نجيب محفوظ يحكى:
-عن نفسه- مع:
الشيخ زكريا أحمد
تعرفت به عن طريق واحد صاحبنا، (إسمه صلاح زيان) فكان يدعوه ونحن عنده، وكان الشيخ زكريا نجم القعدة، أظن كان ذلك أيام الحرب
-الأولى ؟
-هاها، ها، ها !!!!
كانت قعدته عجيبة، هل تعرف عقلية الذين ألفوا ألف ليلة وليلة، العقلية التى تدخل من حكاية إلى حكاية إلى حكاية ، مثلا تقول لك حكاية الحمال الذى طرق باب امرأة، ثم ينتقل قبل أن يكمل إلى حكاية المرأة التى كانت فى البيت ،ثم تقابل صاحبتها، فينتقل الحكى إلى حكاية صاحبتها، الشيخ زكريا كان يحكى بنفس الطريقة، المهم ليس محتوى الحكاية، المهم الطريقة التى يحكى بها الشيح الحكاية، يسحبك ويلف ويدور وأنت مأخوذ ، وينتقل وينتقل بك كيف شاء ولا أنت حاسس، وبعد ثلاث أو أربع ساعات ، تعرف نهاية الحكاية الأولى ، وأنت غير آخذ بالك.
أى حاجة كان يقولها الشيخ زكريا كان يحكيها بشكل جذاب ومتنوع جدا
الجماعة “الكلمنجية” صعب احتمالهم، أول ما ينفتحون فى الحديث تبقى الود ودك تسدهم لا تعرف كيف، إنما الشيخ زكريا كان “الكلمنجي” الوحيد الذى لا تشبع من كلامه أبدا ، آخر نكت، وآخر حلاوة
وكان فى القعدة يمكن يعزف لحنين تلاتة
- كيف؟
يعنى وهو يحكى ، يقول ودخل الشيخ فلان وسمعنى اللحن “كذا” ويروح ماسك العود ، وهات، و بعدين يأتى ذكر لحن تانى ، وهكذا
ومرة لحن لحنا كاملا ونحن قعود معه
أظن “حبيبى يسعد أوقاته” ، وساعات كان يأخد رأينا، أو يعمل إنه بيأخذ رأينا، إيه رأيك يا فلان، الختام ذا أحسن أم ذا، ، وهكذا .
- وياخد برأيكم.
- لا طبعا، هو يكلمنا كذا فقط ، ويمكن يأخذ ما يأخذه، لكن فى الآخر يطلع بما يريد هو طبعا.
وهو من أكثر الناس الذين لحنوا لأم كلثوم “
– مثل ؟؟
-يا خبر !!!كثير خالص : يا “عشرة الحب الجميل ” “إمتى الهوى ييجى سوا” “إللى حبك يا هناه”، وكتير كتير لا تعد ألحانه لها
أنا فاكر فى الأربعيننات كان برنامج ما يطلبه المستمعون له شعبية كبيرة جدا، وجاءت فترة كانت أغلب الطلبات، يمكن تشعر إن كل الطلبات، كانت لأغنية إمتى الهوى ييجى سوا، لما بقت غريبة
- سمعت مرة حضرتك تقول إن موسيقاه كانت زى “التقلية”
أنا ما كلتش غير التقلية المصرية، لا أعرف تقلية غيرها، طبعا هو كان مصرى 100 % ، الشيخ زكريا كان مصرى تماما ، مصرى صرف
-…..
محمد عبد الوهاب منسق عظيم ، يسحبك بنعومة وأنت لا تدري، يمكن يبدأ اللحن ببتهوفن وقد تجد نفسك فى نهاية اللحن وأنت فى حلقة ذكر، دون أن تشعر بغضاضة أو غرابة
-….
وأول مرة قابلت فيها بيرم التونسى كانت فى قعدة الشيخ زكريا
- فى منزله ؟
لأ، أنا لم أذهب إلى منزل الشيخ إلا مرة واحدة، كنت أعوده لما اشتد عليه مرض السكر ، لكن المقابلة كانت عند صاحبنا ، ولما عرفنا إن بيرم سو ف يحضر قلنا إن القعدة سوف تكون قعدة لم تحدث، بيرم كان راجع لتوه من الخارج ، وفوجئنا ببيرم وهو قاعد ساكت ، و”مكلضم “طول الوقت، ولم يشارك، والشيخ مثل عادته، هو الذى أمسك القعدة، وكنا نحسب أن بيرم به نفس الروح والطلاقة والحكي، إنما فوجئنا بالفرق ، وبعدين عرفت عن بيرم مزاجه المختلف عن كثير من شعره الجميل.