محو الأمية النفسية
نقدم فى هذا الباب معلومات فى شكل حوارات أغلبها جرى، ويجرى، فعلا، ويشغل كثيرا من اهتماماتنا، وقد يسهم فى إنارة الطريق للإختيار والمراجعة.
وفى هذا العدد سوف نتطرق إلى أربعة مواضيع:
1- عن الشباب والفيديو كاسيت. 2- عن تراجع النكتة السياسية.
3- عن علم الباراسيكولوجي. 4- عن الزواج “عن حب”.
(1) عن الشباب … والفيديو كاسيت
ما تأثير الفيديو كاسيت على نفوس الشباب؟
ولماذا نفوس الشباب بالذات؟. إن ظاهرة الفيديو كاسيت إنما تعلن لا مركزية الترويح، بل لا مركزية الثقافة أحيانا. فلم تعد ثمة سلطة مركزية تستطيع أن تفرض على سائر الناس ما ينتقون للمشاهدة، ولا أن توزع وقتهم -مثلا – بين الجاد والعابر من الأمور، أو بين المادة الدسمة والمادة الخفيفة، وما شابه.
وهذا قد يبدو لأول وهلة أنه يهدد المجتمع -ككل- بفقد الوحدة، وتناثر الاتجاهات، كما أنه فى الوقت نفسه يقلل من فرص قبض السلطة على ناصية عقول الناس، وأمزجتهم .
والمسألة لا تحتمل الاعتراض، فإن أية إضافة تكنولوجية حديثة، حتى لو ثبتت آثارها السلبية المبدئية، فإنه لا يمكن مقاومتها بالرفض أو الإنكار، لأنها ستفرض نفسها رضينا أم لم نرض.
كل مانستطيع عمله هو اللحاق بها، وتعديل مسارها بما تعد به، لا بما تناقضه، وكذلك التنافس معها- عصريا وتكنولوجيا – بوسائل أكثر عصرية وأكثر جذبا، مثل البرامج المتجددة، والحفز الإبداعى بالبعد عن التكرار، والتسطيح.
ثم نعود إلى أصل السؤال:
إن الشباب – بوجه خاص – يحتاج أن يشعر بفرديته وتلقائيته حتى على حساب مكاسبه، وقد يلجأ إلى الفيديو لتأكيد إستقلاليته، وتعميق إختياره، ولكنه ينسى – عادة- أن إختياراته محكومة بالمعروض فعلا، وأحسب أن المسألة تحتاج إلى وعى كامل من المشرفين على التربية والإعلام، للإرتقاء بالذوق منذ البداية، وبالعمل على وفرة المادة الحسنة القادرة على طرد البضاعة الرديئة تلقائيا. والمادة الحسنة ليست – دائما- هى الوعظ والإرشاد، بل إن الإصرار على اسلوب المباشرة فى الوعظ والإرشاد وإتباع منهج الخطابة والصوت المرتفع وما أشبه! هى من أسباب إندفاع الشباب إلى الإستقلال الترفيهى والإعلامى ، وهو ما يوفره الفيديو كاسيت.
بقيت ملاحظة حول بضاعة السوق الرخيصة لأفلام الفيديو كاسيت، وأعنى تلك البضاعة الشاذة والغريزية، ولا أحسب أن ذلك منتشر فى مجتمعنا بشكل مزعج وإن كان إنتشاره أكثر فأكثر واردا، وبالتالى فإن الحل هو ملء وعى الشباب بما يفخر به ويشرف بالإنتماء إليه، ويثير فيه غريزة الإستكشاف والتطلع، ولا يكتفى بأن يدغدغه باللذة، أو يعده بالرفاهية. أما الإصرار على القهر بالوعظ، والنصح بالترهيب والترغيب، فهذا هو ما يمهد للإنفجار إن عاجلا أو آجلا.
(2) عن تراجع النكتة السياسية
لماذا قلت النكتة السياسية هذه الأيام؟ . أو لماذا اختفت فى بعض المواقع؟.
يتناسب تواتر النكتة السياسية تناسبا عكسيا مع كبت الحريات. فالنكتة هى مقال موجز رائع مخترق، وهى منشور معارضة، وهى إنذار مع محضر شعبي. والنكتة السياسية إنذار موجه للحكومة، وهى صرخة مواجهة، وكل هذا – حاليا- يجد طرقا أخرى للتعبير عنه فيما يسمى هامش الحرية.
وعلى الرغم من تحفظاتى على كم وحدود الحرية المتاحة فى الوقت الحالى ، إلا أننى لا أستطيع إنكار أن الحرية موجودة والتعبير موجود، على مستوى الكلام (طق الحنك).
بل إن ما يسمى بالصحف القومية، تقدم كاريكاتيرا منتظما تداعب فيه الحكومة بشكل يكاد يفوق كل ما كان يتفتق عنه وعى الشعب المصرى الساخر، فيطلقه فى النكتة السياسية.
وبألفاظ أخري، فإن الصحف تقوم بالواجب، ومن ثم توارت النكتة السياسية.
كان صلاح جاهين – يرحمه الله – ملك النكتة والقفشة والخط والريشة والشعر، كان يقول فى إحدى رباعياته:
فى يوم صحيت حسيت براحة وصفا
الهم زال والحزن راح واختفى
..إلى أن قال حيث لا أذكر الشطرة الثالثة:
أنا مت واللا وصلت للفلسفة
واستشهادا به، فاختفاء النكتة السياسية قد يشير إلى أن الشعب أصبح أكثر فلسفة من أن يكتفى بالنكتة وحدها، أو أنه أصبح أكثر يأسا من أن يرضى بالنكتة لتحريك أمل لا وجود له، وهذا هو الموت، والهدوء الكامن بلا انتباه متحفز، أولفظ ، منقض:
قد يكون هذا الخفوت لصوت النكتة السياسية نوعا من الموت البطيء، أو قد يكون انسحابا فلسفيا حكيما.
ثم إنى أظن أن النكتة – بصفة عامة – قد قلت، ولا أظن أن الشعب المصرى قد ثقل دمه لهذه الدرجة، ولكننى أحسب أنه قد سرق من نفسه بمخدرات التليفزيون المتلاحقة حتى لم تعد أمامه فسحة من الوقت، لإبداع النكتة السريعة الإيقاع، المكثفة المعني، الموقظة للوعي.
(3) عن علم الباراسيكولوجى
1) هل ما يسمى علم الباراسيكولوجى علم فعلا؟
أما أنه علم، فهو علم بكل معنى الكلمة أما ما هو، فإننى أعترض على تسميته ” باراسيكولوجي”; لأن هذا التعبير يشير إلى هامشيته بشكل أو بآخر،فمعنى باراسيكولوجى الحرفى يقول إنه علم ” بجوار علم النفس، وهو ليس كذلك، بل لعل صلته بعلوم الطبيعة والكهرباء والمغناطيسية هى صلة أقرب من صلته بعلم النفس، ذلك أننى أرى أنه العلم الذى يربط بين هذه العلوم جميعا بقدراتها وقواها غير المرئية والوظائف المعرفية والحسية (وأحيانا الحركية) للإنسان دون المرور – عادة – ببوابة الحواس ( الخمس بالذات) أو دون اللجوء إلى الإستعمال الإرادى المباشر لأدوات الفعل والتأثير، كما يفعل الشخص العادى فى الأحوال العادية.
2) باستخدام رسائل توارد الخواطر والتنويم المغناطيسى هل يمكن التأثير على إنسان آخر عن بعد برفع ضغط الدم،أو إحداث جلطة دماغية أو جلطة قلبية، أو التأثير على طريقة التفكير واتخاذ القرار؟
بصراحة – من حيث المبدأ – فإن أى تأثير عن بعد هو احتمال قائم، وذلك عبر موجات تصل بين الإنسان والإنسان، لا نعرف طبيعتها تحديدا، وإن كان يمكن أن نستنتجها من آثارها، أما التفاصيل التى جاءت فى السؤال، فهذا ما لا يمكن إثباته، لأن الأمر يحتاج- فى هذه الحالة -إلى عدد كبير من الحالات، وإلى دراسة لحسابات الصدفة، وإلى دراسة للأسباب والمتغيرات الأخرى التى قد تكون مسئولة عن مثل هذه الحالات وهكذا. وكل هذا لم يثبت بالشكل الذى يسمح أن تكون الإجابة بالإيجاب.
أما الجزء الأخير من السؤال فهو أقرب إلى التواتر عند كل المهتمين بهذا العلم، وأبسط صوره ما نشاهده- أحيانا – فيما يسمى بجلسات التنويم المغناطيسى وما أشبه، ولكن ذلك يتعلق بقراءة الأفكار الموجودة فعلا لحظة التواصل، أكثر مما يتعلق بطريقة التفكير. وكذلك هو يتعلق بالاستجابة إلى أوامر بسيطة وواضحة ومباشرة، أكثر مما يتعلق باتخاذ القرار.
ولكن لا ينبغى التمادى فى تصور هذا التأثير الغامض لندرته من ناحية، ولأنه لا يتم إلا عند الأشخاص الذين عندهم قابلية للإيما ء بشكل زائد من ناحية أخري. وعادة – وليس دائما- ما تكون لهم علاقة وجدانية خاصة بصاحب القدرة على التأثير عليهم.
وثمة فروض كثيرة تفسر هذا النوع من التواصل، منها أنه يتم عبر موجات غير مرئية، لها طبيعة فيزيقية خاصة، قد يثبت أنها من فصيلة الموجات التى تنقل البث التليفزيونى مثلا، ولكن بدلا من أن تكتفى بالنقل فإنها تمتد إلى التأثير، أو شيء مثل ذلك. وهذه الموجات هى نشاط إنسانى عادي، كان – غالبا – فى العصور البدائية وعند الطفل، فلما نضجت الحواس، وانتظم العقل، أصبح استعمال هذه الموجات أقل فأقل، حتى ضمرت فى أغلب الناس العاديين.
وما دمنا نتحدث عن موجات معينة، فلا بد أن لكل نوع من الموجات مدى معينا بلا أدنى شك، وإن كانت المسافة قد تختلف من شخص إلى شخص، سواء كان هذا الشخص مـرسلا أم متلقيا.
وقد كان التنويم المغناطيسى (وهم اسم تاريخي، فليس فى الأمر مغناطيس) مستخدما فى علاج بعض الحالات، وكان التدريب على التنويم إحدى الخبرات التى ينبغى توافرها عند الطبيب النفسى والمعالج النفسي، وكانت المسألة ترتبط باستعمال الإيحاء المباشر لتحوير السلوك. إلا أنه ومنذ قديم، لوحظ أن هذا التأثير المباشر ينكر دور المريض الواعى فى الإسهام فى استعادة صحته وقدراته الشعورية الإرادية، أى أنه يترك المريض أكثر سلبية، حتى لو زالت بعض أعراضه، لذلك قل استعماله رويدا رويدا، حتى كاد يختفى تماما.
3) هل يحتاج الإنسان لاستخدام الباراسيكولوجى إلى دراسة العلم فقط، أم هناك مواهب أو قدرات خاصة أخري؟.
طبعا هناك مهارات أخرى مثل أية حرفة وأية قدرة خاصة، والمسألة تحتاج إلى إيمان بهذه الطريقة بقدر ما تحتاج إلى تدريب مهارات بذاتها، تسمح بأن ترسل مثل هذه الموجات المؤثرة المحتملة من شخص إلى شخص آخر.
4) إذا كان استخدام الباراسيكولوجى يمكن أن يصل إلى حد القتل عن بعد، فهل هناك اتفاقيات دولية أو قرارات جمعيات طبية دولية للتصدى لاستخدامه فى غير أغراضه الطبية ؟.
أرجـح أن الاستخدام السيئ والضار لهذه القدرات وارد، وهو التفسير الفيزيقى الذى وضعته لظاهرة الحسد، حيث رجحت، بعد خبرة خاصة مع مريض جاء يشكو من نفسه، وأنه يحسد الناس غصبا عنه، (وليس أن الناس يحسدونه)، ، فقدرت أن مرضه قد أطلق سراح هذه الطاقة البدائية التى قد تقتحم هارمونية توازن الآخر فتفسدها (والتوازن بكل أبعاده هو الصحة)، وحين أخذ هذا المريض عقارا مثبطا للجزء البدائى من مخه زالت هذه الظاهرة، فجعلنى ذلك أضع هذا الفرض تفسيرا لما حدث.
لكن التمادى فى تصور أن مثل هذه الطاقة تصل فى قدرتها على إحداث النشاز المخل بهارمونية الصحة إلى حد القتل، فهذه مبالغة لا أقـرها. بل إننى حين كنت أواجه بعض المتحمسين لهذا الاحتمال، وخاصة أيام أن شاعت التفسيرات الخرافية لبعض هزائمنا السياسية والحربية، ولبعض قرارات زعمائنا الغريبة والمتناقضة، كنت أقول لهم : ما دمتم مؤمنين هكذا بفاعلية هذه القوة الخطيرة، فلماذ لا تسخرونها مثلا لهزيمة إسرائيل، أو للانتقام من رادوفان كارادزيتش، أو لتسديد ديوننا المتراكمة بنقل رصيد دولة ثرية إلينا.
خلاصة القول: إننى أريد التنبيه على أن الاعتراف بهذه القوى المؤثرة بصورة مطلقة وسلبية، هو أمر بعيد كل البعد عن العلم، وأيضا عن الفائدة.
وليس معنى أن هذه الظاهرة المسماة باراسيكولوجى تدرس فى المعامل، وأن العلماء يحاولون أن يضعوا لتفسيرها فروضا واجتهادات، ليس معنى ذلك أن نركن إليها، أو أن نعطيها أكثر من حقها، أو أن نتصور أنها من خوارق الطبيعة، وخاصة فى هذه المرحلة التى نمر بها، والتى نتنازل فيها عن العقل لصالح الخرافة.
إن أية دراسة لطبيعة بشرية تبدو خارقة لأنها غير مألوفة، أو غير محكمة الضوابط، لا تعنى أنها “بعد الطبيعة”، بل هى جزء لا يتجزأ من الطبيعة العامة والطبيعة البشرية، ولذلك فهى تخضع حتما لأغلب قوانين الطبيعة العامة والطبيعة البشرية. كل ما فى الأمر هو أننا لم نكتشف بعد كل هذه القوانين لا أكثر ولا أقل.
5) ما دمنا نتكلم عن أحلامك باستعماله ضد إسرائيل، ما مدى قدرة إسرائيل على استخدام علم الباراسيكولوجى فى التجسس وخصوصا ضد العرب؟.
إسرائيل بلد لا يمتنع عنه أى إنجاز علمى معاصر، على الرغم من تخلف إيديولوجيتها السياسية، وأوهام فرقها الدينية، وبالتالى هى قادرة على استيعاب كل حركة علمية عصرية، سواء كانت أكاديمية، أو تطبيقية. وعليه فليس من المستبعد أبدا أن تستخدم كل المعطيات المعاصرة، حتى وهى فى مرحلة الفرض أو التجريب، ، وهذا ليس عيبا فى ذاته، بل العيب ألا نحذو حذوها ونكتفى بالخوف أو الشجب أو الفرجة. أما حكاية خصوصا ضد العرب، فهى حكاية خائبة، فمن عنده وسيلة علمية أو تقنية أو حربية يستعملها كيف يشاء ضد من يرى أنه سوف يستفيد من استعمالها ضده، ثم إن العرب – الآن – بمثابة كتاب مفتوح، للأسف، فهو لا يحتاج للتجسس عليه أن يستعمل العدو علما جديدا أو خفيا مثل الباراسيكولوجي، بل إنهم لا يحتاجون حتى علم السيكولوجى نفسه، فكثير من تصرفاتنا أصبح فى متناول الشخص العادي، نجتمع، ونقرر، ونتراشق، ونتصالح، ونصمم، ويقبل بعضنا بعضا، ثم نفترق، وننشغل، ونختلف (عن بعد) ، وننسي، ثم نجتمع ثانية، ونقرر، ونتراشق، وهكذا، فما حاجة إسرائيل -بالله عليك- لعلم قراءة الأفكار أو الخواطر والأمور بهذا الوضوح والعلانية.
6) هل تتوافر وقائع محددة بخصوص ممارسة هذا العلم فى التخابر أو نقل المعلومات؟.
من حيث المبدأ، هذا الاحتمال وارد وخطير، لكنه ليس بالسهولة التى تبدو على السطح، فالفكرة هى أن هناك دراسات تقول إنه يمكن أن تتم قراءة الأفكار عن بعد (كأحد مظاهر علم الباراسيكولوجي)، لكن المسألة ليست بسيطة هكذا بشكل تلقائى ، وعام، لأن التجارب التى أجريت ترجح أنه لكى يتم ذلك فلا بد من وجود علاقة ما بين القارئ والمقروء، سواء كانت هذه العلاقة وجدانية، أم إيحائية، وهذه الأنواع من العلاقة ليست هى الموجودة بين الأعداء طبعا، كما أن المهم فى مسألة التجسس هو قراءة أفكار القادة المخططين وليس غيرهم من الجنود أو الضباط المنفذين، وهؤلاء القادة يكونون -عادة- على درجة من الصلابة وعدم القابلية للإيحاء بحيث يصبحون من أقل الناس عرضة لمثل ذلك (اللهم إلا حسن التهامي، غفر الله له !!!)
7) هل يستطيع العرب مواجهة هذا السلاح الجديد، خصوصا وأن التخاطر عرف فى الإسلام عن طريق عمر بن الخطاب؟.
من حيث المبدأ، العرب يستطيعون كل ما يستطيعه الإنسان المعاصر، فهم ليسوا ناقصين يدا أو رجلا أو ذكاء أو تميزا. وحكاية عمر بن الخطاب رضى الله عنه، وهو يصيح بقائد جيشه (سارية) فيسمعه عن بعد “الجبل الجبل”، لا تدل على سبق عربى أو إسلامى بمعنى المعجزة، بقدر ما تشير إلى ما سبق تفسيره بشأن هذه الظاهرة. وهو ضرورة وجود علاقة وجدانية بين المتخاطرين. ولا شك أنه فى صدر الإسلام، والقلوب مجتمعة على قلب رجل واحد، والحماس رائع، والنصر متواصل، والجهاد متوقد، كانت العلاقات بين البشر المنوطين بمهمة هداية الناس، ونشر الدعوة من أقوى ما يكون، هذا ما جعل مثل هذه الرسالة تصل من القائد العام إلى رجاله.
نأتى إلى العرب الآن، فأقول إننا نحتاج قبل مسألة التخاطر عن بعد أن نتخاطر عن قرب، فنحن لا نحذق كيف نتفاهم مع بعضنا البعض، أو أن نتحمل الاختلاف، أو أن نواصل الحوار تحت كل الظروف، أما بالنسبة لمعرفة أفكار العدو الإسرائيلى مثلا، فالأمر أيضا لا يحتاج إلى باراسيكولوجي، ولا حتى إلى سيكولوجي. الأمر يحتاج إلى واحد يفك الخط، يقرأ ما يكتبون فى صحفهم، وفى تقاريرهم، وما يجرى فى كنيستهم، فيعرف فورا ما ينوون، وما يدبرون، وكيف يخططون، وعلينا نحن أن نعرف ماذا علينا إزاء كل هذا، ماذا يمكن أن نفعل فعلا الآن وفورا، وهذا مالا نفعله،.فنحن بدلا من أن نعد لهم ما نستطيع من قوة، نروح نستلهم الجان والخرافة، ولا نأخذ من الباراسيكولوجى إلا جانبه الخرافى .
8) ما الإجراءات التى يمكننا اتخاذها بهذا الشأن، وهل يمكن الاستعانة بالكهنة والعلم معا.. كما تفعل إسرائيل؟.
يا سيدى غفر الله لى ولك، كهنة ماذا وعلم ماذا؟. إن إسرائيل تستعمل هذا العلم -إن كان عندك ما يؤكد ذلك- من باب الإضافة التى إن لم تنفع لا تضر، فهى بعد أن امتلكت ناصية الأحدث والأحدث، لم تجد مانعا من أن تضيف ما يمكن من باب الاستزادة أو التجريب. أما نحن، فالأولى بنا أن نتقن قراءة الظاهر،ودراسة الجدوي، وإتقان التخطيط، قبل أن نفتح هذا الباب الذى قد يدخل منه زرافات من الأدعياء والمخرفين والممارسين لما يمكن أن يسمى “شبه العلم”. يا سيدى دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فالمشوار طويل، والمسألة أخطر من أن نبدأ من الآخــر هكذا.
(4) عن الزواج والحب [: عن الزواج عن حب!!]
1- هل الحب يصنع المعجزات كما يقال، وإذا كان الأمر كذلك، أليس قادرا على إنجاح الحياة أية حياة ومنها الحياة الزوجية. سمعنا كثيرا عن الفشل الذى يحدث بسبب عدم وجود الحب، فما الذى يحدث للحب بعد الزواج؟. هل هى المسئولية؟. أم عدم الاستعداد النفسى لتقبل الأعباء الزوجية عند كثير من الشباب؟.
أولا ينبغى أن نقوم بتعريف الحب تعريفا علميا، وكذا لا بد أن نتعرف على الاستعمالات الشائعة لهذه الكلمة .
والتعريف العلمى (والعملي) للحب لا يسر المحبين عادة، فالحب الناضج هو الرعاية والمسئولية واحتمال الاختلاف واستمرار الحوار. وأظن أن كل هذا غير وارد بشكل متواتر بين المحبين كما نسمع عنهم. أما كلمة حب، فقد تستعمل لتشير إلى الجوع العاطفي، أو الحاجة الشديدة للاعتمادية، أو إلى الاستغراق فى خيال ليس له علاقة حقيقية بالمحبوب، كما هو فى واقع الأمر، ومن هنا لا يكفى أن نستسلم فى مثل هذه البحوث إلى تعبيرات مثل : تزوجت عن حب، أو” كنا نحب بعض”، إذ لا بد أن نحدد ماذا يعنى كل طرف بهذا التعبير؟.
أما الذى يحدث لهذه العواطف الجامحة بعد الزواج، فهى أمور كثيرة أورد بعضها فيما يلي:
ا- قد يكتشف أحد الطرفين – مثلا – أن المحبوب بشر مثل سائر البشر!!!. أى ينام ويشخر أحيانا، ويذهب إلى الحمام، ويبدو مشعث الشعر فى الصباح، وأشياء من هذا القبيل.
ب -قد يكتشف أحد الطرفين أنه أحب واحدا آخر، بمعنى أن الطباع التى بدت له فى المقابلات الحارة والمعد لها بدقة، قبل الزواج، غير الطباع التى اكتشفها من واقع الاحتكاك اليومى 24 ساعة.
جـ – قد ينتبه الطرفان إلى اهتمامات وواجبات واقعية تقلل من الاستغراق فى تبادل العواطف ودغدغة المشاعر، وقد تصل أعباء هذه المشاكل إلى درجة مرهقة بحيث لا يتبقى وقت أو فرصة للعواطف الرقيقة.
ء- قد تتدخل فى العلاقة الثنائية أطراف لم يكن معمول حسابها قبل الزواج، مثل واجبات الزوج نحو إخوته، أو تعلق الزوجة بأمها أو غير ذلك.
هـ – قد تظهر اختلافات جوهرية فى المواقف والاهتمامات، بحيث تصبح المجالات المشتركة أقل بكثير مما كان الطرفان يحلمان به.
2 – هل الحب له فترة بعدها يصاب بالسكتة .. ولا يستطيع أن يكمل، أو بمعنى آخر له فترة صلاحية بعدها ينتهي، سواء بالمشاكل أو مع الوقت؟.
المسألة ليست مسألة سكتة أو شلل. المسألة- فى الأغلب تأتى تدريجية- فالزواج مهمة كبيرة يتحقق نجاحها بمدى الجهد الذى يبذل فيها ومن أجلها. وعقد الزواج مفروض أنه يتجدد تلقائيا باستمرار، حتى يتأكد الاختيار، وتنشط العلاقة باستمرار، والذى يحدث فى كثير من الحالات، هو أن العلاقة تفتر، وتفتر، حتى تبرد أو تتجمد، وهذا عكس تعبير السكتة، فهذا التعبير يشير – عادة – إلى الموت فجأة، والحب لا يموت فجأة عادة .لكنه كما أشرت حالا يبرد ويفقد قوة دفعه ووهج لمعانه، وهناك تعبير إنجليزى يشير إلى فتور العلاقة تماما بعد سبع سنوات من الزواج، حتى يبدأ أحد الطرفين – الزوج عادة – يهرش متململا، بمعنى تظهر عليه مظاهر الضجر ، فيروح يقلب فى أوراقه بحثا عن بديل أو تعويض، وتسمى هذه الظاهرة بالإنجليزية ” حكة السنة السابعة !!!seventh year itch” وهذا دليل آخر على أن الحب لا يموت فجأة، بل بالتدريج.
3 – هل هدف الشاب الذى يتقدم للخطبة ممن يحب، يختلف عن المتقدم للزواج بدون سابق معرفة مثلا؟. هل يكون هدف الأول إكمال الحب الذى بدأ، والثانى يكون هدفه بناء حياة واستقرار بالعشرة والأولاد؟.
الهدف يختلف حتما، وإن كان الاثنان متفقيـن على أن الشكل المراد استكماله هو تحقيق إرساء قواعد بناء أسرة زوجية معقولة، ولا بد أن نحذر من هذا التحديد الذى يضع النوعين، وكأنهما على طرفى نقيض. فمما لا شك فيه، أن المقدم على الزواج بسبب الحب، إنما يحقق رغبة الاقتراب الدائم من حبيب فى المقام الأول. ولكن ذلك لا يمنع أنه يبنى أسرة، ويسعى إلى الاستقرار، ويرغب فى الاستمرار. وكذلك، فإن الذى يتزوج زواجا مرتبا بلا عواطف جامحة من البداية، إنما يهدف إلى تكوين أسرة بالمعنى التقليدي، ولكن ذلك يتضمن الأمل فى الود المتبادل، وفى تنمية الألفة، وفى تبادل الاحتياجات، وكل هذا ليس إلا حبا فى حب.
فالموضوع ليس حبا أو لا حب، ولكن الموضوع – فى الأغلب- هو نضج أو لا نضج .
فالناضج يكمل نضجه مع شريكه بغض النظر عن نقطة البداية، وطبيعة أسباب التجاذب.
ثم إن هناك عوامل أخرى تفسد الحب بعد الزواج، مثل أن تطمئن الزوجة إلى الاستقرار، فتقلل من العناية بنفسها، وبذل الجهد فى توفير مجالات الالتقاء. والتفاهم أو مثل أن ينسى الزوج زوجته ملتفتا إلى مطالب الحياة الملحة والمتزايدة. أو مثل أن تبالغ الزوجة فى امتلاك الزوج، ومن ثم الغيرة، ومحاولة الحجر على عواطفه ونشاطاته الأخري. أو مثل أن يبالغ الزوج فى سيطرته على الزوجة خوفا من انفلات عجلة القيادة من يده، وهكذا.
وأخيرا، فقد لاحظت أن الحب قصير العمر هو الحب الامتلاكى ، أو الحب الاحتياجي، أو حب حاجة الآخر لي، وليس حب الآخر شخصيا. أى أن الطرف المحب لا يرى الطرف الآخر ككيان مستقل مختلف يحتاج إلى الرؤية والرعاية، ولكنه يحبه لأنه يختفى فيه، وتعبير ” أموت فيه له دلالته “، فالحب حياة وإعادة كشف، فكيف يستعمل تعبير أموت فيه؟!