم، وعليك السلام.
[1] – الدعوة الصادرة بالقاهرة فى نوفمبر 1976
[2] – رقم الايداع بدار الكتب 7528/85
[3] – مع الاعتراف بموقفك الأقل فرصة، حيث لاتستطيع الرد الا فى عدد قادم – ردا ينشر أو لا ينشر(!) فتعذرنا وليسامحنا الغفور الرحيم.
[4] – كل النقط فى المقتطفات مكانها كلمات قد تصل الى عدة اسطر أو صفحات، فلينتبه القارئ الى ذلك وليعذرنا المحاور المظلوم.
[5] – ما بين قوسين خلال كلام صلاح الدين هو أضافة لسلسلة السياق وهى مستقاة من المتن الأصلى، فلعلنا نجحنا أن نقل المراد، ولعله يسامحنا اذا أخطائنا مع اجتهادنا.
[6] – بل أنى مرة قلت للصديق د. مصطفى محمود (وهو فنان صوفى طيب بغض النظر عما يقول وبرغم فائدة بعض مايقوله فائدة متعجلة لشباب متعجل) قلت له أن ما تحاول أن تثبت به وجود الله بآيات جمال الطبيعة ودقة نظامها هو هو ما يمكن أن يثبت عدم الحاجة الى شئ اسمه “اله” لأن قوانين الطبيعة الدقيقة كل هذه الدقة لا تحتاج الى قانون من “خارجها” وحتى لو احتاجت الى قانون نم خارجها فهو ليس بالضرورة ما نسميه اله، فضحك وأجاب اجابة طيبة بايمان طيب.
[7] – علامات التعجب ليست فى أصل المتن المنشور فى الكتيب.
[8] – هكذا وردت فى النص ص 24 ولعلها خطا مطبعى تعمدت تركه حتى نذكر الكاتب بما يمكن أن يتذكر!!
[9] – اسمح لنفسى بعد ذلك يا سيدى أن أقفز على كل ما أوردت من مآخذ لما آل اليه الصوم، والا أورد تهكمك على احتمال أن يتسلل الشياطين الى الجنة فيتمكنوا هناك من اثارة القلاقل وتحويلها الى حجيم يفسد علىت الأتقياء الصالحين لذتهم، ويحرمهم من متاع الأخرة ..اسمح لى يا سيدى أن اكتفى بالتعميم السابق أملا فى الانتقال الى حوار أعمق من هذا الكر اللفظى والفر المعقلن.
[10] – يثبته أكثر ما جاء بعد ذلك (ص 221) من الكتيب.
[11] – تناول هذه القضية كثيرون: صراحة (فكفروا أغلبهم وأعدم بعضهم) ورمزا مثل ابن طفيل فى حى بن يقظان – وجارودى وقف بين وبين، ولكن لو قيس اسلام جارودى بما تسبب فى اعدام الحلاج – وهذا وارد – لكفر واعدم ولا عزاء للمصفقين لاسلامه.
[12] – والفطرة غير “البدائية” – انظر مقال عصمت دواستاشى الفن الفطرى “الانسان والتطور” العدد 25 (يناير 1986) ص 28 – 32